فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [الأعراف: 43]

باب { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] { لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر: 57]
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ( { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} ) [الأعراف: 43] اللام في لنهتدي لتوكيد النفي وأن وما في حيزها في محل رفع بالابتداء والخبر محذوف وجواب لولا مدلول عليه بقوله وما كنا تقديره لولا هدايته لنا موجودة لشقينا أو ما كنا مهتدين، وقد دلت على أن المهتدي من هداه الله وأن من لم يهده الله لم يهتد ومذهب المعتزلة أن كل ما فعل الله في حق الأنبياء والأولياء من أنواع الهداية والإرشاد فقد فعله في حق جميع الكفار والفساق، وإنما حصل الامتياز بين المؤمن والكافر والمحق والمبطل بسعي نفسه واختيار نفسه فكان يجب عليه أن يحمد نفسه لأنه هو الذي حصل لنفسه الإيمان وهو الذي أوصل نفسه إلى درجات الجنة وخلصها من دركات النيران فلما لم يحمد نفسه البتة إنما حمد الله تعالى فقط علمنا أن الهادي ليس إلا الله تعالى، وقوله تعالى: ( { لو أن الله هداني} ) أعطاني الهداية ( { لكنت من المتقين} ) [الزمر: 57] من الذين يتقون الشرك.

قال الشيخ أبو منصور -رحمه الله تعالى-: وهذا الكافر أعرف بالهداية من المعتزلة وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لأتباعهم: لو هدانا الله لهديناكم يقولون لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا والمعتزلة يقولون: بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا، والحاصل أن عند الله لطفًا من أعطى ذلك اهتدى وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى، وكان استيجابه العذاب وتضييعه الحق بعدما تمكن من تحصيله لذلك.
والحاصل من مذهب أهل السنة أن الله تعالى أقدر العباد على اكتساب ما أراد منهم من إيمان وكفر وأن ذلك ليس بخلق للعباد كما زعمت القدرية.


[ قــ :6274 ... غــ : 6620 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهْوَ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ صُمْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: ( أخبرنا جرير) بفتح الجيم ( هو ابن حازم) بالحاء المهملة والزاي ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن البراء بن عازب) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الخندق ينقل معنا التراب) من حفر الخندق ( وهو يقول) رجزًا من كلام عبد الله بن رواحة.

( والله لولا الله ما اهتدينا) .

وهذا موضع الترجمة.

( ولا صمنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا) .

( وثبت الأقدام إن لاقينا) العدوّ ( والمشركون قد بغوا علينا) أي ظلموا ( إذا أرادوا فتنة أبينا) بالموحدة أي الفرار.

والحديث أخرجه في الجهاد.