فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم، والغلو في الدين والبدع

باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ
وَالتَّنَازُعِ فِى الْعِلْمِ وَالْغُلُوِّ فِى الدِّينِ وَالْبِدَعِ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} .

( باب ما يكره من التعمق) بالعين المهملة المفتوحة والميم المضمومة المشدّدة بعدها قاف أي التشدّد في الأمر حتى يتجاوز الحدّ فيه ( والتنازع) وهو التجادل ( في العلم) عند الاختلاف فيه إذا لم يتضح الدليل وسقط لأبي ذر في العلم ( والغلوّ) بضم الغين المعجمة واللام وتشديد الواو المبالغة والتشدّد ( في الدين) حتى يتجاوز الحد ( و) الغلوّ في ( البدع) المذمومة ( لقوله) ولأبي ذر لقول الله ( تعالى: { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} [النساء: 171] ) لا تجاوزوا الحد فغلت اليهود في حط المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام عن منزلته حتى قالوا: إنه ابن الزنا، وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه ابن الله ( { ولا تقولوا على الله إلا الحق} [النساء: 171] ) وهو تنزيهه عن الشريك والولد.


[ قــ :6908 ... غــ : 7299 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُوَاصِلُوا».
قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ.
قَالَ: «إِنِّى لَسْتُ
مِثْلَكُمْ إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى»، فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ.
قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ»، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن يوسف اليماني قاضيها قال: ( أخبرنا معمر) هو ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

( لا تواصلوا) في الصوم بأن تصلوا يومًا بيوم من غير أكل وشرب بينهما والنهي للتحريم أو التنزيه ( قالوا) يا رسول الله ( إنك تواصل.
قال: إني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)
بإثبات الياء ولأبي ذر: ويسقين بحذف الياء لا يقال إن قوله يطعمني ويسقيني مناف للوصال لأن المراد بالإطعام لازمه وهو التقوية أو المراد من طعام الجنة وهو لا يفطر آكله ( فلم ينتهوا عن الوصال) ظنًّا منهم أن النهي ليس للتحريم.
( قال) أبو هريرة فواصل بهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومين أو ليلتين ثم رأوا الهلال، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( لو تأخر الهلال لزدتكم) في المواصلة حتى تعجزوا عنها ( كالمنكل لهم) بكسر الكاف المشددة من التنكيل أي كالمعذب لهم، وللحموي كالمنكي لهم بضم الميم وسكون النون وكسر الكاف من النكاية والإنكاء للمستملي كالمنكر أي عليهم فاللام في لهم بمعنى على.

واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة.
وأجيب: بأن عادة المؤلّف إيراد ما لا يطابق ظاهرًا حيث تكون المطابقة في طريق من طرق الحديث لتشحيذ الأذهان، ففي التمني كما سبق واصل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخر الشهر وواصل الناس، فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ( لو مدّ في الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم) .
وحديث الوصال واحد وإن تعددت رواته من الصحابة، وقد حصلت المطابقة على ما لا يخفى.




[ قــ :6909 ... غــ : 7300 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: خَطَبَنَا عَلِىٌّ - رضى الله عنه - عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ، وَمَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَنَشَرَهَا فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَإِذَا فِيهَا الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً وَإِذَا فِيهِ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً وَإِذَا فِيهَا مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً.

