فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم

باب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
وَقَالَ سَعْدٌ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ».
.

     وَقَالَ  أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ هَا اللَّهِ إِذًا يُقَالُ وَاللَّهِ وَبِاللَّهِ وَتَاللَّهِ.

هذا ( باب) بالتنوين ( كيف كانت يمين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التي كان يواظب على القسم بها أو يكثر.

( وقال سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص مما وصله المؤلّف في مناقب عمر -رضي الله عنه- ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أيها يا ابن الخطاب ( والذي نفسي بيده) أي قدرته وتصريفه: ( ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط إلا سلك فجًّا غير فجك) .

( وقال أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري مما سبق موصولاً في باب من لم يخمس الأسلاب من كتاب الخمس ( قال أبو بكر) -رضي الله عنه- ( عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام حنين ( لاها الله) بالوصل أي لا والله ( إذًا) بالتنوين جواب وجزاء أي لا والله إذا صدق لا يكون كذا، وتمامه لا يعمد يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيعطيك سلبه فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق فاعطه الحديث، وسبق في الباب المذكور قال البخاري: ( يقال والله) بالواو ( وبالله) بالموحدة ( وتالله) بالفوقية يريد أنها حروف قسم فالأولان يدخلان على كل ما يقسم به والثالث لا يدخل إلا على الجلالة الشريفة.
نعم سمع شاذًا ترب الكعبة وتالرحمن.
ونقل الماوردي أن أصل حروف القسم الواو ثم الموحدة ثم المثناة، ونقل ابن الصباغ عن أهل اللغة أن الموحدة هي الأصل وأن الواو بدل منها وأن المثناة بدل من الواو، وقوّاه ابن الرفعة بأن الباء تعمل في الضمير بخلاف الواو، ولو قال الله مثلاً بتثليث آخره أو تسكينه لأفعلن كذا فكناية إن نوى بها اليمين فيمين وإلاّ فلا واللحن لا يمنع الانعقاد، ولو قال: أقسمت أو قسم أو حلفت أو أحلف بالله لأفعلن كذا فيمين لأنه عرف الشرع.
قال تعالى: { وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] إلا إن نوى خبرًا ماضيًا في صيغة الماضي أو مستقبلاً في المضارع فلا يكون يمينًا لاحتمال ما نواه.


[ قــ :6282 ... غــ : 6628 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي ( عن سفيان) الثوري ( عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ( عن سالم عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: كانت يمين
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
التي يحلف بها ( لا ومقلب القلوب) بالإعراض والأحوال.
قال الراغب: تقليب الله القلوب والأبصار صرفها عن رأي إلى رأي والتقليب الصرف وسمي قلب الإنسان لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: القلب جزء من البدن خلقه الله وجعله للإنسان محل العلم والكلام وغير ذلك من الصفات الباطنة وجعل ظاهر البدن محل التصرفات الفعلية والقولية ووكل به ملكًا يأمره بالخير وشيطانًا يأمره بالشر فالعقل بنوره يهديه والهوى بظلمته يغويه والقضاء والقدر مسيطر على الكل والقلب يتقلب بين الخواطر الحسنة والسيئة والمحفوظ من حفظه الله تعالى، وقد تمسك بهذا الحديث من أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات الله تعالى فحنث ولا نزاع في أصل ذلك، وإنما اختلف في أي صفة تنعقد بها اليمين، والتحقيق أنها مختصة بالصفة التي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب.

والحديث سبق في باب: يحول بين المرء وقلبه.




[ قــ :683 ... غــ : 669 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن عبد الملك) بن عمير الكوفي ( عن جابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( إذا هلك) أي مات ( قيصر) وهو هرقل ملك الروم ( فلا قيصر بعده) يملك مثل ما ملك ( وإذا هلك) أي مات ( كسرى) أنوشروان بن هرمز ملك الفرس ( فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده) أي بقدرته يصرفها كيف يشاء أو الذي أعبده وهذا موضع الترجمة ( لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) عز وجل وفيه علم من أعلام النبوة إذ وقع كما أخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

والحديث سبق في الجهاد.




