فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قتل من أبى قبول الفرائض، وما نسبوا إلى الردة

باب قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ
( باب قتل من أبى قبول الفرائض) أي امتنع من التزام الأحكام الواجبة والعمل بها ( وما) مصدرية ( نسبوا) بضم النون وكسر السين ونسبتهم ( إلى الردة) وقال الكرماني وتبعه البرماوي ما نافية.
وقال العيني: الأظهر أنها موصولة والتقدير وقتل الذين نسبوا إلى الردة.


[ قــ :6559 ... غــ : 6924 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال:
( أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود ( أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: لما توفي النبي) ولأبي ذر نبي الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستخلف) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول ( أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- ( وكفر من كفر من العرب) وفي حديث أنس عند ابن خزيمة لما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ارتد عامة العرب.
قال في شرح المشكاة: يريد غطفان وفزارة وبني سليم وبني يربوع وبعض بني تميم وغيرهم فمنعوا الزكاة فأراد أبو بكر أن يقاتلهم ( قال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله) ولأبي ذر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرت) بضم الهمزة وكسر الميم ( أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عند مسلم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ويؤمنوا بي وبما جئت به ( فمن قال لا إله إلا الله عصم) ولأبي ذر فقد عصم ( مني ما له ونفسه) فلا يجوز هدر دمه واستباحة ماله بسبب من الأسباب ( إلا بحقه) إلا بحق الإسلام من قتل نفس محرمة أو ترك صلاة أو منع زكاة بتأويل باطل ( وحسابه على الله) فتترك مقاتلته ولا يفتش باطنه هل هو مخلص أم لا فإن ذلك إلى الله وحسابه عليه.




[ قــ :6559 ... غــ : 695 ]
- قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِى عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.

( قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق) بتشديد الراء وتخفف ( بين الصلاة والزكاة) بأن أقرّ بالصلاة وأنكر الزكاة جاحدًّا أو مانعًا مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول الحديث الكفر ليشمل المصنفين، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم.
وقال المازري: ظاهر السياق أن عمر كان موافقًا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والحديث موردًا واحدًا، ثم استدلّ أبو بكر -رضي الله عنه- لمنع التفرقة التي ذكرها بقوله ( فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق النفس فمن صلّى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله.
قال الطيبي: هذا الردّ يدل على أن عمر -رضي الله عنه- حمل الحق في قوله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه على غير الزكاة وإلا لم يستقم استشهاده بالحديث على منع المقاتلة ولا ردّ أبي بكر -رضي الله عنه- بقوله: فإن الزكاة حق المال ( والله لو منعوني عناقًا) بفتح العين الأنثى من ولد المعز وفي رواية ذكرها أبو عبيد لو منعوني جديًا أذوط وهو الصغير الفك والذقن وهو يؤيد أن الرواية عناقًا فرواية عقالاً المروية في مسلم وهم كما قال بعضهم قيل وإنما ذكر العناق مبالغة في التقليل لا العناق نفسها لكن قال النووي إنها كانت صغارًا فماتت أمهاتها في بعض الحول فتزكى بحول أمهاتها ولو لم يبق من الأمهات شيء على الصحيح ويتصوّر فيما إذا مات معظم الكبار وحدث صغار فحال الحول في الكبار على بقيتها وعلى الصغار ( كانوا يؤدّونها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعها.
قال عمر)
-رضي الله عنه-:
( فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت) من صحة احتجاجه ( أنه الحق) لا أنه قلده في ذلك لأن المجتهد لا يقلد مجتهدًا والمستثنى منه في قوله ما هو إلا أن رأيت غير مذكور أي ليس الأمر شيئًا إلا علمي بأن أبا بكر محق وهو نحو قوله تعالى: { وما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 4] هي ضمير مبهم يفسره ما بعده.

والحديث سبق في الزكاة.