فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم

باب حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِىُّ وَإِبْرَاهِيمُ: تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، وَاسْتِتَابَتِهِمْ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى:
{ كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا
لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ}
[آل عمران: 86 - 90]
وَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100]
وَقَالَ: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137]
وَقَالَ: { مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ، عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]
{ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ} [النحل الآيات: 106 - 109] يَقُولُ حَقًّا: { أَنَّهُمْ فِى الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ...مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
{ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ، عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] .

( باب حكم) الرجل ( المرتد و) حكم المرأة ( المرتدّة) هل هما سواء؟
( وقال ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما- فيما أخرجه ابن أبي شيبة ( والزهري) محمد بن مسلم فيما أخرجه عبد الرزاق ( وإبراهيم) النخعي فيما أخرجه عبد الرزاق أيضًا ( تقتل) المرأة ( المرتدة) إن لم تتب وعن ابن عباس فيما رواه أبو حنيفة عن عاصم عن أبي رزين عنه لا تقتل النساء إذا هنّ ارتددن أخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني وخالفه جماعة من الحفاظ في لفظ المتن، وأخرج الدارقطني من طرق عن ابن المنكدر عن جابر أن امرأة ارتدّت فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها قال في الفتح وهو يعكر على ما نقله ابن الطلاع في الأحكام أنه لم ينقل عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قتل مرتدّة ( واستتابتهم) كذا ذكره بعد الآثار المذكورة وقدم ذلك في رواية أبي ذر على ذكر الآثار وللقابسي واستتابتهما بالتثنية وهو أوجه ووجه الجمع قال في فتح الباري: على إرادة الجنس، وتعقبه العيني فقال: ليس بشيء بل هو على قول من يرى إطلاق الجمع على التثنية.

( وقال الله تعالى) في سورة آل عمران ( { كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم} ) استبعاد لأن يهديهم الله فإن الحائد عن الحق بعد ما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد، وقيل نفي وإنكار له وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتدّ والآية نزلت في رهط أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتدّ ثم ندم فأرسل إلى قومه فقالوا يا رسول الله هل له من توبة فنزلت ( { كيف يهدي الله قومًا} ) إلى قوله: ( { إلا الذين تابوا} ) فأسلم رواه النسائي وصححه ابن حبان والواو في قوله تعالى:
( { وشهدوا أن الرسول حق} ) للحال وقد مضمرة أي كفروا وقد شهدوا أن الرسول أي محمدًا حق أو للعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا ( { وجاءهم البينات} ) أي الشواهد كالقرآن وسائر المعجزات ( { والله لا يهدي القوم الظالمين} ) ما داموا مختارين الكفر أو لا يهديهم طريق الجنة إذا ماتوا على الكفر ( { أولئك} ) مبتدأ ( { جزاؤهم} ) مبتدأ ثان خبره ( { أن عليهم لعنة الله} ) وهما خبر أولئك أو جزاؤهم بدل اشتمال من أولئك ( { والملائكة والناس أجمعين خالدين} ) حال من الهاء والميم في عليهم ( { فيها} ) في اللعنة أو العقوبة أو النار وإن لم يجر ذكرهما لدلالة الكلام عليهما وهو يدل بمنطوقة على جواز لعنهم وبمفهومه ينفي جواز لعن غيرهم ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون من الهدى مأيوسون من الرحمة بخلاف غيرهم والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضًا يلعن منكر الحق والمرتدّ عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه قاله القاضي: ( { لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك} ) الارتداد ( { وأصلحوا} ) ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح ( { فإن الله غفور} ) لكفرهم ( { رحيم} ) بهم ( { إن الذين كفروا} ) بعيسى والإنجيل ( { بعد إيمانهم} ) بموسى والتوراة ( { ثم ازدادوا كفرًا} ) بمحمد والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرًا بإصرارهم على ذلك وطعنهم فيه في كل وقت أو نزلت في الذين ارتدّوا ولحقوا بمكة وازديادهم الكفر أن قالوا نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون ( { لن تقبل توبتهم} ) إيمانهم لأنهم لا يتوبون أو لا يتوبون إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكنى عن عدم توبتهم بعدم قبولها ( { وأولئك هم الضالون} ) الثابتون على الضلال وسقط لأبي ذر من قوله: ( { وجاءهم بالبينات} ) إلى آخر قوله: ( { الضالون} ) وقال بعد قوله: ( { حق} ) إلى قوله: ( { غفور رحيم} ) .

