فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب السمر مع الضيف والأهل

باب السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالأَهْلِ
( باب السمر مع الأهل) الزوجة والأولاد والعيال ( و) مع ( الضيف) ولغير أبي ذر مع الضيف والأهل.


[ قــ :586 ... غــ : 602 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: "أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ.
وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشَرَةٍ.
قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -فَلاَ أَدْرِي قَالَ: وَامْرَأَتِي- وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ.
وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ.
قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ قَالَتْ ضَيْفِكَ- قَالَ: أَوَ مَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا.
قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ.
فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ -فَجَدَّعَ وَسَبَّ-.

     وَقَالَ : كُلُوا لاَ هَنِيئًا.
فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُهُ أَبَدًا.
وَأيْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا.
قَالَ: يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ.
فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا.
فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ.
فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ.

     وَقَالَ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ -يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ.
وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ فَفَرَّقَنَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مَعَ كُلِّ رَجُلٍ

مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ.
أَوْ كَمَا قَالَ.
[الحديث 602 - أطرافه في: 3581، 6140، 6141] .

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي ( قال: حدّثنا معتمر بن سليمان) التيمي ( قال: حدّثنا أبي) سليمان بن طرخان ( قال: حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي ( عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما ( أن أصحاب الصفة) التي كانت بآخر المسجد النبوي مظللاً عليها ( كانوا أناسًا) بهمزة مضمومة وللكشميهني ناسًا ( فقراء،) يأوون إليها ( وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث) من أهل الصفة ( وإن) كان عنده طعام ( أربع فخامس) أي فليذهب معه بخامس منهم ( أو سادس.
)
مع الخامس أي يذهب معه بواحد أو اثنين أو المراد إن كان عنده طعام خمسة فليذهب بسادس فهو من عطف جملة على جملة وفيه حذف حرف الجر وإبقاء عمله، ويجوز الرفع فيها على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ويضمر مبتدأ للفظ خامس أي فالمذهوب به خامس، وللأصيلي وأبي ذر وإن أربعة، وكلمة أو للتنويع والحكمة في كونه يزيد كل واحد واحدًا فقط أن عيشهم في ذلك الوقت لم يكن متسعًا فمن كان عنده مثلاً ثلاثة أنفس لا يضيق عليه أن يطعم الرابع من قوتهم، وكذلك الأربعة فما فوقها أو للإباحة، واستنبط منه أن السلطان يفرق في المسغبة الفقراء على أهل السعة بقدر ما لا يجحف بهم ( وأن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه بفتح همزة أن ولأبي ذر وإن أبا بكر بكسرها ( جاء بثلاثة) من أهل الصفة ( فانطلق) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، وانطلق ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعشرة) منهم ( قال) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( فهو) أي الشأن ( أنا) في الدار ( وأبي وأمي) ولأبوي ذر والوقت عن الحموي أنا وأبي بالباء من غير ذكر الأم وللمستملي أنا وأمي بالميم من غير ذكر الأب قال أبو عثمان النهدي ( فلا أدري قال:) وللأربعة ولا أدري هل قال أي عبد الرحمن، ( وامرأتي) أميمة بنت عدي بن قيس السهمي ( وخادم بيننا وبين بيت أبي بكر.
)
بين ظرف لخادم والمراد أنه شركة بينهما في الخدمة وللأربعة بين بيتنا وبيت أبي بكر ولأبي ذر بين بيتنا وبين بيت أبي بكر، ( وأن أبا بكر) رضي الله عنه ( تعشى) أي أكل العشاء وهو طعام آخر النهار ( عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم لبث) في داره ( حيث) بالمثلثة وللكشميهني وأبي الوقت حتى ولابن عساكر في نسخة حين ( صليت العشاء،) بضم الصاد وكسر اللام مشددة مبنيًّا للمفعول، ( ثم رجع) أبو بكر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فلبث) عنده ( حتى تعشى) ولمسلم حتى نعس ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفيه على رواية حتى تعشى مع، وأن أبا بكر تعشى تكرار يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب علامات النبوّة في الإسلام، ( فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته:) أم رومان زينب بنت دهمان بضم المهملة وسكون الهاء أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة ( وما) وللأربعة ما ( حبسك عن أضيافك -أو قالت ضيفك-) بالإفراد مع كونهم ثلاثة لإرادة الجنس ( قال:) أبو بكر لزوجته ( أو ما عشيتيهم؟) بهمزة الاستفهام والياء المتولدة من
إشباع كسرة التاء وفي نسخة عشيتهم بحذفها والعطف على مقدر بعد الهمزة ( قالت: أبوا) أي امتنعوا من الأكل ( حتى تجيء، قد عرضوا) بضم العين وكسر الراء المخففة أي عرض الطعام على الأضياف فحذف الجار وأوصل الفعل أو هو من باب القلب نحو: عرضت الناقة على الحوض، وفي رواية عرضوا بفتح العين والراء مخففة أي الأهل من الولد والمرأة والخادم على الأضياف، ( فأبوا) أن يأكلوا ( قال:) عبد الرحمن ( فذهبت أنا فاختبأت) خوفًا من أبي وشتمه ( فقال:) أبو بكر ( يا غنثر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة وضمها أي يا ثقيل أو يا جاهل أو يا دنيء أو يا لئيم ( - فجدّع) بفتح الجيم والدال المهملة المشددة وفي آخره عين مهملة أي دعا على ولده بالجدع وهو قطع الأذن أو الأنف أو الشفة.
( وسب-) ولده ظنًّا منه أنه فرّط في حق الأضياف ( وقال) أبو بكر رضي الله عنه لما تبين له أن التأخير منهم ( كلوا لا هنيئًا،) تأديبًا لهم لأنهم تحكموا على ربّ المنزل بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده مع إذنه لهم في ذلك أو هو خبر أي أنكم لم تتهنوا بالطعام في وقته.
قال البرماوي: وهذا ينبغي الحمل عليه ثم حلف أبو بكر أن لا يطعمه ( فقال: والله لا أطعمه أبدًا.
وأيم الله،)
قسمي بهمزة الوصل وقد تقطع ( ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا) أي زاد ( من أسفلها) أي اللقمة ( أكثر منها.
)
برفع الراء فقط كما في اليونينية ( قال:) عبد الرحمن يعني ( حتى شبعوا،) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال وشبعوا وفي رواية فشبعوا ( وصارت) أي الأطعمة ( أكثر) بالمثلثة وفي بعض النسخ أكبر بالموحدة ( مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر) رضي الله عنه ( فإذا هي) أي الأطعمة أو الجفنة ( كما هي) على حالها الأوّل لم تنقص شيئًا ( أو) هي ( أكثر منها.
)
ولأبي ذر وابن عساكر أو أكثر بالرفع في اليونينية لا غير ( فقال،) أبو بكر ( لامرأته) أم عبد الرحمن ( يا أخت بني فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره سين مهملة أي يا من هي من بني فراس وقد اختلف في نسبها اختلافًا كثيرًا ذكره ابن الأثير ( ما هذا؟) استفهام عن حال الأطعمة ولابن عساكر ما هذه ( قالت:) أم رومان ( لا) شيء غير ما أقوله ( و) حق ( قرة عيني،) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه الحلف بالمخلوق، أو المراد وخالق قرة عيني أو لفظة لا زائدة وقرّة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان لأن العين تقرّ ببلوغ الأمنية فالعين تقر ولا تتشوّف لشيء وحينئذٍ يكون مشتقًا من القرار، وقول الأصمعي: أقرّ الله عينه أي أبرد دمعه لأن دمع الفرح بارد ودمع الحزن حار، تعقبه بعضهم فقال: ليس كما ذكره بل كل دمع حار ومعنى قولهم هو قرّة عيني إنما يريدون هو رضا نفسي ( لهي) أي الأطعمة أو الجفنة ( الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات) ، وللأصيلي مرار وهذا النمو كرامة من كرامات الصديق آية من آيات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهرت على يد أبي بكر ( فأكل منها) أي من الأطعمة أو من الجفنة ( أبو بكر) رضي الله عنه ( وقال: إنما كان ذلك) بكسر الكاف وفتحها ( من الشيطان -يعني يمينه-) وهي قوله والله لا أطعمه أبدًا فأخزاه بالحنث الذي هو خير أو المراد لا أطعمه معكم أو في هذه الساعة أو عند الغضب، لكن هذا مبني على جواز تخصيص العموم في اليمين بالنيّة أو الاعتبار بخصوص السبب لا بعموم اللفظ الوارد عليه قاله البرماوي والعيني كالكرماني، ( ثم أكل) أبو بكر ( منها) أي من الأطعمة أو من الجفنة ( لقمة،) أخرى لتطييب قلوب أضيافه وتأكيدًا لدفع الوحشة ( ثم

