فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت

باب رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إِذَا أَحْصَنَتْ
( باب رجم الحبلى من الزنا) ولأبي ذر في الزنا ( إذا أحصنت) بأن تزوّجت واتفقوا على أنها لا ترجم إلا بعد الوضع.


[ قــ :6473 ... غــ : 6830 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَبَيْنَمَا أَنَا فِى مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِى آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إِلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِى فُلاَنٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِى بَكْرٍ إِلاَّ فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّى إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِى النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ، حِينَ تَقُومُ فِى النَّاسِ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعِى أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِى عَقِبِ ذِى الْحَجَّةِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْنَا الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِى رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلاً.

قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ
يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ فَأَنْكَرَ عَلَىَّ.

     وَقَالَ : مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِى أَنْ أَقُولَهَا لاَ أَدْرِى لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَىْ أَجَلِى فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِىَ أَنْ لاَ يَعْقِلَهَا فَلاَ أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَىَّ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى، إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنْ لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَلاَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ تُطْرُونِى كَمَا أُطْرِىَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّ قَائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلاَنًا فَلاَ يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِى بَكْرٍ فَلْتَةً، وَتَمَّتْ أَلاَ وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِى بَكْرٍ مَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلاَ يُبَايَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِى بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ أَنَّ الأَنْصَارَ، خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ: فَقُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ فَذَكَرَا مَا تَمَالَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمُ اقْضُوا أَمْرَكُمْ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا، وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِى أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَىْ أَبِى بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِى مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّى وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِى فِى تَزْوِيرِى إِلاَّ قَالَ: فِى بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلاَّ لِهَذَا الْحَىِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ،
فَأَخَذَ بِيَدِى وَبِيَدِ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِى لاَ يُقَرِّبُنِى ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ تُسَوِّلَ إِلَىَّ نَفْسِى عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لاَ أَجِدُهُ الآنَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاِخْتِلاَفِ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأَنْصَارُ وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِى بَكْرٍ خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لاَ نَرْضَى وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِى بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: ( حدثني) بالإفراد ( إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه ( قال: كنت أقرئ) أي أعلم ( رجالاً من المهاجرين) القرآن ( منهم عبد الرَّحمن بن عوف) ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسم أحد منهم غيره ( فبينما) بالميم ( أنا في منزله بمنى) بالتنوين وكسر الميم ( وهو عند عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ( في آخر حجة حجها) عمر -رضي الله عنه- سنة ثلاث وعشرين وجواب بينما قوله ( إذ رجع إليّ) بتشديد الياء ( عبد الرَّحمن) بن عوف ( فقال: لو رأيت رجلاً) قال في الفتح: لم أقف على اسمه ( أتى أمير المؤمنين اليوم) لرأيت عجبًا فالجواب محذوف أو كلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى الجواب ( فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان) لم يسم ( يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا) قال في في مسند البزار والجعديات بإسناد ضعيف: إن المراد بالذي يبايع له طلحة بن عبيد الله ولم يسم القائل ولا الناقل قال: ثم وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري بالإسناد المذكور في الأصل ولفظه: قال عمر بلغني أن الزبير قال: لو قد مات عمر لبايعنا عليًّا الحديث وهذا أصح.
وقال في الشرح: قوله لقد بايعت فلانًا هو طلحة بن عبيد الله أخرجه البزار من طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه، وعن عمر مولى غفرة بضم الغين المعجمة وسكون الفاء قالا قدم على أبي بكر مال فذكر قصة طويلة في قسم الفيء ثم قال: حتى إذا كان من آخر السنة التي حج فيها عمر قال بعض الناس: لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانًا يعنون طلحة بن عبيد الله، ونقل ابن بطال عن المهلب أن الذي عنوا أنهم يبايعونه رجل من الأنصار ولم يذكر مستنده، وأبدى الكرماني سؤالاً هنا فقال فإن قلت: لو حرف لازم أن يدخل على الفعل وهاهنا دخل على الحرف.
وأجاب: بأن قد هاهنا في تقدير الفعل إذ معناه لو تحقق موته أو قد مقحم.

( فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة) بفتح الفاء وسكون اللام بعدها فوقية ثم تاء تأنيث أي فجأة أي من غير تدبر ( فتمت) أي المبايعة بذلك ( فغضب عمر) -رضي الله عنه- زاد ابن إسحاق عند ابن أبي شيبة غضبًا ما رأيته غضب مثله منذ كان ( ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم) بالميم في اليونينية وفي غيرها بالنون ( هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم) بفتح التحتية وسكون الغين المعجمة وكسر الصاد المهملة منصوب بحذف النون، وفي رواية مالك يغتصبوهم بزيادة تاء الافتعال، ويروى أن يغضبونهم بالنون بعد الواو وهي لغة كقوله تعالى: { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة: 238] بالرفع وهو تشبيههم أن بما المصدرية فلا ينصبون بها أي الذين يقصدون أمورًا ليست من وظيفتهم ولا مرتبتهم فيريدون أن يباشروها بالظلم والغضب ولأر ذر عن الكشميهني: أن يعضبوهم بالعين المهملة والضاد المعجمة وفتح أوّله.

( قال عبد الرَّحمن) بن عوف -رضي الله عنه- ( فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل) ذلك فيه جواز الاعتراض على الإمام في الرأي إذا خشي من ذلك الفتنة واختلاف الكلمة ( فإن الموسم يجمع رعاع الناس) براء مفتوحة وعينين مهملتين بينهما ألف الجهلة الأراذل أو الشباب منهم ( وغوغائهم) بغينين معجمتين مفتوحتين بينهما واو ساكنة ممدودًا الكثير المختلط من الناس، وقال في الفتح: أصله صغار الجراد حين يبدأ في الطيران ويطلق على السفلة المسرعين إلى الشر ( فإنهم هم الذين يغلبون على قربك) بضم القاف وسكون الراء بعدها موحدة أي المكان الذي يقرب منك.
قال في الفتح: ووقع في رواية الكشميهني وابن زيد المروزي على قرنك بكسر القاف وبعد الراء نون بدل الموحدة قال: وهو خطأ انتهى.
وعزاها في المصابيح للأصيلي وقال: إن الأولى هي الظاهرة انتهى.
والذي في حاشية فرع اليونينية كأصلها معزوًّا لأبي ذر عن الكشميهني قومك بالميم بدل النون، وفي رواية ابن وهب عن مالك على مجلسك ( حين تقوم في الناس) للخطبة لغلبتهم ولا يتركون المكان القريب إليك لأولي النهي من الناس ( وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها) بضم التحتية وفتح الطاء المهملة بعدها تحتية مكسورة مشددة من أطار الشيء إذا أطلقه ولأبي ذر عن الحمويّ يطير بها بفتح التحتية وكسر الطاء وسكون التحتية ( عنك كل مطير) وفي نسخة كل مطير بفتح الميم وكسر الطاء أي يحملونها على غير وجهها ( وأن لا يعوها) لا يعرفوا المراد منها ( وأن لا يضعوها على مواضعها) وقال في الكواكب وفي بعض الروايات: وأن لا يضعونها بإثبات النون.
قال: وترك النصب جائز مع النواصب لكنه خلاف الأفصح وفيه أنه لا يوضع دقيق العلم إلا عند أهل الفهم له والمعرفة بمواضعه دون العام ( فأمهل) بقطع الهمزة وكسر الهاء ( حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسُّنّة فتخلص) بضم اللام بعدها صاد مهملة مضمومة والذي في الفرع وأصله فتخلص بالنصب مصححًا عليه أي تصل ( بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول) بالنصب وصحح عليه في الفرع كأصله ( ما قلت) حال كونك ( متمكنًا) بكسر الكاف منه ( فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها، فقال عمر) -رضي الله عنه- ( أما) بتخفيف الميم وألف بعدها حرف
استفتاح ولأبي ذر عن الكشميهني أم ( والله) بحذف الألف ( إن شاء لأقومن بذلك أوّل مقام أقومه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أقوم ( بالمدينة) بحذف الضمير ( قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: ( فقدمنا المدينة) من مكة ( في عقب ذي الحجة) بفتح العين وكسر القاف عند الأصيلي وعنده غيره بضم فسكون والأوّل أولى لأن الثاني يقال لما بعد التكملة والأوّل لما قرب منها يقال جاء عقب الشهر بالوجهين إذا جاء وقد بقيت منه بقية، وجاء عقبة بضم العين إذا جاء بعد تمامه والواقع لأن قدوم عمر -رضي الله عنه- كان قبل أن ينسلخ ذو الحجة في يوم الأربعاء.

