فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء

باب السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
( باب السمر في) مباحثه ( الفقه والخير) من عطف العامّ على الخاص ( بعد) صلاة العشاء.


[ قــ :584 ... غــ : 600 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ، وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: دَعَانَا جِيرَانُنَا هَؤُلاَءِ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: "نَظَرْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ، فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ».
قَالَ الْحَسَنُ: وَإِنَّ الْقَوْمَ لاَ يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ.
قَالَ قُرَّةُ: هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن الصباح) بالصاد المهملة وتشديد الموحدة آخره حاء مهملة ولأبي ذر ابن صباح أي العطار البصري ( قال: حدّثنا أبو علي) عبيد الله بن عبد المجيد بتصغير عبد الأوّل ( الحنفي) البصري ( قال: حدّثنا قرّة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي ( قال: انتظرنا الحسن) البصري ( وراث) بالمثلثة غير مهموز والواو للحال أي أبطأ ( علينا حتى قربنا) وللهروي والأصيلي علينا حتى قريبًا أي كان الزمان أو ريثه قريبًا ( من وقت قيامه،) أي قيام الحسن من النوم لأجل التهجد أو من المسجد لأجل النوم ( فجاء فقال:) معتذرًّا عن تخلفه عن القعود معهم

على عادته في المسجد لأخذ العلم عنه ولأبوي ذر والوقت وقال ( دعانا جيراننا هؤلاء.
)
بكسر الجيم جمع جار ( ثم قال:) أي الحسن ( قال أنس) وللأصيلي أنس بن مالك:
( نظرنا) وللكشميهني انتظرنا ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة) أي في ليلة ( حتى كان شطر الليل) بالرفع على أن كان تامة أو ناقصة وخبرها قوله ( يبلغه،) أي وصل إليه أو شارفه وفي بعض النسخ شطر بالنصب أي كان الوقت الشطر ويبلغه استئناف أو جملة مؤكدة ( فجاء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فصلّى لنا) أي بنا ( ثم خطبنا فقال) في خطبته ( ألا) بتخفيف اللام ( إن الناس قد صلوا ثم رقدوا، وإنكم لم) بالميم وللأربعة لن ( تزالوا في) ثواب ( صلاة ما انتظرتم الصلاة) ( وإن القوم) وفي الفرع كأصله قال الحسن: وإن القوم ( لا يزالون بخير) وللأربعة في خير ( ما انتظروا الخير) .
عمم الحسن الحكم في كل الخيرات تأنيسًا لأصحابه ومعرفًا لهم أن منتظر الخير في خير فلم يفتهم أجر ما كانوا يتعلمون منه في تلك الليلة ( قال قرة:) بن خالد ( هو) أي مقول القول الحسن وهو أن القوم لا يزالون إلى آخره ( من) جملة ( حديث أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

ورواة هذا الحديث الخمسة كلهم بصريون وفيه التحديث والقول وأخرجه مسلم.




[ قــ :585 ... غــ : 601 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ.
فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ.
وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ».
يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ.

وبه قال ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي ( عن) ابن شهاب ( الزهري قال: حدّثني) بالإفراد ( سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وأبو بكر بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة نسبه إلى جدّه لشهرته به وأبوه سليمان ( أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( قال) :
( صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم) من الصلاة ( قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أرأيتكم) استفهام تعجب والكاف حرف خطاب أكد به الضمير لا محل له من الإعراب لأنك تقول أرأيتك زيدًا ما شأنه فلو رجعت الكاف مفعولاً كما قاله الكوفيون لعدّيت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل وللزم أن يقال أرأيتموكم بل الفعل معلق أو المفعول محذوف تقديره أرأيتكم ( ليلتكم هذه) ، فاحفظوها واحفظوا تاريخها ( فإن رأس مائة لا يبقى) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر مائة سنة لا يبقى ( ممن هو اليوم على ظهر الأرض) كلها ( أحد) ممن ترونه أو تعرفونه أو أل للعهد، والمراد أرضه التي نشأ بها
وبعث منها قال ابن عمر: ( فوهل الناس) بفتح الواو والهاء ويجوز كسرها أي غلطوا وذهب وهمهم إلى خلاف الصواب ( في) تأويل ( مقالة رسول الله) وللمستملي والكشميهني من مقالة رسول الله بالميم أي من حديثه ولأبي ذر في مقالة النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ما يتحدثون في هذه) وللحموي والمستملي من هذه ( الأحاديث عن مائة سنة) فكان بعضهم يقول تقوم الساعة عند انقضاء مائة سنة كما في حديث أبي مسعود البدري عند الطبراني وردّ عليه ذلك علي بن أبي طالب فبيّن ابن عمر في هذا الحديث مراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فقال: ( وإنما قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) ( لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض) ( يريد بذلك) أي بقوله مائة سنة ( أنها تخرم ذلك القرن.
)
الذي هو فيه فلا يبقى أحد ممن كان موجودًا حال تلك المقالة وفي ذلك علم من أعلام النبوّة فإنه استقرئ ذلك فكان آخر من ضبط عمره ممّن كان موجودًا إذ ذاك أبو الطفيل عامر بن واثلة.
وقد أجمع المحدثون على أنه كان آخر الصحابة موتًا، وغاية ما قيل فيه أنه بقي إلى سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالته عليه الصلاة والسلام، وقد تقدّم مزيد لذلك في باب السمر في العلم، والله المستعان.