فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى أمنائه

باب كِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ وَالْقَاضِى إِلَى أُمَنَائِهِ
( باب كتاب الحاكم إلى عماله) بضم العين وتشديد الميم جمع عامل وهو من يوليه على بلد يجمع خراجها أو زكاتها ونحو ذلك ( و) كتاب ( القاضي إلى أمنائه) بضم الهمزة جمع أمين وهو من يوليه في ضبط أموال الناس كالجباة.


[ قــ :6807 ... غــ : 7192 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى لَيْلَى ح حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قُتِلَ وَطُرِحَ فِى فَقِيرٍ -أَوْ عَيْنٍ- فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ وَاللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ، وَهْوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ وَهْوَ الَّذِى كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ النَّبِىُّ لِمُحَيِّصَةَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» يُرِيدُ السِّنَّ.
فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ بِهِ فَكُتِبَ مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» قَالُوا: لاَ قَالَ: «أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ
يَهُودُ»؟ قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتِ الدَّارَ.
قَالَ سَهْلٌ: فَرَكَضَتْنِى مِنْهَا نَاقَةٌ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: ( أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام ( عن أبي ليلى) بفتح اللامين بينهما تحتية ساكنة ( ح) للتحويل قال المؤلّف:
( حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي وحدّثنا بواو العطف ( إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل) بسكون الهاء بعد فتح السين الأنصاري المدني ويقال اسمه عبد الله ( عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة ابن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير ( أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه) أي عظمائهم ( أن عبد الله بن سهل) أي ابن زيد بن كعب الحارثي ( ومحيصة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية المكسورة وفتح الصاد المهملة ابن مسعود بن كعب الحارثي ( خرجا إلى خيبر من جهد) فقر شديد ( أصابهم) ليمتارا تمرًا ( فأخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة ( محيصة أن عبد الله) بن سهل ( قتل وطرح) بضم أولهما ( في فقير) بفتح الفاء وكسر القاف أي في حفيرة.
قال في الصحاح: والفقير حفير يحفر حول الفسيلة إذا غرست تقول منه فقرت للودية تفقيرًا ( أو) قال: طرح في ( عين) بالشك من الراوي.
وعند محمد بن إسحاق فوجد في عين قد كسرت عنقه وطرح فيها ( فأتى) محيصة ( يهود فقال) لهم: ( أنتم والله قتلتموه) قاله لقرائن قامت عنده أو نقل إليه بخبر يوجب العلم ( قالوا) : مقابلة لليمين باليمين ( ما قتلناه والله ثم أقبل) محيصة ( حتى قدم على قومه فذكر لهم) ذلك ( وأقبل) ولأبي ذرّ فأقبل بالفاء بدل الواو محيصة ( هو وأخوه حويصة) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد التحتية مكسورة بعدها صاد مهملة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وهو) أي حويصة ( أكبر منه) أي من أخيه محيصة ( عبد الرحمن بن سهل) أخو المقتول ( فذهب) أي محيصة ( ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال لمحيصة) : ولغير أبي ذر فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمحيصة في رواية أخرى فذهب عبد الرحمن يتكلم فيجوز أن يكون كل من عبد الرحمن ومحيصة أراد أن تكلم فقال عليه الصلاة والسلام: ( كبر كبر) أي قدم الأكبر ( يريد السن فتكلم حويصة) الذي هو أسن ( ثم تكلم محيصة) أخوه وفي القسامة فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلاً ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إما أن يدوا صاحبكم) بفتح التحتية وتخفيف الدال المهملة أي إما أن يعطي اليهود دية صاحبكم ( وإما أن يؤذنوا بحرب، فكتب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم به) أي إلى أهل خيبر بالخبر الذي نقل إليه ( فكتب) بضم الكاف في الفرع كأصله وفي غيرهما بفتحها.
قال في الكواكب: أي كتب الحيّ المسمى باليهود قال وفيه تكلف.
وقال في الفتح.
أي الكاتب عنهم لأن الذي يباشر الكتابة واحد.
قال العيني: وفيه تكلف وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فكتبوا أي اليهود ( ما قتلناه) .

وهذه الرواية أوجه وعلى رواية كتب بالضم يكون ما قتلناه في موضع رفع وزاد في رواية ولا علمنا قاتله ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن) أخي المقتول ( أتحلفون) بهمزة الاستفهام ( وتستحقون دم صاحبكم) أي بدل دم صاحبكم فحذف المضاف أو صاحبكم معناه غريمكم فلا يحتاج إلى تقدير والجملة فيها معنى التعليل لأن المعنى أتحلفون لتستحقوا وقد جاءت الواو بمعنى التعليل في قوله تعالى: { أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير} [الشورى: 34] المعنى ليعفو.

واستشكل عرض اليمين على الثلاثة وإنما هي لأخي المقتول خاصة.
وأجاب في الكواكب: بأنه كان معلومًا عندهم الاختصاص به وإنما أطلق الخطاب لهم لأنه كان لا يعمل شيئًا إلا بمشورتهما إذ هو كالولد لهما.

( قالوا) ولأبي ذر فقالوا ( لا) نحلف ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم ( أفتحلف لكم يهود) أنهم ما قتلوه ( قالوا) يا رسول الله ( ليسوا بمسلمين) وفي الأحكام قالوا لا نرضى بأيمان اليهود وفي رواية أبي قلابة ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون ( فوداه) بتخفيف الدال المهملة من غير همز فأعطى ديته ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عنده مائة ناقة حتى أدخلت) النوق ( الدار.
قال سهل)
أي ابن أبي حثمة ( فركضتني منها ناقة) .
وفي رواية محمد بن إسحاق فوالله ما أنسى ناقة بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها.
وفي القسامة فوداه مائة من إبل الصدقة ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة والمال الذي اشترى به من عنده أو من مال بيت المال المرصد للمصالح لما في ذلك من مصلحة قطع النزاع وإصلاح ذات البين وجبرًا لخاطرهم وإلا فاستحقاقهم لم يثبت، وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم تجويز صرف الزكاة في المصالح العامة وتأوّل الحديث عليه.

واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة لأنه ليس في الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى نائبه ولا أمينه وإنما كتب إلى الخصوم أنفسهم.
وأجاب ابن المنير: بأنه يؤخذ من مشروعية مكاتبة الخصوم جواز مكاتبة النوّاب في حق غيرهم بطريق الأولى، والحديث سبق في القسامة.