( فلما كان يوم الجمعة) برفع يوم أو بالنصب على الظرفية ( عجلنا الرواح) بنون الجمع وللأصيلي وأبي ذر وأبي الوقت عجلت بتاء المتكلم وللكشميهني بالرواح، وزاد سفيان فيما رواه البزار وجاءت الجمعة وذكرت ما حدثني عبد الرَّحمن بن عوف فهجرت إلى المسجد ( حين زاغت الشمس) زالت عند اشتداد الحرّ ( حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء أحد العشرة ( جالساً إلى ركن المنبر) وقوله: حتى أجد بالنصب مصلحة على كشط في الفرع وكذا رأيت النصب في اليونينية.
وقال في الكواب: بالرفع.
قال ابن هشام: لا يرفع الفعل بعد حتى إلا إذا كان حالاً ثم إن كانت حاليته بالنسبة إلى زمن التكلم فالرفع واجب كقوله: سرت حتى أدخلها إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، وإن كانت حاليته ليست حقيقية بل كانت محكية جاز نصبه إذا لم تقدر الحكاية نحو: وزلزلوا حتى يقول الرسول: وقراءة نافع بالرفع بتقدير حتى حالتهم حينئذٍ أن الرسول والذين آمنوا معه يقولون كذا وكذا ( فجلست حوله) وفي رواية الإسماعيلي حذوه وفي رواية معمر فجلست إلى جنبه ( تمس ركبتي ركبته فلم أنشب) بفتح الهمزة والشين المعجمة بينهما نون ساكنة آخره موحدة أي أمكث ( أن خرج عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- بفتح همزة إن أي خرج من مكانه إلى جهة المنبر ( فلما رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) : ليستعد ويحضر فهمه ( ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف) وفي رواية مالك لم يقلها أحد ( قط قبله فأنكر عليّ) بتشديد الياء استبعادًا لذلك منه لأن الفرائض والسنن قد تقرّرت، وزاد سفيان فغضب سعيد ( وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله) وكان القياس كما نبه عليه الكرماني وتبعه البرماوي أن يقول ما عسى أن يقول فكأنه في معنى رجوت وتوقعت ( فجلس عمر) -رضي الله عنه- ( على المنبر فلما سكت المؤذنون) بالفوقية بعد الكاف من السكوت ضد النطق وضبطها الصغاني سكب بالموحدة بدل الفوقية أي أذنوا فاستعير السكب للإِضافة في الكلام كما يقال أفرغ في أذني كلامًا أي ألقى وصب ( قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدّر لي) بضم القاف مبنيًّا للمفعول ( أن أقولها لا أدري لعلها بين أيدي أجلي) بقرب وفاتي وهذا من موافقات عمر -رضي الله عنه- التي جرت على لسانه فوقعت كما قال وفي رواية أبي معشر عند البزار أنه قال في خطبته هذه: فرأيت رؤيا وما ذاك إلا عند اقتراب أجلي رأيت ديكًا نقرني، وفي مرسل سعيد بن المسيب مما في الموطأ أن عمر لما صدر من الحج دعا
الله أن يقبضه إليه غير مضيع ولا مفرط.
وقال في آخر القصة: فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر -رضي الله عنه- ( فمن عقلها) بفتح العين المهملة والقاف ( ووعاها) حفظها ( فليحدث بها حيث انتهت به راحلته) فيه الحض لأهل العلم والضبط على التبليغ والنشر في الأسفار ( ومن خشي أن لا يعقلها) بكسر الشن والقاف ( فلا أحل) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة ( لأحد) كان الأصل أن يقول لا أحل له ليرجع الضمير إلى الموصول لكن لما كان القصد الربط قام عموم أحد مقام الضمير ( أن يكذب علي) بتشديد الياء ( إن الله) عز وجل بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق وأنزل عليه الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قال ذلك توطئة لما سيقوله رفعًا للريبة ودفعًا للتهمة ( فكان مما) ولأبي ذر عن الكشميهني: فيما بالفاء بدل الميم ( أنزل الله) في الكتاب ( آية الرجم) وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وآية بالنصب والرفع في اليونينية وقال الطيبي بالرفع اسم كان وخبرها من التبعيضية في قوله مما ففيه تقديم الخبر على الاسم وهو كثير ( فقرأناها وعقلناها ووعيناها) ثم نسخ لفظها وبقي حكمها ( فلذا رجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمر برجم المحصنين ( ورجمنا بعده فأخشى) فأخاف ( إن) بكسر الهمزة ( طال بالناس زمان أن يقول) بفتح الهمزة ( قائل) منهم: ( والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا) بفتح التحتية ( بترك فريضة أنزلها الله) تعالى في كتابه في الآية المذكورة المنسوخة ( والرجم في كتاب الله حق) في قوله تعالى { أو يجعل الله لهن سبيلاً} [النساء: 15] بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن المراد به رجم الثيب وجلد البكر ففي مسند أحمد من حديث عبادة بن الصامت قال: أنزل الله تعالى على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم فلما أسري عنه قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً الثيب بالثيب والبكر بالبكر.
