فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم، إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام

باب أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِحْصَانِهِمْ إِذَا زَنَوْا وَرُفِعُوا إِلَى الإِمَامِ
( باب) بيان ( أحكام أهل الذمة) اليهود والنصارى ( و) بيان ( إحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام) بأنفسهم أو جاء بهم غيرهم للدعوى عليهم.


[ قــ :6480 ... غــ : 6840 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى عَنِ الرَّجْمِ فَقَالَ: رَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: أَقَبْلَ النُّورِ أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِى.

تَابَعَهُ عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمُحَارِبِىُّ وَعَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ.
.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمُ: الْمَائِدَةُ.

وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري ويقال له التبوذكي قال: ( حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: ( حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة فألف فنون فتحتية سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي قال: ( سألت عبد الله بن أبي أوفى) واسمه علقمة بن خالد الأسلمي ( عن الرجم) أي عن حكم رجم من ثبت أنه زنى وهو محصن
( فقال: رجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: أقبل) نزول آية سورة ( النور) الزانية والزاني ( أم) رجم ( بعده؟) بعد النزول، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعد بضم الدال من غير ضمير ( قال: لا أدري) فيه دلالة على أن الصحابي الجليل قد يخفى عليه بعض الأمور الواضحة وأن الجواب بلا أدري من العالم لا عيب عليه فيه بل يدل على تحريه وتثبته ( تابعه) أي تابع عبد الواحد ( علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء بعدها راء أبو الحسن القرشي الكوفي فيما وصله ابن أبي شيبة ( وخالد بن عبد الله) الطحان فيما وصله المؤلّف في باب رجم المحصن ( والمحاربي) بضم الميم بعدها حاء مهملة وبعد الألف راء مكسورة فموحدة عبد الرحمن بن محمد الكوفي ( وعبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة وسكون التحتية ( ابن حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم الضبي الكوفي فيما وصله الإسماعيلي الأربعة ( عن الشيباني) سليمان في روايته عن عبد الله بن أبي أوفى ( وقال بعضهم) : هو عبيدة بن حميد أحد المذكورين ( المائدة) بدل سورة النور والمائدة رفع في رواية أبي ذر ولغيره بالجر بتقدير سورة المائدة ( والأول) القائل سورة النور ( أصح) .




[ قــ :6481 ... غــ : 6841 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَجِدُونَ فِى التَّوْرَاةِ فِى شَأْنِ الرَّجْمِ؟» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِى عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس بن عبد الله أبو عبد الله الأصبحي ابن أخت مالك وصهره على ابنته قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام الأعظم ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: إن اليهود) من خيبر وذكر ابن العربي عن الطبري والثعلبي عن المفسرين منهم كعب بن الأشرف، وكعب بن أسعد، وسعيد بن عمرو، ومالك بن الصيف، وكنانة بن أبي الحقيق، وشاس بن قيس، ويوسف بن عازوراء ( جاؤوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في السنة الرابعة في ذي القعدة ( فذكروا له أن رجلاً) لم يسم وفتحت أن لسدّها مسدّ المفعول ( منهم وامرأة) تسمى بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة ( زنيا) وقوله منهم يتعلق بمحذوف صفة لرجل وصفة المرأة محذوفة لدلالة ما تقدم عليه فالتقدير وامرأة منهم، ويجوز أن يتعلق منهم بحال من ضمير الرجل والمرأة في زنيا والتقدير أن رجلاً وامرأة زنيا منهم أي في حال كونهما من اليهود، وعند أبي داود من طريق الزهري سمعت رجلاً من مزينة ممن تتبع العلم وكان عند سعيد بن المسيب يحدّث عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا
بها عند الله وقلنا فتيا نبي من أنبيائك قال: فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا ( فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما تجدون في التوراة) ما مبتدأ من أسماء الاستفهام وتجدون جملة في محل الخبر والمبتدأ والخبر معمول للقول وتقدير الاستفهام أي شيء تجدونه في التوراة فيتعلق حرف الجر بمفعول ثان لتجدون ( في شأن الرجم) إنما سألهم إلزامًا لهم بما يعتقدونه في كتابهم الموافق لحكم الإسلام إقامة للحجة عليهم.
وإظهارًا لما كتموه وبدّلوه من حكم التوراة فأرادوا تعطيل نصّها ففضحهم الله وذلك إما بوحي من الله إليه أنه موجود في التوراة لم يغير وإما بإخبار من أسلم منهم كعبد الله بن سلام كما يأتي ( فقالوا: نفضحهم ويجلدون) بفتح النون والمعجمة بينهما فاء ساكنة أي نجد أن نفضحهم ويجلدوا فيكون نفضحهم معمولاً على الحكاية لنجد المقدّر أي ادعوا أن ذلك في التوراة على زعمهم وهم كاذبون، ويحتمل أن يكون ذلك مما فسروا به التوراة ويكون مقطوعًا عن الجواب أي الحكم عندنا أن نفضحهم ويجلدوا فيكون خبر مبتدأ محذوف بتقدير أن وإنما أتى بأحد الفعلين مبنيًّا للفاعل والآخر مبنيًّا للمفعول إشارة إلى أن الفضيحة موكولة إليهم إلى اجتهادهم أي نكشف مساوئهم، وفي رواية أيوب عن نافع في التوحيد قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما.
وفي رواية عبيد الله بن عمر قالوا: نسوّد وجوههما ونحممهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما.

( قال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام ( كذبتم إن فيها الرجم) فائتوا بالتوراة ( فأتوا بالتوراة فنشروها) أي فتحوا التوراة وبسطوا ( فوضع أحدهم) هو عبد الله بن صوريا ( يده على آية الرجم) منها ( فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم) وقد وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم في رواية أبي هريرة ولفظه: المحصن والمحصنة إذا زنيا فقامت عليهما البيّنة رجما وإن كانت المرأة حبلى تربّص بها حتى تضع ما في بطنها.
وعند أبي داود من حديث جابر: إنا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما.
زاد البزار من هذا الوجه فإن وجدوا الرجل مع المرأة في بيت أو في ثوب أو على بطها فهي ريبة وفيها عقوبة ( قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم) وفي رواية البزار قال يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فما منعكم أن ترجموهما؟ قالوا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، وفي حديث البراء نجد الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ فقلنا تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم ( فأمر بهما) بالزانيين ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجما) قال ابن عمر ( فرأيت الرجل يحني) بفتح التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر النون بعدها تحتية والرؤية بصرية فيكون يحني في موضع الحال وقوله ( على المرأة) يتعلق به أي يعطف عليها ( يقيها الحجارة) يحتمل أن تكون الجملة بدلاً من يحني أو حالاً أخرى وأل في الحجارة للعهد أي حجارة الرمي، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: يجنأ بجيم بدل الحاء المهملة وفتح النون بعدها همزة.
قال ابن دقيق العيد: إنه الراجح في الرواية أي
أكبّ عليها.
وغرض المؤلّف أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان وإلاّ لم يرجم اليهوديين، وإليه ذهب الشافعي وأحمد.
وقال المالكية ومعظم الحنفية: شرط الإحصان الإسلام وأجابوا عن حديث الباب بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شيء وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن.
وأجيب: بأنه كيف يحكم عليهم بما لم يكن في شرعه مع قوله تعالى: { وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49] وفي قولهم وإن في التوراة الرجم على من لم يحصن نظر لما تقدم من رواية المحصن والمحصنة الخ ... ويؤيده أن الرجم جاء ناسخًا للجلد كما تقدم تقريره ولم يقل أحد أن الرجم شرع ثم نسخ بالجلد، وإذا كان أصل الرجم باقيًا منذ شرع فما حكم عليهما بالرجم بمجرد حكم التوراة بل يشرعه الذي استمر حكم التوراة عليه.

والحديث سبق في باب علامات النبوة.