فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب

باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ
وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الْمَظَالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الْمَظْلُومِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَلاَ قِصَاصَ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ هِبَةً وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِى الإِسْلاَمِ وَسِعَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ».
.

     وَقَالَ  بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، لَمْ يَسَعْهُ لأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ، أَوِ ابْنَكَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ يَلْزَمُهُ فِى الْقِيَاسِ، وَلَكِنَّا
نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ: الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ، وَكُلُّ عُقْدَةٍ فِى ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِى رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ.

     وَقَالَ  النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ: إِبْرَاهِيمُ لاِمْرَأَتِهِ هَذِهِ أُخْتِى» وَذَلِكَ فِى اللَّهِ.

     وَقَالَ  النَّخَعِىُّ: إِذَا كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ.

( باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا خاف عليه القتل) بأن يقتله إن لم يحلف اليمين التي أكرهه الظالم عليها ( أو نحوه) كقطع اليد لا حنث عليه كما قاله ابن بطال عن مالك والجمهور ولفظه: ذهب مالك والجمهور إلى أنّ من أكره على يمين إن لم يحلفها قتل أخوه المسلم لا حنث عليه وقال الكوفيون يحنث لأنه كان له أن يوري فلما ترك التورية صار قاصدًا لليمين فيحنث وأجاب الجمهور بأنه إذا أكره على اليمين فنيته مخالفة لقوله والأعمال بالنيات ( وكذلك كل مكره) بفتح الراء ( يخاف فإنه) أي المسلم ( يذب) بفتح التحتية وضم الذال المعجمة يدفع ( عنه الظالم ويقاتل دونه) أي عنه ( ولا يخذله) بالذال المعجمة المضمومة لا يترك نصرته ( فإن قاتل دون المظلوم) أي عنه غير قاصد قتل الظالم بل الدفع عن المظلوم فقط فأتى على الظالم ( فلا قود عليه ولا قصاص) هو تأكيد لأنهما بمعنى أو القصاص أعم من النفس ودونها والقود في النفس غالبًا ( وإن قيل له لتشربن الخمر) وأكرهه على ذلك ( أو لتأكلن الميتة) وأكرهه على أكلها ( أو لتبيعن عبدك) وأكرهه على بيعه ( أو تقر بدين) لفلان على نفسك ليس عليك ( أو تهب هبة) بغير طيب نفس منك ( أو تحل) بفتح الفوقية وضم الحاء المهملة فعل مضارع ( عقدة) بضم العين وسكون القاف آخره تاء تأنيث تفسخها كالطلاق والعتاق وفي بعض النسخ وكل عقدة بالكاف بدل الحاء مبتدأ مضاف لعقدة وخبره محذوف أي كذلك ( أو لنقتلن) بنون قبل القاف ( أباك أو أخاك في الإسلام) أعم من القريب وزاد أبو ذر عن الكشميهني وما أشبه ذلك ( وسعه) بكسر السين المهملة جاز له جميم ( ذلك) ليخلص أباه أو أخاه المسلم ( لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السابق ذكره في باب المظالم ( المسلم أخو المسلم) يظلمه ولا يسلمه.