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: ( حدّثنا أبي) حفص قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان قال: ( حدّثني) بالإفراد ( إبراهيم) بن يزيد ( التيمي) العابد قال: ( حدّثني)
بالإفراد ( أبي) يزيد بن شريك ( قال: خطبنا علي) هو ابن أبي طالب ( -رضي الله عنه- على منبر من آجر) بمد الهمزة وضم الجيم وتشديد الراء هو الطوب المشوي ( وعليه سيف فيه صحيفة معلقة فقال: والله ما عندنا من كتاب يقرأ) بضم الياء مبنيًّا للمفعول ( إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة فنشرها) أي فتحها فقرئت ( فإذا فيها أسنان الإبل) أي إبل الدّيات واختلافها في العمد والخطأ وشبه العمد ( وإذا فيها المدينة حرم) أي محرمة ( من عير) بفتح العين المهملة بعدها تحتية ساكنة فراء جبل بالمدينة ( إلى كذا) في مسلم إلى ثور وهو جبل معروف ( فمن أحدث فيها حدثًا) من ابتدع بدعة أو ظلمًا ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) والمراد باللعنة هنا البعد عن الجنة أوّل الأمر ( لا يقبل الله منه صرفًا) فرضًا ( ولا عدلاً) نافلة أو بالعكس أو التوبة والفدية أو غير ذلك مما سبق في حرم المدينة من آخر كتاب الحج ( وإذا فيه) في المكتوب في الصحيفة ( ذمة المسلمين واحدة) أي أمانهم صحيح فإذا أمن الكافر واحد منهم حرم على غيره التعرض له.
وقال البيضاوي: الذمة العهد سمي بها لأنها يذم متعاطيها على إضاعتها ( يسعى بها) أي يتولاها ( أدناهم) من المرأة والعبد ونحوهما ( فمن أخفر مسلمًا) بالخاء المعجمة والفاء نقض عهده ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً، وإذا فيها) في الصحيفة ( من والى قومًا) اتخذهم أولياء ( بغير إذن مواليه) ليس لتقييد الحكم بل هو إيراد الكلام على ما هو الغالب ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً) .

ولأحمد وأبي داود والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة قال: انطلقت أنا والأشتر إلى عليّ فقلنا: هل عهد إليك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة.
قال: لا إلاَّ ما كان في كتابي هذا.
قال وكتابه في قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم الحديث:
ولمسلم من طريق أبي الطفيل كنت عند علي فأتاه رجل فقال له: ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسر إليك فغضب ثم قال: ما كان يسر إليّ شيئًا يكتمه عن الناس غير أنه حدّثني بكلمات أربع، وفي رواية له ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافّة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوبًا فيها لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثًا.

وفي كتاب العلم من طريق أبي جحيفة قلت لعليّ هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة قال: قلت وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر، والجمع بين هذه الأخبار أن الصحيفة المذكورة كانت مشتملة على مجموع ما ذكر فنقل كل راوٍ بعضها قاله في الفتح وقال: والغرض بإيراد الحديث يعني حديث الباب هنا لعن من أحدث حدثًا فإنه وإن قيد في الخبر بالمدينة فالحكم عام فيها وفى غيرها إذا كان من متعلقات الدين.

وقال الكرماني: في مناسبة حديث علي للترجمة لعله استفاد من قول علي -رضي الله عنه- تبكيت من تنطع في الكلام، وجاء بغير ما في الكتاب والسُّنّة قال العيني: والذي قاله الكرماني هو المناسب لألفاظ الترجمة، والذي قاله بعضهم يعني الحافظ ابن حجر بعيد من ذلك يعرف بالتأمل.




[ قــ :6910 ... غــ : 7301 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ الله عنها - صَنَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا تَرَخَّصَ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ فَوَاللَّهِ إِنِّى أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً».

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) قال ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: ( حدّثنا مسلم) هو ابن صبيح بالصاد المهملة والموحدة وآخره مهملة مصغر وهو أبو الضحى ( عن مسروق) أبي عائشة ابن الأجدع الهمداني أنه ( قال: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا ترخص فيه) يحتمل أن يكون كالإفطار في بعض الأيام في غير رمضان والتزوّج، وثبت قوله فيه لأبي ذر ( وتنزه عنه قوم) فسردوا الصوم واختاروا العزوبة ( فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحمد الله) بكسر الميم زاد أبو ذر وأثنى عليه ( ثم قال) :
( ما بال أقوام يتنزهون) أي يتباعدون ويحترزون ( عن الشيء أصنعه) أصنعه في موضع نصب على الحال من الشيء ( فوالله إني أعلمهم بالله) أي بغضب الله وعقابه يعني أنا أفعل شيئًا من المباحات كالنوم والأكل في النهار والتزوّج وقوم يحترزون عنه فإن احترزوا عنه لخوف عذاب الله تعالى فإني أعلم بقدر عذاب الله تعالى منهم ( وأشدهم له) تعالى ( خشية) .
فأنا أولى أن أحترز عنه، وكان ينبغي لهم أن يجعلوا عدم تنزههم عن المرخص مسببًا عن عمله صلوات الله وسلامه عليه فعكسوا فأنكر عليهم.

