فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يجوز من اللو

باب مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً} .

( باب ما يجوز من اللو) بألف ولامين وواو ساكنة مخففة في الفرع وأصله ويروى بتشديدها.

واستشكل بأن لو حرف وأهل العربية لا يجيزون دخول الألف واللام على الحروف قاله القاضي عياض.
وأجيب: بأن "اللو" هنا مسمى بها فهي اسم زيد فيه واو أخرى ثم أدغمت الأولى في الثانية على القاعدة المقررة في بابها فلا بدع إذًا في دخول علامات الأسماء عليها إذا لم تدخل وهي حرف إنما دخلت وهي اسم.
وقال صاحب النهاية: الأصل لو ساكنة الراو وهي حرف من حروف المعاني يمتنع بها الشيء لامتناع غيره غالبًا فلما سمي بها زيد فيها فلما أرادوا إعرابها أتى فيها بالتعريف لتكون علامة لذلك ومن ثم شدّد الواو وقد سمع بالتشديد منونًا قال:
أُلام على لو ولو كنت عالمًا ... بإدبار لوّ لم تفتني أوائله
وقال آخر:
ليت شعري وأين منى ليت ... إن ليتًا وإن لوًّا عناء
وقال الشيخ تقيّ الدين السبكي رحمه الله: لو إنما لا يدخلها الألف واللام إذا بقيت على الحرفية أما إذا سمي بها فهي من جملة الحروف التي سمعت التسمية بها من حروف الهجاء ومن حروف المعاني ومن شواهده قوله:
وقدمًا أهلكت لوّ كثيرًا ... وقبل اليوم عالجها قدار
فأضاف إليها واوًا أخرى وأدغمها وجعلها فاعلاً.
قال: ومقصود البخاري -رحمه الله- بالترجمة وأحاديثها أن النطق بلو لا يكره على الإطلاق وإنما يكره في شيء مخصوص يؤخذ ذلك من قوله من اللو فأشار إلى التبعيض ولورودها في الأحاديث الصحيحة، وقيل: إن البخاري أشار بقوله ما يجوز من اللّو إلى أن اللّو في الأصل لا يجوز إلا ما استثنى.
وعند النسائي وابن ماجة من طريق محمد بن عجلان عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "المؤمن القويّ خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" وفي كل خير احرص على ما ينفعك ولا تعجز فإن غلبك أمر فقل قدّر الله وما شاء فعل وإياك واللّو فإن اللّو تفتح عمل الشيطان.
هذا لفظ ابن ماجة ولفظ النسائي قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والباقي سواء إلا أنه قال: وما شاء وإياك.
وأخرجه النسائي والطبري والطحاوي من طريق عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان فقال عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج، ولفظ النسائي وفي كل خير وفيه احرص على ما ينفعك واستغن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل.
قال في الفتح: هذه الطريق أصح طرق هذا الحديث وقوله: فإن اللّو تفتح عمل الشيطان أي تلقي في القلب معارضة القدر فيوسوس به الشيطان، ولا معارضة بين ما ورد من الأحاديث الدالّة على الجواز والدالّة على النهي لأن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع، فالمعنى لا تقل لشيء لم يقع لو أني فعلت كذا لوقع قاضيًا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله، وما ورد من قول لو محمول على ما إذا كان قائله موقنًا بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله وإرادته قاله الطبري.
وقال غيره: الظاهر أن النهي عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه أما من قاله تأسفًا على ما فاته من طاعة الله فلا بأس به.

( وقوله تعالى: { لو أن لي بكم قوة} ) أي لو قويت بنفسي على دفعكم وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم وحذفه كما قال ابن بطال لأنه يخص بالنفي ضروب المنع، وإنما أراد لوط عليه السلام العدّة من الرجال وإلاّ فهو يعلم أن له من الله ركنًا شديدًا ولكنه أجرى الحكم على الظاهر، ولو تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره تقول: لو جاءني زيد لأكرهتك معناه أني امتنعت من إكرامك لامتناع مجيء زيد وتكون بمعنى الشرطية نحو: { ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} [البقرة: 221] أي وإن أعجبتكم وللتقليل نحو "التمس ولو خاتمًا من حديد".
وللعرض نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيرًا وللحض نحو: لو فعلت كذا بمعنى الفعل وبمعنى التمني نحو: فلو أن لنا كرّة أي فليت لنا كرّة، ولهذا نصب فنكون في جوابها كما نصب فأفوز
في جواب ليت، واختلف هل هي الامتناعية أشربت معنى التمني، أو المصدرية أو قسم برأسه ورجح الأخير ابن مالك.


