فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} .

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى بِالَّذِى أَخْطَأْتُ فِى الرُّؤْيَا قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ».

هذا (باب قول الله تعالى { وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] أي حلف المنافقون بالله وهو جهد اليمين لأنهم بذلوا فيها مجهودهم وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها، وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: من قال بالله فقد جهد بيمينه، وأصل أقسم جهد اليمين أقسم يجهد اليمين جهدًا فحذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافًا إلى المفعول كقوله: { فضرب الرقاب} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 4] وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال: جاهدين أيمانهم.

(وقال ابن عباس) مما وصله المؤلّف مطوّلاً في كتاب التعبير بلفظ: إن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني رأيت الليلة في المنام عكة تنظف من السمن والعسل الحديث، وفيه تعبير أبي بكر لها، وقوله للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرني يا رسول الله أصبت أم أخطأت؟ فقال: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا (قال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت في) تعبير (الرؤيا) أي يشدّد في اليونينية نون لتحدثني (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا تقسم) وقوله هنا في الرؤيا من كلام البخاري إشارة إلى ما اختصره من الحديث، والغرض منه قوله: لا تقسم إشارة إلى الردّ على من
قال إن من قال: أقسمت انعقد يمينًا وقد أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإبرار المقسم، فلو كانت أقسمت يمينًا لأبرّ أبا بكر حين قالها.
وقال في الكواكب: إنما يندب إبرار المقسم عند عدم المانع فكان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مانع منه وقيل كان في بيان مفاسد كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير بمعونة الله تعالى.
وقال الشافعية: لو قال أقسمت أو أقسم أو حلفت أو أحلف بالله لأفعلن كذا فهو يمين لأنه عرف الشرع قال تعالى: { وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] إلا إن نوى خبرًا ماضيًا في صيغة الماضي أو مستقبلاً في المضارع فلا يكون يمينًا لاحتمال ما نواه، وأما قوله لغيره: أقسم عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن كذا فيمين إن أراد يمين نفسه فيسن للمخاطب إبراره فيها بخلاف ما إذا لم يردها ويحمل على الشفاعة في فعله.


[ قــ :6306 ... غــ : 6654 ]
- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ.

وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة ابن عقبة العامري السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة بعدها مثلثة ابن أبي الشعثاء سليم بن الأسود الكوفي (عن معاوية بن سويد) بضم السين المهملة وفتح الواو (ابن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء مشددة بعدها نون الكوفي وسقط ابن مقرن لأبي ذر (عن البراء) بن عازب رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح).

قال البخاري: (وحدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) الملقب ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أشعث عن معاوية بن سويد بن مقرن من البراء -رضي الله عنه-) أنه (قال: أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإبرار المقسم) بكسر السين وضم الميم في الفرع اسم فاعل أي بفعل ما أراده الحالف ليصير بذلك بارًّا، وقيل السين مفتوحة أي الأقسام والمصدر قد يأتي للمفعول مثل أدخلته مدخلاً بمعنى الإِدخال.

وهذا طرف من حديث أورده البخاري في اللباس والاستئذان والجنائز والمظالم والطب والنذور والنكاح والأشربة.




[ قــ :6307 ... غــ : 6655 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّ ابْنَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدٌ وَأُبَىٌّ: إِنَّ ابْنِى قَدِ احْتُضِرَ فَاشْهَدْنَا، فَأَرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَتَحْتَسِبْ» فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ فَلَمَّا قَعَدَ رُفِعَ إِلَيْهِ فَأَقْعَدَهُ فِى حَجْرِهِ وَنَفْسُ الصَّبِىِّ تَقَعْقَعُ فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هَذَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ».

