فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه

باب مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لاَ يَعْنِيهِ
وَقَولُهُ تَعَالَى: {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] .

( باب ما يكره من كثرة السؤال) عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها والسؤال عما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح ومدّة هذه الأمة إلى غير ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل المحض ( و) ما يكره من ( تكلف ما لا يعنيه.
وقوله تعالى)
بالجر عطفًا على السابق: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] جواب الشرط.
والجملة الشرطية في محل جر صفة لأشياء وأشياء: قال الخليل وسيبويه: وجملة البصريين أصله شيآء بهمزتين بينهما ألف وهي فعلاء من لفظ شيء وهمزتها الثانية للتأنيث ولذا لم تنصرف كحمراء وهي مفردة لفظًا جمع معنى، ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الأولى التي هي لام فجعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء والجملة التالية لهذه الجملة المعطوفة عليها وهي: إن تسألوا صفة لأشياء أيضًا أي وإن تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي تبد لكم تلك التكاليف التي تغمكم وتشق عليكم وتؤمروا بتحملها فتعرضوا أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها.


[ قــ :6897 ... غــ : 7289 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ، عَنْ شَىْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يزيد) أبو عبد الله ( المقرئ) بالهمز الحافظ قال: ( حدّثنا سعد) بكسر العين ابن أبي أبوب الخزاعي المصري واسم أبي أيوب مقلاص بكسر الميم وسكون القاف آخره صاد مهملة قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) : ( إن أعظم المسلمين جرمًا}) بضم الجيم وسكون الراء بعدها ميم أي إثمًا ( من سأل عن شيء لم يحرم) زاد مسلم على الناس ( فحرم) بضم الحاء وتشديد الراء المكسورة زاد مسلم عليهم ( من أجل مسألته) لا يقال إن في هذا الحديث دلالة للقدرية القائلين إن الله تعالى يفعل شيئًا من أجل شيء وهو مخالف لأهل السُّنّة، لأن أهل السُّنَّة لا ينكرون إمكان التعليل، وإنما ينكرون وجوبه فلا يمتنع أن يكون المقدر الشيء الفلاني يتعلق به الحرمة إن سئل عنه وقد سبق القضاء بذلك لا أن السؤال علة للتحريم اهـ.

والسؤال وإن لم يكن في نفسه جرمًا فضلاً عن كونه أكبر الكبائر لكنه لما كان سببًا لتحريم مباح صار أعظم الجرائم لأنه سبب في التضييق على جميع المسلمين ويؤخذ منه أن من عمل شيئًا
أضرّ به غيره كان آثمًا ولا تنافي بين قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر} [النحل: 43] وقوله: لا تسألوا لأن المأمور به ما تقرر حكمه والمنهي عنه ما لم يتعبد الله تعالى به عباده.

والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو داود في السُّنَّة.




[ قــ :6898 ... غــ : 790 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ يُحَدِّثُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ حُجْرَةً فِى الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا لَيَالِىَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً، فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «مَا زَالَ بِكُمُ الَّذِى رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِى بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ».

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق) بن منصور الكوسج الحافظ قال ( أخبرنا عفان) بن مسلم الصفار كذا بلفظ أخبرنا بالخاء المعجمة في الفرع وهو في الفتح بلفظ حدّثنا بالحاء المهملة واستدلّ به على أن إسحاق هذا هو ابن منصور لا إسحاق بن راهويه قال لقوله حدّثنا عفان، وإسحاق بن راهويه إنما يقول: أخبرنا، ولأن أبا نعيم أخرجه من طريق أبي خيثمة عن عفان ولو كان في مسند إسحاق لما عدل عنه قال: ( حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: ( حدّثنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي قال: ( سمعت أبا النضر) بالنون المفتوحة والمعجمة الساكنة سالم بن أبي أمية ( يحدّث عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين مولى الحضرمي ( عن زيد بن ثابت) -رضي الله عنه- ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتّخذ حجرة) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها راء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حجزة بالزاي بدل الراء ( في المسجد من حصير) أي حوّطها بها فيه لتستره من الناس وقت الصلاة ( فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها ليالي) من رمضان ( حتى اجتمع إليه ناس ففقدوا) بفتح الفاء والقاف ( صوته ليلة فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح) بنونين وحاءين مهملتين ( ليخرج إليهم) صلوات الله وسلامه عليه ( فقال) :
( ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم) بفتح الصاد المهملة وسكون التحتية بعد النون المكسورة ولأبي ذر عن الكشميهني من صنعكم بضم الصاد وسكون النون من غير تحتية من شدة حرصكم في إقامة صلاة التراويح جماعة ( حتى خشيت) أني لو واظبت على ذلك ( أن يكتب عليكم) أي يفرض ( ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) .
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إلا الصلاة المكتوبة أي المفروضة يستثنى منه صلاة العيد ونحوها مما شرع جماعة وتحية المسجد لتعظيمه.

