فهرس الكتاب

إرشاد الساري - بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ}

كتاب الفرائض
( كتاب الفرائض) أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة بمعنى مفروضة أي مقدرة لما فيها من السهام المقدّرة فغلبت على غيرها، والفرض لغة التقدير وشرعًا هنا نصيب مقدّر شرعًا للوارث، ثم قيل للعلم بمسائل الميراث علم الفرائض والعالم به فرضي، وفي الحديث أفرضكم زيد أي أعلمكم بهذا النوع، وعلم الفرائض كما نقل عن أصحاب الشافعي ينقسم إلى ثلاثة علوم.
علم الفتوى وعلم النسب وعلم الحساب والأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى ستة النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفه ونصف نصفه.


باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِى الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء الآيتان: 11 - 12] .

( باب قول الله تعالى: { يوصيكم الله} ) يعهد إليكم ويأمركم ( { في أولادكم} ) في شأن ميراثهم وهذا إجمال تفصيله ( { للذكر مثل حظ الأنثيين} ) أي للذكر مهم أي من أولادكم فحذف
الراجع إليه لأنه مفهوم كقوله السمن منوان بدرهم وبدأ بذكر ميراث الأولاد لأن تعلق الإنسان بولده أشد التعلقات وبدأ بحظ الذكر، ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر، أو للأنثى نصف حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك ولأنهم كانوا يورثون المذكور دون الإِناث وهو السبب لورود الآية فقيل كفى المذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث فلا يتمادى في حظهم حتى يحرمن مع إدلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به والمراد به حال الاجتماع أي إذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له سهمان كما أن لهما سهمين، وأما في حال الانفراد فالابن يأخذ المال كله والبنتان يأخذان الثلثين والدليل عليه أنه اتبعه حكم الانفراد بقوله ( { فإن كن نساء} ) أي فإن كانت الأولاد نساء خلصًا يعني بنات ليس معهن ابن ( { فوق اثنتين} ) خبر ثان لكان أو صفة لنساء أي نساء زائدات على ثنتين ( { فلهن ثلثا ما ترك} ) أي الميت ( { وإن كانت واحدة فلها النصف} ) أي وإن كانت المولودة منفردة.
وفي الآية دلالة على أن المال كله للذكر إذا لم يكن معه أنثى لأنه جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وقد جعل للأنثى النصف إذا كانت منفردة فعلم أن للذكر في حال الانفراد ضعف النصف وهو الكل والضمير في قوله ( { ولأبويه} ) للميت والمراد الأب والأم إلا أنه غلب المذكر ( { لكل واحد منهما السدس} ) بدل من أبويه بتكرير العامل وفائدة هذا البدل أنه لو قيل ولأبويه السدس لكان ظاهره اشتراكهما فيه ولو قيل ولأبويه السدسان لأوهم قسمة السدسين عليهما على السوية وعلى خلافها، ولو قيل لكل واحد من أبويه السدس لذهبت فائدة التأكيد وهو التفصيل بعد الإجمال والسدس مبتدأ خبره لأبويه والبدل متوسط بينهما للبيان ( { مما ترك إن كان له ولد} ) ذكر أو أنثى ( { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} ) مما ترك والمعنى وورثه أبواه فحسب لأنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما يبقى بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك لأن الأب أقوى من الأم في الإرث بدليل أن له ضعف حظها إذا خلصا فلو ضرب لها الثلث كاملاً لأدّى إلى حط نصيبه عن نصيبها فإن امرأة لو تركت زوجًا وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأب حازت الأم سهمين والأب سهمًا واحدًا فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ المذكرين ( { فإن كان له} ) أي للميت ( { إخوة فلأمه السدس} ) إخوة: أعم من أن يكونوا ذكورًا أو إناثًا أو بعضهم ذكورًا وبعضهم إناثًا فهو من باب التغليب والجمهور على أن الأخوة، وإن كان بلفظ الجمع يقعون على الاثنين فيحجب الأخوان أيضًا الأم من الثلث إلى السدس خلافًا لابن عباس ولا يحجب الأخ الواحد ( { من بعد وصية} ) متعلق بما سبق من قسمة المواريث كلها لا بما يليه وحده كأنه قيل قسمة هذه الأنصباء من بعد وصية ( { يوصي بها أو دين} ) .
واستشكل بأن الدين مقدم على الوصية في الشرع وقدمت الوصية على الدين في التلاوة، وأجيب: بأن أو لا تدل على الترتيب فتقدير من بعد وصية يوصي بها أو دين من بعد أحد هذين الشيئين الوصية أو الدين ولما كانت الوصية تشبه الميراث لأنها صلة بلا عوض فكان إخراجها مما يشق على الورثة، وكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين قدمت على الدين ليسارعوا إلى إخراجها مع الدين.