الثيب: جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر: جلد مائة ثم نفي سنة ورواه مسلم وأصحاب السنن من طرق بلفظ: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً.
البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب جلد مائة، والرجم قال في شرح المشكاة: التكرير في قوله: خذوا عني يدل على ظهور أمر قد خفي شأنه وأبهم فإن قوله قد جعل الله لهن سبيلاً مبهم في التنزيل ولم يعلم ما تلك السبيل أي الحدّ الثابت في حق المحصن وغيره، وقوله: البكر بالبكر بيان للمبهم وتفصيل للمجمل مصداقًا لقوله تعالى: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] وقد ذهب الإمام أحمد إلى القول بمقتضى هذا الحديث وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجم ماعزًا والغامدية واليهوديين ولم يجلدهم فدلّ على أن الجلد ليس بمحتم بل هو منسوخ، فعلم أن الرجم في كتاب الله حق ( على من رنى إذا أحصن) بضم الهمزة أي تزوّج وكان بالغًا عاقلاً ( من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة) بالزنا بشرطها المقرر في الفروع ( أو كان الحبل) بفتح الحاء المهملة والموحدة أي وجدت المرأة الخلية من زوج أو سيد حبلى ولم تذكر شبهة ولا إكراهًا ( أو) كان ( الاعتراف) أي الإقرار بالزنا والاستمرار عليه ( ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله) عز وجل مما نسخت تلاوته وبقي حكمه ( أن لا ترغبوا عن آبائكم) فتنتسبوا إلى غيرهم ( فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) إن
استحللتموه أو هو للتغليظ ( أو إن كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم) بالشك فيما كان من القرآن ( ألا) بالتخفيف حرف استفتاح كلام غير السابق ( ثم) وفي رواية مالك ألا و ( إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا تطروني) بضم الفوقية وسكون المهملة لا تبالغوا في مدحي بالباطل ( كما أطري) بضم الهمزة ( عيسى ابن مريم) وفي رواية سفيان كما أطرت النصارى عيسى في جعله إلهًا مع الله أو ابن الله ( وقولوا عبد الله ورسوله) وفي رواية مالك: فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله، ووجه إيراد عمر ذلك هنا أنه خاف على من لا قوّة له في الفهم أن يظن بشخص استحقاقه الخلافة فيقوم في ذلك مع أن المذكور لا يستحق فيظن به ما ليس فيه فيدخل في النهي، أو أن الذي وقع منه في مدح أبي بكر ليس من الإِطراء المنهي عنه، ولذا قال: ليس فيكم مثل أبي بكر.

( ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول والله لو مات) ولأبي ذر: لو قد مات ( عمر بايعت فلانًا فلا يغترن) بتشديد الراء والنون ( امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة) أي فجأة من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاوروا، أو المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار فبايعوا أبا بكر بحضرتهم، وقال ابن حبان: إنما كانت فلتة لأن ابتداءها كان من غير ملأ كثير ( وتمت ألا) بالتخفيف ( وإنها كانت كذلك) أي فلتة ( ولكن الله) بتشديد النون أو تخفيفها ( وقى) بتخفيف القاف أي دفع ( شرها وليس منكم) ولأبي ذر فيكم ( من تقطع الأعناق) أي أعناق الإبل من كثرة السير ( إليه مثل أبي بكر) في الفضل والتقدم لأنه سبق كل سابق فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر رضي الله عنه من المبايعة له أوّلاً في الملأ اليسير ثم اجتماع الناس إليه وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه لما اجتمع فيه من الصفات المحمودة من قوّته في الله ولين جانبه للمسلمين وحسن خلقه وورعه التام فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة أخرى وليس غيره في ذلك مثله ( من بايع رجلاً عن) ولأبي ذر عن الكشميهني كما في الفرع وأصله: من ( غير مشورة من المسلمين) بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو وبسكون الشين وفتح الواو ( فلا يبايع هو ولا الذي بايعه) بالموحدة وفتح الياء قبل العين فيهما كذا في الفرع وأصله، وفي فتح الباري فلا يبايع بالموحدة وجاء بالمثناة الفوقية وهو أولى لقوله هو ولا الذي تابعه اهـ.