( وقال) جل وعلا: ( { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب} ) التوراة ( { يردوكم بعد إيمانكم} ) بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( { كافرين} ) [آل عمران: 100] وفيها إشارة إلى التحذير عن مصادقة أهل الكتاب إذ لا يؤمنون أن يفتنوا مَن صادقهم عن دينه.

( وقال) تعالى: ( { إن الذين آمنوا} ) بموسى ( { ثم كفروا} ) حين عبدوا العجل ( { ثم آمنوا} ) بموسى بعد عوده ( { ثم كفروا} ) بعيسى ( { ثم ازدادوا كفرًا} ) بكفرهم بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( { لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً} ) [النساء: 137] إلى النجاة أو إلى الجنة أو هم المنافقون آمنوا في الظاهر وكفروا في السر مرة بعد أخرى وازدياد الكفر منهم ثباتهم عليه إلى الموت وسقط من قوله: ( { ثم آمنوا} ) إلى آخر الآية.
وقال بعد ( { ثم كفروا} ) إلى ( { سبيلاً} ) .

( وقال) تعالى ( { من يرتدّ} ) بتشديد الدال بالإدغام تخفيفًا ولأبي ذر من يرتدد بالإظهار على الأصل وامتنع الإدغام للجزم وهي قراءة نافع وابن عامر ( { منكم عن دينه} ) من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر ( { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ) قيل هم أهل
اليمن وقيل هم الفرس.
وقيل الذين جاهدوا يوم القادسية والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف أي فسوف يأتي الله بقوم مكانهم ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة ومحبة العباد له إرادة طاعته والتحرز من معاصيه ( { أذلة على المؤمنين} ) عاطفين عليهم متذللين لهم جمع ذليل واستعماله مع على إما لتضمين معنى العطف والحنوّ أو التنبيه على أنهم مع علوّ طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم ( { أعزة على الكافرين} ) [المائدة: 54] أشداء عليهم فهم على المؤمنين كالولد لوالده والعبد لسيده ومع الكافرين كالسبع على فريسته وسقط لأبي ذر من قوله أذلة إلى آخر الآية.

( { ولكن} ) ولأبي ذر وقال أي الله جل وعلا ولكن ( { من شرح بالكفر صدرًا} ) طاب به نفسًا وأعتقده ( { فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} ) إذ لا أعظم من جرمه ( { ذلك} ) أي الوعيد وهو لحوق الغضب والعذاب العظيم ( { بأنهم استحبوا} ) آثروا ( { الحياة الدنيا على الآخرة} ) أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة ( { وأن الله لا يهدي القوم الكافرين} ) ما داموا مختارين للكفر ( { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم} ) فلا يتدبرون ولا يصغون إلى المواعظ ولا يبصرون طريق الرشاد ( { وأولئك هم الغافلون} ) الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها ( { لا جرم} ) يقول حقًّا أنهم في الآخرة ( { هم الخاسرون} ) إذ ضيعوا أعمارهم وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلد ( إلى قوله: { إن ربك من بعدها} ) من بعد الأفعال المذكورة قبل وهي الهجرة والجهاد والصبر ( { لغفور} ) لهم ما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية ( { رحيم} ) [النحل: 106 - 110] لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه وسقط لأبي ذر ( { فعليهم غضب} ) إلى آخر لغفور رحيم.

( { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم} ) إلى الكفر وحتى معناها التعليل نحو فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة أي يقاتلونكم كي يردّوكم وقوله: ( { وإن استطاعوا} ) استبعاد لاستطاعتهم ( { ومن يرتدد منكم عن دينه} ) ومن يرجع عن دينه إلى دينهم ( { فيمت وهو كافر} ) أي فيمت على الردة ( { فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} ) لما يفوتهم بالردّة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام وفي الآخرة من الثواب وحسن المآب ( { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ) [البقرة: 217] كسائر الكفرة واحتج إمامنا الشافعي بالتقييد في الردة بالموت عليها أن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت عليها وقال الحنفية قد علق الحبط بنفس الردة بقوله ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله والأصل عندنا أن المطلق لا يحمل على المقيد، وعند الشافعي يحمل عليه وسقط لأبي ذر من قوله: { ومن يرتدد} وقال بعد قوله: { والآخرة} إلى قوله: { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} .


