فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الاستثناء في الأيمان

باب الاِسْتِثْنَاءِ فِى الأَيْمَانِ
( باب) بيان أحكام ( الاستثناء في الأيمان) والمراد به هنا التعليق على المشيئة كأن يقول والله لأفعلن كذا إن شاء الله أو لا أفعل كذا إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله.


[ قــ :6368 ... غــ : 6718 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ مَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ» ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأُتِىَ بِإِبِلٍ فَأَمَرَ لَنَا بِثَلاَثَةِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لاَ يُبَارِكُ اللَّهُ لَنَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا فَحَمَلَنَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَتَيْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، إِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: ( حدّثنا حماد) هو ابن زيد ( عن غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية الأزدي ( عن أبي بردة بن أبي موسى عن) أبيه ( أبي موسى) عبد الله بن قيس ( الأشعري) -رضي الله عنه- أنه ( قال: أتيت رسول الله) ولأبي ذر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) قال أبو عبيدة ما دون العشرة ( من الأشعريين أستحمله) أي أطلب منه ما يحملنا وأثقالنا لغزوة تبوك ( فقال) :
( والله) ولأبي ذر عن الكشميهني لا والله ( لا أحملكم ما) ولأبي ذر وما ( عندي ما أحملكم) عليه ( ثم لبثنا) بكسر الموحدة مكثنا ( ما شاء الله) عز وجل ( فأتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بإبل) وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي بشائل بشين معجمة وبعد الألف همزة فلام قطيع من الإِبل ( فأمر لنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بثلاثة ذود) بالإِضافة وفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة من الثلاث إلى العشر من النوق، وسبق في المغازي بلفظ خمس ذود وجمع باحتمال أنه أمر لهم أولاً بثلاث ذود ثم زادهم اثنين، ولأبي ذر: بثلاث ذود وهو الصواب لأن الذود مؤنث والتذكير باعتبار لفظ ذود ( فلما انطلقنا) بها ( قال بعضنا لبعض: لا يبارك الله لنا أتينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نستحمله فحلف لا يحملنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن لا يحملنا ( فحملنا) بفتحات زاد فيما سبق تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه والله لا نفلح أبدًا ( فقال أبو موسى: فأتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرنا ذلك له) سقط لأبي ذر لفظ له ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ما أنا حملتكم بل الله حملكم) أي شرع لكم ما حصل به الحمل بعد اليمين وهو الكفارة أو أتاني بما حملتكم عليه ولولا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم عليه.
قال المازري: ( إني والله إن شاء الله) وجواب القسم قوله ( لا أحلف على يمين) وإن شاء الله معترض والقسمية خبر إن وقوله: على يمين أي محلوف يمين ( فأرى) بفتح الهمزة ( غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) زاد الحموي
والمستملي بعد قوله هو خير وكفرت فكرر لفظ التكفير وإثباته في الأول قد يفيد جواز تقديم الكفارة على الحنث.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: إني والله إن شاء الله، لكن قال أبو موسى المديني في كتابه الثمين في استثناء اليمين فيما نقله في فتح الباري: لم يقع قوله إن شاء الله في أكثر الطرق لحديث أبي موسى.
قال الحافظ ابن حجر: وسقط لفظ والله من نسخة ابن المنير فاعترض بأنه ليس في حديث أبي موسى يمين وليس كما ظن بل هي ثابتة في الأصول، وإنما أراد البخاري بإيراده بيان صيغة الاستثناء بالمشيئة قال: وأشار أبو موسى المديني في الكتاب المذكور إلى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالها للتبرك لا للاستثناء وهو خلاف الظاهر واشترط في الاستثناء أن يتصل بالمستثنى منه عرفًا فلا يضر سكتة تنفس وعي وتذكر وانقطاع صوت بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي ولو يسيرًا ونقل ابن المنذر الاتفاق على اشتراط التلفظ بالاستثناء وأنه لا يكفي القصد إليه بغير لفظ، وعن الحسن وطاوس أن له أن يستثني ما دام في المجلس، وعن الإمام أحمد نحوه، وقال: ما دام في ذلك الأمر، وعن إسحاق مثله وقال: إلا أن يقع سكوت، وعن سعيد بن جبير إلى أربعة أشهر، وعن ابن عباس شهر، وعن سنة وعنه أبدًا.
قال أبو البركات النفسي في مختصر الكشاف له: وهذا محمول على تدارك التبرك بالاستثناء فأما الاستثناء المغير حكمًا فلا يصح إلا متصلاً.
ويحكى أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة -رحمه الله- خالف ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه، فقال أبو حنيفة: هذا يرجع عليك أنك تأخذ البيعة بالأيمان أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك؟ فاستحسن كلامه وأمر بإخراج الطاعن فيه اهـ.