( { آباؤكم} ) مبتدأ ( { وأبناؤكم} ) عطف عليه والخبر ( { لا تدرون} ) وقوله ( { أيهم} ) مبتدأ خبره ( { أقرب لكم} ) والجملة نصب بتدرون ( { نفعًا} ) تمييز والمعنى فرض الله الفرائض على ما هو عنده حكمة ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم أنفع فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة والتفاوت في السهام بتفاوت المنافع، وأنتم لا تدرون تفاوتها فتولى الله ذلك فضلاً منه ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير، والجملة اعتراض مؤكدة لا موضع لها من الإعراب ( { فريضة} ) نصب نصب المصدر المؤكد أي فرض ذلك فرضًا ( { من الله إن الله كان عليمًا} ) بالأشياء قبل خلقها ( { حكيمًا} ) في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها.
( { ولكم نصف ما ترك أزواجكم} ) أي زوجاتكم ( { وإن لم يكن لهن ولد} ) ابن أو بنت ( { فإن كان لهن ولد} ) منكم أو من غيركم ( { فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين} ) والواحدة والجماعة سواء في الربع والثمن جعل ميراث الزوج ضعف ميراث الزوجة لدلالة قوله للذكر مثل حظ الأنثيين ( { وإن كان رجل} ) يعني الميت ( { يورث} ) أي يورث منه صفة لرجل ( { كلالة} ) خبر كان أي وإن كان رجل موروث منه كلالة أو يورث خبر كان وكلالة حال من الضمير في يورث والكلالة تطلق على من لم يخلف ولدًا ولا والدًا وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين وهو في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوّة من الإعياء فكأنه يصير الميراث للوارث من بعد إعيائه ( { أو امرأة} ) عطف على رجل ( { وله أخ أو أخت} ) أي لأم ( { فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك} ) من واحد ( { فهم شركاء في الثلث} ) لأنهم يستحقون بقرابة الأم وهي لا ترث أكثر من الثلث، ولهذا لا يفضل الذكر منهم على الأنثى ( { من بعد وصية يوصي بها أو دين} ) وكرّرت الوصية لاختلاف الموصين فالأول الوالدان والأولاد والثاني الزوجة والثالث الزوج والرابع الكلالة ( { غير مضار} ) حال أي يوصي بها وهو غير مضار لورثته وذلك بأن يوصي زيادة على الثلث أو لوارث ( { وصية من الله} ) مصدر مؤكد أي يوصيكم بذلك وصية ( { والله عليم} ) بمن جار أو عدل في وصيته ( { حليم} ) [النساء: 11 - 12] على الجائر لا يعاجله بالعقوبة وسقط في رواية أبي ذر من قوله للذكر الخ وقال: بعد قوله { في أولادكم} إلى قوله { وصية من الله والله عليم حليم} .


[ قــ :6372 ... غــ : 6723 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ.
سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: مَرِضْتُ فَعَادَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَأَتَانِى وَقَدْ أُغْمِىَ عَلَىَّ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَبَّ عَلَىَّ وَضُوءَهُ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِى مَالِى كَيْفَ أَقْضِى فِى مَالِى؟ فَلَمْ يُجِبْنِى بِشَىْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ.

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن محمد بن المنكدر) .
الهدير التيمي المدني الحافظ أنه ( سمع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال:
سمعت ( جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنهما- ( يقول: مرضت فعادني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو
بكر)
-رضي الله عنه- ( وهما ماشيان) الواو فيه للحال ( فأتاني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر عن الكشميهني فأتياني أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر ( وقد أغمي عليّ) بتشديد الياء ( فتوضأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصبّ عليّ) بتشديد الياء ( وضوءه) بفتح الواو أي ماء وضوئه ( فأفقت) من إغمائي ( فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي كيف أقضي) بفتح الهمزة وكسر الضاد المعجمة ( في مالي فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية المواريث) بالجمع ولأبي ذر الميراث بالإفراد وهي { يوصيكم الله في أولادكم} إلى الآخر وزاد مسلم عن عمرو الناقد عن سفيان بن عيينة في آخر الحديث { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176] وهذه الزيادة مدرجة في الحديث.
وحديث الباب سبق في الطب.