[ قــ :684 ... غــ : 6630 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) في العراق ( وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) في الشام وهذا قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلوب أصحابه من قريش وتبشيرًا لهم بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين لأنهم كانوا يأتونهما للتجارة، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليها فأما كسرى فقد مزق الله ملكه بدعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما مزق كتابه ولم يبق له بقية وزال ملكه من جميع الأرض، وأما قيصر فإنه لما ورد عليه كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكرمه ووضعه في المسك فدعا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يثبت الله ملكه فثبت ملكه في الروم وانقطع عن الشام ( والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) عز وجل بفتح قاف تنفقن أي مالهما المدفون أو الذي جمع وادخر، وقد وقع ذلك كما أخبر الصادق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وقال أهل التاريخ: كان في القصر الأبيض لكسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ألف ثلاث مرّات غير أن رستم لما مرّ منهزمًا حمل معه نصف ما كان في بيوت الأموال وترك النصف فنقله المسلمون فأصاب الفارس اثني عشر ألفًا.

والحديث سبق في علامات النبوّة.




[ قــ :685 ... غــ : 6631 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( محمد) هو ابن سلام قال: ( أخبرنا عبدة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وبعد المهملة هاء تأنيث ابن سليمان ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) :
( يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم) من أمور الآخرة وشدّة أهوالها وما أعدّ في النار لمن دخلها وما في الجنة من الثواب ( لبكيتم) لذلك بكاء ( كثيرًا ولضحكتم) ضحكًا ( قليلاً) جواب القسم السادّ مسدّ جواب لو لبكيتم الخ وفيه كما في الفتح دلالة على اختصاصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمعارف بصري وقلبية قد يطلع الله تعالى غيره عليها من المخلصين من أمته، لكن بطريق الإجمال وأما تفاصيلها فمما اختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجمع الله له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية استحضار العظمة الإلهية على وجه لم يكن لغيره زاده الله تعالى شرفًا.
فإن قلت: الخطاب إما أن يكون للمؤمنين خاصة أو عامًّا فإن كان الأول فليس ثمة ما يوجب تقليل الضحك وتكثير البكاء لأن المؤمن وإن دخل النار فعاقبته الجنة لا محالة مخلدًا فيها فمدة ما يوجب البكاء بالنسبة إلى ما يوجب الضحك والسرور نسبة شيء يسير إلى شيء لا يتناهى، وذلك يوجب العكس، وإن كان الثاني فليس للكافر ما يوجب الضحك أصلاً.
أجيب: بأن الخطاب للمؤمنين وخرج في مقام ترجيح الخوف على الرجاء إخافة على الخاتمة.

والحديث سبق في الرقاق.




[ قــ :686 ... غــ : 663 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ، حَدَّثَنِى أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ، إِلاَّ مِنْ نَفْسِى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ: «لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الآنَ يَا عُمَرُ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي قال: ( حدثني) بالإفراد ( ابن وهب) عبد الله قال: ( أخبرني) بالإفراد ( حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية ساكنة آخره هاء تأنيث ابن شريح قال: ( حدثني) بالإفراد ( أبو عقيل) بفتح العين وكسر القاف ( زهرة بن معبد) بضم الزاي وسكون الهاء بعدها راء مفتوحة ومعبد بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة ( أنه سمع جده عبد الله بن هشام) -رضي الله عنه- القرشي التيمي له ولأبيه صحبة.
قال البغوي: سكن المدينة ( قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( فقال له عمر: يا رسول الله) والله ( لأنت أحب إليّ) بتشديد الياء واللام لتأكيد القسم المقدر ( من كل شيء إلا من نفسي) ذكر حبه لنفسه بحسب الطبع ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: لا) يكمل إيمانك ( والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عمر) -رضي الله عنه- لما علم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو السبب في نجاة نفسه من الهلكات ( فإنه الآن والله) يا رسول الله ( لأنت أحب إليّ من نفسي) فأخبر بما اقتضاه الاختيار بسبب توسط الأسباب ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: ( الآن) عرفت فنطقت بما يجب عليك ( ياعمر) .

وهذا الحديث ذكره في مناقب عمر بعين هذا السند لكنه اقتصر منه على قوله: وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقط، وهو مما انفرد البخاري بإخراجه.