وقال ابن جرير: معنى قول ابن عباس أنه يستثني ولو بعد سنة أي إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه إن شاء الله وذكر ولو بعد سنة فالسنة له أن يقول ذلك ليكون آتيًا بسنة الاستثناء، حتى ولو كان بعد الحنث وليس مراده أن ذلك رافع لحنث اليمين ومسقط للكفارة.
قال ابن كثير: وهذا الذي قاله ابن جرير -رحمه الله- هو الصحيح وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه السلام والله أعلم وقال أبو عبيد: وهذا لا يؤخذ على ظاهره لأنه يلزم منه أنه لا يحنث أحدًا في يمينه وأن لا تتصور الكفارة التي أوجبها الله تعالى على الحالف، ولكن وجه الخبر سقوط الإثم عن الحالف لتركه الاستثناء لأنه مأمور به في قوله تعالى: { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23] فقال ابن عباس إذا نسي أن يقول إن شاء الله يستدركه ولم يرد أن الحالف إذا قال ذلك بعد أن انقضى كلامه أن ما عقده باليمين ينحل.
وحاصله حمل الاستثناء المنقول عنه على لفظ إن شاء الله فقط، وحمل إن شاء الله على التبرك، ومما يدل على اشتراط الاستثناء بالكلام قوله في حديث الباب فليكفر عن يمينه فإنه لو كان الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال فليستثن لأنه أسهل من التفكير.

والحديث سبق في النذور.




[ قــ :6368 ... غــ : 6719 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ،.

     وَقَالَ : إِلاَّ كَفَّرْتُ يَمِينِى وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ أَوْ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم قال: ( حدّثنا حماد) هو ابن زيد بالسند السابق ( وقال) فيه: ( إلاّ كفرت يميني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن يميني ( وأتيت الذي هو خير) بتقديم كفرت ( أو أتيت الذي هو خير وكفرت) بتأخيرها فزيادة الترديد في هذه الطريق في تقديم الكفارة وتأخيرها وكذا أخرجه أبو داود عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد بالترديد فيه أيضًا.




[ قــ :6369 ... غــ : 670 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلٌّ تَلِدُ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِى الْمَلَكَ، قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَسِىَ، فَطَافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَأْتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ بِوَلَدٍ إِلاَّ وَاحِدَةٌ بِشِقِّ غُلاَمٍ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ قَالَ: لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا فِى حَاجَتِهِ.

     وَقَالَ  مَرَّةً: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوِ اسْتَثْنَى» وَحَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن هشام بن حجير) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية بعدها راء المكي ( عن طاوس) هو ابن كيسان الإمام أبو عبد الرَّحمن اليماني أنه ( سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: قال سليمان) بن داود عليهما السلام والله ( لأطوفن الليلة) جواب القسم والنون للتأكيد وفي بعض طرق الحديث التصريح بالقسم والليلة نصب على الظرفية ( على تسعين امرأة) يقال طاف به يعني ألم به وقاربه يعني لأجامعهن ( كل) بالتنوين مشددًا أي منهن ( تلد) فيه حذف تقديره فتعلق فتحمل فتلد ( غلامًا) ينشأ فيتعلم الفروسية و ( يقاتل في سبيل الله) عز وجل ( فقال له صاحبه) الملك أو قرينه أو صاحبه من البشر أو وزيره من الإنس أو من الجن ( قال سفيان) بن عيينة ( يعني الملك قل إن شاء الله فنسي) بفتح النون مخففًا لسابق القدر أن يقول إن شاء الله ( فطاف بهن) أي جامعهن ( فلم تأت امرأة منهن بولد إلا واحدة بشق غلام) بكسر الشين المعجمة وفي رواية للبخاري إلا واحدة ساقط أحد شقيه ( فقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالإسناد السابق ( يرويه) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ( قال لو قال) سليمان ( إن شاء الله لم يحنث) قيل هذا خاص بسليمان وأنه لو قالها لحصل مقصوده وليس المراد أن كل من قالها وقع له أراد فقد قال: موسى عليه السلام فى قصة الخضر ستجدني إن شاء الله صابرًا ولم يصبر ( وكان) قوله إن شاء الله ( دركًا في حاجته) بفتح الدال المهملة والراء أي لحاقًا لها وهو تأكيد لقوله لم يحنث ولأبي ذر له في حاجته ( وقال) أبو هريرة ( مرة قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لو استثنى)
بدل قوله في الرواية الأولى إن شاء الله فاللفظ مختلف والمعنى واحد وجواب لو محذوف أي لو استثنى لم يحنث قال سفيان بن عيينة بالسند المذكور ( وحدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز ( مثل حديث أبي هريرة) الذي ساقه من طريق طاوس عن أبي هريرة ففيه أن لسفيان فيه سندين إلى أبي هريرة هشام عن طاوس وأبو الزناد عن الأعرج.

والحديث سبق في الجهاد وغيره لكن بغير هذا السند.