[ قــ :6557 ... غــ : 6922 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أُتِىَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه - بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ
أُحْرِقْهُمْ لِنَهْىِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل) قال: ( حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني ( عن عكرمة) مولى ابن عباس أنه ( قال: أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية ( علي) هو ابن أبي طالب ( -رضي الله عنه- بزنادقة) بفتح الزاي جمع زنديق بكسرها وهو المبطن للكفر المظهر للإسلام كما قاله النووي والرافعي في كتاب الردة وبابي صفة الأئمة والفرائض أو من لا ينتحل دينًا كما قالاه في اللعان، وصوّبه في المهمات، وقيل: إنهم طائفة من الروافض تدعى السبئيّة ادّعوا أن عليًّا -رضي الله عنه- إله وكان رئيسهم عبد الله بن سبأ بفتح السين المهملة وتخفيف الموحدة وكان أصله يهوديًّا ( فأحرقهم) وعند الإسماعيلي من حديث عكرمة أن عليًّا أتي بقوم قد ارتدّوا عن الإسلام أو قال بزنادقة ومعهم كتب لهم فأمر بنار فأنضجت ورماهم فيها ( فبلغ ذلك) الإحراق ( ابن عباس) وكان إذ ذاك أميرًا على البصرة من قبل علي -رضي الله عنهم- ( فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن القتل بالنار بقوله.

( لا تعذبوا بعذاب الله) وسقط لا تعذبوا بعذاب الله لغير أبي ذر، وفي حديث ابن مسعود عند أبي داود في قصة أخرى أنه لا يعذب بالنار إلا رب النار وقول ابن عباس هذا يحتمل أن يكون مما سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من بعض الصحابة ( ولقتلتهم لقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بدّل دينه فاقتلوه) ومن عام يخص منه من بدل دينه في الباطن ولم يثبت ذلك عليه في الظاهر فإنه يجرى عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر لكن مع الإكراه، واستدلّ به على قتل المرتدة كالمرتد، وخصه الحنفية بالذكر للنهي عن قتل النساء وبأن من الشرطية لا تعم المؤنث.
وأجيب: بأن ابن عباس راوي الحديث وقد قال يقتل المرتدة، وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدّت والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد وفي حديث معاذ لما بعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وأيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلاّ فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلاّ فاضرب عنقها.
قال في الفتح: وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فجيب المصير إليه، واستدلّ به على قتل الزنديق من غير استتابة، وأجيب بأن في بعض طرق الحديث أن عليًّا استتابهم، وقد قال الشافعي رحمه الله: يستتاب الزنديق كما يستتاب المرتد.
واحتج من قال بالأول بأن توبة الزنديق لا تعرف.

والحديث سبق في الجهاد.




[ قــ :6558 ... غــ : 693 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِى رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَحَدُهُمَا، عَنْ يَمِينِى وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِى وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَاكُ فَكِلاَهُمَا سَأَلَ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» قَالَ:.

قُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَطْلَعَانِى عَلَى مَا فِى أَنْفُسِهِمَا وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتِ شَفَتِهِ قَلَصَتْ فَقَالَ: «لَنْ أَوْ لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ إِلَى الْيَمَنِ» ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً قَالَ: انْزِلْ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ قَالَ: اجْلِسْ قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ تَذَاكَرْنَا قِيَامَ اللَّيْلِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَرْجُو فِى نَوْمَتِى مَا أَرْجُو فِى قَوْمَتِى.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن قرة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( حميد بن هلال) بضم الحاء المهملة وفتح الميم العدوي أبو نصر البصري الثقة العالم قال: ( حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث ( عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه ( قال: أقبلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعي رجلان من الأشعريين) وفي مسلم رجلان من بني عمي ( أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستاك فكلاها) أي كلا الرجلين ( سأل) بحذف المسؤول، ولمسلم أمرنا على بعض ما ولاك الله ( فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يا أبا موسى أو) قال ( يا عبد الله بن قيس) بالشك من الراوي بأيهما خاطبه، وعند أبي داود عن أحمد بن حنبل ومسدد كلاهما عن يحيى القطان بسنده فيه فقال: ما تقول يا أبا موسى فذكر ما لم يذكره من القول في رواية الباب ( قال) أبو موسى ( قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما) أي داعية الاستعمال ( وما شعرت أنهما يطلبان العمل فكأني أنظر إلى سواكه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( تحت شفته قلصت) بفتح القاف واللام المخففة والصاد المهملة انزوت أو ارتفعت ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( لن أو لا تستعمل على عملنا من أراده) والشك من الراوي وعند الإمام أحمد قال إن أخونكم عندنا من يطلبه ( ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو) قال ( يا عبد الله بن قيس إلى اليمن) أي عاملاً عليها ( ثم أتبعه) بهمزة ففوقية ساكنة ثم موحدة مفتوحة ( معاذ بن جبل) بالنصب على المفعولية أي بعثه بعده وظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه وفي نسخة ثم اتبعه بهمزة وصل وتشديد الفوقية معاذ بن جبل بالرفع على الفاعلية ( فلما قدم) معاذ ( عليه) على أبي موسى ( ألقى له وسادة) كما هي عادتهم أنهم إذا أرادوا إكرام رجل وضعوا الوسادة تحته مبالغة في الإكرام ( قال أنزل) فاجلس على الوسادة ( وإذا رجل عنده) قال في الفتح: لم أقف على اسمه ( موثق) بضم الميم وسكون الواو وفتح المثلثة مربوط بقيد ( قال) معاذ لأبي موسى ( ما هذا؟) الرجل الموثق ( قال: كان يهوديًّا فأسلم ثم تهوّد) وعند الطبراني عن معاذ وأي موسى أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرهما أن يعلما الناس فزار معاذ أبا موسى فإذا عنده رجل موثق بالحديد فقال يا أخي أبعثت نعذب الناس إنما بعثنا نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم فقال إنه أسلم ثم كفر فقال والذي بعث
محمدًا بالحق لا أبرح حتى أحرقه بالنار ( قال) أبو موسى لمعاذ: ( جلس قال: لا أجلس حتى يقتل) هذا ( قضاء الله و) قضاء ( رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي حكمهما أن من رجع عن دينه وجب قتله قال معاذ ذلك ( ثلاث مرات) وعند أبي داود أنهما كررا القول أبو موسى يقول أجلس ومعاذ يقول لا أجلس.
قال في الفتح: فعلى هذا فقوله ثلاث مرات من كلام الراوي لا تتمة كلام معاذ ( فأمر به) أبو موسى ( فقتل) وأخرج أبو داود من طريق طلحة بن يحيى ويزيد بن عبد الله كلاهما عن أبي بردة عن أبي موسى قال قدم عليّ معاذ فذكر الحديث، وفيه فقال: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل فقتل قال أحدهما وكان قد استتيب قبل ذلك ( ثم تذاكرا) معاذ وأبو موسى ( قيام الليل) وفي رواية سعيد بن أبي بردة فقال كيف تقرأ القرآن أي في صلاة الليل ( فقال أحدهما) : وهو معاذ ( أما أنا) بتشديد الميم ( فأقوم) أصلي متهجدًا ( وأنام وأرجو) الأجر ( في نومتي) أي لترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط له عند القيام ( ما) أي الذي ( أرجو) من الأجر ( في قومتي) بفتح القاف وسكون الواو أي قيامي بالليل.

وفي الحديث كراهة سؤال الإمارة والحرص عليها ومنع الحريص منها لأن فيه تهمة ويوكل إليها ولا يعان عليها فينجر إلى تضييع الحقوق لعجزه وفيه إكرام الضيف وغير ذلك مما يظهر بالتأمل.

والحديث سبق مختصرًا ومطوّلاً في الإجارة ويجيء إن شاء الله تعالى في الأحكام بعون الله وقوّته.