أي من الأتباع ( تغرة أن يقتلا) أي المبايع والمبايع، وقوله: تغرة بمثناة فوقية مفتوحة وغين معجمة مكسورة وراء مشددة بعدها هاء تأنيث مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر.
قال في المصابيح: والذي يظهر لي في إعرابه أن يكون تغرة حالاً على المبالغة أو على حذف مضاف أي: ذا تغرة أي مخافة أن يقتلا فحذف المضاف الذي هو مخافة وأقيم المضاف إليه مقامه وهو تغرة، والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل ( وأنه) بكسر الهمزة ( قد كان من خبرنا) بموحدة مفتوحة ( حين توفى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الأنصار خالفونا) بفتح الهمزة خبر كان وفي رواية أبي ذر عن المستملي من خيرنا بالتحتية الساكنة بدل الموحدة يعني أبا بكر رضي الله عنه أن الأنصار بكسر الهمزة على أن ابتداء كلام آخر، وفي الفرع كأصله إلا أن الأنصار بكسر الهمزة وتشديد اللام، وقال العيني: إنها بالتخفيف لافتتاح الكلام ينبه بها المخاطب على ما يأتي وأنها على
رواية غير المستملي معترضة بين خبر كان واسمها، وسقطت لفظة ألا لأبي ذر كما في الفرع وأصله.

( واجتمعوا بأسرهم) بأجمعهم ( في سقيفة بني ساعدة) بفتح السين وكسر العين وفتح الدال المهملات أي صفتهم وكانوا يجتمعون عندها لفصل القضايا وتدبير الأمور ( وخالف عنا عليّ والزبير ومن معهما) فلم يجتمعوا معنا عندها حينئذٍ ( واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار) وفي رواية جويرية عن مالك: فبينا نحن في منزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا برجل ينادي من وراء الجدار: أخرج إليّ يا ابن الخطاب.
فقلت: إليك إني مشغول.
قال: أخرج إليّ إنه قد حدث أمر إن الأنصار اجتمعوا فأدركهم قبل أن يحدثوا أمرًا يكون بينكم فيه حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق ( فانطلقنا نريدهم) زاد جويرية فلقينا أبا عبيدة بن الجراح فأخذ أبو بكر بيده يمشي بيني وبينه ( فلما دنونا) قربنا ( منهم لقينا) بكسر القاف وفتح الياء منهم ( رجلان صالحان) عويم بن ساعدة ومعن بن عدي الأنصاري كما سماهما المصنف في غزوة بدر، وكذا رواه البزار في مسند عمر.
قال في المقدمة: وفيه ردّ على من زعم أن عويم بن ساعدة مات في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فذكرا ما تمالى) ولأبي ذر: ما تمالأ بالهمزة أي اتفق ( عليه القوم) من أنهم يبايعون لسعد بن عبادة ( فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم) لا بعد أن زائدة ( اقضوا أمركم) وفي رواية سفيان: أمهلوا حتى تقضوا أمركم ( فقلت: والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمّل) بتشديد الميم الثانية مفتوحة أي متلفف بثوبه ( بين ظهرانيهم) بفتح الظاء المعجمة والنون في وسطهم ( فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن عبادة.
فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك)
بضم التحتية وفتح العين المهملة أي يحصل له الوعك وهو حمى بنافض ولذا زمّل في ثوب.

( فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم) قال في المقدمة: قيل هو ثابت بن قيس بن شماس وهو الظاهر لأنه خطيب الأنصار ( فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله) لدينه ( وكتيبة الإسلام) بمثناة فوقية فموحدة وفتح الكاف بوزن عظيمة الجيش المجتمع ( وأنتم معشر المهاجرين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي معاشر المهاجرين ( رهط) من ثلاثة إلى عشرة أي فأنتم قليل بالنسبة إلى الأنصار ( وقد دفت) بفتح الدال المهملة والفاء المشددة سارت ( دافة) بزيادة ألف بين الدال والفاء رفقة قليلة من مكة إلينا من الفقر ( من قومكم) أيها المهاجرون ( فإذا هم يريدون أن يختزلونا) بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة وفتح الفوقية وكسر الزاي بعدها لام يقطعونا ( من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر) أي من الإمارة ويستأثروا بها علينا ويحضنونا بالحاء المهملة الساكنة وضم الضاد المعجمة وتكسر، ولأبي ذر عن المستملي: أي يخرجونا قاله أبو عبيدة كذا في الفرع وأصله أي يخرجونا مع قوله قاله أبو عبيدة يقال: حضنه واحتضنه عن الأمر أخرجه في ناحية عنه واستبد به أو حبسه عنه، وفي رواية أبي عليّ بن السكن مما في فتح الباري يحتصونا بمثناة فوقية قبل الصاد المهملة المشدّدة.
قال: وللكشميهني يحصونا بإسقاط الفوقية وهي بمعنى الاقتطاع
والاستئصال قال عمر -رضي الله عنه-: ( فلما سكت) خطيب الأنصار ( أردت أن أتكلم وكنت زوّرت) بفتح الزاي والواو المشددة بعدها ساكنة هيأت وحسنت ولأبي ذر قد زوّرت ( مقالة أعجبتني أريد) ولأبي ذر عن الكشميهني أردت ( أن أقدمها بين يدي أبي بكر) قال الزهري فيما رأيته في اللامع: أراد عمر بالمقالة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يمت ( وكنت أداري) بضم الهمزة وكسر الراء بعدها تحتية وللأصيلي أدارئ بالهمز أدافع ( منه بعض) ما يعتريه من ( الحدّ) بالحاء المفتوحة والدال المشددة المهملتين أي الحدّة كالغضب ونحوه ( فلما أردت أن أتكلم.
قال أبو بكر)
رضي الله- عنه: ( على رسلك) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي استعمل الرفق والتؤدة ( فكرهت أن أغضبه) بضم الهمزة وسكون الغين وكسر الضاد المعجمتين وبالموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني: أن أعصيه بفتح الهمزة وبالعين والصاد المهملتين ثم التحتية ( فتكلم أبو بكر) -رضي الله عنه- ( فكان هو أحلم مني) أحلم بالحاء المهملة الساكنة واللام المفتوحة من الحلم وهو الطمأنينة عند الغضب ( وأوقر) بالقاف من الوقار التأني في الأمور والرزانة عند التوجه إلى المطالب ( والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل) زاد الكشميهني منها ( حتى سكت فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل) زاد ابن إسحاق في روايته عن الزهري أنا والله يا معشر الأنصار ما ننكر فضلكم ولا بلاءكم في الإسلام ولا حقكم الواجب علينا ( ولن يعرف) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول ( هذا الأمر) أي الخلافة ( إلا لهذا الحيّ من قريش هم) أي قريش، ولأبي ذر عن الكشميهني: هو أي الحي ( أوسط العرب) أعدلها وأفضلها ( نسبًا ودارًا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا) بكسر المثناة التحتية ( أيهما شئتم) فإن قلت: كيف جاز لأبي بكر أن يقول ذلك وقد جحله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إمامًا في الصلاة وهي عمدة الإسلام؟ أجيب: بأنه قاله تواضعًا وأدبًا وعلمًا منه أن كلاًّ منهما لا يرى نفسه أهلاً لذلك مع وجوده وأنه لا يكون للمسلمين إلا إمام واحد.