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد ( عاصم الأحول) بن سليمان أبو عبد الرَّحمن البصري الحافظ قال: ( سمعت أبا عثمان) عبد الرَّحمن النهدي ( يحدث عن أسامة) بن زيد -رضي الله عنهما- ( أن ابنة) اسمها زينب، ولأبي ذر عن الكشميهني أن بنتا ( لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسلت إليه ومع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة بن زيد) وسقط لأبي ذر: ابن زيد وكان الأصل أن يقول وأنا معه لكنه من باب التجريد ( وسعد) بسكون العين ابن عبادة الخزرجي ( وأبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية ابن كعب الأنصاري، وفي نسخة الحافظ أبي ذر وأبي بفتح الهمزة وكسر الموحدة مضافًا إلى ياء المتكلم أو أبي بضم الهمزة وفتح الموحدة على الشك والصواب الثاني من غير شك ( إن ابني) هو علي بن أبي العاص بن الربيع أو عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو هو محسن ابن فاطمة الزهراء أو هي أمامة بنت زينب لأبي العاص بن الربيع ومبحث ذلك سبق في الجنائز ( قد احتضر) بضم الفوقية أي حضره الموت وسقط لفظ قد لأبي ذر ( فاشهدنا) بهمزة وصل وفتح الهاء ( فأرسل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يقرأ) بفتح الياء عليها ( السلام ويقول) :
( إن لله ما أخذ) أي الذي أراد أن يأخذه ( وما أعطى وكل شيء عنده مسمى) أي مؤجل مقدر ( فلتصبر وتحتسب) أي تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها ليحتسب لها ذلك من عملها الصالح ( فأرسلت إليه تقسم عليه) ليأتينها ( فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وقمنا معه فلما قعد رفع إليه) الصبي أو الصبية ( فأقعده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في حجره ونفس الصبي) أو الصبية ( تقعقع) بحذف إحدى التاءين أي تضطرب وتتحرك ( ففاضت عينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالبكاء ( فقال سعد) أي ابن عبادة ( ما هذا) البكاء ( يا رسول الله) وأنت تنهى عنه وهو استفهام عن الحكمة لا إنكار ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( هذا) البكاء ولأبي ذر هذه الدمعة ( رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده وإنما يرحم الله) عز وجل ( من عباده الرحماء) نصب على أن ما كافة.

والحديث سبق في الجنائز.




[ قــ :6308 ... غــ : 6656 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ تَمَسُّهُ النَّارُ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدثني) بالإفراد ( مالك) إمام دار الهجرة ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن ابن المسيب) سعيد ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد) زاد في الجنائز من حديث أنس لم يبلغوا الحنث ( تمسه النار إلا تحلة القسم) بفتح الفوقية وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة أي تحليلها قال في الكواكب: والمراد بالقسم ما هو مقدر في قوله تعالى { وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] أي والله ما منكم والمستثنى منه تمسه لأنه في حكم البدل من لا يموت فكأنه قال: لا تمس النار من مات له ثلاثة إلا بقدر الورود.

والحديث مرّ في الجنائز.




[ قــ :6309 ... غــ : 6657 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ وَأَهْلِ النَّارِ كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلٍّ مُسْتَكْبِرٍ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن معبد بن خالد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة الجدلي القيسي الكوفي القاص أنه قال: ( سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة الخزاعي -رضي الله عنه- ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( ألا) بالتخفيف ( أدلكم على أهل الجنة) هم ( كل ضعيف) فقير ( متضعف) بكسر العين أي متواضع وبالفتح ضبطها الدمياطي.
وقال النووي: إنه رواية الأكثرين أي يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا ولم يضبطه في اليونينية ولا في الفرع وكتب فوقه كذا، وفي علوم الحديث للحاكم عن ابن خزيمة أنه سئل عن المراد بالضعيف هنا فقال: الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى خمسين مرة ( لو أقسم على الله لأبرّه) أي لو حلف على شيء أن يقطع طمعًا في كرم الله بإبراره لأبره وأوقعه لأجله ( وأهل النار) هم ( كل جوّاظ) بفتح الجيم والواو المشددة وبعد الألف ظاء معجمة الكثير اللحم الغليظ الرقبة المختال في مشيته ( عتل) بضم العين المهملة والفوقية وتشديد اللام فظ غليظ أو شديد الخصومة أو المجموع المنوع ( مستكبر) عن الحق.

والحديث سبق في تفسير سورة ن من التفسير.