6633 و 6634 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الآخَرُ وَهْوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِى أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ: «تَكَلَّمْ» قَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ: الأَجِيرُ، زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ، ثُمَّ إِنِّى سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ مَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ» وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأُمِرَ أُنَيْسٌ الأَسْلَمِىُّ أَنْ يَأْتِىَ امْرَأَةَ الآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدثني) بالإفراد ( مالك) هو الإمام الأعظم ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة ( ابن مسعود عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( وزيد بن خالد) الجهني المدني من مشاهير الصحابة -رضي الله عنه- ( أنهما أخبراه أن رجلين) لم يسميا ( اختصما إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله) تعالى ( وقال الآخر وهو أفقههما) جملة معترضة لا محل لها من الإعراب وإنما كان أفقه لحسن أدبه باستئذانه أوّلاً أو أفقه في هذه القصة لوصفها على وجهها أو كان أكثر فقهًا في ذاته ( أجل) بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام مخففة أي نعم ( يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله) عز وجل ( وائذن لي أن أتكلم قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( تكلم) بما في نفسك ( قال: إن ابني كان عسيفًا) بالعين المفتوحة والسين المكسورة المهملتين وبعد التحتية الساكنة فاء فعيل بمعنى مفعول ( على هذا) وعلى بمعنى اللام أي أجيرًا لهذا أو بمعنى عند أي أجيرًا عند هذا أو أجيرًا على خدمة هذا فحذف المضاف ( قال مالك) الإمام -رحمه الله- ( والعسيف الأجير، زنى بامرأته فأخبروني) أي العلماء ( أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية) فمن للبدلية زاد أبو ذر عن الكشميهني لي ( ثم إني سألت أهل العلم) كان يفتي في الزمن النبوي الخلفاء الأربعة وأبي ومعاذ وزيد بن ثابت الأنصاريون فيما ذكره العذري بلاغًا ( فأخبروني أن ما على ابني) ما موصول بمعنى الذي والصلة على ابني أي الذي استقرّ على ابني ( جلد مائة وتغريب عام) أي ولاء لمسافة القصر لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الأهل والوطن ( وإنما الرجم على امرأته.
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
( أما) بتخفيف الميم وهي ساقطة للكشميهني ( والذي) أي وحق الذي ( نفسي بيده) فالذي مع صلته وعائده مقسم به وجواب القسم ( لأقضين بينهما بكتاب الله) أي بما تضمنه كتاب الله أو بحكم الله وهو أولى لأن الحكم فيه التغريب والتغريب ليس مذكورًا في القرآن ( أما غنمك وجاريتك فردّ عليك) أي فمردودة فأطلق المصدر على المفعول نحو ثوب نسج اليمين أن منسوج اليمن ( وجلد ابنه) بالنصب على المفعولية وفي نسخة وجلد بضم الجيم مبنيًّا للمفعول ابنه رفع نائب عن الفاعل ( مائة وغربه عامًا وأمر) بضم الهمزة ( أنيس) بضم الهمزة وفتح النون والرفع نائب عن الفاعل ابن الضحاك ( الأسلمي) صفة لأبي ذر أمر بفتح الهمزة أنيسًا نصب على المفعولية الأسلمي ( أن يأتي امرأة الآخر) فيعلمها بأن هذا الرجل قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه به أو تعفو ( فإن اعترفت) بالزنا ( رجمها) لأنها محصنة وللكشميهني فارجمها فذهب إليها أنيس فسألها ( فاعترفت) به فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك ( فرجمها) أي فأمر برجمها فرجمت.

وفيه أن مطلق الاعتراف يوجب الحدّ وهو مذهب مالك والشافعي لقوله لأنيس: "فإن اعترفت فارجمها" فعلق الرجم على مجرد الاعتراف وإنما كرّره على ماعز كما في حديثه لأنه شك في عقله، ولهذا قال له: أبك جنون، وقال الحنفية: لا يجب إلا بالاعتراف في أربعة مجالس، وقال أحمد: أربع في مجلس أو مجالس والغرض من حديث الباب قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أما والذي نفسي بيده
لأقضين" ويأتي إن شاء الله تعالى في الحدود، وقد ذكره المؤلّف في مواضع كثيرة مختصرًا في الصلح والأحكام والوكالة والشروط والشهادات وغيرها.