[ قــ :6849 ... غــ : 7238 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ أَهِىَ الَّتِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» قَالَ: لاَ تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه ( قال: ذكر ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( المتلاعنين) بفتح النون الأولى على التثنية وقصتهما ( فقال عبد الله بن شداد) بالمعجمة المفتوحة والمهملتين الأولى مشددة بينهما ألف ابن الهاد الكوفي ( أهي) بهمزة الاستفهام ولأبي ذر هي المرأة ( التي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو كنت راجمًا امرأة) محصنة زنت ( من غير) ولأبي ذر عن المستملي عن وله عن الكشميهني بغير ( بيّنة) وجواب لو محذوف أي: لرجمتها ( قال: لا تلك امرأة أعلنت) بالسوء في الإسلام لكنها لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف ولم يسمها.

والحديث سبق في اللعان ومطابقته للترجمة في قوله: لو كنت راجمًا.




[ قــ :6850 ... غــ : 739 ]
- حدثنا علي، حدثنا سفيانُ قالَ عمرو: حدثنا عطاءٌ قالَ: أعتَمَ النبِي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالعِشاءِ فَخَرَجَ عُمرُ فَقالَ: الصلاةُ يا رَسُولَ الله رَقَدَ النساءُ والصبيانُ، فَخَرَجَ وَرَأسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ: "لولا أنْ أشُقَّ على أُمتِي- أو علَى الناسِ".
وَقالَ سُفيانُ أيضًا: "على أُمتِي لأمرتهم بِالصلاةِ هذه الساعةَ".
وَقالَ ابنُ جُرَيج: عن عطاء عنِ ابنِ عباس أخَّرَ النَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذِهِ الصلاةَ فَجاءَ عُمرُ فَقالَ: يا رَسُولَ الله رَقَدَ النساءُ والوِلدانُ فَخَرَجَ وَهوَ يَمسَحُ الماءَ عن شِقِّهِ يَقُولُ: "إنهُ لَلوَقتُ لَولا أن أشق على أُمتي".
وَقالَ عمرو: حدثنا عطاءٌ لَيسَ فِيهِ ابنُ عباس أما عمرو فقال يقطر وقال ابنُ جُرَيج: يَمسَحُ الماءَ عن شِقِّهِ وَقالَ عمرو: "لَولا أن أشُقَّ على أُمَّتِي".
وَقالَ ابنُ جُرَيج: "إنهُ لَلوَقتُ لَولا أن أشُق على أُمَّتِي".
وَقالَ إبراهِيمُ بنُ المُنْذِرِ: حدثنا معنٌ حدثني محمد بن مسلم عن عمرو، عن عطاءٍ عنِ ابنِ عباسٍ عنِ النبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَولا قَومك حدِيثُو عهد بِكُفر".

وبه قال: ( حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال عمرو) بفتح العين ابن دينار ( حدّثنا عطاء) هو ابن أبي رباح ( قال) أي عطاء ( أعتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعشاء) أبطأ عن صلاة العشاء حتى دخلت ظلمة الليل ( فخرج عمر) -رضي الله عنه- ( فقال: الصلاة يا رسول الله) بنصب الصلاة على الإغراء بفعل محذوف أي أحضر الصلاة يا رسول الله ( رقد النساء والصبيان) الذين بالمسجد وأسقط العلامة من الفعل مثل قال نسوة وقالت نسوة ويتقوى الإسقاط
هنا بعطف الصبيان على النساء ( فخرج) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ورأسه) أي شعر رأسه ( يقطر) ماء لأنه كان اغتسل قبل أن يخرج والجملة مبتدأ وخبر في موضع الحال من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذا الجملة التالية في موضع الحال أيضًا أي خرج حال كونه ( يقول: لولا أن أشق على أمتي أو) قال: ( على الناس) شك من الراوي.
( وقال سفيان) بن عيينة بالسند السابق ( أيضًا: على أمتي لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة) .

أي لولا أن أشق عليهم لأمرتهم أمر إيجاب أن يصلوها في هذا الوقت.

وهذا الحديث مرسل لأن عطاء تابعي.

( وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز بالسند المذكور إلى سفيان بن عيينة عن ابن جريج ( عن عطاء) أي ابن أبي رباح ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال ( أخّر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الصلاة) أي صلاة العشاء ليلة ( فجاء عمر فقال: يا رسول الله رقد النساء والولدان) جمع وليد وهو الصبي ( فخرج) عليه الصلاة والسلام ( وهو يمسح الماء) أي ماء الغسل ( عن شقه) بكسر الشين المعجمة والقاف المشددة حال كونه ( يقول: إنه للوقت) بفتح اللام الأولى وسكون الثانية أي لوقت صلاة العشاء ( لولا أن أشق على أمتي) وهذا موصول ( وقال عمرو) : هو ابن دينار ( حدّثنا عطاء ليس فيه) أي في سنده ( ابن عباس أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم ( عمرو) أي ابن دينار ( فقال) في روايته ( رأسه يقطر) أي ماء.
( وقال ابن جريج) عبد الملك في روايته ( يمسح الماء عن شقه) بكسر المعجمة ( وقال عمرو) المذكور ( لولا أن أشقّ على أمتي.
وقال ابن جريج: إنه للوقت)
بفتح اللام الأولى وسكون الثانية ( لولا أن أشقّ على أمتي) أي لحكمت بأن هذه الساعة وقت صلاة العشاء.

( وقال إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق الحزامي شيخ المؤلّف قال: ( حدّثنا معن) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها نون ابن عيسى القزاز بالقاف والزاءين مشددة أولاهما قال: ( حدّثني) بالإفراد ( محمد بن مسلم) الطائفي ( عن عمرو) هو ابن دينار ( عن عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا موصول بذكر ابن عباس فيه وهو مخالف لتصريح سفيان بن عيينة عن عمرو بأن حديثه عن عطاء ليس فيه ابن عباس قيل: فهو من أوهام الطائفي وهو موصوف بسوء الحفظ، وتعقب بأنه إذا كان كذلك فكيف رضي البخاري بإخراجه فيه موصولاً.

وهذا وصله الإسماعيلي.
ولولا حرف امتناع ويلزم بعدها المبتدأ وحرف تحضيض ويلزم بعدها الفعل المضارع نحو لولا تستغفرون الله وللتوبيخ فتختص بالماضي نحو { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} [النور: 13] ومنه: { ولولا إذ سمعتموه قلتم} [النور: 16] إلا أن الفعل أخّر وذكر الهروي فيها الاستفهام نحو قوله تعالى: { ولولا أخّرتني إلى أجل قريب} [المنافقون: 10] وأنها تكون نافية بمنزلة لم وجعل منه قوله تعالى: { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} [يونس: 98] إذ ثبت هذا فلولا هنا الامتناعية ويجب حذف خبر المبتدأ الواقع بعدها.

قال ابن مالك: على هذا إطلاق أكثر النحويين إلا الرماني وابن الشجري قال: وقد يسّر لي في هذه المسألة زيادة وهي أن المبتدأ المذكور بعد لولا على ثلاثة أضرب: مخبر عنه بكون غير مقيد، ومخبر عنه بكون مقيد لا يدرك معناه عند حذفه، ومخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه.

فالأول: نحو لولا زيد لزارنا عمرو فمثل هذا يلزم حذف خبره لأن المعنى لولا زيد على كل حال من أحواله لزارنا عمرو، فلم يكن حال من أحواله أولى بالذكر من غيرها فلزم الحذف لذلك ولما في الجملة من الاستطالة المحوجة إلى الاختصار.

الثاني: وهو المخبر عنه بكون مقيد ولا يدرك معناه إلا بذكره نحو لولا زيد غائب لم أزرك فخبر هذا النوع واجب الثبوت لأن معناه يجهل عند حذفه، ومنه قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لولا قومك حديثو عهد بكفر) أو حديث عهدهم بكفر فلو اقتصر في مثل هذا على المبتدأ لظن أن المراد لولا قومك على كل حال من أحوالهم لنقضت الكعبة، وهو خلاف المقصود لأن من أحوالهم بعد عهدهم بالكفر فيما يستقبل، وتلك الحال لا تمنع من نقض الكعبة وبنائها على الوجه المذكور ومن هذا النوع قال عبد الرحمن بن الحارث لأبي هريرة إني ذاكر لك أمرًا ولولا مروان أقسم عليّ لم أذكره لك.

الثالث: وهو المخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه كقوله: لولا أخو زيد ينصره لغلب، ولولا صاحب عمرو يعينه لعجز فهذه الأمثلة وأمثالها يجوز فيها إثبات الخبر وحذفه اهـ.

