فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: كيف يبايع الإمام الناس

باب كَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاسَ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه ( كيف يبايع الإمام الناس) ؟ بالنصب على المفعولية والإمام فاعل، ولأبي ذر: بنصب الإمام مفعول مقدّم ورفع الناس على الفاعلية والمراد بالكيفية هنا الصيغ القولية لا الفعلية كما ستراه إن شاء الله تعالى في الأحاديث المسوقة في الباب.


[ قــ :6812 ... غــ : 7199 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ.

وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) إمام الأئمة ودار الهجرة ابن أنس الأصبحي ( عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبادة بن الوليد) بضم العين وتخفيف الموحدة ( قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا ( أبي) الوليد ( عن) أبيه ( عبادة بن
الصامت)
-رضي الله عنه- أنه ( قال: بايعنا) بفتح التحتية وسكون العين عاهدنا ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة العقبة بمنى ( على السمع والطاعة) له ( في المنشط) بفتح الميم والشين المعجمة بينهما نون ساكنة آخره طاء مهملة مصدر ميمي من النشاط ( والمكره) بفتح الميم والراء بينهما كاف ساكنة مصدر ميمي أيضًا أي في حال نشاطنا وحال عجزنا عن العمل بما نؤمر به.
وقال السفاقسي: الظاهر أن المراد في وقت الكسل والمشقّة في الخروج ليطابق قوله في المنشط، ويؤيده ما عند أحمد من رواية إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة في النشاط والكسل.
وقال في شرح المشكاة: أي عاهدناه بالتزام السمع والطاعة في حالتي الشدة والرخاء وتارتي الضراء والسراء وإنما عبر عنه بصيغة المفاعلة للمبالغة والإيذان بأنه التزم لهم أيضًا بالأجر والثواب والشفاعة يوم الحساب على القيام بما التزموا.

( وأن لا ننازع الأمر) أي أمر الملك والولاية ( أهله) فلا نقاتلهم ( وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا) والشك هل هي بالميم أو اللام من الراوي ( لا نخاف في) نصرة دين ( الله لومة لائم) من الناس واللومة المرة من اللوم.
قال في الكشاف: وفيها وفي التنكير مبالغتان كأنه قال لا نخاف شيئًا قط من لوم أحد من اللوّام ولومة مصدر مضاف لفاعله في المعنى، وفيه وجوب السمع والطاعة للحاكم سواء حكم بما يوافق الطبع أو يخالفه وعدي بايعنا بعلى لتضمنه معنى عاهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل زمان ومكان الكبار والصغار ولا نداهن فيه أحدًا ولا نخافه ولا نلتفت إلى الأئمة ونحوهم قاله النووي.

والحديث أخرجه مسلم في المغازي.




[ قــ :6813 ... غــ : 701 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَأَجَابُوا:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الصيرفي البصري قال: ( حدّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي قال: ( حدّثنا حميد) الطويل ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غداة باردة والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق) بكسر الفاء وكان ذلك في غزوته سنة خمس ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متمثلاً بقول ابن رواحة:
( اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة.
فأجابوا)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فأجابوه ( نحن الذين بايعوا محمدًا) .

صفة للذين لا صفة نحن.
وهذا موضع الترجمة ( على الجهاد ما بقينا أبدًا) .
بالتنوين في محمدًا وأبدًا في اليونينية.

والحديث سبق بأتم من هذا في غزوة الخندق.




[ قــ :6814 ... غــ : 70 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا: «فِيمَا اسْتَطَعْتَ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي أبو محمد الكلاعي الدمشقي الأصل قال: ( أخبرنا مالك) الإمام بن أنس المدني ( عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كنا إذا بايعنا) بسكون العين ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السمع) للأوامر والنواهي ( والطاعة) للحاكم يقول لنا أي للمبايع منا ( فيما استطعت) وهذا من شفقته ورحمته بنا جزاه الله عنا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته وللكشميهني فيما استطعتم بالجمع.




[ قــ :6815 ... غــ : 703 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: كَتَبَ إِنِّى أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، مَا اسْتَطَعْتُ وَإِنَّ بَنِىَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ.
[الحديث 703 - طرفاه في: 705، 77] .

