فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: الولد للفراش، حرة كانت أو أمة

باب الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( الولد للفراش) بكسر الفاء أي لصاحب الفراش ( حرة كانت) أي المستفرشة ( أو أمة) .


[ قــ :6397 ... غــ : 6749 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّى فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ ابْنُ أَخِى عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِى وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِى وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِى قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِى وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِى وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: «احْتَجِبِى مِنْهُ» لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِىَ اللَّهَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: ( أخبرنا مالك) الإمام الأعظم ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عروة) بن الزبير ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت: كان عتبة) بضم العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة ابن أبي وقاص ( عهد إلى أخيه سعد) اختلف في صحبته وجزم السفاقسي والدمياطي أنه مات كافرًا وقوله عهد بفتح العين وكسر الهاء أي أوصاه ( أن ابن وليدة زمعة) بفتح الواو وكسر اللام أي جارية زمعة بفتح الزاي وسكون الميم وقد تفتح ابن قيس ولم تسم الوليدة نعم ذكر مصعب الزبيري وابن أخيه الزبيري في نسب قريش أنها كانت أمة يمانية وأما ولدها فعبد الرَّحمن ( مني) أي ابني ( فاقبضه إليك) بكسر الموحدة ( فلما كان عام الفتح) بنصب عام بتقدير في وبالرفع اسم كان ( أخذه سعد فقال) هذا ( ابن أخي) عتبة ( عهد إليّ فيه) بتشديد الياء من إليّ ( فقام عبد بن زمعة فقال) هو ( أخي وابن وليدة أبي) أي جارية أبي زمعة ( ولد على فراشه) من أمته المذكورة، وقد كانت عادة الجاهلية إلحاق النسب بالزنا، وكانوا يستأجرون الإماء للزنا فمن اعترفت الأم أنه له ألحق به ولم
يقع إلحاق بأن وليدة زمعة في الجاهلية، وقيل كانت موالي الولائد يخرجونهن للزنا ويضربون عليهن الضرائب وكانت وليدة زمعة كذلك.
قال في الفتح: والذي يظهر في سياق القصة أنها كانت أمة مستفرشة لزمعة فزنى بها عتبة، وكانت عادة الجاهلية في مثل ذلك أن السيد إن استحلقه لحقه وإن نفاه انتفى عنه وإن ادعاه غيره كان مردّ ذلك إلى السيد أو القافة فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة فاختصم فيه ( فتساوقا) أي تماشيا وتلازما بحيث أن كلاًّ منهما كان كالذي يسوق الآخر ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد: يا رسول الله) هذا ( ابن أخي قد كان) أخي عتبة ( عهد إليّ فيه) أنه ابنه ( فقال عبد بن زمعة) هو ( أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه) سقط قوله فقال سعد الخ لأبي ذر ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( هو) أي الولد ( لك يا عبد) بالضم ويفتح ( ابن زمعة) بنصب ابن أبي هو أخوك إما بالاستلحاق وإما بالقضاء بعلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن زمعة كان صهره أو هو لك ملكًا لأنه ابن وليدة أبيه من غيره لأن زمعة لم يقربه ولا شهدت به القافة عليه، والأصول تدفع قول ابنه فلم يبق إلا أنه عبد تبعًا لأمه قاله ابن جرير: وقال الطحاوي: معناه هو بيدك تدفع بها غيرك حتى يأتي صاحبه لا أنه ملك لك بدليل أمر سورة بالاحتجاب، ويؤيد الأول رواية البخاري في المغازي هو لك فهو أخوك يا عبد لكن في مسند أحمد وسنن النسائي ليس لك بأخ لكن أعلها البيهقي.
وقال المنذري إنها زيادة غير ثابتة.
وقال البيهقي: معنى قوله ليس لك بأخ أي شبيهًا فلا يخالف قوله لعبد هو أخوك.
وقال في الفتح: أو معنى قوله ليس لك بأخ بالنسبة للميراث من زمعة لأن زمعة مات كافرًا وخلف عبد بن زمعة والولد المذكور وسودة فلا حق لسودة في إرثه بل حازه عبد قبل الاستلحاق فإذا استلحق الابن المذكور شاركه في الإرث دون سودة فلذا قال لعبد: هو أخوك، وقال لسودة ليس لك بأخ ( الولد للفراش) أي لصاحب الفراش فهو على حذف مضاف أي زوجًا كان أو مولى حرة كانت أو أمة ( وللعاهر) وللزاني ( الحجر) أي لا حق له في النسب كقولهم له التراب عبر به عن الخيبة أي لا شيء له وقيل معناه وللزاني الرجم بالحجر واستبعد بأن ذلك ليس لجميع الزناة بل للمحصن بخلاف حمله على الخيبة فإنه على عمومه وأيضًا الحديث إنما هو في نفي الولد عنه لا في رجمه ( ثم قال) صلوات الله وسلامه عليه: ( لسودة بنت زمعة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- ( احتجبي منه) أي من عبد الرَّحمن استحبابًا للاحتياط ( لما رأى) بكسر اللام وتخفيف الميم أي لأجل ما رأى ( من شبهه) البين ( بعتبة فلما رآها) عبد الرَّحمن ( حتى لقي الله) عز وجل.