وحينئذ فيكون قوله هنا: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم من القسم الأول ويحتاج إلى تقدير أي لولا مخافة أن أشق لأمرتهم أمر إيجاب وإلا لانعكس معناها إذ الممتنع المشقّة والموجود الأمر واللام جواب لولا.

واستشكل مطابقة الحديث للترجمة إذ هي للو الذي هو لامتناع الشيء لامتناع غيره والحديث فيه: لولا الذي هو لامتناع الشيء لوجود غيره اللازم بعدها المبتدأ ولا يخفى ما بينهما من البون البعيد.
وأجيب: بأن ما آل لولا إلى لو إذ معناه لو لم تكن المشقّة لأمرتهم.




[ قــ :6851 ... غــ : 740 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ».
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج أنه قال: (سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) أمر إيجاب وتحتم وإلا فالمندوب مأمور به على
المرجح والمقتضي لهذا التأويل حينئذ أن السواك مندوب إليه، ومن يرى أن المندوب غير مأمور به لا يحتاج إلى هذا التأويل لأن الأمر هو الإيجاب عنده.
وزاد في رواية أخرى عند كل صلاة والسر في ذلك أن يخرج القرآن من فيه وفوه طيب لأنه إذا قام يصلّي قام الملك خلفه يسمع قراءته فلا يزال عجبه بالقرآن يدنيه حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف ذلك الملك كما رواه البزار مرفوعًا من حديث عليّ بإسناد حسن والملائكة تتأذى من الرائحة الكريهة.

(تابعه سليمان بن مغيرة) القيسي البصري فيما وصله مسلم من طريق أبي النضر عنه (عن ثابت) البناني (عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي الفرع كأصله علامة سقوط هذه المتابعة في رواية أنس.
وقال في الفتح إنها ثابتة هنا في نسخة الصغاني قال: وهو خطأ والصواب ما وقع عند غيره ذكرها عقب حديث أنس المذكور عقبه.

والحديث من أفراده.




[ قــ :685 ... غــ : 741 ]
- حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: وَاصَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخِرَ الشَّهْرِ وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ مُدَّ بِىَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ، إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّى أَظَلُّ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِي».

تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا عياش بين الوليد) بالتحتية المشددة والشين المعجمة الرقام البصري قال: ( حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري قال: ( حدّثنا حميد) الطويل ( عن ثابت) البناني ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: واصل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يأكل ولم يشرب وقت الإفطار ( آخر الشهر) أي شهر رمضان ( وواصل) معه ( أناس) بضم الهمزة أي ناس والتنوين للتبعيض ( من الناس فبلغ) ذلك ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :
( لو مدّ بي الشهر) بضم الميم وتشديد الدال المهملة مبنيًّا للمفعول وبي جار ومجرور ولأبي ذر مدني بفتح الميم والدال المشددة بعدها نون وقاية وجواب لو قوله ( لواصلت) بهم ( وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم) بضم العين من يدع وفتحها في الأخريين من قولهم تعمق في كلامه أي تنطع.
فإن قلت: الجملة الواقعة بعد النكرة هنا صفة لها ولا رابط فكيف وجهه؟ أجيب: بأنه محذوف للقرينة الحالية أي وصالاً يترك لأجله المتنطعون تنطعهم ( إني لست مثلكم إني أظل) أصير حال كوني ( يطعمني ربي ويسقيني) طعامًا وشرابًا من الجنة لا يقال إنه إذا كان يطعم ويسقى فليس مواصلاً لأن المحضر من الجنة لا يجرى عليه أحوال المكلفين أو هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوّة فكأنه قال يعطيني قوّة الآكل والشارب.

والحديث سبق في الصوم.

( تابعه) أي تابع حميدًا ( سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله مسلم كما ذكرته قريبًا.
قال في الفتح: ووقع لنا بعلوٍّ في مسند عبد بن حميد قال: ووقع هذا التعليق في رواية كريمة سابقًا على حديث حميد عن أنس فصار كأنه طريق أخرى معلقة لحديث ( لولا أن أشق) وهو غلط فاحش والصواب ثبوته هنا كما وقع في رواية الباقين اهـ.

ولم يذكره في الفرع كأصله هنا بل عقب حديث: لولا أن أشق لكنه رقم عليه علامة السقوط لأبي ذر كما نبهت عليه فيما سبق.




[ قــ :6853 ... غــ : 74 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ: «أَيُّكُمْ مِثْلِى إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِ»؟ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ فَقَالَ: «لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ».
كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الدارقطني من طريق أبي صالح عنه ( حدّثني) بالإفراد ( عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر ( عن ابن شهاب) الزهري ( أن سعيد بن المسيب أخبره أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الوصال) نهي تحريم أو تنزيه ( قالوا) يا رسول الله ( فإنك تواصل قال) عليه الصلاة والسلام.

( أيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقينِ؟ فلما أبوا) امتنعوا ( أن ينتهوا) عن الوصال ( واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال) ظاهره أن قدر المواصلة بهم كان يومين ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( لو تأخر) الشهر ( لزدتكم) من الوصال إلى أن ترجعوا عنه فتسألوا التخفيف عنكم بتركه قال لهم ذلك ( كالمنكل لهم) بضم الميم وفتح النون وكسر الكاف مشددة بعدها لام أي المعاقب لهم، واستدلّ به على جواز قول لو وحمل النهي الوارد فيه على ما يتعلق بالأمور الشرعية كما مرّ قريبًا في هذا الباب.

والحديث سبق في الصوم أيضًا.




[ قــ :6854 ... غــ : 743 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِى الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ».
قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ
ذَاكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُوا، لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِى الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ فِى الأَرْضِ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا أبو الأحوص) سلام بالتشديد ابن سليم الحافظ قال: ( حدّثنا أشعث) بن أبي الشعثاء سليم المحاربي ( عن الأسود بن يزيد) النخعي ( عن عائشة) رضي الله عنه أنها ( قالت: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الجدر) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وهو الحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم ويقال له الحطيم ( أمن البيت هو؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( نعم) هو من البيت قالت عائشة ( قلت) يا رسول الله ( فما لهم) ولأبي ذر عن الكشميهني فما بالهم ( لم يدخلوه) بضم أوّله وكسر الخاء المعجمة من الإدخال والضمير المنصوب للجدر ( في البيت؟ قال) عليه الصلاة والسلام ( إن قومك) قريشًا ( قصرت) بفتح القاف وضم الصاد والذي في اليونينية بفتح الصاد المشددة ( بهم النفقة) عن عمارته من الحجر وغيره ( قلت) يا رسول الله ( فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال) عليه الصلاة والسلام ( فعل ذاك) أي الارتفاع ( قومك) بكسر الكاف فيهما أي قريش ( ليدخلوا) بضم الياء وكسر الخاء المعجمة ( من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا لولا) ولأبي ذر ولولا ( أن قومك حديث) بالتنوين ( عهدهم بالجاهلية) ولأبي ذر عن الكشميهني حديث عهد بالإضافة ( فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ولأبي ذر عن المستملي الجدار ( في البيت وأن ألصق بابه في الأرض) وجواب لولا محذوف تقديره لفعلت.

والحديث سبق في الحج.




[ قــ :6855 ... غــ : 744 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) قال البغوي في شرح السُّنّة فيما نقله عنه في شرح المشكاة: ليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع أن نسبه أفضل الأنساب وأكرمها، وإنه أراد النسب البلادي ومعناه لولا الهجرة من الدين ونسبتها دينية لا يسعني تركها لأنها عبادة مأمور بها لانتسبت إلى داركم قيل أراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الكلام إكرام الأنصار والتعريض بأن لا فضيلة أعلى من النصرة بعد الهجرة وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغًا لولا أنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المهاجرين السابقين الذين خرجوا من ديارهم وقطعوا عن أقاربهم وأحبابهم وحرموا أوطانهم وأموالهم.
( ولو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا أو شِعبًا) بكسر الشين طريقًا في الجبل ( لسلكت وادي
الأنصار أو شعب الأنصار)
قيل: أراد حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الوفاء بالعهد والجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم فإن متابعته حق على كل مؤمن لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع.




[ قــ :6856 ... غــ : 745 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا».
تَابَعَهُ أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الشِّعْبِ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري ( عن عمرو بن يحيى) بفتح العين المازني الأنصاري ( عن عباد بن تميم) بفتح العين والموحدة المشددة ابن زيد ( عن) عمه ( عبد الله بن زيد) المدني الأنصاري المازني رضى الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( لولا الهجرة) التي لا يجوز تبديلها ( لكنت امرأً من الأنصار ولو سلك الناس واديًا أو شِعبًا) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وشِعبًا بحذف الألف وفتح الواو ( لسلكت وادي الأنصار وشِعبها) .

( تابعه) أي تابع عباد بن تميم ( أبو التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة بعدها عين مهملة مكسورة البصري ( عن أنس) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الشعب) أي من قوله: ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا الخ.

والحديث سبق في المناقب.