فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب بطانة الإمام وأهل مشورته "

باب بِطَانَةِ الإِمَامِ وَأَهْلِ مَشُورَتِهِ
الْبِطَانَةُ: الدُّخَلاَءُ.

(باب بطانة الإمام وأهل مشورته) بفتح الميم وضم الشين المعجمة وفتح الراء اسم من شاورت فلانًا في كذا والمعنى عرضت عليه أمري حتى يدلني على الصواب منه وهو من عطف الخاص على العام قال البخاري مما نقله عن أبي عبيد:
(البطانة) بكسر الموحدة في قوله تعالى: ({ لا تتخذوا بطانة من دونكم} [آل عمران: 118] (الدخلاء) بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة ممدود جمع دخيل وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته ويفضي إليه سره ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمور رعيته ويعمل بمقتضاه.
وقال الزمخشري في قوله تعالى: { لا تتخذوا بطانة من دونكم} الآية.
بطانة الرجل ووليجته خصيصه الذي يفضي إليه بحوائجه ثقة به شبه ببطانة الثوب كما يقال فلان شعاري.


[ قــ :6811 ... غــ : 7198 ]
- حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِىٍّ وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى».
.

     وَقَالَ  سُلَيْمَانُ: عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ بِهَذَا وَعَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ وَمُوسَى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَهُ.

     وَقَالَ  شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَوْلَهُ:.

     وَقَالَ  الأَوْزَاعِىُّ: وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ حَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

     وَقَالَ  ابْنُ أَبِى حُسَيْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَوْلَهُ.

     وَقَالَ  عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى جَعْفَرٍ حَدَّثَنِى صَفْوَانُ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالمهملة والموحدة المفتوحة ثم المعجمة ابن الفرج المصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ما بعث الله من نبي ولا استخلف) بعده (من خليفة إلا كانت له بطانتان) والبطانة مصدر وضع موضع الاسم يسمى به الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث (بطانة تأمره بالمعروف) وفي رواية سليمان بن بلال بالخير بدل قوله بالمعروف (وتحضه عليه) بحاء مهملة مضمومة وضاد معجمة مشدّدة ترغبه فيه وتحثه عليه (وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه).
وهذا متصوّر في بعض الخلفاء لا في الأنبياء، فلا يلزم من وجود من يشير عليهم بالشر قبولهم منه للعصمة كما قال: (فالمعصوم) بالفاء (من عصم الله تعالى) أي من عصمه الله من نزغات الشيطان فلا يقبل بطانة الشر
أبدًا، وهذا هو منصب النبوّة الذي لا يجوز عليهم غيره وقد يكون لغيرهم بتوفيقه تعالى، وفي الولاة من لا يقبل إلا من بطانة الشر وهو الكثير في زماننا هذا فلا حول ولا قوّة إلا بالله، والمراد بالبطانتين الوزيران.

وفي حديث عائشة مرفوعًا: "من ولي منكم عملاً فأراد الله به خيرًا جعل له وزيرًا صالحًا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه".

ويحتمل أن يكون المراد بالبطانتين الملك والشيطان، ويحتمل كما قال الكرماني أن يراد بالبطانتين النفس الأمارة بالسوء والنفس المطمئنة المحرّضة على الخير والمعصوم مَن أعطاه الله نفسًا مطمئنة أو لكلٍّ منهما قوّة ملكية وقوّة حيوانية اهـ.

وقيل المراد بالبطانتين في حق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الملك والشيطان إليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام "ولكن الله أعانني عليه فأسلم" اهـ.

فيجب على الوالي أن لا يبادر بما يلقى إليه من ذلك حتى يعرضه على كتاب الله وسُنّة نبيه فما وافقهما اتبعه وما خالفهما تركه، وينبغي أن يسأل الله تعالى العصمة من بطانة الشر وأهله ويحرص على بطانة الخير وأهله.
قال سفيان الثوري: ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة.

والحديث سبق في القدر، وأخرجه النسائي في البيعة والسير.

(وقال سليمان) بن بلال فيما وصله الإسماعيلي (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (بهذا) الحديث السابق (وعن ابن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (وموسى) بن عقبة فيما وصله عنهما البيهقي كليهما (عن ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم (مثله) أي مثل الحديث السابق.
قال في الكواكب: روى سليمان عن الثلاثة، لكن الفرق بينهما أن المروي في الطريق الأولى هو المذكور بعينه وفي الثانية هو مثله اهـ.

وتعقبه في الفتح فقال لا يظهر بينهما فرق، والظاهر أن سر الإفراد أن سليمان ساق لفظ يحيى ثم عطف عليه رواية الآخرين وأحال بلفظهما عليه، فأورده البخاري على وفقه، وتعقبه العيني فقال: كيف ينفى الفرق ومثل الشيء غير عينه.

(وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة فيما وصله الذهلي في الزهريات (عن الزهري) محمد بن مسلم (حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد) الخدري (قوله) نصب بنزع الخافض أي من قوله لم يرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

(وقال الأوزاعي): عبد الرحمن بن عمرو فيما وصله الإمام أحمد (ومعاوية بن سلام) بتشديد اللام الدمشقي فيما وصله النسائي (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (الزهري) قال: (حدّثني)
بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فجعلاه من حديث أبي هريرة وهو عند شعيب عن أبي سعيد وجعلاه مرفوعًا وهو عنده موقوفًا.

(وقال ابن أبي حسين) بضم الحاء وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي المكي (وسعيد بن زياد) بكسر العين وكسر زاي زياد وتخفيف التحتية الأنصاري المدني التابعي الصغير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد) الخدري (قوله) أي من قوله لا مرفوعًا.

(وقال عبد الله) بفتح العين في الفرع وصوابه بضمها (ابن أبي جعفر) يسار المصري بالميم من صغار التابعين مما وصله النسائي (حدّثني) بالإفراد (صفوان) بن سليم بضم السين مولى آل عوف (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
فالحديث بحسب الصورة الواقعة مرفوع من رواية ثلاثة من الصحابة أبي سعيد وأبي هريرة وأبي أيوب، لكنه على طريقة المحدّثين حديث واحد اختلف على التابعي في صحابيه فجزم صفوان بأنه عن أبي أيوب، واختلف على الزهري فيه هل هو أبو سعيد أو أبو هريرة؟ وأما الاختلاف في وقفه ورفعه فلا يقدح لأن مثله لا يقال من قبل الرأي فسبيله الرفع، وتقديم البخاري لرواية أبي سعيد الخدري الموصولة المرفوعة يؤذن بترجيحها عنده لا سيما مع موافقة ابن أبي حسين وسعيد بن زياد لمن قال عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد وإذا لم يبق إلا الزهري وصفوان، فالزهري أحفظ من صفوان بدرجات قاله في الفتح.