فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الاستخلاف

باب الاِسْتِخْلاَفِ
( باب الاستخلاف) أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده أو يعين جماعة ليتخيروا منهم واحدًا.


[ قــ :6829 ... غــ : 7217 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها -: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَىٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ وَاللَّهِ إِنِّى لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِى وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ»، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى) بن أبي بكر أبو زكريا الحنظلي قال: ( أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه قال: ( سمعت القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق ( قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-) في أول ما بدا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه الذي توفي فيه متفجعة من وجع رأسها وارأساه ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها ( ذاك) بكسر الكاف أي موتك كما يدل عليه السياق ( لو كان وأنا حي) الواو للحال ( فأستغفر لك وأدعو لك) بكسر الكاف فيهما ( فقالت عائشة) مجيبة له عليه الصلاة والسلام ( واثكلياه) بضم المثلثة وسكون الكاف وكسر اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله ولأبي ذر عن الكشميهني واثكلاه بإسقاط الياء بعد اللام ( والله إني لأظنك تحب موتي) فهمت ذلك من قوله لها لو كان وأنا حي ( ولو كان ذلك لظللت) بكسرِ اللام بعد المعجمة وسكون اللام بعدها أي لدنوت وقربت ( آخر يومك) حال كونك ( معرسًا) بكسر الراء مشددة بانيًا ( ببعض أزواجك فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بل أنا وارأساه) إضراب عن كلامها أي اشتغلي بوجع رأسي إذ لا بأس بك فأنت تعيشين بعدي عرف ذلك بالوحي ثم قال عليه الصلاة
والسلام: ( لقد هممت أو) قال: ( أردت) بالشك من الراوي ( أن أرسل إلى أبي بكر) الصديق ( وابنه فأعهد) بفتح الهمزة وبالنصب عطفًا على أرسل أي أوصي بالخلافة لأبي بكر كراهية ( أن يقول القائلون) الخلافة لنا أو لفلان ( أو يتمنى المتمنون) أن تكون الخلافة لهم فأعينه قطعًا للنزاع والأطماع وقد أراد الله أن لا يعهد ليؤجر المسلمون على الاجتهاد ( ثم قلت: يأبى الله) إلا أن تكون الخلافة لأبي بكر ( ويدفع المؤمنون) خلافة غيره ( أو يدفع الله) خلافة غيره ( ويأبى المؤمنون) إلاّ خلافته.
فالشك من الراوي في التقديم والتأخير، وفي رواية لمسلم: أدعو إلى أبا بكر أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، وفي رواية للبزار معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر ففيه إشارة إلى أن المراد الخلافة وهو الذي فهمه البخاري من حديث الباب وترجم به.

والحديث سيق في الطب.




[ قــ :6830 ... غــ : 718 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ: رَاغِبٌ رَاهِبٌ وَدِدْتُ أَنِّى نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لاَ لِى وَلاَ عَلَىَّ لاَ أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: ( أخبرنا سفيان) الثوري ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه ( قال: قيل لعمر) لما أصيب ( ألا) بالتخفيف ( تستخلف) ؟ خليفة بعدك على الناس ( قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر) أي حيث استخلفه ( وإن أترك) أي الاستخلاف ( فقد ترك) التصريح بالتعيين فيه ( من هو خير مني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأخذ عمر -رضي الله عنه- وسطًا من الأمرين فلم يترك التعيين بمرة ولا فعله منصوصًا فيه على الشخص المستخلف وجعل الأمر في ذلك شورى بين من قطع لهم بالجنة وأبقى النظر للمسلمين في تعيين من اتفق عليه رأي الجماعة الذين جعلت الشورى فيهم ( فأثنوا) أي الحاضرون من الصحابة ( عليه) على عمر خيرًا ( فقال) عمر ( راغب) في حسن رأي فيه ( وراهب) بإثبات الواو وسقطت من اليونينية أي راهب من إظهار ما يضمره من كراهيته، أو المعنى راغب فيما عندي وراهب مني، أو المراد الناس راغب في الخلافة وراهب منها فإن وليت الراغب فيها خشيت أن لا يُعان عليها، وإن وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها.
وقال عياض: هما وصفان لعمر أي راغب فيما عند الله وراهب من عقابه فلا أعول على ثنائكم وذلك يشغلني عن العناية بالاستخلاف عليكم ( وددت أني نجوت منها) أي من الخلافة ( كفافًا) بفتح الكاف وتخفيف الفاء ( لا لى) خيرها ( ولا عليّ) شرها ( لا أتحملها) أي الخلافة ( حيًّا وميتًا) ولأبي ذر ولا ميتًا فلا أعين لها شخصًا بعينه فأتحملها في حال الحياة والممات.

وفي الحديث جواز عقد الخلافة من الإمام المتولي لغيره بعده وإن أمره في ذلك جائز على عامة المسلمين لإطباق الصحابة ومن بعدهم معهم على العمل بما عهده أبو بكر لعمر، وكذا لم يختلفوا في قبول عهد عمر إلى الستة وهو شبيه بإيصاء الرجل على ولده ليكون نظره فيما يصلح أتم من غيره فكذلك الإمام، وقال النووي وغيره أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بأهل الحل والعقد لإنسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره وعلى جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين عدد مخصوص أو غيره.




[ قــ :6831 ... غــ : 719 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدُ مِنْ يَوْمٍ تُوُفِّىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَشَهَّدَ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لاَ يَتَكَلَّمُ قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَدْبُرَنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ بِمَا هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَانِى اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لأَبِى بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ الْمِنْبَرَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً.
[الحديث 719 -
طرفه في: 769]
.

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الصغير أبو إسحاق الرازي قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني ( عن معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سمع خطبة عمر الآخرة) نصب صفة خطبة ( حين جلس على المنبر) وكانت كالاعتذار عن قوله في الخطبة الأولى الصادرة منه يوم مات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن محمدًا لم يمت وأنه سيرجع وكانت خطبته الآخرة بعد عقد البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعة ( وذلك الغد) نصب على الظرفية أي إتيانه بالخطبة في الغد ( من يوم) بالتنوين ( توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فشهد) عمر ( وأبو بكر) أي والحال أن أبا بكر ( صامت لا يتكلم.
قال)
عمر: ( كنت أرجو أن يعيش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يدبرنا) بفتح التحتية وضم الموحدة بينهما دال مهملة ساكنة ( يريد) عمر ( بذلك أن يكون) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( آخرهم) موتًا وفي رواية عقيل عن ابن شهاب عند الإسماعيلي حتى يدبر أمرنا بتشديد الموحدة ثم قال عمر ( فإن يك محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مات فإن الله تعالى قد جعل) ولأبي ذر فإن الله جعل ( بين أظهركم نورًا) أي قرآنًا ( تهتدون به هدى الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي به كذا في غير ما فرع من فروع اليونينية، وفي بعض الأصول وعليه شرح العيني كابن حجر رحمهما الله تعالى تهتدون به بما هدى الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي كتاب الاعتصام وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا لما هدى الله به رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وإن أبا بكر صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قدم الصحبة لشرفها ولما شاركه فيها غيره عطف عليها ما انفرد به وهو كونه { ثاني اثنين
إذ هما في الغار}
[التوبة: 40] وهي أعظم فضيلة استحق بها الخلافة كما قاله السفاقسي قال ومن ثم قال عمر ( فإنه) بالفاء في اليونينية وفي غيرها وأنه ( أولى المسلمين بأموركم فقوموا) أيها الحاضرون ( فبايعوه) بكسر التحتية ( وكان طائفة منهم قد بايعوه) بفتح التحتية ( قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة) بن كعب بن الخزرج والسقيفة الساباط مكان اجتماعهم للحكومات وفيه إشارة إلى أن السبب في هذه المبايعة مَن لم يحضر في السقيفة ( وكانت بيعة العامة على المنبر) في اليوم المذكور صبيحة اليوم الذي بويع فيه في السقيفة.

( قال الزهري) : محمد بن مسلم بالسند السابق ( عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول لأبي بكر) -رضي الله عنهم- ( يومئذ: اْصعد المنبر) بفتح العين ( فلم يزل به حتى صعد المنبر) بكسر العين وللكشميهني حتى أصعده بزيادة همزة مفتوحة وسكون الصاد ( فبايعه الناس) مبايعة ( عامة) وهي أشهر من البيعة الأولى.

ومناسبة الحديث للترجمة في قوله: وإنه أولى المسلمين بأموركم.




[ قــ :683 ... غــ : 70 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِى شَىْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِى فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني الأعرج قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ( عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ( عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي النوفلي -رضي الله عنه- أنه ( قال: أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة) لم تسم ( فكلمته في شيء) يعطيها ( فأمرها أن ترجع إليه قالت) ولأبوي ذر والوقت فقالت ( يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني ( إن جئت ولم أجدك) قال جبير بن مطعم ( كأنها تريد الموت) تعني إن جئت فوجدتك قد متّ ماذا أعمل ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( إن لم تجديني فائتي أبا بكر) وفيه إشارة إلى أن أبا بكر هو الخليفة بعده عليه الصلاة والسلام في معجم الإسماعيلي من حديث سهل بن أبي حثمة قال: بايع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعرابيًّا فسأله إن أتى عليه أجله مَن يقضيه؟ فقال: أبو بكر ثم سأله مَن يقضيه بعده؟ قال: عمر الحديث.
وأخرجه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه مختصرًا وحديث الباب سبق في فضل أبي بكر -رضي الله عنه-.