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن سفيان) الثوري قال: ( حدّثنا عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر ( قال: شهدت ابن عمر) -رضي الله عنهما- ( حيث اجتمع الناس على عبد الملك) بن مروان بن الحكم الأموي يبايعونه بالخلافة وكانت الكلمة قبل ذلك متفرقة إذ كان في الأرض قبل اثنان يدعى لكل منهما بالخلافة وهما عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير، وكان أي ابن الزبير امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية، فلما مات ادّعى ابن الزبير الخلافة فبايعه الناس بها بالحجاز، وبايع أهل الآفاق معاوية بن يزيد بن معاوية فلم يعش إلا نحو أربعين يومًا ومات فبايع الناس ابن الزبير إلا بني أمية ومن يهوى هواهم فبايعوا مروان بن الحكم ثم مات بعد ستة أشهر وعهد إلى ابنه عبد الملك بن مروان فقام مقامه وجهز الحجاج لقتال ابن الزبير فحاصره إلى أن قتل -رضي الله عنه- فلما انتظم الملك لعبد الملك وبايعه ابن عمر ( قال) حين ( كتب) له المبايعة ( إني أقر) بضم الهمزة وكسر القاف ( بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سُنّة الله وسُنّة رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ما استطعت) أي قدر استطاعتي ( وإن بنيّ) بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد التحتية عبد الله وأبو بكر وأبو عبيدة وبلال وعمر أمهم صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي، وعبد الرحمن أمه أم علقمة بنت نافس بن وهب، وسالم وعبيد الله
وحمزة أمهم أم وليد وزيد أمه أم ولد ( قد أقروا بمثل ذلك) الذي أقررت به من السمع والطاعة.

زاد الإسماعيلي والسلام.
والحديث من أفراده.




[ قــ :6816 ... غــ : 704 ]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِى فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

وبه قال: ( حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير بن أفلح العبدي مولاهم أبو يوسف الدورقي قال: ( حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة بوزن عظيم أبو معاوية بن خازم بمعجمتين الواسطي قال: ( أخبرنا سيار) بفتح المهملة والتحتية المشددة ابن وردان أبو الحكم العنزي ( عن الشعبي) عامر بن شراحيل ( عن جرير بن عبد الله) بفتح الجيم البجلي -رضي الله عنه- أنه ( قال: بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السمع) لولي الأمر في أمره ونهيه ( والطاعة) له ( فلقنني) أي زاد على سبيل التلقين أن أقول ( فيما استطعت) شفقة منه ورأفة ( و) على ( النصح لكل مسلم) .
وذمي بأمره بالإسلام وتعلقاته.




[ قــ :6817 ... غــ : 705 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَبْدَ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّى أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَإِنَّ بَنِىَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ.

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن علي) أبو حفص الفلاس الصيرفي أحد الأعلام قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن سفيان) الثوري أنه ( قال: حدّثني) بالإفراد ( عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم ( قال: لما بايع الناس عبد الملك) بن مروان ( كتب إليه عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- من ابن عمر ( إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سُنّة الله وسُنّة رسوله فيما استطعت وأن بنيّ قد أقروا) لك ( وبذلك) .
وهذا إخبار عن إقرارهم لا إقرار عنهم، وعند الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان بلفظ: رأيت ابن عمر يكتب وكان إذا كتب يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك، وقال في آخره أيضًا والسلام.
والحديث من أفراده.




[ قــ :6818 ... غــ : 706 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ قَالَ:.

قُلْتُ لِسَلَمَةَ عَلَى أَىِّ شَىْءٍ بَايَعْتُمُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي قال: ( حدّثنا حاتم) هو ابن إسماعيل الكوفي سكن في المدينة ( عن يزيد) من الزيادة وهو ابن أبي عبيد كما في رواية أبي ذر
مولى سلمة بن الأكوع أنه ( قال: قلت لسلمة) بن الأكوع -رضي الله عنه- ( على أيّ شيء بايعتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية) ؟ بالتخفيف تحت الشجرة ( قال) بايعناه ( على الموت) أي نقاتل بين يديه ونصبر ولا نفر وإن قتلنا.

وسبق الحديث بأتم من هذا في باب البيعة على الحرب أن لا يفروا من كتاب الجهاد.




[ قــ :6819 ... غــ : 707 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلاَّهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا قَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِى أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلاَ يَطَأُ عَقِبَهُ وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِىَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِى أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ: فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِى فَقَالَ: ادْعُ لِى عَلِيًّا فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ عَلِىٌّ مِنْ عِنْدِهِ، وَهْوَ عَلَى طَمَعٍ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِىٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِى عُثْمَانَ فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ، حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِىُّ إِنِّى قَدْ نَظَرْتُ فِى أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلاَ تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي قال: ( حدّثنا جويرية) بن أسماء عم السابق ( عن مالك) الإمام ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( أن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف ( أخبره أن المسور بن مخرمة) ابن أخت عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- ( أخبره أن الرهط) وهو ما دون العشرة وقيل إلى ثلاثة ( الذين ولاّهم عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- أي عيّنهم للتشاور فيمن يعقد له الخلافة فيهم وهم ما سبق في باب قصة البيعة من المناقب علي وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن ( اجتمعوا فتشاوروا) فيمن يولونه الخلافة ( قال) ولأبي ذر فقال ( لهم عبد الرحمن) بن عوف: ( لست بالذي أنافسكم) بضم الهمزة وفتح النون وبعد الألف فاء مكسورة فسين مهملة أنازعكم ( على هذا الأمر) أي الخلافة إذ ليس لي فيها رغبة ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي عن والأولى أوجه، ( ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم) أي ممن سماهم عمر دونه ( فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن فلما ولّوا عبد الرحمن أمرهم) في الاختيار منهم ( فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحدًا من الناس يتبع) بسكون الفوقية وفتح الموحدة ( أولئك الرهط ولا يطأ عقبه) بفتح العين وكسر القاف أي ولا يمشون خلفه وهو كناية عن الإعراض ( ومال الناس على عبد الرحمن) كرّر هذه لبيان سبب الميل وهو قوله ( يشاورونه) في أمر الخلافة ( تلك الليالي) زاد الزبيدي في روايته عن الدارقطني في غرائب مالك عن الزهري لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدًا وكرر قوله ( حتى إذا كانت الليلة) وللكشميهني تلك الليلة ( التي أصبحنا منها فبايعنا) بسكون العين ( عثمان) بن عفان بالخلافة ( قال المسور) بن مخرمة ( طرقني عبد الرحمن) بن عوف ( بعد هجع من الليل) بفتح الهاء وسكون الجيم بعدها عين مهملة.
قال في المصابيح: أي بعد طائفة منه هذا الذي يفهم من كلام القاضي واقتصر عليه الزركشي، وقال الحافظ مغلطاي: يريد بالهجوع النوم بالليل خاصة ذكره أبو عبيد.
قال العلامة البدر الدماميني وهذا يستدعي أن يكون قوله من الليل صفة كاشفة بخلاف الأوّل فإنها فيه مخصصة وهو أولى اهـ.

قال في الفتح: وقد أخرجه البخاري في التاريخ الصغير من طريق يونس عن الزهري بلفظ بعد هجيع بوزن عظيم ( فضرب الباب حتى استيقظت) من النوم ( فقال) لي: ( أراك نائمًا فوالله ما اكتحلت) ما دخل النوم جفن عيني كما يدخله الكحل ( هذه الليلة) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني هذه الثلاث ( بكبير نوم) في رواية سعيد بن عامر عند الدارقطني في غرائب مالك والله ما حملت فيهما غمضًا منذ ثلاث ولأبي ذر بكثير نوم بالمثلثة بدل الموحدة ( انطلق فادع الزبير) بن العوّام ( وسعدًا) أي ابن أبي وقاص ( فدعوهما له فشاورهما) بالشين المعجمة من المشاورة ولأبي ذر عن المستملي فسارّهما بالسين المهملة وتشديد الراء ( ثم دعاني فقال ادع لي عليًّا فدعوته) له فجاء ( فناجاه حتى ابهارّ الليل) بتسكين الموحدة وتشديد الراء انتصف، وفي رواية سعيد بن عامر المذكورة فجعل يناجيه حتى ترتفع أصواتهما أحيانًا فلا يخفى عليّ شيء مما يقولان ويخفيان أحيانًا ( ثم قام عليّ) هو ابن أبي طالب ( من عنده وهو) أي علي ( على طمع) أن يوليه ( وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئًا) من المخالفة الموجبة للفتنة.
وقال ابن هبيرة: أظنه أشار إلى الدعابة التي كانت في علي أو نحوها، ولا يجوز أن يحمل على أن عبد الرحمن خاف من علي على نفسه ( ثم قال: ادع لي عثمان فدعونه) فجاء ( فناجاه حتى فرّق بينهما المؤذن بالصبح فلما صلّى للناس الصبح) ولأبي ذر: صلّى الناس الصبح.

( واجتمع أولئك الرهط) الذين عينهم عمر للمشورة ( عند المنبر) في المسجد النبوي ( فأرسل) عبد الرحمن ( إلى من كان حاضرًا من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد) معاوية أمير الشام وعمير بن سعيد أمير حمص، والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة، ولأي موسى الأشعري أمير البصرة، وعمرو بن العاص أمير مصر ليجمع أهل الحل والعقد ( وكانوا وافوا تلك الحجة) قدموا مكلة فحجوا ( مع عمر) ورافقوه إلى المدينة ( فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن) وفي رواية
عبد الرحمن بن طهمان جلس عبد الرحمن على المنبر ( ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان) أي لا يجعلون له مساويًا بل يرجحونه على غيره ( فلا تجعلن على نفسك) من اختياري لعثمان ( سبيلاً) ملامة إذا لم يوافق الجماعة ( فقال) عبد الرحمن مخاطبًا لعثمان: ( أبايعك على سُنّة الله ورسوله) ولأبي ذر عن الكشميهني وسُنّة رسوله ( والخليفتين) أبي بكر وعمر ( من بعده) فقال عثمان نعم ( فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون) ولأبي ذر والمهاجرون بواو العطف وهو من عطف الخاص على العام ( والأنصار وأمراء الأجناد) المذكورون ( والمسلمون) .
وفي الحديث إن الجماعة الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد المشاورة والاجتهاد لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد إذ لو كان العقد لا يصح إلا باجتماع الجميع لكان لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة، فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا دل ذلك على صحته، وفيه أن على من أسند إليه ذلك أن يبذل وسعه في الاختيار ويهجر أهله وليله اهتمامًا بما هو فيه حتى يكمله.