والحديث سبق في صلاة الليل من كتاب الصلاة.




[ قــ :6899 ... غــ : 791 ]
- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ غَضِبَ.

     وَقَالَ : «سَلُونِى» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِى؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ».
ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِى فَقَالَ: «أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ».
فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْغَضَبِ قَالَ: إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وبه قال: ( حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن بريد بن أبي بردة) بضم الموحدة وفتح الراء في الأول وسكونها في الثاني ( عن) جده ( أبي بردة) عامر أو الحارث ( عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- أنه ( قال: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أشياء) غير منصرف ( كرهها) لأنه ربما كان فيها سبب لتحريم شيء على المسلمين فتلحقهم به المشقة قيل منها سؤال من قال أين ناقتي ومن سأل عن وقت الساعة ومن سأل عن الحج أيجب كل عام ( فلما أكثروا عليه المسألة غضب) لكونهم تعنتوا في المسألة وتكلفوا ما لا حاجة لهم به ( وقال) لهم:
( سلوني) أي عما شئتم كما في كتاب العلم ( فقام رجل) اسمه عبد الله بن حذافة ( فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة) بضم الحاء المهملة وفتح المعجمة وبعد الألف فاء القرشي السهمي ( ثم قام آخر) اسمه سعد بن سالم ( فقال: يا رسول الله من أبي؟ فقال: أبوك سالم مولى شيبة) بن ربيعة وكان سبب ذلك طعن الناس في نسب بعضهم ( فلما رأى عمر) -رضي الله عنه- ( ما بوجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الغضب) أي من أثر الغضب ( قال إنا نتوب إلى الله) عز وجل مما يوجب غضبك يا رسول الله وزاد مسلم فما أتى على أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم كان أشد منه.

والحديث سبق في باب الغضب في الموعظة من كتاب العلم.




[ قــ :6900 ... غــ : 79 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ اكْتُبْ إِلَىَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ»، وَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ.

     وَقَالَ  وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: ( حدّثنا عبد الملك) بن عمير الكوفي ( عن وراد) بفتح الواو والراء المشددة ( كاتب المغيرة) بن شُعبة ومولاه أنه ( قال: كتب معاوية) بن أبي سفيان ( إلى المغيرة اكتب إليّ) بتشديد الياء ( ما سمعت
من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكتب إليه)
المغيرة ( أن نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول في دبر كل صلاة) بضم الدال والموحدة أي عقب كل صلاة مكتوبة بعد الفراغ منها:
( لا إله إلا الله وحده لا شريك له) حال ثانية مؤكدة لمعنى الأولى ولا نافية وشريك مبني مع لا على الفتح وخبر لا متعلق له ( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
اللهم لا مانع لما أعطيت)
أي للذي أعطيته ( ولا معطي لما منعت) للذي منعته ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم فيهما أي لا ينفع صاحب الحظ من نزول عذابك حظه، وإنما ينفعه عمله الصالح فالألف واللام في الجد الثاني عوض عن الضمير وقد سوغ ذلك الزمخشري، واختاره كثير من البصريين والكوفيين في نحو قوله تعالى: { فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] قال وراد بالسند السابق.

( وكتب) المغيرة أيضًا ( إليه) أي إلى معاوية ( أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( كان ينهى عن قيل وقال) ببنائهما على الفتح على سبيل الحكاية وبجرهما وتنوينهما معربين لكن الذي يقتضيه المعنى كونهما على سبيل الحكاية لأن القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول، فلم يكن في عطف أحدهما على الآخر فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين فإنه يكون النهي عن قيل فيما لا يصح ولا يعلم حقيقته فيقول المرء في حديثه قيل كذا كما جاء في الحديث: بئس مطية المرء زعموا، وإنما كان النهي عن ذلك لشغل الزمان في التحديث بما لا يصح ولا يجوز، ويكون النهي عن قال فيما يشك في حقيقته وإسناده إلى غيره لأنه يشغل الوقت بما لا فائدة فيه بل قد يكون كذبًا فيأثم ويضر نفسه وغيره أما من تحقق الحديث وتحقق من يسنده إليه مما أباحه الشرع فلا حرج في ذلك ( و) كان عليه الصلاة والسلام ينهى عن ( كثرة السؤال) بفتح الكاف وكسرها لغة رديئة كما في الصحاح أي كثرة المسائل العلمية التي لا تعدو الحاجة إليها.
وفي حديث معاوية نهي عن الأغلوطات وهي شداد المسائل وصعابها وإنما كره ذلك لما يتضمن كثير منه التكلف في الدين والتنطع من غير ضرورة أو المسائل في المال، وقد وردت أحاديث في تعظيم مسألة الناس ( و) عن ( إضاعة المال) فيما لا يحل ( وكان ينهى عن عقوق الأمهات) جمع أمهة قال:
أمهتي خندف والياس أبي
إلا أن أمهة لمن يعقل وأم لمن يعقل ولمن لا يعقل.
قال الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد: وتخصيص العقوق بالأمهات مع امتناعه في الآباء أيضًا لأجل شدة حقوقهن ورجحان الأمر ببرهِنّ بالنسبة إلى الآباء.

وهذا من باب تخصيص الشيء بالذكر لإظهار عظمه في المنع إن كان ممنوعًا وشرفه إن كان مأمورًا به، وقد يراعى في موضع آخر بالتنبيه بذكر الأدنى على الأعلى فيخص الأدنى بالذكر وذلك بحسب اختلاف المقصود ( و) عن ( وأد البنات) بالهمزة الساكنة والدال المهملة أي دفنهن مع
الحياة فعل الجاهلية ولذا خصت بالذكر فتوجه النهي إليه لا لأن الحكم مخصوص بالبنات ( و) عن ( منع) بفتح الميم وسكون النون وتنوين العين مكسورة لما يسأل من الحقوق الواجبة عليه ( و) عن قول ( هات) بكسر الفوقية من غير تنوين يطلب من الناس من غير حاجة، وفيه ترجيح أن يكون المراد من النهي عن كثرة السؤال سؤال غير المال دفعًا للتكرار.

والحديث سبق في الصلاة وغيرها.



[ قــ :690 ... غــ : 793 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ.

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أبو إسماعيل الأزدي الأزرق ( عن ثابت) البناني ( عن أنس) -رضي الله عنه- أنه ( قال: كنا عند عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( فقال: نهينا) بضم النون وكسر الهاء ( عن التكلف) .

وهذا الحديث أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي مسلم الكجي عن سليمان بن حرب ولفظه عن أنس: كنا عند عمر وعليه قميص في ظهره أربع رقاع فقرأ { وفاكهة وأبًّا} [عبس: 31] فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم قال فيه: نهينا عن التكلف.
وأخرجه عبد بن حميد عن سليمان بن حرب وقال فيه بعد قوله فما الأب.
ثم قال: يا ابن أم عمر إن هذا لهو التكلف وما عليك أن لا تدري ما الأب.




