فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من استعان عبدا أو صبيا

باب مَنِ اسْتَعَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا
وَيُذْكَرُ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ بَعَثَتْ إِلَى مُعَلِّمِ الْكُتَّابِ ابْعَثْ إِلَىَّ غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ صُوفًا وَلاَ تَبْعَثْ إِلَىَّ حُرًّا.

( باب من استعان عبدًا أو صبيًّا) بالنون في استعان وللنسفي والإسماعيلي استعار بالراء بدل النون فهلك في الاستعمال وجبت دية الحر وقيمة العبد، فإن استعان حرًّا بالغًا متطوّعًا أو بإجارة وأصابه شيء فلا ضمان عليه عند الجميع إن كان ذلك العمل لا غرر فيه.

( وذكر) مبني للمفعول ( أن أم سليم) والدة أنس ولأبي ذر أن أم سلمة هند زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بعثت إلى معلم الكُتّاب) بكسر اللام المشددة وللنسفي إلى معلم كتاب بضم الكاف وتشديد الفوقية فيهما.
قال الجوهري: الكُتَّاب الكتبة ( ابعث إلي) بتشديد الياء ( غلمانًَا) أي يبلغوا الحلم ( ينفشون صوفًا) بضم الفاء والشن المعجمة ( ولا تبعث إلي حرًّا) بتشديد الياء أيضًا.
قال في الكواكب: لعل غرضها من منع بعث الحر التزام الجبر وإيصال العوض لأنه على تقدير هلاكه في ذلك العمل لا تضمنه بخلاف العبد فإن الضمان عليها لو هلك به، وفي الفتح: وإنما خصت أم سلمة العبيد لأن العرف جرى برضا السادة باستخدام عبيدهم في الأمر اليسير الذي لا مشقة فيه بخلاف الأحرار، وهذا الأثر وصله الثوري في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه عنه عن محمد بن المنكدر عن أم سلمة.
قال في الفتح: وكأنه منقطع بين ابن المنكدر وأمّ سلمة ولذلك لم يجزم به البخاري فذكره بصيغة التمريض.


[ قــ :6546 ... غــ : 6911 ]
- حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِى فَانْطَلَقَ بِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِى الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَوَاللَّهِ مَا قَالَ لِى لِشَىْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا وَلاَ لِشَىْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأوّل وضم الزاي بعدها راءان بينهما ألف آخره هاء تأنيث في الثاني النيسابوري قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا ( إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية ( عن عبد العزيز) بن صهيب ( عن أنس) -رضي الله عنه- أنه ( قال: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) من مكة مهاجرًا وليس له خادم يخدمه ( أخذ أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس ( بيدي فانطلق بي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن أنسًا غلام كيس) أي عاقل ( فليخدمك) بسكون اللام والجزم على الطلب ( قال) أنس ( فخدمته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في الحضر والسفر فوالله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا) أي لم يعترض عليه لا في فعل ولا ترك ففيه حسن خلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لعلى خلق عظيم واعلم أن ترك اعتراضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أنس -رضي الله عنه- إنما هو فيما يتعلق بالخدمة والآداب لا فيما يتعلق بالتكاليف الشرعية فإنه لا يجوز ترك الاعتراض فيها.

ومطابقة ذلك للترجمة من جهة أن الخدمة مستلزمة للاستعانة أو اعتمد على ما في سائر الروايات أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: التمس لي غلامًا يخدمني، وقد كان أنس في كفالة أمه فأحضرته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان زوجها معها فنسب الإحضار إليها تارة وإليه أخرى، وهذا صدر من أم سليم أوّل قدومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة.
وكانت لأبي طلحة في إحضاره أنسًا قصة أخرى وذلك عند إرادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخروج إلى خيبر كما سبق في المغازي.