فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب وصاة النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم

باب وَصَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُفُودَ الْعَرَبِ أَنْ يُبَلِّغُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ
قَالَهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ.

( باب وصاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الواو وقد تكسر من غير همز أي وصية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وفود العرب أن يبلغوا) بفتح الموحدة وكسر اللام المشدّدة أي بأن يبلغوا ما سمعوه من العلم ( من وراءهم) في موضع نصب على المفعولية ( قاله مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة مصغرًا فيما سبق قريبًا أوائل باب ما جاء في إجازة خبر الواحد.


[ قــ :6876 ... غــ : 7266 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقْعِدُنِى عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ الْوَفْدُ»؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ وَالْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى».
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَنُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَسَأَلُوا عَنِ الأَشْرِبَةِ فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ.
وَأَظُنُّ فِيهِ - صِيَامُ رَمَضَانَ وَتُؤْتُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ».
وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ.
قَالَ: «احْفَظُوهُنَّ وَأَبْلِغُوهُنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ».

وبه قال: ( حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين بعدها دال مهملتين الجوهري البغدادي قال: ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( ح) للتحويل.

قال البخاري: ( وحدّثني) بالإفراد ( إسحاق) بن راهويه قال في الفتح كما في رواية أبي ذر قال: ( أخبرنا النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن شميل أبو الحسن المازني البصري النحوي شيخ مرو ومحدّثها قال: ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي أنه ( قال: كان ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( يقعدني) بضم أوّله وكسر ثالثه ( على سريره) وفي مسند إسحاق بن راهويه أنبأنا النضر بن شميل وعبد الله بن إدريس قالا: حدّثنا شعبة فذكره وفيه فيجلسني معه على السرير فأترجم بينه وبين الناس ( فقال: إن) ولأبي ذر والأصيلي في نسخة فقال لي إن ( وفد عبد القيس) بن أفصى ( لما أتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الفتح ( قال) لهم:
( من الوفد) ؟ وفي كتاب الإيمان بكسر الهمزة من القوم أو من الوفد بالشك ( قالوا) نحن ( ربيعة) بن نزار بن معدّ بن عدنان ( قال: مرحبًا بالوفد والقوم) مرحبًا مأخوذ من رحب رحبًا بالضم إذا وسع منصوب بعامل مضمر لازم إضماره والمعنى أصبتم رحبًا وسعة ولأبي ذر أو القوم بزيادة همزة قبل الواو بالشك من الراوي ( غير خزايا ولا ندامى) جمع نادم على لغة ذكرها القزاز وغير حال من الوفد أو القوم والعامل فيه الفعل المقدّر ( قالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك كفار مضر) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة مخفوض للإضافة بالفتحة للعلمية والتأنيث وكانت مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق ( فأمرنا بأمر) زاد في الأيمان فصل بالصاد المهملة والتنوين في الكلمتين على الوصفية ( ندخل به الجنة) إذا قبل منا برحمة الله ( ونخبر به من وراءنا) من قومنا الذين خلفناهم في بلادنا ( فسألوا) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عن الأشربة) أي عن ظروفها ( فنهاهم عن أربع وأمرهم بأربع أمرهم بالإيمان بالله) أي وحده ( قال: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال)
عليه الصلاة والسلام: هو ( شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
وأظن فيه)
في الحديث ( صيام رمضان وتؤتوا) وفي
الإيمان وأن تعطوا وهو معطوف على قوله بأربع أي أمرهم بالإيمان وبأن يعطوا ( من المغانم) بلفظ الجمع ( الخمس) .

