فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب في النكاح

باب فِى النِّكَاحِ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه حكم شهادة الزور ( في النكاح) .


[ قــ :6602 ... غــ : 6968 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «إِذَا سَكَتَتْ».

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ الْبِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَىْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِى نِكَاحَهَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهْوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ.

وبه قال: ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) أبو عمرو الفراهيدي الأزدي مولاهم البصري قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله سنبر بسين مهملة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مفتوحة بوزن جعفر الدستوائي قال: ( حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم أبو نصر اليماني ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( لا تنكح البكر) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول أي لا تزوّج ( حتى تستأذن) بالبناء للمفعول أيضًا أي يوجد منها الإذن ( ولا الثيب) بالمثلثة التي زالت بكارتها ( حتى تستأمر) بضم أوله يطلب أمرها وفرق بينهما لأن الأمر لا يكون إلا باللفظ والاذن بلفظ وغيره ( فقيل: يا رسول الله كيف إذنها؟) أي إذن البكر ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إذا سكتت) بفوقيتين لأن الغالب من حالها أن لا تظهر إرادة النكاح حياء.

والحديث سبق في النكاح.

( وقال بعض الناس) : هو الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- ( إن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إذا ( لم تستأذن البكر) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول ( ولم تزوّج) أصله تتزوج فحذف إحدى التاءين تخفيفًا ( فاحتال رجل فأقام شاهدي زور) بإضافة شاهدي للاحقه ولأبي ذر شاهدين زوزًا أي شهدا زورًا ( أنه تزوجها برضاها فأثبت القاضي نكاحها بشهادتهما) ولأبي ذر عن الكشميهني نكاحه ( والزوج) أي والحال أن الزوج ( يعلم أن الشهادة باطلة فلا بأس أن يطأها) ولا يأثم بذلك ( وهو تزويج صحيح) لأن مذهبه -رحمه الله- أن حكم القاضي ينفذ ظاهرًا وباطنًا.




[ قــ :6603 ... غــ : 6969 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهْىَ كَارِهَةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَىْ جَارِيَةَ قَالاَ: فَلاَ تَخْشَيْنَ فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهْىَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ.
قَالَ سُفْيَانُ:.
وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ إِنَّ خَنْسَاءَ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط لأبي ذر ابن عبد الله قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) بكسر العين الأنصاري ( عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق ( أن امرأة) لم تسمّ ( من ولد جعفر) قال الحافظ ابن حجر: يغلب على الظن أنه ابن أبي طالب قال: وتجاسر الكرماني فقال: المراد جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان القاسم بن محمد جدّ جعفر الصادق لأمه اهـ.

وعند الإسماعيلي من رواية ابن أبي عمر عن سفيان أن امرأة من آل أبي جعفر ( تخوفت أن يزوّجها وليها وهي) أي والحال أنها ( كارهة فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومجمع) بضم الميم الأولى وكسر الثانية مشدّدة بينهما جيم مفتوحة آخره عين مهملة ( ابني جارية) بالجيم والراء التحتية وهو جدهما وصحفه بعضهم بالحاء المهملة والمثلثة واسم أبيهما كما سبق في النكاح يزيد وزاد في رواية ابن أبي عمر تخبرهما أنه ليس لأحد من أمري شيء ( قالا) لها: ( فلا تخشين) بفتح الشين المعجمة على أنه خطاب للمرأة المتخوفة ومن معها، وفي رواية ابن أبي عمر فأرسلا إليها أن لا تخافي.

قال في الفتح: فدلّ على أنهما خاطبا من كانت أرسلته إليهما أو من أرسلا، وعلى الحالين فكان من أرسل في ذلك جماعة نسوة وظن السفاقسي أنه خطاب للمرأة وحدها فقال: الصواب فلا تخشين بكسر الياء وتشديد النون قال: ولو كان بلا تأكيد لحذفت النون اهـ.

