فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا حلف أن لا يأتدم، فأكل تمرا بخبز، وما يكون من الأدم

باب إِذَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْتَدِمَ فَأَكَلَ تَمْرًا بِخُبْزٍ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الأُدْمِ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( إذا حلف) شخص ( أن لا يأتدم فأكل تمرًا بخبز) هل يكون مؤتدمًا فيحنث أم لا ( و) باب ( ما يكون منه الأدم) بضم الهمزة وسكون المهملة ولغير أبي الوقت من الأدم.


[ قــ :6337 ... غــ : 6687 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ بِهَذَا.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) أبو أحمد البخاري البيكندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عبد الرَّحمن بن عابس) بموحدة مكسورة وسين مهملة ( عن أبيه) عابس بن ربيعة النخعي ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خبز برّ مأدوم) مأكول بالأدم ( ثلاثة أيام) متوالية ( حتى لحق بالله) أي توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قال في الكواكب: فإن قلت: كيف دل الحديث على الترجمة؟ وأجاب: بأنه لما كان التمر غالب الأوقات موجودًا في بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانوا شباعى منه علم أنه ليس أكل الخبز به ائتدامًا أو ذكر هذا الحديث في هذا الباب بأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم ولم يذكر غيره لأنه لم يجد حديثًا على شرطه يدل على الترجمة أو يكون من جملة تصرفات النقلة على الوجه الذي ذكروه فهي ثلاثة.
وتعقبه في الفتح: بأن الثالث بعيد جدًّا والأول مباين لمراد البخاري والثاني هو المراد لكن
بأن ينضم إليه ما ذكره ابن المنير وهو أنه قال: مقصود البخاري الرد على من زعم أنه لا يقال ائتدم إلا إذا أكل بما اصطبع أي بالصاد والطاء المهملتين والموحدة والغين المعجمة أي ائتدم به قال: ومناسبته لحديث عائشة أن المعلوم أنها أرادت نفي الأدام مطلقًا بقرينة ما هو معروف من شظف عيشهم فدخل فيه التمر وغيره، وتعقبه العيني فقال: لم يبين أي في الفتح المراد ما هو والحديث لا يدل أصلاً على رد الزاعم بهذا لأن لفظ مأدوم أعم من أن يكون الأدام فيه ما يصطبغ به أو لا يصطبغ به.

والحديث مرّ في الأطعمة بأتم من هذا.

( وقال ابن كثير) محمد أبو عبد الله العبدي البصري شيخ المؤلّف ( أخبرنا سفيان) الثوري قال: ( حدّثنا عبد الرَّحمن عن أبيه) عابس ( أنه قال لعائشة) -رضي الله عنها-: ( بهذا) .
وأشار المؤلّف بهذا الحديث إلى أن عابسًا لقي عائشة وسألها لرفع ما يتوهم في العنعنة في الطريق التي قبلها من الانقطاع.




[ قــ :6338 ... غــ : 6688 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ.
فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَأَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ» فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ مَعَهُ: «قُومُوا» فَانْطَلَقُوا وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِىَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو طَلْحَةَ حَتَّى دَخَلاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلُمِّى يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ» فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً.

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد ( عن مالك) الإمام ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه ( أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري ( لأم سليم) زوجته أم أنس ( لقد سمعت صوت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضعيفًا أعرف فيه الجوع) وفي مسلم فوجدته قد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع ( فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخذت خمارًا) بكسر الخاء المعجمة أي نصيفًا
( لها فلفت الخبز ببعضه) ببعض الخمار ( ثم أرسلتني إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذهبت) بالخبز ( فوجدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال) لي ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أأرسلك أبو طلحة) بهمزة الاستفهام الاستخاري ( فقلت نعم فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن معه قوموا فانطلقوا) ولأبي الوقت قال أي أن فانطلقوا ( وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته) بمجيئهم ( فقال أبو طلحة) لأمي ( يا أم سليم: قد جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس) ولأبي ذر عن الكشميهني والناس وليس ( عندنا من الطعام ما نطعمهم) أي قدر ما يكفيهم ( فقالت) أم سليم ( الله ورسوله أعلم) بقدر الطعام فهو أعلم بالمصلحة ولو لم يعلم بالمصلحة ما فعل ذلك ( فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو طلحة معه حتى دخلا) على أم سليم ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها: ( هلمي) بفتح الهاء وضم اللام وكسر الميم مشددة هات ( يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز) الذي كانت أرسلته مع أنس ( قال) أنس: ( فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك الخبز ففت) بفتح الفاء الأولى وضم الثانية وتشديد الفوقية ( وعصرت أم سليم عكة لها) من جلد فيها سمن ( فآدمته) بمد الهمزة المفتوحة جعلته إدامًا للمفتوت بأن خلطت ما حصل من السمن بالخبز المفتوت ( ثم قال فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء الله أن يقول) وعند أحمد قال: بسم الله اللهم أعظم فيه البركة ( ثم قال) لأبي طلحة ( ائذن لعشرة) أي من أصحابه بالدخول لأن الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا بعسر وضرر ( فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ائنذن لعشرة فأذن لهم فأكل القوم) ولأبي ذر فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ( ائذن لعشرة) فأكل القوم ( كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً) بالشك من الراوي وعند مسلم من رواية سعد بن سعيد ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان، ولا يخفى أن المراد من الحديث هنا قوله فأمر بالخبز ففت وعصرت أم سليم عكة لها فآدمته.
وفي حديث أبي داود والترمذي بسند حسن عن يوسف بن عبد الله بن سلام رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه.
قال ابن المنير: قصة أم سليم هذه ظاهرة المناسبة لأن السمن اليسير الذي فضل في قعر العكة لا تصطبغ به الأقراص التي فتتها وإنما غايته أن يصير في الخبز من طعم السمن فأشبه ما إذا خالط التمر عند الأكل ويؤخذ منه أن كل شيء يسمى عند الإطلاق إدامًا فإن الحالف أن لا يأتدم يحنث إذا أكله مع الخبز وهذا قول الجمهور.

والحديث علم من أعلام النبوّة وفيه منقبة لأم سليم وسبق في علامات النبوّة.