[ قــ :6903 ... غــ : 794 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، وَحَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لاَ تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِى مَقَامِى هَذَا».
قَالَ أَنَسٌ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِى».
فَقَالَ أَنَسٌ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «النَّارُ».
فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ».
قَالَ: ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِى سَلُونِى».
فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولاً.
قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِى عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّى فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم قال البخاري ( وحدّثني) بالإفراد ( محمود) هو ابن غيلان قال: ( حدّثنا
عبد الرزاق)
بن همام قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج حين زاغت الشمس) أي زالت ( فصلى الظهر) في أول وقتها ( فلما سلم قام على المنبر) لما بلغه أن قومًا من المنافقين يسألون منه ويعجزونه عن بعض ما يسألونه ( فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أمورًا عظامًا ثم قال) :
( من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل) أي فليسألني ( عنه فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا) بفتح الميم ( قال: أنس: فأكثر الناس) ولأبي ذر عن الكشميهني: فأكثر الأنصار ( البكاء) خوفًا مما سمعوه من أهوال يوم القيامة أو من نزول العذاب العام المعهود في الأمم السالفة عند ردهم على أنبيائهم بسبب تغيظه عليه الصلاة والسلام من مقالة المنافقين السابقة آنفًا.

( وأكثر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقول: سلوني.
فقال أنس: فقام إليه)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( رجل فقال أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار) بالرفع قال في الفتح ولم أقف على اسم هذا الرجل فى شيء من الطرق وكأنهم أبهموه عمدًا للستر عليه، وفي الطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه وزاد وسأله رجل أفي الجنة أنا؟ قال ( في الجنة) قال: ولم أقف على اسم هذا الرجل الآخر ( فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك حذافة قال ثم أكثر) عليه الصلاة والسلام ( أن يقول: سلوني سلوني) بتكريرها مرتين للحموي والمستملي ولغيرهما مرة واحدة ( فبرك عمر) -رضي الله عنه- ( على ركبتيه) بلفظ التثنية ( فقال: رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسولاً) .
وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه فقام إليه عمر فقبّل رِجله وقال: رضينا بالله ربًّا إلى آخره بمثل ما هنا وزاد بالقرآن إمامًا فاعف عنا عفا الله عنك، فلم يزل به حتى رضي وفيه استعمل المزاوجة في الدعاء لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معفوّ عنه قبل ذلك ( قال فسكت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أولى) .
قال في الكواكب: وأولى يعني أوَ لا ترضون يعني رضيتم أوَ لا وتكتب بالياء في أكثر النسخ.
قلت وكذا هي في اليونينية ( والذي نفسي بيده لقد عرضت عليّ الجنة والنار آنفًا) بمدّ الهمزة والنصب على الظرفية لتضمنه معنى الظرفية أي أوّل وقت يقرب مني وهو الآن ( في عرض هذا الحائط) بضم العين وسكون الراء أي جانبه ( وأنا أصلي فلم أر) فلم أبصر ( كاليوم) صفة محذوف أي يومًا مثل هذا اليوم ( في الخبر) الذي رأيته في الجنة ( والشر) الذي رأيته في النار.

والحديث سبق في باب وقت الظهر من كتاب الصلاة وسياق لفظ الحديث هنا على لفظ معمر، وفي باب وقت الظهر على لفظ شعيب.




[ قــ :6904 ... غــ : 795 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَنْ أَبِى؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلاَنٌ»، وَنَزَلَتْ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا، عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] الآية.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: ( أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو بعدها مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال ( أخبرني) بالإفراد ( موسى بن أنس) قاضي البصرة ( قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وهو أبو موسى الراوي عنه ( قال: قال رجل) هو عبد الله بن حذافة أو قيس بن حذافة أو خارجة بن حذافة وكان يطعن فيه ( يا نبي الله من أبي؟ قال) صلوات الله وسلامه عليه:
( أبوك فلان) أي حذافة ( ونزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} [المائدة: 101] الآية) وسبق الحديث في تفسير سورة المائدة.




[ قــ :6905 ... غــ : 796 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ»؟
وبه قال: ( حدّثنا الحسن بن صباح) بفتح الصاد المهملة والموحدة المشددة آخره مهملة الواسطي قال: ( حدّثنا شبابة) بفتح الشين المعجمة والموحدة المخففة وبعد الألف موحدة أخرى ابن سوّار بفتح السين المهملة والواو المشدّدة قال: ( حدّثنا ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف مهموز ممدود ابن عمرو ( عن عبد الله بن عبد الرحمن) أي طوالة بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو الأنصاري قاضي المدينة أنه قال: ( سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لن يبرح) بالموحدة والحاء المهملة لن يزال ( الناس يتساءلون) ولأبي ذر عن المستملي يساءلون بتشديد السين والتساؤل جريان السؤال بين اثنين فصاعدًا ويجري بينهم السؤال في كل نوع ( حتى يقولوا) ويجوز أن يكون بين العبد والشيطان أو النفس حتى يبلغ إلى أن يقال ( هذا الله خالق كل شيء) أي هذا مسلم وهو أن الله تعالى خالق كل شيء وهو شيء وكل شيء مخلوق ( فمن خلق الله) زاد في بدء الخلق، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولِيَنْتَهِ أي عن التفكّر في هذا الخاطر، وفي مسلم فليقل آمنت بالله، وفي أخرى له ورسله، ولأبي داود والنسائي فقولوا: الله أحد الله الصمد السورة ثم يتفل عن يساره ثم ليستعذ بالله، والحكمة في قوله الصفات الثلاث إنها منبّهة على أن الله تعالى لا يجوز أن يكون مخلوقًا أما أحد فمعناه الذي لا ثاني له ولا مثل فلو فرض مخلوقًا لم يكن أحدًا على الإطلاق.
ويأتي مزيد لذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته.

والحديث من أفراد البخاري ومن هذا الوجه.




[ قــ :6906 ... غــ : 797 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: لاَ
تَسْأَلُوهُ لاَ يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْىُ ثُمَّ قَالَ: «{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى} » [الإسراء: 85] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) التبان المدني قال: ( حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق أحد الأعلام في الحفظ والعبادة ( عن الأعمش) سليمان بن مهران ( عن إبراهيم) النخعي ( عن علقمة) بن قيس ( عن ابن مسعود) عبد الله ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرث) بالحاء المهملة المفتوحة والراء الساكنة بعدها مثلثة زرع، ولأبي ذر عن الكشميهني: في خرب بخاء معجمة مكسورة وراء مفتوحة بعدها موحدة ( بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبعد التحتية موحدة عصا من جريد النخل ( فمرّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بنفر من اليهود فقال بعضهم) زاد في الإسراء لبعض ( سلوه عن الروح) الذي في الحيوان أي عن حقيقته ( وقال بعضهم: لا تسألوه لا يسمعكم) بضم أوله والجزم على النهي والرفع على الاستئناف ( ما تكرهون) أي إن لم يفسره لأنهم قالوا إن فسره فليس بنبي وإن لم يفسره فهو نبي وقد كانوا يكرهون نبوّته ( فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم حدّثنا) بكسر الدال والجزم ( عن الروح فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ساعة ينظر) قال ابن مسعود ( فعرفت أنه يوحى إليه فتأخرت عنه) خوفًا أن يتشوّش بقربي ( حتى صعد الوحي) بكسر العين المهملة ( ثم قال) عليه الصلاة والسلام.

( { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85] ) مما استأثر بعلمه.
وعن أي بريدة لقد مضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يعلم الروح ولقد عجزت الأوائل عن إدراك ماهيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه والحكمة في ذلك عجز العقل عن إدراك مخلوق مجاور له ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز ولذا ردّ ما قيل في حدّه إنه جسم رقيق هوائي في كل جزء من الحيوان وقوله: ويسألونك بإثبات الواو في الفرع كأصله وفي بعض النسخ بحذفها فقال بعضهم: التلاوة بإثباتها يعني أن هذا مما وقع في البخاري من الآيات المتلوّة على غير وجهها.
قال البدر الدماميني في مصابيحه: ليس هذا من قبيل المغير لأن الآية المقترنة بحرف عطف يجوز عند حكايتها أن تقرن بالعاطف وأن تخلى عنه نص على جواز الأمرين الشيخ بهاء الدين السبكي في شرح مختصر ابن الحاجب مثال الأول ما أجد لي ولكم مثالاً إلا كما قال العبد الصالح فصبر جميل إلى غير ذلك ومثال الثاني قوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عن الخمر ما أنزل عَليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} [الزلزلة: 7، 8] قال وقد أشبعنا الكلام على ذلك في حاشية المغني فليراجع منها.