( وقال بعض الناس) : قيل هم الحنفية ( لو قيل له) أي لو قال ظالم لرجل ( لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لنقتلن ابنك أو أباك أو ذا رحم محرم) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة أو بضم الميم والتشديد ( لم يسعه) أي يجز له أن يفعل ما أمره به ( لأن هذا ليس بمضطر) في ذلك لأن الإكراه إنما يكون فيما يتوجه إلى الإنسان في خاصة نفسه لا في غيره وليس له أن يعصي الله حتى يدفع عن غيره بل الله سائل الظالم ولا يؤاخذ المأمور لأنه لم يقدر على الدفع إلا بارتكاب ما لا يحل له ارتكابه فليصبر على قتل ابنه فإنه لا إثم عليه فإن فعل يأثم وقال الجمهور لا يأثم ( ثم ناقض) بعض الناس قوله هذا ( فقال: إن قيل له) أي إن قال ظالم لرجل ( لنقتلن) بنون بعد اللام الأولى ( أباك أو ابنك أو لتبيعن هذا العبد أو تقرّ) ولأبي ذر أو لتقرن ( بدين أو تهب) هبة ( يلزمه في القياس) لما سبق أنه يصبر على قتل أبيه وعلى هذا ينبغي أن يلزمه كل ما عقد على نفسه من عقد ثم ناقض هذا المعنى بقوله ( ولكنا نستحسن ونقول البيع والهبة وكل عقدة) بضم العين ( في ذلك
باطل)
فاستحسن بطلان البيع ونحوه بعد أن قال يلزمه في القياس ولا يجوز له القياس فيها وأجاب العيني بأن المناقضة ممنوعة لأن المجتهد يجوز له أن يخالف قياس قوله بالاستحسان والاستحسان حجة عند الحنفية.
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: ( فرقوا) أي الحنفية ( بين كل ذي رحم محرم وغيره) من الأجنبي ( بغير كتاب ولا سنّة) فلو قال ظالم لرجل: لنقتلن هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن أو تقر أو تهب ففعل ذلك لينجيه من القتل لزمه جميع ما عقد على نفسه من ذلك ولو قيل له ذلك في المحارم لم يلزمه ما عقده في استحسانه، والحاصل أن أصل أبي حنيفة اللزوم في الجميع قياسًا لكنه يستثني من له منه رحم استحسانًا، ورأى البخاري أن لا فرق بين القريب والأجنبي في ذلك لحديث المسلم: أخو المسلم فإن المراد أخوّة الإسلام لا النسب، ثم استشهد لذلك بقوله:
( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في أحاديث الأنبياء عليهم السلام ( قال إبراهيم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( لامرأته) لما طلبها الجبار ولأبي ذر عن الكشميهني لسارّة ( هذه أختي) قال البخاري ( وذلك في الله) أي في دين الله لا أخوة النسب إذ نكاح الأخت كان حرامًا في ملة إبراهيم، وهذه الأخوة توجب حماية أخيه المسلم والدفع عنه فلا يلزمه ما عقد من البيع ونحوه ووسعه الشرب والأكل ولا إثم عليه في ذلك كما لو قيل له: لتفعلن هذه الأشياء أو لنقتلنك وسعه في نفسه إتيانها ولا يلزمه حكمها وأجاب العيني بأن الاستحسان غير خارج عن الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: { فيتبعون أحسنه} [الزمر: 18] وأما السنة فقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما رآه المؤمنون حسنًا فهو حسن عند الله.

( وقال النخعي) بفتح النون والخاء المعجمة إبراهيم فيما وصله محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عنه ( إذا كان المستحلف ظالمًا فنية الحالف وإن كان مظلومًا فنية المستحلف) قال في الكواكب فإن قلت: كيف يكون المستحلف مظلومًا؟ قلت: المدعي المحق إذا لم يكن له بنية ويستحلفه المدعى عليه فهو مظلوم، وعند المالكية النية نيّة المظلوم أبدًا وعند الكوفيين نية المظلوم أبدًا، وعند الشافعية نيّة القاضي وهي راجعة إلى نية المستحلف فإن كان في غير القاضي فنية الحالف.


[ قــ :6585 ... غــ : 6951 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( أن سالمًا أخبره أن) أباه ( عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( المسلم أخو المسلم لا يظلمه) بفتح أوله ( ولا يسلمه) بضم أوله أي ولا يخذله ( ومن كان في) قضاء ( حاجة أخيه) المسلم ( كان الله في) قضاء ( حاجته) .

والحديث سبق في كتاب المظالم بهذا الإسناد.




[ قــ :6586 ... غــ : 695 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) البزاز بمعجمتين الأولى مشددة بعد الموحدة المعروف بصاعقة قال: ( حدّثنا سعيد بن سليمان) الواسطي وهو أيضًا من شيوخ المؤلّف قال: ( حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة الواسطي قال: ( أخبرنا عبيد الله) بضم العين ( ابن أبي بكر بن أنس عن) جده ( أنس رضي الله عنه) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( انصر أخاك) المسلم ( ظالمًا أو مظلومًا فقال رجل) : لم أعرف اسمه ( يا رسول الله أنصره) بهمزة قطع مفتوحة ورفع الراء ( إذا كان مظلومًا أفرأيت) الفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة وأطلق الرؤية وأراد الإخبار والاستفهام وأراد الأمر أي أخبرني ( إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( تحجزه) بالحاء المهملة الساكنة بعدها جيم فزاي ولأبي ذر عن الكشميهني تحجزه بالراء بدل الزاي ( أو) قال ( تمنعه من الظلم فإن ذلك) المنع ( نصره) والشك من الراوي.

والحديث سبق في المظالم.