فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التعرب في الفتنة

باب التَّعَرُّبِ فِى الْفِتْنَةِ
( باب التعرب) بفتح العين المهملة وضم الراء المشددة بعدها موحدة الإقامة بالبادية والتكلف في صيرورته أعرابيًّا ولأبي ذر التغرب بالغين المعجمة ( في الفتنة) ولكريمة التعزب بالعين المهملة والزاي ومعناه يعزب عن الجماعات والجهات ويسكن البادية، قال صاحب المطالع: وجدته بخطي في البخاري بالزاي وأخشى أن يكون وهمًا.


[ قــ :6711 ... غــ : 7087 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ تَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ لِى فِى الْبَدْوِ.

وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ إِلَى الرَّبَذَةِ وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ فَنَزَلَ الْمَدِينَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: ( حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة وبعد الألف فوقية مكسورة ابن إسماعيل الكوفي ( عن يزيد) من الزيادة ( ابن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا مولى سلمة بن الأكوع ( عن سلمة بن الأكوع) السلمي ( أنه دخل على الحجّاج) بن يوسف الثقفي لما ولي إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير سنة أربع وسبعين ( فقال) له: ( يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت) بالعين المهملة والراء أي تكلفت في صيرورتك أعرابيًّا، وقوله على عقبيك بلفظ التثنية مجاز عن الارتداد يريد أنك رجعت في الهجرة التي فعلتها لوجه الله تعالى بخروجك من المدينة فتستحق القتل، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه بغير عذر يجعلونه كالمرتد، وأخرج النسائي من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "لعن الله آكل الربا وموكله" الحديث وفيه: والمرتد بعد هجرته أعرابيًّا.
قال بعضهم: وكان ذلك من جفاء الحجاج حيث خاطب هذا الصحابي الجليل -رضي الله عنه- بهذا الخطاب القبيح من قبل أن يستكشف عن عذره وقيل أراد قتله فبيّن الجهة التي يريد أن يجعله مستحقًّا للقتل بها ( قال) ابن الأكوع مجيبًا للحجاج: ( لا) أي أسكن البادية رجوعًا عن هجرتي ( ولكن) بتشديد النون ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن لي) في الإقامة ( في البدو) وعند الإسماعيلي من طريق حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة أنه استأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البداوة فأذن له ( وعن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بالسند السابق أنه ( قال: لما قتل عثمان بن عفان) -رضي الله عنه- ( خرج سلمة بن الأكوع) -رضي الله عنه- من المدينة ( إلى الربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة موضع البادية بين مكة والمدينة ( وتزوّج هناك امرأة وولدت له أولادًا فلم يزل بها) بالربذة وللكشميهني هناك بها ( حتى أقبل قبل أن يموت بليال فنزل المدينة) وسقطت الفاء من فنزل في رواية المستملي والسرخسي، وفي رواية حتى قبل أن يموت بإسقاط أقبل وهو الذي في اليونينية وفيه حذف كان بعد حتى وقبل قوله قبل وهي مقدرة وهو استعمال صحيح وفيه أن سلمة لم يمت بالبادية بل بالمدينة ويستفاد منه كما في الفتح أن مدة سكنى سلمة بالبادية نحو الأربعين سنة لأن قتل عثمان -رضي الله عنه- كان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وموت سلمة سنة أربع وسبعين على الصحيح.

والحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في البيعة.




[ قــ :671 ... غــ : 7088 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الحافظ قال: ( أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام الأئمة ( عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة) عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري ثم المازني ( عن أبيه) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحارث بن أبي صعصعة، وسقط ابن أبي الحارث هنا من الرواية ( عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يوشك) بكسر الشين المعجمة وفتحها قال الجوهري: لغة رديئة أي يقرب ( أن يكون خير مال المسلم غنم) نكرة موصوفة مرفوعة على الأشهر في الرواية اسم يكون مؤخرًا وخير مال المسلم خبرها مقدمًا وفائدة تقديم الخبر الاهتمام إذ المطلوب حينئذ الاعتزال وليس الكلام في الغنم فلذا أخّرها ( يتبع بها) بسكون الفوقية أي يتبع بالغنم ( شعف الجبال) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة والفاء رؤوسها للمرعى والماء ( ومواقع) نزول ( القطر) بالقاف المفتوحة المطر في الأودية والصحارى أي العشب والكلأ حال كونه ( يفرّ بدينه) أي بسبب دينه ( من الفتن) وفيه فضيلة العزلة لمن خاف على دينه، فإن لم يكن فالجمهور على أن الاختلاط أولى لاكتساب الفضائل الدينية والجمعة والجماعات وغيرها كإعانة وإغاثة وعيادة، وقال قوم: العزلة أفضل لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين واختار النووي الخلطة لمن لا يغلب على ظنه الوقوع في المعصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة، وقيل يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.

والحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في البيعة.