قال عمر: ( فأخذ) أبو بكر ( بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو) أي أبو بكر ( جالس بيننا فلم أكره مما قال) أي أبو بكر ( غيرها كان والله أن أقدم) بضم الهمزة وفتح الدال المشددة ( فتضرب عنقي لا يقرّبني) بضم أوله وفتح القاف ( ذلك) الضرب لعنقي ( من إثم) أي ضربًا لا أعصي الله به ( أحب إلي) بتشديد الياء ( من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر) -رضي الله عنه- ( اللهم إلا أن تسوّل) بكسر الواو المشددة أي تزين ( إليّ) بالهمزة وتشديد الياء ولأبي ذر لي ( نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن فقال قائل الأنصار) : حباب بن المنذر بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى البدري، ولأبي ذر عن الكشميهني من الأنصار ( أنا جذيلها المحكك) بضم الجيم وفتح الذال المعجمة مصغر الجذل بفتح الجيم وكسرها وسكون المعجمة وهو أصل الشجر ويراد به هنا الجذع الذي تربط إليه الإبل الجرباء وتنضم إليه لتحتك والتصغير للتعظيم والمحكك بضم الميم وفتح الحاء وفتح الكاف الأولى مشددة اسم مفعول ووصفه بذلك لأنه صار أملس لكثرة ذلك يعني أنا ممن يستشفى به كما تستشفي الإبل الجرباء بهذا الاحتكاك ( وعذيقها) بالذال المعجمة والقاف مصغر عذق بفتح العين وسكون المعجمة النخلة وبالكسر العرجون ( المرجّب) بضم الميم وفتح الراء
والجيم المشدّدة بعدها موحدة اسم مفعول من قولك رجبت النخلة ترجيبًا إذا دعمتها ببناء أو غيره خشية عليها لكرامتها وطولها وكثرة حملها أن تقع أو ينكسر شيء من أغصانها أو يسقط شيء من حملها، وقيل هو ضم أعذاقها إلى سعفها وشدها بالخوص لئلا تنفضها الريح أو هو وضع الشوك حولها لئلا تصل إليها الأيدي المتفرقة ( منا) معشر الأنصار ( أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط) بفتح اللام والغين المعجمة الصوت والجلبة ( وارتفعت الأصوات حتى فرقت) بكسر الراء خفت ( من الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر) أبايعك ( فبسط يده) .
وأخرج النسائي من طريق عاصم عن زر بن حبيش بسند حسن أن عمر قال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر أبا بكر أن يؤم بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
وعند الترمذي وحسنه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بهذا الأمر؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ وأخرج الذهلي في الزهريات بسند صحيح عن ابن عباس عن عمر قال: قلت يا معشر الأنصار إن أولى الناس بنبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار ثم أخذت بيده ( فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار) بفوقية ساكنة بعد العين ( ونزونا) بنون وزاي مفتوحتين وثبنا ( على سعد بن عبادة فقال قائل منهم) : لم يسم ( قتلتم سعد بن عبادة) أي صيرتموه بالخذلان وسلب القوة كالمقتول قال عمر ( فقلت: قتل الله سعد بن عبادة) إخبار عما قدره الله تعالى من منعه الخلافة أو دعاء عليه لكونه لم ينصر الحق، واستجيب له فقيل إنه تخلف عن البيعة وخرج إلى الشأم فوجد ميتًا في مغتسله وقد اخضرّ جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول ولا يرونه:
قد قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عبادة
فرميناه بسهمين ... فلم نخط فؤاده
( قال عمر) -رضي الله عنه-: ( وإنا) بكسر الهمزة وتشديد النون ( والله ما وجدنا فيما حضرنا) بسكون الراء.
قال الكرماني، وتبعه البرماوي والعيني: أي من دفن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر) -رضي الله عنه- لأن إهمال أمر المبايعة كان يؤدي إلى الفساد الكليّ، وأما دفنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان العباس وعلي وطائفة مباشرين لذلك.
وقال في الفتح: فيما حضرنا بصيغة الفعل الماضي ومن أمر في موضع المفعول أي حضرنا في تلك الحالة أمور فما وجدنا منها أقوى من مبايعة أبي بكر، والأمور التي حضرت حينئذٍ الاشتغال بالمشاورة واستيعاب من يكون أهلاً لذلك قال: وجعل بعض الشراح فيها الاشتغال بتجهيزه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشكل بدفنه وهو محتمل، لكن ليس في سياق القصة إشعار به بل تعليل عمر يرشد إلى الحصر فيما يتعلق بالاستخلاف وهو قوله: ( خشينا) أي خفنا ( إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا فإما بايعناهم) بالموحدة أوله وللكشميهني تابعناه بالمثناة الفوقية والموحدة قبل الغين ( على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد) ولأبي ذر والأصيلي فسادًا بالنصب خبر كان ( فمن بايع رجلاً على غير
مشورة)
بضم المعجمة ( من المسلمين فلا يتابع) بضم التحتية وفتح الفوقية وبعد الألف موحدة والجزم على النهي وفي اليونينية بالرفع ( هو ولا الذي بايعه) بالموحدة وبعد الألف تحتية ( تغرّة) بفتح الفوقية وكسر المعجمة وتشديد الراء مفتوحة بعدها هاء تأنيث منونة مخافة ( أن يقتلا) فلا يطمعن أحد أن يبايع وتتم له المبايعة كما وقع لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.

ومطابقة الحديث لما ترجم به في قوله: إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة.