فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور

باب هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلاً وَحْدَهُ لِلنَّظَرِ فِى الأُمُورِ؟
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلاً حال كونه وحده للنظر) أي لأجل النظر ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني ينظر ( في الأمور) ؟ المتعلقة بالمسلمين وجواب الاستفهام في الحديث.


[ قــ :6808 ... غــ : 7193 - 7194 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ قَالاَ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ
بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ الأَعْرَابِىُّ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالُوا لِى: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِى مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ.
وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ» لِرَجُلٍ «فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا» فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا.

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام قال: ( حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر ( وزيد بن خالد الجهني) -رضي الله عنهما- أنهما ( قالا: جاء أعرابي) واحد الأعراب وهم سكان البوادي ( فقال: يا رسول الله اقضِ بيننا بكتاب الله) أي بما تضمنه أو بحكم الله المكتوب على المكلفين ( فقام خصمه) هو في الأصل مصدر خصمه يخصمه إذا نازعه وغالبه ثم أطلق على المخاصم وصار اسمًا له فلذا يطلق على المفرد والمذكر وفروعهما ولم يسم الخصم وزاد في رواية وكان أفقه منه ( فقال: صدق) يا رسول الله وفي رواية نعم ( فاقض بيننا بكتاب الله) .
قال البيضاوي: إنما تواردا على سؤال الحكم بكتاب الله مع أنهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل بينهما بالحق الصرف لا بالمصالحة والأخذ بالأرفق لأن للحاكم أن يفعل ذلك برضا الخصمين ( فقال الأعرابي: إن ابني كان عسيفًا) فعيل بمعنى مفعول كأسير بمعنى مأسور وقيل بمعنى فاعل كعليم بمعنى عالم أي أجيرًا ( على) خدمة ( هذا) أو على بمعنى عند أي عنده أو بمعنى اللام أي أجيرًا لهذا ( فزنى بامرأته) معطوف على كان عسيفًا ولم تسم المرأة ( فقالوا لي: على ابنك الرجم) بالرفع ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن على ابنك الرجم بزيادة ونصب الرجم اسمها ( ففديت ابني منه) من الرجم ( بمائة من الغنم ووليدة) فعيلة بمعنى مفعولة أمة ( ثم سألت أهل العلم فقالوا) لي ( إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لأقضين بينكما بكتاب الله) أي بحكم الله وهو أولى من التفسير بما تضمنه القرآن لأن الحكم فيه التغريب والتغريب ليس مذكورًا فيه.
نعم يحتمل أن يكون أراد ما كان متلوًّا فيه، ونسخت تلاوته وبقي حكمه وهو: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالاً من الله لكن يبقى التغريب ( أما الوليدة والغنم فردّ) أي مردودة ( عليك) فأطلق المصدر على المفعول كقوله تعالى: { هذا خلق الله} [لقمان: 11] أي مخلوقه ( وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) .
مصدر غرب مضاف إلى ظرفه لأن التقدير أن يجلد مائة وأن يغرب عامًّا وليس هو ظرفًا على ظاهره مقدّرًا بفي لأنه ليس المراد التغريب فيه حتى يقع في جزء منه بل المراد أن يخرج فيلبث عامًا فيقدّر يغرب بيغيب أي يغيب عامًا وهذا يتضمن أن ابنه كان غير محصن واعترف بالزنا فإن إقرار الأب عليه غير مقبول نعم إن كان من باب الفتوى فيكون معناه إن كان ابنك زنى وهو بكر فحده ذلك ( وأما
أنت يا أنيس)
بضم الهمزة وفتح النون مصغرًا ( لرجل) من أسلم وهو ابن الضحاك ( فاغد) بالغين المعجمة ( على امرأة هذا) أي ائتها غدوة أو امش إليها ( فارجمها) إذا اعترفت ( فغدا عليها أنيس) فاعترفت ( فرجمها) .
وفي رواية الليث: فاعترفت فأمر بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجمت، وظاهره كما في الفتح أن ابن أبي ذئب اختصره فقال: فغدا عليها أنيس فرجمها أو فرجمها أنيس لأنه كان حاكمًا في ذلك، وعلى رواية الليث يكون رسولاً ليسمع إقرارها وتفيذ الحكم منه عليه الصلاة والسلام.

واستشكل من حيث كونه اكتفى في ذلك بشاهد واحد.
وأجيب: بأنه ليس في الحديث نص بانفراده بالشهادة فيحتمل أن غيره شهد عليها، واستدلّ به على وجوب الأعذار والاكتفاء فيه بشاهد واحد، وأجاب القاضي عياض باحتمال أن يكون ذلك ثبت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشهادة هذين الرجلين.