( فإن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة بعدها همزة ممدودًا الأنصارية ( بنت خذام) بكسر الخاء وفتح الذال الخفيفة المعجمتين وبعد الألف ميم الأنصارية الأوسية ( انكحها أبوها) خذام بن وديعة من رجل لم يسم، لكن قال الواقدي: إنه من بني مزينة ( وهي) أي والحال أنها ( كارهة) ذلك زاد في النكاح فأتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعند عبد الرزاق أنها قالت: يا رسول الله إن أبي أنكحني وإن عم ولدي أحب إليّ ( فردّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك) النكاح ( قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق ( وأما عبد الرحمن) بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ( فسمعته يقول عن أبيه) القاسم ( إن خنساء) فلم يذكر عبد الرحمن بن يزيد ولا أخاه فأرسله.




[ قــ :6604 ... غــ : 6970 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ».

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَىْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَحمرِهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِى نِكَاحَهَا إِيَّاهُ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هَذَا النِّكَاحُ وَلاَ بَأْسَ بِالْمُقَامِ لَهُ مَعَهَا.

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الرحمن النحوي ( عن يحيى) بن أبي كثير ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تنكح) بالبناء للمفعول ( الأيم حتى تستأمر) أي يطلب أمرها والأيم بفتح الهمزة وتشديد التحتية مكسورة وبعدها ميم من لا زوج لها بكرًا أو ثيبًا لكن المراد هنا الثيب بقرينة المقابلة للبكر في قوله: ( ولا تنكح البكر) بالبناء للمفعول ( حتى تستأذن) بالبناء للمفعول أيضًا ( قالوا) : يا
رسول الله ( كيف إذنها؟) أي إذن البكر ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذنها ( أن تسكت) غالبًا.
وإنما وقع السؤال عن الإذن مع أن حقيقته معلومة لأن البكر لما كانت تستحي أن تفصح بإظهار رغبتها في النكاح احتيج إلى كيفية إذنها.

( وقال بعض الناس) : هو الإمام أبو حنيفة ( إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها فأثبت القاضي نكاحها إياه والزوج يعلم أنه لم يتزوجها قط فإنه يسعه) أي يجوز له ( هذا النكاح ولا بأس بالمقام له معها) بضم ميم المقام لأن حكم الحاكم ينفذ ظاهرًا وباطنًا عنده كما مرّ، وقد نقل المهلب اتفاق العلماء على وجوب استئذان الثيب لقوله تعالى: { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 3] إذا تراضوا فدلّ على أن النكاح يتوقف على الرضا من الزوجين، وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باستئذان نكاح الثيب وردّ نكاح من زوجت كارهة فقول الإمام أبي حنيفة خارج عن هذا كله ذكره في الفتح.




[ قــ :6605 ... غــ : 6971 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» قُلْتُ: إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِى؟ قَالَ: «إِذْنُهَا صُمَاتُهَا».

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ هَوِىَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا، فَأَبَتْ فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَىْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَدْرَكَتْ فَرَضِيَتِ الْيَتِيمَةُ فَقَبِلَ الْقَاضِى شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلاَنِ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير ( عن ذكوان) مولى عائشة ( عن عائشة رضي الله محئها) أنها ( قالت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
والحديث سبق في النكاح.

( وقال بعض الناس) : هو أبو حنيفة الإمام ( إن هوي) بفتح الهاء وكسر الواو أحب ( رجل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إنسان ( جارية) فتية من النساء ( يتيمة) ولأني ذر عن الكشميهني: ثيبًا بدل يتيمة ( أو بكرًا فأبت) أن تتزوجه ( فاحتال فجاء بشاهدي زور على أنه يتزوجها فأدركت) أي بلغت الحلم ( فرضيت اليتيمة) بذلك ( فقبل القاضي شهادة الزور) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بشهادة الزور ( والزوج يعلم ببطلان ذلك) بباء الجر ولأبي ذر بطلان ذلك ( حلّ له الوطء) مع علمه بكذب الشاهدين في ذلك، وظاهره أنها بعد الشهادة بلغت الحلم ورضيت، ويحتمل أنه يريد أنه جاء بشاهدين على أنها أدركت ورضيت فتزوجها فيكون داخلاً تحت الشهادة، وقال في الفتح: إن الاستئذان ليس بشرط في صحة النكاح ولو كان واجبًا، وحينئذ فالقاضي
أنشأ لهذا الزوج عقدًا مستأنفًا فيصح، وهذا قول أبي حنيفة واحتج بأثر عن علي في نحو هذا قال فيه: شاهداك زوّجاك وخالفه صاحباه.