فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب اليمين فيما لا يملك، وفي المعصية وفي الغضب

باب الْيَمِينِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِى الْمَعْصِيَةِ، وَفِى الْغَضَبِ
( باب) حكم ( اليمين فيما لا يملك) الحالف ( و) اليمين ( في المعصية و) اليمين ( في) حالة ( الغضب) وسقط لأبي ذر لفظة في.


[ قــ :6328 ... غــ : 6678 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: أَرْسَلَنِى أَصْحَابِى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْأَلُهُ الْحُمْلاَنَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَىْءٍ» وَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ: «انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ أَوْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُكُمْ».

وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا ( محمد بن العلاء) بفتح العين المهملة والمد ابن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله ( عن) جده ( أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث ( عن) أبيه ( أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه ( قال: أرسلني أصحابي) الأشعريون ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند إرادة غزوة تبوك ( أسأله الحملان) بضم الحاء المهملة وسكون الميم أي أن يحملنا على إبل ( فقال) :
( والله لا أحملكم على شيء) زاد في باب الكفارة وما عندي ما أحملكم وكذا هو في باب لا تحلفوا بآبائكم كما سبق ( ووافقته) عليه الصلاة والسلام ( وهو غضبان) وفي غزوة تبوك وهو غضبان ولا أشعر ورجعت حزينًا من منع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن مخافة أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد في نفسه في فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالاً أي عبد الله بن قيس فأجبته فقال: أجب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك ( فلما أتيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قال: انطلق إلى أصحابك فقل) لهم ( إن الله) عز وجل ( أو إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم) وفي غزوة تبوك فلما أتيتيه قال: خذ هذين القرينين وهذين القرينين لستة أبعرة ابتاعهن حينئذٍ من سعد فانطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله أو إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم على هؤلاء الأبعرة الحديث بتمامه في المغازي بالسند المذكور هنا، وقد فهم ابن بطال -رحمه الله تعالى- عن البخاري أنه نحا بهذه الترجمة لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو الحرية قبل ملك الرقبة ونحو ذلك كأن حلف على أن لا يهب أو لا يتصدق أو لا يعتق، وهو في هذه الحالة لا يملك شيئًا من ذلك، ثم حصل له فوهب أو تصدق أو أعتق فعند جماعة الفقهاء تلزمه الكفارة كما في قصة الأشعريين، ولو حلف أن لا يهب أو لا يتصدق ما دام معدمًا وجعل العدم علة لامتناعه من ذلك، ثم حصل له مال بعد ذلك لم تلزمه كفارة إن وهب أو تصدق لأنه إنما أوقع يمينه على حالة العدم لا على حالة الوجود ولو
حلف أن يعتق ما لا يملكه إن ملكه في المستقبل فقال مالك: إن عين أحدًا أو قبيلة أو جنسًا لزمه العتق وإن قال كل مملوك أملكه أبدًا حر لم يلزمه عتق وكذلك في الطلاق إن عين قبيلة أو بلدة أو صفة ما لزمه الحنث وإن لم يعين لم يلزمه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلزمه الطلاق والعتق عمم أو خصص وقال الشافعي لا يلزمه لا ما خص ولا ما عم.

ويأتي مزيد بحث لهذا الحديث إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب بعون الله تعالى.




[ قــ :639 ... غــ : 6679 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح.
وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِىُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا كُلٌّ حَدَّثَنِى طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا فِى بَرَاءَتِى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِى قَالَ لِعَائِشَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى} [النور: ] الآيَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِى فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِى كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا عَنْهُ أَبَدًا.

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله الأويسي قال: ( حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن صالح) أي ابن كيسان ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( ح) لتحويل السند قال البخاري بالسند السابق أول هذا المجموع إليه.

( وحدّثنا الحجاج) بن منهال قال: ( حدّثنا عبد الله بن عمر النميري) بضم النون وفتح الميم قال: ( حدّثنا يونس بن يزيد الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام نسبة إلى مدينة إيلة على ساحل بحر القلزم ( قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام ( وسعيد بن المسيب) المخزومي ( وعلقمة بن وقاص) الليث ( وعبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية ابن مسعود الفقيه الأعمى ( عن حديث عائشة) -رضي الله عنها- ( زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله) عز وجل ( مما قالوا) بما أنزله في التنزيل ( كل) من الأربعة ( حدثني) بالإفراد ( طائفة من الحديث) قطعة منه ( فأنزل الله) عز وجل ( { إن الذين جاؤوا بالإفك} ) [النور: 11] والإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء والمراد ما أفك به على عائشة -رضي الله عنها-، والعصبة الجماعة من العشرة إلى الأربعين واعصوصبوا اجتمعوا وقوله منكم أي من المسلمين ( العشر الآيات كلها في براءتي.
فقال أبو بكر الصديق)
-رضي الله عنه- ( وكان ينفق على مسطح لقرابته منه) وكان ابن خالته ( والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا) سقط أبدًا لغير أبي ذر ( بعد الذي قال لعائشة) عن عائشة من الإفك ( فأنزل
الله)
عز وجل ( { ولا يأتل} ) ولا يحلف من ائتلى إذا حلف افتعال من الألية ( { وأولو الفضل منكم} ) في الدين ( { والسعة} ) في الدنيا ( { أن يؤتوا} ) أي لا يؤتوا ( { أولي القربى} ) [النور: ] ( الآية) كذا رأيته في الفرع وفي القربى وفي هامشه ما نصه في اليونينية مكتوب القربة وليس عليها تمريض ولا ضبة ومضبوطة بفتح التاء المنقلبة عن الهاء فالله أعلم أنه سهو فليحرّر اهـ.
قلت وكذا رأيته في اليونينية وهذا مخالف للتلاوة وفي كثير من الأصول القربى كالتنزيل وهو الصواب ( قال أبو بكر) -رضي الله عنه-: ( بل والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقـ) ـها ( عليه وقال: والله لا أنزعها عنه أبدًا) .