[ قــ :688 ... غــ : 6635 ]
- حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرًا مِنْ تَمِيمٍ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَغَطَفَانَ وَأَسَدٍ خَابُوا وَخَسِرُوا» قَالُوا: نَعَمْ.
فَقَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع ( عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي قال: ( حدّثنا وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ابن جرير بن حازم الأزدي الحافظ قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي أمير المؤمنين في الحديث ( عن محمد بن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي ونسبه لجده ( عن عبد الرَّحمن بن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وبعد الراء تاء تأنيث الثقفي ( عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها عين مهملة ابن كلدة بفتحتين أسلم بالطائف ثم نزل البصرة رضى الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( أرأيتم) أي أخبروني ( إن كان أسلم) بن أفصى ( وغفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء ( ومزينة) بضم الميم وفتح الزاي ( وجهينة) بضم الجيم وفتح الهاء وبعد التحتية الساكنة نون الأربعة قبائل مشهورة ( خير من تميم وعامر بن صعصعة) وفي أوائل المبعث من بني تميم وبني عامر ( وغطفان) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء ( وأسد) وخبر إن قوله ( خابوا) بالخاء المعجمة والموحدة من الخيبة ( وخسروا) والضمير كما قال في الكواكب راجع إلى الأربعة الأقرب وهم تميم الخ ( قالوا: نعم) خابوا وخسروا وفي أوائل المبعث أن القائل هو الأقرع بن حابس ( فقال: والذي نفسي بيده إنهم) أي أسلم وغفار ومزينة وجهينة ( خير منهم) أي من تميم ومن بعدهم والمراد خيرية المجموع على المجموع وإن جاز أن يكون من المفضولين فرد أفضل من فرد الأفضلين.

والحديث سبق في المبعث.




[ قــ :689 ... غــ : 6636 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ عَامِلاً فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِى فَقَالَ لَهُ: «أَفَلاَ قَعَدْتَ فِى بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ»؟ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِىَ لِى، أَفَلاَ قَعَدَ
فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْتُ» فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: وَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعِى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلُوهُ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة) بن الزبير ( عن أبي حميد) بضم الحاء المهملة قيل اسمه عبد الرَّحمن وقيل المنذر ( الساعدي) -رضي الله عنه- ( أنه أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعمل عاملاً) هو عبد الله بن اللتبية بضم اللام وسكون الفوقية وكسر الموحدة وتشديد التحتية على الصدقة ( فجاءه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( العامل) ابن اللتبية ( حين فرغ من عمله) فحاسبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال: يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي لي فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( له) :
( أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى) بهمزة الاستفهام وضم التحتية وفتح الدال المهملة ( لك أم لا.
ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول هذا من عملكم وهذا أهدي ليس أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى له أم لا فوالذي نفس محمد بيده)
وهذا موضع الترجمة ( لا يغل) بضم الغين المعجمة وتشديد اللام لا يخون ( أحدكم منها) من الصدقة ( شيئًا إلا جاء به يوم القيامة) حال كونه ( يحمله على عنقه إن كان) الذي غله ( بعيرًا جاء به) حال كونه ( له رغاء) بضم الراء وفتح الغين المعجمة ممدودًا صفة لبعير أي صوت ( وإن كانت) المغلولة ( بقرة جاء بها) يوم القيامة يحملها على عنقه ( لها خوار) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو صوت ( وإن كانت شاة جاء بها) يوم القيامة يحملها على عنقه ( تيعر) بفتح الفوقية وسكون التحتية وفتح العين المهملة بعدها راء تصوّت ( فقد بلغت) ما أمرت به ( فقال أبو حميد) الساعدي -رضي الله عنه- ( ثم رفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده) بالإفراد ( حتى إنا لننظر إلى عفرة إبطيه) بضم العين المهملة وسكون الفاء وبالراء بياضهما المشوب بالسمرة.

( قال أبو حميد) الساعدي -رضي الله عنه- بالسند المذكور ( وقد سمع ذلك) الحديث ( معي زيد بن ثابت) أبو سعيد الأنصاري كاتب الوحي ( من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلوه) بفتح السين من غير همز.

والحديث سبق في باب من لم يقبل الهدية لعلة من كتاب الهبة.