قال في الفتح: والذي تقبل شهادته من الثلاثة والد العسيف فقط، وأما العسيف والزوج فلا.
قال: وغفل بعض من تبع القاضي عياضًا فقال: لا بدّ من هذا الحمل وإلاّ لزم الاكتفاء بشهادة واحد في الإقرار بالزنا ولا قائل به، ويمكن الانفصال عن هذا بأن أنيسًا بعث حاكمًا فاستوفى شروط الحكم ثم استأذن في رجمها فأذن له في رجمها وكيف يتصوّر من الصورة المذكورة إقامة الشهادة عليها من غير تقدم دعوى عليها ولا على وكيلها مع حضورها في البلد غير متوارية إلا أن يقال إنها شهادة حسيّة؟ فيجاب: بأنه لم يقع هناك صيغة الشهادة المشروطة في ذلك.
وقال المهلب: فيه حجة لمالك في جواز إنفاذ الحاكم رجلاً واحدًا في الأعذار وفي أن يتخذ واحدًا يثق به يكشف له عن حال الشهود في السر كما يجوز له قبول الفرد فيما طريقه الخبر لا الشهادة، والحكمة في إيراد البخاري الترجمة بصيغة الاستفهام كما نبه عليه في فتح الباري الإشارة إلى خلاف محمد بن الحسن مما نقله ابن بطال عنه حيث قال: لا يجوز للقاضي أن يقول: أقر عندي فلان بكذا الشيء يقضي به عليه من قتل أو مال أو عتق أو طلاق حتى يشهد معه على ذلك غيره، وادّعى أن مثل هذا الحكم الذي في حديث الباب خاص بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبدًا عدلان يسمعان من يقر ويشهدان على ذلك فينفذ الحكم بشهادتهما.

والحديث سبق في الصلح والأيمان والنذور والمحاربين والوكالة.


باب تَرْجَمَةِ الْحُكَّامِ وَهَلْ يَجُوزُ تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ؟
( باب ترجمة الحكام) بصيغة الجمع ولأبي ذر عن الكشميهني الحاكم والترجمة تفسير الكلام بلسان غير لسانه يقال ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر ( وهل يجوز ترجمان واحد) ؟ بفتح الفوقية وضمها قال أبو حنيفة وأحمد يكفي واختاره البخاري وآخرون وقال الشافعي وأحمد في رواية عنه إذا لم يعرف الحاكم لسان الخصم لا يقبل فيه إلا عدلان كالشهادة وقال أشهب وابن نافع عن مالك يترجم له ثقة مسلم مأمون واثنان أحب إليّ.


[ قــ :6808 ... غــ : 7195 ]
- وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُتُبَهُ وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  عُمَرُ: وَعِنْدَهُ عَلِىٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانُ مَاذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ فَقُلْتُ: تُخْبِرُكَ بِصَاحِبِهِمَا الَّذِى صَنَعَ بِهِمَا.

     وَقَالَ  أَبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ.
.

     وَقَالَ  بَعْضُ النَّاسِ: لاَ بُدَّ لِلْحَاكِمِ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ.

( وقال خارجة بن زيد بن ثابت) فيما وصله البخاري في تاريخه ( عن) أبيه ( زيد بن ثابت) -رضي الله عنه- ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره أن يتعلم كتاب اليهود) أي كتابتهم يعني خطهم ولأبي ذر عن الكشميهني كتاب اليهودية بياء النسبة ( حتى كتبت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتبه) إليهم ( وأقرأته كتبهم) أي التي يكتبونها ( إذا كتبوا إليه) وقد وصله مطوّلاً في الذبائح بلفظ قال: أتى بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه المدينة فأعجب بي فقيل له: هذا غلام من بني النجار قد قرأ مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فاستقرأني فقرأت ق فقال لي: تعلم كتاب اليهود فإني لا آمن يهود على كتابي فتعلمته في نصف شهر حتى كتبت له إلى يهود وأقرأ له إذا كتبوا إليه.

( وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( و) الحال أن ( عنده عليّ) أي ابن أبي طالب ( وعبد الرحمن) بن عوف ( وعثمان) بن عفان -رضي الله عنهم- ( ماذا تقول هذه) ؟ المرأة وكانت حاضرة عندهم ( قال عبد الرحمن بن حاطب) بالحاء والطاء المهملتين بينهما ألف آخره موحدة ابن أبي بلتعة مترجمًا عنها لعمر عن قولها إنها حملت من زنا من عبد اسمه برغوس بالراء والغين المعجمة والسين المهملة لأنها كانت نوبية بضم النون وكسر الموحدة وتشديد التحتية أعجمية من جملة عتقاء حاطب ( فقلت) يا أمير المؤمنين ( تخبرك بصاحبهما الذي صنع بهما) وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور نحوه ولأبي ذر بصاحبها الذي صنع بها.

( وقال أبو جمرة) : بالجيم المفتوحة وسكون الميم نصر بن عمران الضبعي البصري ( كنت أترجم بين ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( وبين الناس) زاد النسائي فيما وصله عنه فأتته امرأة فسألته عن نبيذ الجرّ فنهى عنه الحديث.
وسبق في كتاب العلم عند المؤلّف.

( وقال بعض الناس) : محمد بن الحسن وكذا الشافعي ( لا بدّ للحاكم من مترجمين) بكسر الميم بصيغة الجمع قال ابن قرقول لأنه لا بد له عمن يتكلم بغير لسانه وذلك يتكرر فيتكرر المترجمون وروي بفتح الميم بصيغة التثنية وهو المعتمد كما في الفتح.