قال الداودي: التنزه عمار خص فيه الشارع من أعظم الذنوب لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله وهذا إلحاد.
قال في فتح الباري: لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك، لكن في حديث أنس: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسألون عن عبادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ أي أن بيننا وبينه بونًا بعيدًا فإنّا على صدد التفريط وسوء العاقبة وهو معصوم مأمون العاقبة وأعمالنا جنة من العقاب وأعماله مجلبة للثواب، فردّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما اختاروا لأنفسهم من الرهبانية بأن ما استأثرهم من الإفراط في الرياضة لو كان أحسن من العدل الذي أنا عليه لكنت أولى بذلك، ففيه أن العلة التي اعتل بها من أشير إليهم في الحديث أنه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفي الحديث بيان حسن خلقه، والحث على الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، والنهي عن التعمق وذم التنزه عن المباح شكًّا في إباحته، وفيه أن العلم بالله يوجب اشتداد الخشية.

وحديث الباب سبق في باب من لم يواجه بالعتاب من كتاب الأدب.




[ قــ :6911 ... غــ : 730 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفْدُ بَنِى تَمِيمٍ أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ الْحَنْظَلِىِّ أَخِى بَنِى مُجَاشِعٍ وَأَشَارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلاَفِى فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَتْ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ] إِلَى قَوْلِهِ: { عَظِيمٌ} قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِى أَبَا بَكْرٍ إِذَا حَدَّثَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِى السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ.

وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي المجاور بمكة قال (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح أبو سفيان الرؤاسي أحد الأعلام (عن نافع بن عمر) الجمحي المكي الحافظ، ولأبي ذر: أخبرنا نافع بن عمر (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام زهير الأحول المكي أنه (قال: كاد) أي قارب (الخيران) تثنية خير بفتح المعجمة وتشديد التحتية المكسورة أي الرجلان الكثيران الخير (أن يهلكا) بكسر اللام والنصب بحذف نون الرفع وفيه دخول أن على خبر كاد وهو قليل ولأبي ذر أن يهلكان بإثبات نون الرفع وأن قبل والخيران هما (أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (لما) بفتح اللام وتشديد الميم (قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفد بني تميم) مشة تسع وسألوه أن يؤمر عليهم أحدًا (أشار أحدهما) أي أحد الخيرين وهو عمر (بالأقرع) أي بتأمير الأقرع (ابن حابس التميمي الحنظلي أخي) بالياء، ولأبي ذر عن الكشميهني: أخو (بني مجاشع) بالجيم والشين المعجمة ابن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وسقط لغير أبي ذر التميمي (وأشار الآخر) وهو أبو بكر -رضي الله عنه- (بغيره) بتأمير غير الأقرع وهو القعقاع بن معبد بن زرارة التميمي (فقال أبو بكر لعمر) -رضي الله عنهما-: (إنما أردت) بتأمير الأقرع (خلافي) أي مخالفة قولي (فقال عمر) لأبي بكر: (ما أردت) بذلك (خلافك فارتفعت أصواتهما عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في ذلك (فنزلت: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} ) إذا نطقتم ({ فوق صوت النبي} إلى قوله: ({ عظيم} [الحجرات: ] ) أي إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تنقضوا منها بحيث يكون كلامه غالبًا لكلامكم وجهره باهرًا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته لديكم واضحة وسقط لغير أبي ذر قوله: { فوق صوت النبي} .

(قال) ولأبي ذر وقال (ابن أبي مليكة) زهير بالسند السابق (قال ابن المنير): عبد الله (فكان عمر) -رضي الله عنه- (بعد) أي بعد نزول هذه الآية (ولم يذكر) أي ابن الزبير (ذلك عن أبيه) عن جده لأمه أسماء (يعني أبا بكر) وفيه أن الجد للأم يسمى أبًا، والجملة اعتراض بين قوله بعد
وقوله: (إذا حدث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحديث حدّثه كأخي السرار) بكسر السين المهملة كصاحب السرار أي لا يرفع صوته إذا حدّثه بل يكلمه كلامًا مثل المسارة وشبهها لخفض صوته.
قال الزمخشري: ولو أريد بأخي السرار المسار كان وجهًا والكاف على هذا في محل نصب على الحال يعني لأن التقدير حدّثه مثل الشخص المسار قال: وعلى الأول صفة لمصدر محذوف يعني لأن التقدير حدّثه حديثًا مثل المسار (لم يسمعه) بضم أوّله أي لم يسمع عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثه (حتى يستفهمه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال الزمخشري: والضمير في لم يسمعه راجع للكاف إذا جعلت صفة للمصدر ولم يسمعه منصوب المحل بمنزلة الكاف على الوصفية وإذا جعلت حالاً كان الضمير لها أيضًا إلا إن قدّر مضاف كقولك يسمع صوته فحذف الصوت وأقيم الضمير مقامه، ولا يجوز أن يجعل لم يسمعه حالاً من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن المعنى يصير ركيكًا.
وقال في فتح الباري: والمقصود من الحديث قوله تعالى في أوّل السورة: { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] ومنه تظهر مطابقته لهذه الترجمة.
وقال العيني: مطابقته للجزء الثاني وهو التنازع في العلم تؤخذ من قوله: فارتفعت أصواتهما وكان تنازعهما في تولية اثنين في الإمارة كلٍّ منهما يريد تولية خلاف من يريده الآخر والتنازع في العلم الاختلاف.

والحديث سبق في سورة الحجرات، ووقع التنبيه فيها أن سياق الحديث صورته صورة الإرسال لكن في آخره أنه حمله عن عبد الله بن الزبير والله الموفق والمعين.




[ قــ :691 ... غــ : 7303 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِى مَرَضِهِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ».
قَالَتْ عَائِشَةُ:.

قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ».
فَقَالَتْ: عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِى إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ».
قَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا.

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في مرضه) الذي توفي فيه.

( مروا أبا بكر يصلّي بالناس) بالياء بعد اللام مرفوع على الاستئناف أو أجرى المعتل مجرى الصحيح ( قالت عائشة) -رضي الله عنها- ( قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء) إذ ذلك عادته إذا قرأ القرآن لا سيما إذا قام مقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفقده منه ( فمر عمر فليصل) مجزوم بحذف حرف العلة جواب الأمر ولأبي ذر للناس ( فقال) عليه الصلاة والسلام: ( مروا أبا
بكر فليصل بالناس)
ولأبي ذر: للناس ( فقالت عائشة: فقلت لحفصة) بنت عمر: ( قولي) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فأمر عمر فليصل بالناس) ولأبي ذر للناس ( ففعلت) فقالت ( حفصة) ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنكن لأنتن صواحب يوسف) الصديق عليه السلام تظهرن خلاف ما تبطن كهن ( مروا أبا بكر فليصل للناس.
فقالت حفصة لعائشة)
رضي الله تعالى عنهما: ( ما كنت لأصيب منك خيرًا) .

والحديث سبق في الصلاة.
ومطابقته لم ترجم له هنا من حيث إن المرادة والمراجعة داخلة في معنى التعمق لأن التعمق هو المبالغة في الأمر والتشديد فيه.




[ قــ :6913 ... غــ : 7304 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ العَجلانِيُّ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِىٍّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَيَقْتُلُهُ أَتَقْتُلُونَهُ بِهِ؟ سَلْ لِى يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ فَكَرِهَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَ، فَرَجَعَ عَاصِمٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ الْمَسَائِلَ فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لآتِيَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ خَلْفَ عَاصِمٍ فَقَالَ لَهُ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكُمْ قُرْآنًا، فَدَعَا بِهِمَا فَتَقَدَّمَا فَتَلاَعَنَا ثُمَّ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفِرَاقِهَا فَجَرَتِ السُّنَّةُ فِى الْمُتَلاَعِنَيْنِ.

     وَقَالَ  النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا مِثْلَ وَحَرَةٍ فَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ كَذَبَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلاَ أَحْسِبُ إِلاَّ قَدْ صَدَقَ».
فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الأَمْرِ الْمَكْرُوهِ.

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس العسقلاني قال: ( حدّثنا ابن أبي ذئب) ولأبي ذر: حدّثنا محمد بن عبد الرحمن أي ابن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن سعيد قال: ( حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين ( الساعدي) -رضي الله عنه- أنه ( قال: جاء عويمر العجلاني) بفتح العين وسكون الجيم وسقط العجلاني لغير أبي ذر ( إلى عاصم بن عدي فقال) له: يا عاصم ( أرأيت رجلاً) أي أخبرني عن حكم رجل ( وجد مع امرأته رجلاً) أجنبيًّا منها ( فيقتله أتقتلونه به) ؟ قصاصًا.
زاد في طريق آخر أم كيف يفعل أي أيّ شيء يفعل؟ وأم تحتمل أن تكون متصلة يعني إذا رأى الرجل هذا المنكر والأمر الفظيع وثارت عليه الحمية أيقتله فتقتلونه أم يصبر على ذلك الشنار والعار وأن تكون منقطعة فسأل أوّلاً عن القتل مع القصاص، ثم أضرب عنه إلى سؤال آخر لأن أم المنقطعة متضمنة لبل والهمزة، فبل تضرب الكلام السابق والهمزة تستأنف كلامًا آخر والمعنى كيف يفعل أيصبر؟ على العار أو يحدث له أمرًا آخر ( سل لي يا عاصم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك ( فسأله) عاصم ( فكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة ( وعاب) على سائلها ولأبي ذر عن الكشميهني وعابها ( فرجع عاصم) إلى أهله وجاءه عويمر ( فأخبره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره المسائل.
فقال عويمر: والله لآتين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
وأسأله عن ذلك ( فجاء) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وقد أنزل الله تعالى القرآن) وهو قوله تعالى: { والذين يرمون أزواجهم} الآية ( خلف عاصم) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام أي بعد رجوعه ( فقال) :
( قد أنزل الله فيكم) وفي اللعان قد أنزل فيك وفي صاحبتك أي زوجته خولة ( قرآنًا، فدعا بهما) ولأبي ذر فدعاهما ( فتقدما فتلاعنا، ثم قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقتها) وفي اللعان فطلّقها ( ولم يأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفراقها) لأن نفس اللعان يوجب المفارقة وهو مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تحصل الفرقة إلا بقضاء القاضي بها بعد التلاعن ( فجرت السُّنّة في المتلاعنين) بفتح النون الأولى بلفظ التثنية أن يفترقا فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدًا.
قال سهل بن سعد ( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انظروها) أي المرأة الملاعنة ( فإن جاءت به) بالولد الذي هي حامل به ( أحمر) اللون ( قصيرًا مثل وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة فوق العدسة، وقيل حمراء تلزق بالأرض كالوزغة تقع في الطعام فتفسده ( فلا أراه) بضم الهمزة فلا أظنه أي عويمرًا ( إلاّ قد كذب) عليها ( وإن جاءت به أسحم) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الحاء المهملتين أسود ( أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما عين مهملة ساكنة واسع العين ( ذا إليتين) بتحتية ثم فوقية كبيرتين والاستعمال أليين بحذف الفوقية ( فلا أحسب إلا) أنه ( قد صدق) أي عويمر ( عليها فجاءت به على الأمر المكروه) وهو كونه أسحم أعين لأنه متضمن لثبوت زناها عادة والضمير في قوله: فإن جاءت به للولد أو الحمل لدلالة السياق عليه كقوله تعالى: { إن ترك خيرًا} [البقرة: 18] أي الميت.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل وعابها لأنه أفحش في السؤال فلذا كره ذلك.
والحديث سبق في اللعان.




[ قــ :6914 ... غــ : 7305 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ النَّصْرِىُّ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِى ذِكْرًا مِنْ ذَلِكَ فَدَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ فَأَذِنَ لَهُمَا؟ قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِى وَبَيْنَ الظَّالِمِ اسْتَبَّا فَقَالَ الرَّهْطُ: عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ: اتَّئِدُوا أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»؟ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ.
قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّى مُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هَذَا الْمَالِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} [الحشر: ] الآيَةَ.
فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ وَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِىَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِىَ فَيَجْعَلُهُ
مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ حَيَاتَهُ.
أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالَ لِعَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ.
ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِى بَكْرٍ فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِى وَكَلِمَتُكُمَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ جِئْتَنِى تَسْأَلُنِى نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ وَأَتَانِى هَذَا يَسْأَلُنِى نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، تَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا وَإِلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِى فِيهَا فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ.
فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا؟ قَالاَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّى قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَوَالَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِى فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَىَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.

وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو ابن الحدثان بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة ابن عوف بن ربيعة بن سعيد بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن كبر بن هوازن (النصري) بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة كما في الكواكب وعليها علامة الإهمال في الفرع مصححًا عليها، وضبطها العيني بالضاد المعجمة.
وقال: نسبة إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر قال وفي همدان أيضًا النضر بن ربيعة اهـ.