قال في شرح المشكاة: قوله بأمر فصل يحتمل أن يكون الأمر واحد الأوامر وأن يكون بمعنى الشأن، وفصل يحتمل أن يكون بمعنى الفاصل وهو الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحق والباطل وأن يكون بمعنى المفصل أي مبين مكشوف ظاهر ينفصل به المراد عن الاشتباه، فإذا كان بمعنى الشأن والفاصل وهو الظاهر يكون التنكير للتعظيم بشهادة قوله ندخل به الجنة كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سألتني عن عظيم" في جواب معاذ أخبرني بعمل يدخلني الجنة.
فالمناسب حينئذٍ أن يكون الفصل بمعنى المفصل لتفصيله صلوات الله وسلامه عليه الإيمان بأركانه الخمسة كما فصله في حديث معاذ وإن كان بمعنى واحد الأوامر فيكون التنكير للتقليل، فإذا المراد به اللفظ والباء للاستعانة والمأمور به محذوف أي مُرْنا بعمل بواسطة الفعل وتصريحه في هذا المقام أن يقال لهم آمنوا أو قولوا آمنّا هذا هو المعنى يقول الراوي أمرهم بالإيمان بالله وعلى أن يراد بالأمر الشأن يكون المراد معنى اللفظ ومؤدّاه وعلى هذا الفصل بمعنى الفاصل أي مرنا بأمر فاصل جامع قاطع كما في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قل آمنت بالله ثم استقم) فالمأمور هاهنا أمر واحد وهو الإيمان والأركان الخمسة كالتفسير للإيمان بدلالة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتدرون ما الإيمان بالله وحده ثم بينه بما قال فإن قيل: على هذا في قول الراوي إشكالان.
أحدهما أن المأمور واحد وقد قال أربع، وثانيهما أن الأركان خمسة وقد ذكر أربعًا.
والجواب عن الأول أنه جعل الإيمان أربعًا باعتبار أجزائه المفصلة، وعن الثاني أن من عادة البلغاء أن الكلام إذا كان منصوبًا بالغرض من الأغراض جعلوا سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض مطروح ومنه قوله تعالى: { فعززنا بثالث} [يس: 14] أي فعززناهما ترك المنصوب وأتى بالجار والمجرور لأن الكلام لم يكن مسوقًا له، فهاهنا لما لم يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين لأن القوم كانوا مؤمنين مقرّين بكلمتي الشهادة بدليل قولهم الله ورسوله أعلم.
وترحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم ولكن كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما وإنهما كافيتان لهم، وكان الأمر في صدر الإسلام كذلك لم يجعله الراوي من الأوامر وقصد به أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبههم على موجب توهمهم بقوله: أتدرون ما الإيمان؟ ولذلك خصص ذكر أن تعطوا من المغانم الخمس حيث أتى بالفعل المضارع على الخطاب لأن القوم كانوا أصحاب حروب بدليل قولهم وبيننا وبينك كفار مضر لأنه هو الغرض من إيراد الكلام فصار أمرًا من الأوامر اهـ.

( ونهاهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عن) الانتباذ في ( الدباء) بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة والمد القرع ( و) الانتباذ في ( الحنتم) بالحاء المهملة المفتوحة الجرة الخضراء ( و) الانتباذ في ( المزفت) ما طلي بالزفت ( و) الانتباذ في ( النقير) بالنون المفتوحة والقاف المكسورة أصل خشبة تنقر فينتبذ فيه ( وربما قال) ابن عباس ( المقير) بضم الميم وفتح القاف والتحتية المشددة ما يطلى بالقار نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن كما تطلى بالزفت وهذا منسوخ بحديث مسلم كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في
الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا، وقدره الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مجاز القرآن.
وأنهاكم عن شرب نبيذ الدباء والحنتم والمزفت والنقير فليتأمل.

( قال: احفظوهن) بهمزة وصل ( وأبلغوهنّ) بهمزة مفتوحة وكسر اللام ( من وراءكم) من قومكم وفيه دليل على أن إبلاغ الخبر وتعليم العلم واجب إذ الأمر للوجوب وهو يتناول كل فرد فرد فلولا أن الحجة تقوم بتبليغ الواحد ما حضهم عليه.

والحديث سبق أوائل الكتاب في الإيمان.