[ قــ :6833 ... غــ : 71 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنه - قَالَ لِوَفْدِ بُزَاخَةَ: تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الإِبِلِ حَتَّى يُرِىَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن سفيان)
الثوري أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( قيس بن مسلم) الجدلي بضم الجيم أبو عمرو الكوفي العابد ( عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي قال أبو داود: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه ( عن أبي بكر) الصديق ( رضي الله عنه) أنه ( قال لوفد بزاخة) بضم الموحدة بعدها زاي مخففة فألف معجمة مفتوحة فهاء تأنيث وهم من طيئ وأسد وغطفان قبائل كثيرة وكان هؤلاء القبائل ارتدّوا بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي، وكان ادّعى النبوّة بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقاتلهم خالد بن الوليد بعد فراغه من مسيلمة فلما غلب عليهم تابوا وبعثوا وفدهم إلى أبي بكر يعتذرون فأحب أبو بكر أن لا يقضي فيهم إلا بعد المشاورة في أمرهم فقال لهم: ( تتبعون) بسكون الفوقية الثانية ( أذناب الإبل) في الصحارى ( حتى يُري الله خليفة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به) .

وهذا مختصر ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين بلفظ: جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيّرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية؟ قال: تنزع منكم الحلقة والكراع ونقسم ما أصبنا منكم وتردّون علينا ما أصبتم منّا وتدّون لنا قتلانا ويكون قتلاكم في النار، وتتركون أقوامًا يتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به فعرض أبو بكر ما قاله على القوم فقام عمر فقال: قد رأيت رأيًا وسنشير عليك أما ذكرت من أن ينزع منهم الكراع والحلقة فنعم ما رأيت، وأما تدّون قتلانا ويكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت على أمر الله وأجورها على الله ليست لها ديّات قال: فتتابع الناس على قول عمر، والمجلية بالجيم وضم الميم من الجلاء أي الخروج من جميع المال.
والمخزية بالخاء المعجمة والزاي من الخزي أي القرار على الذل والصغار وفائدة نزع ذلك منهم أن لا تبقى لهم شوكة ليأمن الناس من جهتهم وقوله: وتتبعون أذناب الإبل أي في رعايتها، لأنهم إذا نزعت منهم آلة الحرب رجعوا عرايا في البوادي لا عيش لهم إلا ما يعود عليهم من منافع إبلهم.

وهذا الحديث من أفراد البخاري.


باب
هذا ( باب) بالتنوين بغير ترجمة وهو ثابت في رواية المستملي ساقط لغيره.




[ قــ :6834 ... غــ : 7 - 73 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا» فَقَالَ: كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِى: إِنَّهُ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع ( محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي البصري قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عبد الملك) بن عمير أنه
قال: ( سمعت جابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم -رضي الله عنه- ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( يكون اثنا عشر أميرًا) وعند مسلم من رواية سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( كلمة لم أسمعها فقال أبي) سمرة ( إنه قال: كلهم من قريش) وفي رواية سفيان فسألت أبي ماذا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: كلهم من قريش.
وعند أبي داود من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدين عزيزًا إلى اثني عشر خليفة.
قال: فكبّر الناس وضجّوا فلعل هذا هو سبب خفاء الكلمة المذكورة على جابر، وفيه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم وهي كون الإسلام عزيزًا.
وعند أبي داود أيضًا من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدّين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة، فيحتمل أن يكون المراد أن تكون الاثنا عشر في مدة عزّة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة كما في رواية أبي داود كلهم تجتمع عليه الأمة، وهذا قد وجد فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم وتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيرًا بيّنًا.

وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر، وقيل يكونون في زمن واحد كلهم يدّعي الإمارة تفترق الناس عليهم، وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم تسمي بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسي ببغداد إلى من كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج، ويحتمل أن تكون الاثنا عشر خليفة بعد الزمن النبوي فإن جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسًا منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما وهما: معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفسًا على الولاء كما أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وتغيرت الأحوال بعده، وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون ولا يقدح في ذلك قوله في الحديث الآخر: يجتمع عليهم الناس لأنه يحمل على أكثر الأغلب لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثني عشر منتظمة وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك فهو بالنسبة إلى الاستقامة نادر والله أعلم اهـ.
ملخصًا من فتح الباري.