حملها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأصبحت عنده)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وكان بيننا وبين قوم عقد،) أي عهد مهادنة ( فمضى الأجل) فجاؤوا إلى المدينة ( ففرّقنا) حال كون المفرّق ( اثني عشر رجلاً) ولغير الأربعة اثنا عشر بالألف على لغة من يجعل المثنى كالمقصور في أحواله الثلاثة، والمعنى ميّزنا أو جعلنا كل رجل من اثني عشر رجلاً فرقة، ولأبي ذر فعرفنا بالعين المهملة وتشديد الراء أي جعلناهم عرفًا.
وفي اليونينية بسكون الفاء وفيها أيضًا بالتخفيف للحموي والمستملي والتثقيل لأبي الهيثم ( مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل،) وجملة الله أعلم اعتراض أي أناس الله يعلم عددهم، وزاد في رواية منهم ( فأكلوا منها) أي من الأطعمة ( أجمعون- أو كما قال) عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما والشك من أبي عثمان.

فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: من اشتغال أبي بكر بمجيئه إلى بيته ومراجعته لخبر الأضياف واشتغاله بما دار بينهم من المخاطبة والملاطفة والمعاتبة.

ورواة هذا الحديث خمسة وفيه رواية صحابي عن صحابي ومخضرم وهو أبو عثمان والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في علامات النبوّة ومسلم في الأطعمة وأبو داود في الإيمان والنذور، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

وقد تمّ الجزء الأول من شرح صحيح البخاري للعلاّمة القسطلاني بعون الملك الوهّاب يليه الجزء الثاني وأوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأذان والله المستعان على إكماله وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله.
بسم الله الرحمن الرحيم
( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا هي ثابتة في غير رواية ابن عساكر كما في الفرع وأصله.