وفي الحديث أن الاستلحاق لا يختص بالأب بل للأخ أن يستحلق وهو قول الشافعية وجماعة بشرط أن يكون الأخ حائزًا أو يوافقه باقي الورثة وإمكان كونه من المذكور وأن يكون يوافق على ذلك إن كان بالغًا وعاقلاً وأن لا يكون معروف الأب.

والحديث سبق في البيوع والوصايا والمغازي ويجيء في الأحكام إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته وكرمه.




[ قــ :6398 ... غــ : 6750 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ».
[الحديث 6750 - طرفه في: 6818] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد البصري قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن محمد بن زياد) القرشي الجمحي مولاهم ( أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- يقول ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( الولد لصاحب الفراش) كذا في هذه الرواية، وللحديث سبب غير قصة ابن زمعة، فقد أخرجه أبو داود وغيره من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قام رجل فقال لما فتحت مكة إن فلانًا ابني فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الأثلب" قيل: ما الأثلب؟ قال: "الحجر".
وقد دل حديث ابن زمعة على أن الأمة تصير فراشًا بالوطء فإذا اعترف السيد بوطء أمته أو ثبت ذلك بطريق شرعيّ ثم أتت بولد لمدة الإمكان بعد الوطء لحقه من غير استلحاق كما في الزوجة، لكن الزوجة تصير فراشًا بمجرد العقد فلا يشترط في الاستلحاق إلا الإمكان لأنها تراد للوطء، فجعل العقد عليها كالوطء بخلاف الأمة فإنها تراد لمنافع أخرى فاشترط في حقها هذا قول الجمهور، وعن الحنفية لا تصير الأمة فراشًا إلا إذا ولدت من السيد ولدًا ولحق به فمهما ولدت بعد ذلك لحقه إلا أن ينفيه، وعن الحنابلة من اعترف بالوطء فأتت منه لمدة الإمكان لحقه وإن ولدت منه أولاً فاستحلقه لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار مستأنف على الراجح عندهم، ونقل عن الشافعي رحمة الله تعالى عليه أنه قال: إن لقوله الولد للفراش معنيين أحدهما ما لم ينفه فإذا نفاه بما شرع له كاللعان انتفى عنه، والثاني إذا تنازع رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش.
قال في فتح الباري: الثاني ينطبق على خصوص الواقعة، والأول أعمّ قال: وحديث الولد للفراش قال ابن عبد البر: من أصح ما يروى عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد جاء عن بضعة وعشرين نفسًا من الصحابة والله الموفق.