فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: الصلاة كفارة

باب الصَّلاَةُ كَفَّارَةٌ
هذا ( باب) بالتنوين ( الصلاة كفارة) للخطايا، ولأبي ذر والمستملي وفي نسخة للأصيلي باب تكفير الصلاة لإضافة باب لتاليه.



[ قــ :511 ... غــ : 525 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، كَمَا قَالَهُ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ! أَوْ عَلَيْهَا -لَجَرِيءٌ.
قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ.
قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ.
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا.
قَالَ: يُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ.
قَالَ: إِذَنْ لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا.
قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ.
إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ.
فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ".
[الحديث 525 - أطرافه في: 1435، 1895، 3586، 7096] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا يحيي) القطان ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( قال: حدّثني) بالإفراد ( شقيق) أبو وائل بن سلمة الأسدي ( قال: سمعت حذيفة) بن اليمان، وللمستملي حدّثني بالإفراد حذيفة رضي الله عنه حال كونه ( قال) :
( كنّا جلوسًا) أي جالسين ( عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة) المخصوصة وهي في الأصل الاختبار والامتحان.
قال حذيفة رضي الله عنه: ( قلت: أنا) أحفظ ( كما قاله) أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكاف في كما زائدة للتأكيد ( قال) عمر لحذيفة: ( إنك عليه) أي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أو عليها) على المقالة ( لجريء) بوزن فعيل من الجرأة أي جسور مقدام قاله على جهة الإنكار والشك من حذيفة أو من غيره من الرواة.
قال

حذيفة: ( قلت) هي ( فتنة الرجل في أهله) بأن يأتي من أجلهم بما لا يحل من القول والفعل.

( و) فتنته في ( ماله) بأن يأخذه من غير مأخذه ويصرفه في غير مصرفه، ( و) فتنته في ( ولده) بفرط المحبة والشغل به عن كثير من الخيرات أو التوغّل في الاكتساب من أجلهم من غير اتقاء المحرمات ( و) فتنته في ( جاره) بأن يتمنى مثل حاله إن كان متسعًا مع الزوال هذه كلها ( تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر) بالمعروف.
( والنهى) عن المنكر كما صرح به في الزكاة وكلها تكفر الصغائر فقط لحديث "إن الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر" ففيه تقييد لما أطلق.

فإن قلت: إذا كانت الصغائر مكفّرة باجتناب الكبائر فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ أجيب: بأنه لا يتم اجتناب الكبائر إلاّ بفعل الصلوات الخمسة فإن لم يفعلها لم يكن مجتنبًا للكبائر فتوقف التكفير على فعلها.