وهذا الذي قاله لا أعرفه والمعروف أنه بالمهملة نسبة لجده الأعلى نصر بن معاوية كما مرّ، يقال: إن لأبيه أوس صحبة وكذا قيل لولده مالك.

قال ابن شهاب: (وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرًا) بكسر المعجمة وسكون القاف (من ذلك) الحديث الآتي (فدخلت على مالك) أي ابن أوس (فسألته) عن ذلك الحديث (فقال: انطلقت حتى) أي إلى أن (أدخل على عمر) -رضي الله عنه- عبر بالمضارع في موضع الماضي مبالغة لإرادة استحضار صورة الحال فجلست عنده فبينا أنا جالس (أتاه حاجبه يرفأ) بتحتية مفتوحة فراء ساكنة ثم فاء فألف وقد تهمز.
قال في الفتح: وهي روايتنا من طريق أبي ذر، وكان يرفأ من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا يعرف له صحبة (فقال) له (هل لك) رغبة (في عثمان) بن
عفان (وعبد الرحمن) بن عوف (والزبير) بن العوّام (وسعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (يستأذنون) في الدخول عليك (قال) عمر (نعم) فأذَنْ لهم (فدخلوا فسلموا وجلسوا) زاد في فرض الخمس ثم جلس يسيرًا (فقال) ولأبي ذر قال (هل لك) رغبة (في) دخول (عليّ) أي ابن أبي طالب (وعباس) عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال عمر: نعم (فأذن لهما} فلما دخلا (قال العباس) لعمر (يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين الظالم استبا) بلفظ التثنية أي تخاشنا في الكلام وتكلما بغليظ القول كالمستبين، وقال الداودي: يعني أن كل واحد منهما يدّعي أنه المظلوم في هذا الأمر، وليس المراد أن عليًّا يسبّ العباس بغير ذلك لأنه كأبيه ولا أن العباس يسب عليًّا بغير ذلك لفضل علي -رضي الله عنهما-، وأراد بقوله الظالم عليًّا، وليس المراد أنه ظالم للناس وأن الظلم من شيمه وأخلاقه معاذ الله، وإنما يريد الظالم لي في هذا الأمر على ما ظهر له.
وفي الخمس: وبين هذا، ولم يقل الظالم، وفي رواية جويرية عند مسلم وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن.
قال في الفتح: ولم أر في شيء من الطرق أنه صدر من علي في حق العباس شيء بخلاف ما يفهم من قوله في رواية عقيل هذه، وإنما جاز للعباس مثل هذا القول لأن عليًّا كان كالولد له وللوالد ما ليس لغيره فأراد ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه أو هي كلمة لا يراد بها حقيقتها، وقد كان هذا بمحضر من الصحابة فلم ينكروه مع تشددهم في إنكار المنكر لأنهم فهموا بقرينة الحال أنه لا يريد به الحقيقة (فقال الرهط عثمان وأصحابه) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقضِ بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال) عمر (اتئدوا) بهمزة وصل وتشديد الفوقية بعدها همزة مكسورة فدال مهملة مضمومة تمهلوا واصبروا (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أسألكم رافعًا نشيدتي أي صوتي (بالله الذي بإذنه تقوم السماء) فوق رؤوسكم بغير عمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم ولأبي ذر عن الكشميهني أنشدكم الله بإسقاط حرف الجر (هل تعمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا نورث) أي الأنبياء (ما تركنا) ما موصول مبتدأ والعائد محذوف أي الذي تركناه وخبر المبتدأ (صدقة؟ يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) وغيره من الأنبياء لقوله في رواية أخرى: إنّا معاشر الأنبياء.
نعم استشكل مع قوله تعالى في زكريا: { يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6] وقوله: { وورث سليمان داود} [النمل: 16] وأجيب: بأن المراد ميراث النبوة والعلم (قال الرهط: قد قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك فأقبل عمر) -رضي الله عنه- (على عليّ وعباس فقال) لهما (أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك؟ قالا: نعم.
قال عمر: فإني محدّثكم عن هذا الأمر إن كان الله) وفي نسخة إن الله كان بتشديد النون ونصب الجلالة الشريفة والتقديم والتأخير (خصّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا المال) أي الفيء (بشيء لم يعطه أحدًا غيره) وفي مسلم بخاصة لم يخصص بها غيره.
وعند أبي داود من طريق أسامة بن يزيد عن ابن شهاب كانت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاث صفايا بنو النضير وخيبر وفدك فأما بنو النضير فكانت حبسًا لنوائبه وأما فدك فكانت حبسًا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها بين المسلمين ثم قسّم جزءًا لنفقة أهله وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين (فإن الله) تعالى (يقول) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال الله تعالى: ({ وما) وفي
التنزيل: وما ({ أفاء} ) رد ({ الله على رسوله منهم} ) من بني النضير أو من الكفرة ({ فما أوجفتم} [الحشر: 6] ) أسرعتم يا مسلمون (الآية.
فكانت هذه خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لغيره فيها (ثم والله ما احتازها) بحاء مهملة ساكنة ثم فوقية فألف فزاي مفتوحة من الحيازة أي ما جمعها (دونكم) ولأبي ذر عن الكشميهني ما اختار بالخاء المعجمة والراء (ولا استأثر) بالفوقية وبعد الهمزة الساكنة مثلثة فراء أي ما تفرد (بها عليكم وقد أعطاكموها) أي أموال الفيء (وبثّها) بفتح الموحدة والمثلثة المشددة أي فرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال.
وكان) بالواو وللكشميهني فكان بالفاء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي) منه (فيجعله مجعل مال الله) في السلاح والكراع ومصالح المسلمين (فعمل) بكسر الميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك حياته.
أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ فقالوا) ولأبي ذر قالوا (نعم.
ثم قال) عمر (لعليّ وعباس: أنشدكما الله) بإسقاط حرف الجر من الجلالة الشريفة ولأبي ذر بإثباته (هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم.
ثم توفّى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد التحتية من وليّ (فقبضها) بفتحات (أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنتما حينتذ وأقبل على عليّ عباس فقال: تزعمان أن أبا بكر فيها كذا) وفي رواية مسلم فجئتما تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر، قال رسول الله: "لا نورث ما تركنا صدقة" فرأيتماه كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا وكأن الزهري كان يحدّث به تارة فيصرح وتارة يكني وهو نظير ما سبق من قول العباس لعلي -رضي الله عنهما- (والله يعلم أنه) أن أبا بكر (فيها صادق بارّ) بتشديد الراء (راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر) -رضي الله عنه- (فقلت: أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) وليّ (أبي بكر) -رضي الله عنه- (فقبضتها سنتين) بلفظ التثنية (أعمل فيها) بفتح الميم (بما عمل) بكسرها (به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما على كلمة واحدة) لا مخالفة بينكما (وأمركما جميع) لا تفرق فيه ولا تنازع (جئتني) يا عباس (تسألني نصيبك من ابن أخيك) أي من ميراثه صلوات الله وسلامه عليه (وأتاني هذا) يشير إلى عليّ (يسألني نصيب امرأته) فاطمة (من) ميراث (أبيها) عليه الصلاة والسلام (فقلت) لكما (إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه تعملان) ولأبي ذر لتعملان (فيها بما عمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ) بالنون (وليتها) بفتح الواو وكسر اللام مخففة أي لتتصرفان فيها وتنتفعان منها بقدر حقكما كما تصرف فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر لا على جهة التمليك إذ هي صدقة محرمة التمليك بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإلاّ فلا تكلماني فيها فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك.
أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم فأقبل) عمر ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أقبل (على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله) بحرف الجر (هل دفعتها إليكما)؟ زاد أبو ذر عن الكشميهني بذلك (قالا: نعم.
قال) عمر (أفتلتمسان) أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك؟ فوالذي بإذنه تقوم السماء) بغير عمد (والأرض) على الماء (لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فأنا أكفيكماها).

ومطابقة الحديث للترجمة في قول الرهط عثمان وأصحابه: اقضِ بينهما وأرح أحدهما من الآخر فإن الظن بهما أنهما لم يتنازعا إلا ولكلٍّ منهما مستند في الحق بيده دون الآخر فأفضى بهما ذلك إلى المخاصمة ثم المجادلة التي لولا التنازع لكان اللائق خلاف ذلك قاله في الفتح.

وفي الحديث اتخاذ الحاجب وإقامة الإمام من ينظر على الوقف نيابة عنه والتشريك بين اثنين في ذلك وغير ذلك مما يدرك بالتأمل.

وسبق الحديث في باب فرض الخمس بطوله والله تعالى أعلم.