[ قــ :690 ... غــ : 6637 ]
- حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا ( إبراهيم بن موسى) الفراء أبو إسحاق الرازي المعروف بالصغير قال: ( أخبرنا هشام هو ابن يوسف) الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن همام) هو ابن منبه ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم) من أهوال يوم القيامة ( لبكيتم) بفتح الكاف ( كثيرًا ولضحكتم قليلاً) وكل من كان لله أعرف كان أخوف.

وسبق متن الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- في هذا الباب.




[ قــ :691 ... غــ : 6638 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ: «هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»، قُلْتُ: مَا شَأْنِى أَيُرَى فِىَّ شَىْءٌ مَا شَأْنِى؟ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْكُتَ وَتَغَشَّانِى مَا شَاءَ اللَّهُ فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً إِلاَّ مَنْ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) قال: ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي ( عن المعرور) بفتح الميم وسكون العين المهملة وراءين مهملتين بينهما واو ساكنة ابن سويد الأسدي ( عن أبي ذر) جندب بن جنادة الأنصاري -رضي الله عنه- أنه ( قال: انتهيت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وهو يقول في ظل الكعبة) : كذا في اليونينية وفي نسخة: وهو في ظل الكعبة يقول:
( هم الأخسرون ورب الكعبة هم الأخسرون ورب الكعبة) مرتين، وهذا موضع الترجمة.
قال أبو ذرة ( قلت ما شأني) ؟ ما حالي ( أيرى) بضم التحتية ( فيّ) بتشديد الياء ( شيء) أيظن في نفسي شيء يوجب الأخسرية وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي أيرى بالتحتية المفتوحة يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيّ بتشديد الياء شيئًا ( ما شأني) ما حالي ( فجلست إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وهو يقول فما استطعت أن أسكت وتغشاني) بفتح الغين والشين المشددة المعجمتين ( ما شاء الله فقلت: من هم بأبي أنت وأمي) مفدّي ( يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا) ثلاث مرات أي إلاّ من أنفق ماله أمامًا ويمينًا وشمالاً على المستحقين فعبّر عن الفعل بالقول.

والحديث أخرجه البخاري مقطعًا في الزكاة بلفظ انتهيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: والذي نفسي بيده أو والذي لا اله غيره أو كما حلف ما من رجل يكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة الحديث، وأخرجه مسلم في الزكاة والترمذي وقال: حسن صحيح.




[ قــ :69 ... غــ : 6639 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ سُلَيْمَانُ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِى بِفَارِسٍ
يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ: لَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( قال سليمان) بن داود عليهما السلام ( لأطوفن) والله لأطوفن ( الليلة على تسعين امرأة) أي لأجامعهن، وتسعين بفوقية قبل السين، وفي رواية في كتاب الأنبياء سبعين بموحدة بعد السين، وفي مسلم ستون ويروى مائة ولا منافاة لأنه مفهوم عدد ( كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله) عز وجل.
وفي رواية أخرى.
فتحمل كل واحدة وتلد غلامًا فارسًا يقاتل في سبيل الله، وحينئذٍ فيكون في هذه الرواية حذف أو لا حذف فيها ويكون قوله فتأتي مسببًا عن الطوفان لأنه مسبب عن الحمل والحمل عن الوطء، وسبب السبب سبب وإن كان بواسطة.
وجزم بذلك لغلبة رجائه لقصد الأجر ( فقال له صاحبه) قرينه أو الملك ( إن شاء الله) ولأبي ذر قل إن شاء الله ( فلم يقل إن شاء الله) نسيانًا ( فطاف عليهن) جامعهن ( جميعًا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل) بكسر الشين بنصف ولد وعبر بالرجل بالنظر إلى ما يؤول إليه قيل إنه الجسد الذي ذكره الله أنه ألقي على كرسيه ( وايم الذي نفس محمد بيده) فيه جواز إضافة ايم إلى غير لفظ الجلالة ولكنه نادر ( لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله) عز وجل حال كونهم ( فرسانًا أجمعون) تأكيد لضمير الجمع في قوله: لجاهدوا، وقد أنسى الله تعالى سليمان عليه السلام الاستثناء ليمضي قدره السابق.

والحديث سبق في الجهاد في باب من طلب الولد للجهاد، وباب قول الله { ووهبنا لداود سليمان} [ص: 30] في كتاب الأنبياء.