( قال) عمر رضي الله عنه ( ليس هذا) الذي ذكرته ( أريد، ولكن) الذي أريده ( الفتنة) بالنصب مفعول فعل مقدّر أي أريد الفتنة الكبرى الكاملة ( التي تموج كما يموج البحر) أي تضطرب كاضطرابه، وما مصدرية ( قال) حذيفة لعمر: ( ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، وإن بينك وبينها بابًا) وللأربعة لبابًا ( مغلقًا) بالنصب صفة لسابقه اسم مفعول من أغلق رباعيًا أي لا يخرج شيء من الفتن في حياتك ( قال) عمر؛ ( أيكسر) هذا الباب ( أم يفتح؟ قال) حذيفة: ( يكسر.
قال)
عمر: ( إذا) جواب وجزاء أي إن انكسر ( لا يغلق أبدًا) فإن الإغلاق إنما يكون في الصحيح؛ وأما الكسر فهو هتك لا يجبر، ولذلك انخرق عليهم بقتل عثمان رضي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الفتن ما لا يغلق إلى يوم القيامة، وإذا حرف ناصب ولا يغلق منصوب بها لوجود ما اشترط في عملها وهو تصديرها، وكون الفعل مستقبلاً واتصاله بها وانفصاله عنها بالقسم أو بلا النافية لا يبطل عملها، وفي كتابة إذا بالنون خلاف وللكشميهني لا يغلق بالرفع بتقدير نحو ب الباب أو هو قال شقيق.
( قلنا) لحذيفة ( أكان عمر) رضي الله عنه ( يعلم الباب؟ قال: نعم) يعلمه ( كما) يعلم ( أن دون الغد الليلة) أي أن الليلة أقرب من الغد قيل: وإنما علمه عمر رضي الله عنه لأنه عليه الصلاة والسلام كان على حراء هو والعمران وعثمان رضي الله عنهم فاهتز فقال عليه الصلاة والسلام: "إنما عليك نبي وصديق وشهيدان" قال.
حذيفة: ( اني حدّثته) أي عمر ( بحديث) صدق عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ليس بالأغاليط) بفتح الهمزة جمع أغلوطة بضمها.
قال شقيق: ( فهبنا) أي خفنا ( أن نسأل حذيفة) من الباب ( فأمرنا مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله ( فسأله، فقال) حذيفة: ( الباب) هو ( عمر) رضي الله عنه ولا تغاير بين "قوله" أولاً إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، وبين قوله هنا: إنه هو الباب، لأن المراد بقوله بينك أي بين زمانك وزمان الفتنة وجود حياتك.
وعلم حذيفة بذلك مستند إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقرينة السياق والسؤال والجواب، وقيل: إن عمر لما رأى الأمر كان يتغير سأل عن الفتنة التي تأتي بعده خوفًا أن يدركها مع أنه علم الباب الذي تكون الفتنة بعد كسره، لكنه من شدة الخوف خشي أن يكون نسي فسأل من ذكره.


ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصريين وكوفيين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وعلامات النبوّة والفتن والصوم، ومسلم والترمذي وابن ماجة في الفتن.




[ قــ :51 ... غــ : 56 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ "أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِي هَذَا؟ قَالَ لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ».
[الحديث 56 - طرفه في: 4687] .

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد ( قال: حدثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء وسكون المثناة التحتية ( عن سليمان) بضم السين وفتح اللام ابن طرخان ( التيمي) البصري ( عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ بلام مشددة مع تثليث الميم ( النهدي) بفتح النون وسكون الهاء المخضرم العابد ( عن ابن مسعود) عبد الله.

( أن رجلاً) هو أبو اليسر بفتح المثناة التحتية والسين المهملة كعب بن عمرو الأنصاري أبو حبة بالموحدة التمار، أو ابن معتب الأنصاري؛ أو أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري، أو نبهان التمار أو عباد ( أصاب من امرأة) أنصارية ( قبلة) فقط من غير مجامعة ( فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن ندم على فعله وعزم على تلافي حاله ( فأخبره) بذلك ( فأنزل الله عز وجل) { أقم الصلاة طرفي النهار} غدوة وعشية { وزلفًا من الليل} وساعات منه قريبة من النهار، فإنه من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة، وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلوات من أول النهار، وصلاة العشية العصر وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء { إن الحسنات يذهبن} أي يكفرن ( السيئات) [هود: 114] الصغائر لحديث:"إن الصلاة إلى الصلاة مكفرات ما بينهما ما اجتنبت الكبائر" ( فقال الرجل) المعهود: ( يا رسول الله ألي هذا) ؟ بهمزة الاستفهام واسم الإشارة مبتدأ مؤخر ولي خبر مقدم ليفيد الاختصاص ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هو ( لجميع أمتي كلهم) مبالغة في التأكيد، لكن سقط كلهم من رواية المستملي كذا قاله العيني كابن حجر، والذي في الفرع كأصله رقم علامة سقوطها لأبي ذر عن الكشميهني والحموي والأصيلي والله أعلم.


ورواته الخمسة بصريون ما خلا قتيبة، وفيه التحديث والعنعنة وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير وابن ماجة في الصلاة.