وهذا موضع الترجمة لأن الصديق -رضي الله عنه- كان حالفًا على ترك طاعة فنهي عن الاستمرار على ما حلف عليه فيكون النهي عن الحلف على فعل المعصية أولى، والظاهر من حاله عند الحلف أن يكون قد غضب على مسطح من أجل خوضه في الإفك.




[ قــ :6330 ... غــ : 6680 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا».

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين بينهما عبد الله بن عمرو المقعد التميمي المنقري مولاهم البصري قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( عن القاسم) بن عاصم التميمي ويقال الكليني بنون بعد التحتية ( عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ابن مضرب الجرمي أنه ( قال: كنا عند أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- ( فقال أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين فوافقته) بالقاف بعد الفاء ( وهو غضبان فاستحملناه) طلبنا أن يحملنا وأثقالنا على إبل لغزوة تجوك ( فحلف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أن لا يحملنا ثم قال) أي بعد أن أتي بنهب إبل من غنيمة وأمر لهم بخمس ذود وانطلقوا فقالوا: تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه ورجعوا إليه وذكروا له ذلك وقال: إني لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم ( والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين ( فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير) من الذي حلفت عليه ( وتحللتها) بالكفارة وقوله وهو غضبان مطابق لبعض الترجمة ووافق أنه حلف على شيء ليس عنده.
وقال ابن المنير: لم يذكر البخاري في الباب ما يناسب ترجمة اليمين على المعصية إلا أن يريد يمين أبي بكر على قطيعة مسطح وليست بقطيعة، بل هي عقوبة له على ما ارتكبه من المعصية بالقذف، ولكن يمكن أن يكون حلف على خلاف الأولى فإذا نهى عن ذلك حتى أحنث نفسه وفعل ما فعل على تركه فمن حلف على المعصية يكون أولى قال: ولهذا يقضى بحنث من حلف على معصية من قبل أن يفعلها فالحديث مطابق للترجمة.
قال ابن بطال: لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف حين لم يملك ظهرًا يحملهم عليه فلما طرأ الملك حملهم.
قال ابن المنير: وفهم ابن بطال عن
البخاري أنه نحا لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو الحرية قبل ملك الرقبة، والظاهر من قصد البخاري غير هذا وهو: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف أن لا يحملهم فلما حملهم وراجعوه في يمينه قال: ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم فبين أن يمينه إنما انعقدت فيما يملكه فلو حملهم على ما يملكه لحنث وكفر ولكنه حملهم على ما لا يملك ملكًا خاصًّا وهو مال الله، وبهذا لا يكون عليه الصلاة والسلام قد حنث في يمينه.

وأما قوله في عقب ذلك: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها فتأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت ترك ما حلفت عليه خيرًا منه لأحنثت نفسي وكفرت عن يميني.
قال: وهم إنما سألوه ظنًّا أنه يملك حملانًا فحلف لا يحملهم على شيء يملكه لكونه كان حينئذٍ لا يملك شيئًا من ذلك قال: ولا خلاف أن من حلف على شيء وليس في ملكه أنه لا يفعل فعلاً معلقًا بذلك الشيء مثل قوله: والله لئن ركبت هذا البعير لأفعلن ذا لبعير لا يملكه فلو ملكه وربه حنث وليس هذا من تعليق اليمين على الملك ولو قال: والله لا وهبتك هذا الطعام وهو لغيره فملكه فوهبه له فإنه يحنث ولا يجري فيه الخلاف الذي جرى في تعليق الطلاق على الملك، وإن كان ظاهر ترجمة البخاري أن من حلف على ما لا يملك مطلقًا نوى أو لم ينو ثم ملكه لم يلزمه اليمين اهـ.

قال في فتح الباري: وليس ما قاله ابن بطال ببعيد بل هو أظهر أي مما قاله ابن المنير، وذلك أن الصحابة الذين سألوا الحملان فهموا أنه حلف، وأنه فعل خلاف ما حلف أنه لا يفعله فلذلك لما أمر لهم بالحملان بعد قالوا: تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه وظنوا أنه نسي حلفه الماضي فأجابه بأنه لم ينس ولكن الذي فعله خير مما حلف عليه، وأنه إذا حلف فرأى خيرًا من يمينه فعل الذي حلف أن لا يفعله وكفر عن يمينه والله الموفق.