فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس

باب الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
( باب) حكم ( الصلاة بعد) صلاة ( الفجر حتى ترتفع الشمس) .


[ قــ :565 ... غــ : 581 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ".

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا.

وبالسند قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي ( قال: حدّثنا هشام) الدستوائي ( عن قتادة) بن دعامة ( عن أبي العالية) الرياحي واسمه رفيع ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما ( قال: شهد عندي) ليس بمعنى الشهادة عند الحاكم وإنما معناه أخبرني وأعلمني ( رجال) عدول ( مرضيون) لا شك في صدقهم ودينهم ( وأرضاهم عندي عمر) بن الخطاب رضي الله عنه.

( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم ( عن الصلاة) التي لا سبب لها ( بعد) صلاة ( الصبح حتى تشرق الشمس) بضم المثناة الفوقية وكسر الراء كذا لأبي ذر أي تضيء وترتفع كرمح ولغيره تشرق بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب أي حتى تطلع ( و) تكره الصلاة أيضًا ( بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب) الشمس، فلو أحرم بما لا سبب له كالنافلة المطلقة لم تنعقد كصوم يوم العيد بخلاف ما له سبب كفرض أو نفل فائتين فلا كراهة فيهما، لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بعد العصر سُنَّة الظهر التي فاتته رواه الشيخان، فالسُّنّة الحاضرة والفريضة الفائتة أولى، وكذا صلاة جنازة وكسوف وتحية مسجد وسجدة شكر وتلاوة.
ومنع أبو حنيفة مطلقًا إلاّ عصر يومه والنهي في الحديث متعلق بأداء الصلاة لا بالوقت فتعين التقدير بالصلاة في الموضعين.
نعم يتعلق أيضًا بمن لم يصل من الطلوع إلى الارتفاع كرمح ومن الاستواء إلى الزوال ومن الإصفرار حتى تغرب للنهي عن الصلاة فيها في صحيح مسلم، لكن ليس فيه ذكر الرمح وأشار الرافعي إلى ذلك بقوله ربما انقسم الوقت الواحد إلى متعلق بالفعل وإلى متعلق بالزمان.

ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه روار تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.




[ قــ :565 ... غــ : 58 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحَرَّوْا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا».
[الحديث 58 - أطرافه في: 585، 589، 119، 169، 373] .


وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا يحيى) القطان ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن قتادة) بن دعامة أنه ( قال سمعت أبا العالية) الرياحي ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ناس بهذا) أي بهذا الحديث بمعناه وفي هذه الطريق التصريح بسماع قتادة لهذا الحديث من أبي العالية ومتابعة شعبة لهشام.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) المذكور ( قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان ( عن هشام) أي ابن عروة ( قال: أخبرني أبي) عروة بن الزبير ( قال: أخبرني) وللأصيلي حدّثني بالإفراد فيهما ( ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( قال) :
( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تحرّوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفًا أي لا تقصدوا ( بصلاتكم) بالموحدة وللأصيلي لصلاتكم ( طلوع الشمس ولا غروبها) .
خرج بالقصد عدمه فلو استيقظ من نومه أو ذكر ما نسيه فليس بقاصد وفي الروضة كأصلها لو دخل المسجد في أوقات الكراهة ليصلّي التحية فوجهان.
أقيسهما الكراهة كما لو أخر الفائتة ليقضيها فيها انتهى.

