فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين، قد بين الله حكمهما، ليفهم السائل

باب مَنْ شَبَّهَ أَصْلاً مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ
قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُمَا لِيُفْهِمَ السَّائِلَ.

( باب من شبه أصلاً معلومًا بأصل مبين) بفتح التحتية ( قد بين الله) ولأبي ذر عن الكشميهني بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حكمهما) بلفظ التثنية ولأبي الوقت حكمهما.
قال في الفتح: وفي رواية غير الكشميهني والجرجاني من شبه أصلاً معلومًا بأصل مبين وقد بيّن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكمهما بإثبات الواو في قوله وقد بيّن ( ليفهم السائل) المراد.


[ قــ :6923 ... غــ : 7314 ]
- حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِى وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ وَإِنِّى أَنْكَرْتُهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ»؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا»؟ قَالَ: حُمْرٌ.
قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ»؟ قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا.
قَالَ: «فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا»؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِرْقٌ نَزَعَهَا.
قَالَ: «وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِى الاِنْتِفَاءِ مِنْهُ».

وبه قال: ( حدّثنا أصبغ بن الفرج) بالمهملة والموحدة والمعجمة في الأول والجيم في الثاني أبو عبد الله المصري قال: ( حدّثني) ولأبوي ذر والوقت أخبرني والإفراد في الروايتين ( ابن وهب) عبد الله المصري ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن أعرابيًّا) اسمه ضمضم بن قتادة كما في المبهمات لعبد الغني بن سعيد وعند مسلم وأصحاب السنن أن أعرابيًّا من فزارة بفتح الفاء وتخفيف الزاي هو فزارة بن ذبيان بن بغيض ( أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) : يا رسول الله ( إن امرأتي ولدت غلامًا أسود) أي: وإني أنا أبيض ولم أعرف اسم المرأة ولا الغلام، وأسود صفة لغلام وهو لا ينصرف للوزن والصفة ( وإني أنكرته) أي استنكرته بقلبي ولا يرد إنه أنكره بلسانه ( فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( هل لك من إبل؟ قال) الأعرابي: ( نعم.
قال)
عليه الصلاة والسلام له: ( فما ألوانها) ؟ ما مبتدأ من أسماء الاستفهام وألوانها خبره ( قال) ألوانها ( حمر) رفع خبر المبتدأ المقدر ( قال) صلوات
الله وسلامه عليه ( هل) ولأبي ذر عن الكشميهني فهل ( فيها من أورق) بفتح الهمزة والراء بينهما واو ساكنة آخره قاف قال الأصمعي: الأورق من الإبل الذي في لونه بياض يميل إلى سواد وهو أطيب الإبل لحمًا وليس بمحمود عندهم في عمره وسيره وهو غير منصرف للوصف ووزن الفعل والفاء في فهل عاطفة ( قال) الأعرابي: ( إن فيها لورقًا) بضم الواو وسكون الراء أن واسمها وخبرها في المجرور واللام هي الداخلة في خبر إن وأصلها لام الابتداء ولكنها أخرت لأجل أنها غير عاملة وأن عاملة وتسمى هذه اللام المزحلقة ( قال) عليه الصلاة والسلام ( فأتى ترى) بفتح الفوقية أو بضمها أي تظن ( ذلك جاءها) الفاعل ضمير يعود على اللون والمفعول يعود على الإبل وذلك مفعول ثاني وأنى استفهام بمعنى كيف أي كيف أتاها اللون الذي ليس في أبويها ( قال) الأعرابي ( يا رسول الله عرق نزعها) بكسر العين وسكون الراء بعدها قاف ونزعها بالزاي، والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب شبه بعرق الثمرة ومنه فلان معرق في النسب والحسب ومعنى نزعه أشبهه واجتذب منه إليه وأظهر لونه عليه وأصل النزع الجذب فكأنه جذبه إليه، وللكشميهني نزعه.
قال أبو هريرة ( ولم يرخص له) أي للأعرابي ( في الانتفاء منه) .
أي في انتفاء اللعان ونفي الولد من نفسه.

ومطابقة الحديث للترجمة من كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شبه للأعرابي ما أنكره من لون الغلام بما عرف من نتاج الإبل فأبان له بما يعرف أن الإبل الحمر تنتج الأورق وهو الأغبر فكذلك المرأة البيضاء تلد الأسود.
وسبق الحديث في اللعان.




[ قــ :694 ... غــ : 7315 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّى عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَاقْضُوا الَّذِى لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ».

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري ( عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن وحشية ( عن سعيد بن جبير) الوالبي مولى أبي محمد أحد الأعلام ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( أن امرأة) زاد في الحج والنذور عن الميت من كتاب الحج: من جهينة، وفي النسائي هي امرأة سنان بن سلمة الجهني ولأحمد سنان بن عبد الله وهي أصح، وفي الطبراني أنها عمته كذا قاله في المقدمة.
وقال في الشرح: إن ما في النسائي لا يفسر به المبهم في حديث الباب لأن في حديث الباب أن المرأة سألت بنفسها.
وفي النسائي: إن زوجها سأل، ويحتمل أن تكون نسبة السؤال إليها مجازية ( جاءت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت) : يا رسول الله ( إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها) ؟ أي أيصح مني أن أكون نائبة عنها فأحج عنها فالفاء الداخلة عليها همزة الاستفهام الاستخباري عاطفة على المحذوف المقدر ولم تسم الأم ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( نعم حجي عنها أرأيت) أي أخبريني ( لو كان على أمك دين) لمخلوق ( أكنت قاضيته) ؟ عنها ( قالت: نعم.
قال: فاقضوا)
أيها المسلمون الحق ( الذي له) تعالى ودخلت المرأة في هذا الخطاب دخولاً بالقصد الأول وقد علم في الأصول أن النساء يدخلن في خطاب الرجال لا سيما عند القرينة المدخلة، ولأبي ذر عن الكشميهني: اقضوا الله ( فإن الله) تعالى ( أحق بالوفاء) .
من غيره.

ومطابقة الحديث في كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شبه للمرأة التي سألته عن أمها دين الله بما تعرف من دين العباد غير أنه قال: فدين الله أحق، وقول الفقهاء بتقديم حق الآدمي لا ينافي الأحقية بالوفاء واللزوم لأن تقديم حق العبد بسبب احتياجه، ثم إن عقد هذا الباب وما فيه يدل على صحة القياس والباب السابق يدل على الذم.
وأجيب: بأن القياس صحيح مشتمل على جميع شرائطه المقررة في علم الأصول وفاسد بخلاف ذلك فالمذموم هو الفاسد والصحيح لا مذمة فيه بل هو مأمور به، وفي الباب دليل على وقوع القياس منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد احتج المزني بهذين الحديثين على من أنكر القياس وما اتفق عليه الجمهور هو الحجة فقد قاس الصحابة فمن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار.