فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا أنزل الله بقوم عذابا

باب إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا أنزل الله بقوم عذابًا) أي يذكر جواب إذا اكتفاء بما في الحديث.


[ قــ :6726 ... غــ : 7108 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن عثمان) الملقب عبدان قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد
( حمزة بن عبد الله بن عمر) بالحاء المهملة والزاي ( أنه سمع) أباه ( ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا أنزل الله بقوم عذابًا) أي عقوبة لهم على سيئ أعمالهم ( أصاب العذاب من كان فيهم) ممن ليس هو على منهاجهم ومن من صيغ العموم، فالمعنى أن العذاب يصيب حتى الصالحين منهم وعند الإسماعيلي من طريق أبي النعمان عن ابن المبارك أصاب به من بين أظهرهم ( ثم بعثوا) بضم الموحدة ( على) حسب ( أعمالهم) إن كانت صالحة فعقباهم صالحة وإلا فسيئة فذلك العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق.
وعن عائشة مرفوعًا: إن الله تعالى إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم صححه ابن حبان وأخرجه البيهقي في شعبه، فلا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب أو العقاب بل يجازى كل أحد بعمله على حسب نيته وهذا من الحكم العدل لأن أعمالهم الصالحة إنما يجازون بها في الآخرة وأما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء كان تكفيرًا لما قدموه من عمل سيئ كترك الأمر بالمعروف.

وفي السنن الأربعة من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب".
وكذا رواه ابن حبان وصححه فكان العذاب المرسل في الدنيا على الذين ظلموا يتناول من كان معهم ولم ينكر عليهم، فكان ذلك جزاء لهم على مداهنتهم ثم يوم القيامة يبعث كل منهم فيجازى بعمله فأما من أمر ونهى فلا يرسل الله عليهم العذاب بل يدفع الله بهم العذاب ويؤيده قوله تعالى: { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} [القصص: 59] ويدل على التعميم لمن لم ينه عن المنكر وإن كان لا يتعاطاه قوله فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم ويستفاد منه مشروعية الهروب من الظلمة لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس إلى الهلكة قاله في بهجة النفوس قال: وفي الحديث تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضي فكيف بمن أعان؟ نسأل الله العافية والسلامة.

وعند ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم وستين ألفًا من شرارهم قال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلوهم ويشاربوهم، وقال مالك بن دينار: أوحى الله تعالى إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال: يا رب إن فيهم عبدك فلانًا ولم يعصك طرفة عين فقال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر فيّ ساعة قط.
ورواه الطبراني وغيره من حديث جابر مرفوعًا والمحفوظ كما قال البيهقي ما ذكر، وأعلم أنه قد تقوم كثرة رؤية المنكرات مقام ارتكابها في سلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكرات ولا يمر بفكره أنها معاصٍ لما أحدث تكرارها من تألف القلوب بها.

في القوت لأبي طالب المكي عن بعضهم أنه مرّ يومًا في السوق فرأى بدعة فبال الدم من شدة إنكاره لها بقلبه وتغير مزاجه لرؤيتها، فلما كان اليوم الثاني مرّ فرآها فبال دمًا صافيًا، فلما كان اليوم الثالث مرّ فرآها فبال بوله المعتاد لأن حدة الإنكار التي أثرت في بدنه ذلك الأثر ذهبت فعاد المزاج إلى حاله الأول، وصارت البدعة كأنها مألوفة عنده معروفة، وهذا أمر مستقر لا يمكن جحوده والله تعالى أعلم.

وحديث الباب أخرجه مسلم.