قال في الغرر البهية: وينبغي أن يكون المكروه الدخول لغرض التحية وتأخير الفائتة إلى ذلك الوقت أما فعلها فيه فكيف يكون مكروهًا وقد يكون واجبًا بأن فاتته عمدًا بل العصر المؤداة تأخيرها لتفعل وقت الاصفرار مكروه، ولا نقول بعد التأخير أن إيقاعها فيه مكروه بل واجب، وأقول: بل فعل كلٌّ من ذلك فيما ذكر مكروه أيضًا لقوله: "لا تحرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها" لكن المؤداة منعقدة لوقوعها في وقتها بخلاف التحية والفائتة المذكورتين وكونها قد تجب لا يقتضي صحتها فيما ذكر لأنه بالتأخير إلى ذلك مراغم للشرع بالكلية، ولأن المانع مقدّم على المقتضي عند اجتماعهما.
وقد قيل هذا الحديث مفسّر للسابق أي لا تكره الصلاة بعد الصلاتين إلا لمن قصد بها
طلوع الشمس وغروبها، وجزم الأكثرون بأن المراد أنه نهي مستقل وجعلوا الكراهة مع القصد وعدمه، وقيل: إن قومًا كانوا يتحرّون طلوع الشمس وغروبها فيسجدون لها عبادة من دون الله، فنهى عليه الصلاة والسلام أن يتشبّه بهم.

وفي هذا الحديث رواية الابن عن الأب والتحديث والعنعنة والإخبار والقول، وأخرجه المؤلّف في صفة إبليس لعنه الله تعالى، ومسلم والنسائي كلاهما مقطعًا في الصلاة.




[ قــ :566 ... غــ : 583 ]
- وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ».
تَابَعَهُ عَبْدَةُ.
[الحديث 583 - طرفه في: 37] .

( وقال) عروة بن الزبير: ( حدّثني) بالإفراد ولأبي الوقت والهروي قال وحدّثني ( ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( قال) :

( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا طلع حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي به لأنه أوّل
ما يبدو منها فيصير كحاجب الإنسان وللأصيلي حاجب الشمس ( فأخّروا الصلاة) أي التي لا سبب لها ( حتى) أي إلى أن ( ترتفع) الشمس ( وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة) أي التي لا سبب لها ( حتى تغيب) .
زاد المؤلّف في بدء الخلق من طريق عبدة "فإنها تطلع بين قرني شيطان".
وعند مسلم من حديث عمرو بن عبسة: وحينئذٍ يسجد لها الكفّار، ومراد المؤلّف بسياق هذا الحديث المحافظة على لفظتي حدّثنا وأخبرنا بناء على الفرق أو المبالغة في التحفظ.
( تابعه) ولابن عساكر قال محمد: يعني البخاري تابعه أي تابع يحيى القطان على رواية هذا الحديث عن هشام ( عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان مما أخرجه المؤلّف في بدء الخلق.




[ قــ :568 ... غــ : 584 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلاَتَيْنِ: نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.
وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَعَنْ الاِحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
وَعَنِ الْمُنَابَذَة، ِ وَالْمُلاَمَسَةِ".

وبه قال: ( حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة القرشي الهباري بفتح الهاء والموحدة المشددة ( عن أبي أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة ( عن عبد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص العمري ( عن خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأنصاري الخزرجي ( عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه:
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيعتين وعن لبستين) بكسر الموحدة واللام لأن المراد الهيئة لا المرة
وفي الفرع كأصله فتح الموحدة واللام وبالوجهين ضبطهما العيني، ( و) نهى ( عن صلاتين نهى عن الصلاة بعد) صلاة ( الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد) صلاة ( العصر حتى تغرب الشمس) أي إلا لسبب كما مر، ( وعن اشتمال الصماء،) بالصاد المهملة والمد، ( وعن الاحتباء) بالحاء المهملة ( في ثوب واحد) ورجلاه متجافيتان عن بطنه ( يفضي بفرجه) وللهروي والأصيليّ وابن عساكر يفضي فرجه ( إلى السماء.
وعن المنابذة،)
بالذال المعجمة بأن يطرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، ( وعن الملامسة) بأن يلمس الثوب قبل أن ينظر إليه، وللأصيلي وعن الملامسة والمنابذة.

ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محالها بعون الله وقوته.

ورواة هذا الحديث الستة ما بين كوفي ومدنيّ، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في البيوع واللباس، ومسلم في البيوع وكذا النسائي، وأخرجه ابن ماجة مقطعًا في الصلاة والتجارات.