فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» يقاتلون وهم أهل العلم "

باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، يُقَاتِلُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ»
( باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون) قال البخاري ( وهم أهل العلم) ولأبي ذر وهم من أهل العلم وسقط له يقاتلون، وروى البخاري عن علي بن المديني هم أصحاب الحديث ذكره الترمذي.


[ قــ :6920 ... غــ : 7311 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».

وبه قال: ( حدّثنا عبيد الله) بضم العين المهملة ( ابن موسى) العبسي بالموحدة ثم المهملة الكوفي ( عن إسماعيل) بن أبي خالد التابعي ( عن قيس) هو ابن أبي حازم ( عن المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( لا يزال) بالتحتية أوله في الفرع كأصله ( طائفة من أمتي ظاهرين) معاونين أو غالبين.
زاد في حديث ثوبان عند مسلم على الحق لا يضرهم من خذلهم ( حتى يأتيهم أمر الله) بقيام الساعة ( وهم ظاهرون) غالبون على من خالفهم.

واستشكل بحديث مسلم عن عبد الله بن عمرو: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس الحديث: وأجيب: بأن المراد من شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة قوم يكونون بموضع مخصوص وبموضع آخر تكون طائفة يقاتلون على الحق، وعند الطبراني من حديث أبي أمامة قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس" والمراد بهم الذين يحصرهم الدجال إذا خرج فينزل عيسى إليهم فيقتل الدجال، ويحتمل أن يكون ذلك عند خروج الدجال أو بعد موت عيسى عليه السلام بعد هبوب الريح التي تهب بعده فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلاّ قبضته
ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وهناك يتحقق خلوّ الأرض عن مسلم فضلاً عن هذه الطائفة الكريمة وهذا كما في الفتح أولى ما يتمسك به في الجمع بين الحديثين المذكورين.

والحديث سبق في علامات النبوة ويأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد بعون الله.




[ قــ :691 ... غــ : 731 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِى اللَّهُ وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم ابن عبد الرحمن بن عوف ( قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان) -رضي الله عنهما- حال كونه ( يخطب قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( من يرد الله به خيرًا) أي جميع الخيرات لأن النكرة تفيد العموم أو خيرًا عظيمًا فالتنوين للتعظيم ( يفقهه في الدين) والفقه في الأصل الفهم يقال فقه الرجل بالكسر يفقه فقهًا إذا فهم وعلم وفقه بالضم يفقه إذا صار فقيهًا عالمًا وجعله العرف خاصًّا بعلم الشريعة وتخصيصًا بعلم الفروع وإنما خص من علم الشريعة بالفقه لأنه علم مستنبط بالقوانين والأدلة والأقيسة والنظر الدقيق بخلاف علم اللغة والنحو والصرف، روي أن سليمان نزل على نبطية بالعراق فقال لها: هل هاهنا مكان نظيف أصلي فيه؟ فقالت: طهر قلبك وصلّ حيث شئت فقال: فقهت أي فهمت، ولو قال علمت لم يقع هذا الموقع.
وعن الدارمي عن عمران قال: قلت للحسن يومًا في شيء قاله: يا أبا سعيد ليس هكذا يقول الفقهاء، فقال: ويحك هل رأيت فقيهًا قط إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمور دينه الداوم على عبادة ربه ( وإنما أنا قاسم) قال القاضي عياض: أي إنما أقسم بينكم فألقى إلى كل واحد ما يليق به ( ويعطي الله) كل واحد منكم من الفهم والتفكر والعمل ما أراده.

وقال التوربشتي: أعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لم يفضل في قسمة ما أوحي إليه أحدًا من أمته على الآخر بل سوّى في البلاغ وعدل في القسمة وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء ولقد كان بعض الصحابة يسمع الحديث فلا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم أو من القرن الذي يليهم أو ممن أتى بعده فيستنبط منه كثيرًا، وقال الطيبي: الواو في قوله وإنما إنّا للحال من فاعل يفقهه أو من مفعوله وإذا كان الثاني فالمعنى أن الله يعطي كلاًّ ممن أراد أن يفقهه استعدادًا لدرك المعاني على ما قدره ثم يلهمني بإلقاء ما هو اللائق باستعداد كل واحد وعليه كلام القاضي
فإذا كان الأول فالمعنى أني ألقى ما يسنح لي وأسوّي فيه ولا أرجح واحدًا على واحد فالله تعالى يوفق كلاًّ منهم على ما أراد وشاء من العطاء وعليه كلام التوربشتي اهـ.

( ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا) على الدين الحق ( حتى تقوم الساعة أو) قال ( حتى يأتي أمر الله) تعالى بالشك من الراوي.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا لأن من جملة الاستقامة أن يكون فيهم التفقه والمتفقه، ولا بد منه لترتبط الأخبار المذكورة بعضها ببعض وتحصل جهة جامعة بينهما معنى.

والحديث سبق في العلم، وأخرجه مسلم في الزكاة والله سبحانه وتعالى أعلم.