فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال: 25] وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من الفتن

كتاب الفتن
بكسر الفاء وفتح الفوقية جمع فتنة وهي المحنة والعذاب والشدة وكل مكروه وآيل إليه كالكفر والإثم والفضيحة والفجور والمصيبة وغيرها من المكروهات، فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة فقد ذم الله الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله تعالى: { والفتنة أشد من القتل} [البقرة: 191] و { إن الذين فتنوا المؤمنين} [البروج: 10] الآية.
( بسم الله الرحمن الرحيم) قال في الفتح: كذا في رواية الأصيلي وكريمة تأخير البسملة ولغيرهما تقديمها والذي في الفرع كأصله رقم عليه علامة أبي ذر بعد التصحيح وعلامة التقديم والتأخير عليهما لابن عساكر.


باب مَا جَاءَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] .
وَمَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَذِّرُ مِنَ الْفِتَنِ.

( ما جاء) ولأبي ذر: باب ما جاء ( في) بيان ( قول الله تعالى: { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة} [الأنفال: 25] ) .
أي اتقوا ذنبًا يعمكم أثره كإقرار المنكر بين أظهركم والمداهنة في الأمر بالمعروف وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد على أن قوله لا تصيبن إما جواب الأمر على معنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم، وفيه أن جواب الشرط متردّد فلا تليق به النون المؤكدة لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه كقوله: { ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم} [النمل: 18] وإما صفة لفتنة ولا للنفي وفيه شذوذ لأن النون لا تدخل النفي في غير القسم والنهي على إرادة القول كقوله: حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ
وإما جواب قسم محذوف كقراءة من قرأ لتصيبن وإن اختلفا في المعنى، ويحتمل أن يكون نهيًا بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم فإن وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه ومن في منكم على الوجه الأول للتبعيض وعلى الأخيرين للتبيين، وفائدته التنبيه على أن الظلم منكم أقبح من غيركم قاله في أسرار التنزيل.

وروى أحمد والبزار من طريق مطرف بن عبد الله بن الشخير قال قلنا للزبير يعني في قصة الجمل يا أبا عبد الله ما جاء بكم ضيعتم الخليفة الذي قتل يعني عثمان بالمدينة ثم جئتم تطلبون بدمه يعني بالبصرة؟ فقال الزبير: إنّا قرأنا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة} [الأنفال: 25] لم نكن نحسب أنّا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت.
وعند أحمد بسند حسن من حديث عدي بن عميرة سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة" ( و) بيان ( ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحذر) بتشديد المعجمة ( من الفتن) في أحاديث الباب وغيره المتضمنة للوعيد على التبديل والأحداث لأن الفتن غالبًا إنما تنشأ عن ذلك.


[ قــ :6677 ... غــ : 7048 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنَا عَلَى حَوْضِى أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَىَّ فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِى فَأَقُولُ: أُمَّتِى فَيَقُولُ: لاَ تَدْرِى مَشَوْا عَلَى الْقَهْقَرَى» قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا بشر بن السريّ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والسري بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية البصري سكن مكة وكان يلقب بالأفوه قال: ( حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله القرشي المكي ( عن ابن أبي مليكة) عبد الله واسم أبي مليكة زهير أنه ( قال: قالت أسماء) بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( أنا على حوضي) يوم القيامة ( أنتظر من يرد عليّ) بتشديد الياء أي من يحضرني ليشرب ( فيؤخذ بناس من دوني) أي بالقرب مني ( فأقول: أمتي) وفي باب الحوض من الرقاق فأقول يا رب مني ومن أمتي ( فيقول) أي فيقول الله ولأبي ذر وابن عساكر فيقال ( لا تدري) يا محمد ( مشوا على القهقرى) بفتح القافين بينهما هاء ساكنة مقصور الرجوع إلى خلف أي رجعوا الرجوع المعروف بالقهقرى أي ارتدّوا عما كانوا عليه.

( قال ابن أبي مليكة) عبد الله بالسند السابق: ( اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع) أي نرتدّ ( على أعقابنا أو نفتن) زاد في باب الحوض عن ديننا.




[ قــ :6678 ... غــ : 7049 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَىَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ، حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأُنَاوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِى فَأَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَصْحَابِى فَقُولُ: لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ».

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف أبو سلمة التبوذكي بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة مشهور بكنيته واسمه قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن مغيرة) بن المقسم بكسر الميم الضبي الكوفي ( عن أبي وائل) شقيق بن سلمة ( قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أنا فرطكم) بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملة أي أنا أتقدمكم ( على الحوض) لأهيئه لكم ( ليرفعن) أي ليظهرن ولأبي ذر فليرفعنّ ( إليّ) بتشديد الياء ( رجال منكم) لأراهم ( حتى إذا أهويت) ملت ( لأناولهم اختلجوا) بسكون الخاء المعجمة وضم الفوقية وكسر اللام وضم الجيم اجتذبوا واقتطعوا ( دوني فأقول: أي رب أصحابي) أي أمتي ( فيقول) الله تعالى إنك ( لا تدري ما أحدثوا) من الارتداد عن الإسلام أو من المعاصي الكبيرة البدنية أو الاعتقادية ( بعدك) .




[ قــ :6679 ... غــ : 7050 - 7051 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَىَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِى، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ».
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِى النُّعْمَانُ بْنُ أَبِى عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً فَقُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: «إِنَّهُمْ مِنِّى فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِى»
وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: ( حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القارّي بتشديد التحتية ( عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه ( قال: سمعت سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي الأنصاري -رضي الله عنه- ( يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( أنا فرطكم على الحوض) بفتح الفاء والراء أي أتقدمكم فعل بمعنى فاعل وفي الدعاء للطفل الميت اللهم اجعله لنا فرطًا أي أجرًا يتقدمنا حتى نرد عليه ( من) ولأبي ذر فمن ( ورده شرب منه) بلفظ الماضي ولأبي ذر عن الكشميهني يشرب بلفظ المضارع ( ومن شرب منه لم يظمأ) أي لم يعطش ( بعده أبدًا) وسقط لفظ بعده لأبي ذر ( ليرد) ولأبي ذر ليردنّ ( عليّ) بتشديد التحتية ( أقوام أعرفهم ويعرفوني) ولأبي ذر ويعرفونني بنونين ( ثم يحال بيني وبينهم) .

( قال أبو حازم) سلمة بالسند السابق ( فسمعني النعمان بن أبي عياش) بالتحتية والشين
المعجمة الزرقي ( وأنا أحدّثهم هذا) الحديث ( فقال: هكذا سمعت سهلاً) ؟ الساعدي وتاء سمعت مفتوحة وهو استفهام حذفت أداته قال أبو حازم ( فقلت: نعم) سمعته ( قال) النعمان: ( وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- ( لسمعته يزيد فيه قال: إنهم) أي الذين يحال بينه وبينهم ( مني) من أمتي ( فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا) كذا لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره ما بدّلوا ( بعدك فأقول سحقًا سحقًا) بُعدًا بُعدًا ( لمن بدل) دينه ( بعدي) أي أبعده الله وليس فيه دلالة على أنه لا يشفع لهم بعد لأن الله تعالى قد يلقي لهم ذلك في قلبه وقتًا ليعاقبهم بما شاء إلى وقت يشاء ثم يعطف قلبه عليهم فيشفع لهم، ففي الحديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي أي ما عدا الشرك.

والحديث أخرجه مسلم في فضل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.