فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، وما أجمع عليه الحرمان مكة، والمدينة، وما كان بها من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين، والأنصار، ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والقبر

باب مَا ذَكَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَضَّ عَلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْحَرَمَانِ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَمَا كَانَ بِهَا مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمُصَلَّى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ.

( باب ما ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الذال المعجمة والكاف والنبي رفع فاعل ( وحض) بحاء مهملة مفتوحة وضاد معجمة مشددة أي حرض ( على اتفاق أهل العلم) .
قال في الكواكب في بعض الروايات وما حض عليه من اتفاق أهل العلم وهو من باب تنازع العاملين وهما ذكر وحض، ( وما أجمع) بهمزة قطع ولأبي ذر عن الكشميهني وما اجتمع بهمزة وصل وزيادة فوقية بعد الجيم ( عليه الحرمان مكة والمدينة) أي ما اجتمع عليه أهلهما من الصحابة ولم يخالف صاحب من غيرهما والإجماع اتفاق المجتهدين من أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أمر من الأمور الدينية، بشرط أن يكون بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج بالمجتهدين العوام وعلم اختصاصه بالمجتهدين والاختصاص بهم اتفاق فلا عبرة باتفاق غيرهم اتفاقًا وعلم عدم انعقاده في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قوله بعد وفاته، ووجهه أنه إن وافقهم فالحجة في قوله، وإلا فلا اعتبار لقولهم دونه، وعلم أن إجماع كلٍّ من أهل المدينة النبوية، وأهل البيت النبوي وهم فاطمة وعليّ والحسن والحسين -رضي الله عنهم-، والخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ -رضي الله عنهم-، والشيخين أبي بكر وعمر، وأهل الحرمين مكة والمدينة، وأهل المصرين الكوفة والبصرة غير حجة لأنه اجتهاد بعض مجتهدي الأمة لا كلهم خلافًا لمالك في إجماع أهل المدينة، وعبارة المؤلّف تشعر بأن اتفاق أهل الحرمين كليهما إجماع، لكن قال في الفتح: لعله أراد الترجيح به لا دعوة الإجماع ( وما كان بها) بالمدينة ( من مشاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) مشاهد ( المهاجرين والأنصار ومصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عطف على مشاهد ( والمنبر والقبر) معطوفان عليه وفيه تفضيل المدينة بما ذكر، لا سيما وما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ومنبره على حوضه، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: وما كان بهما بلفظ التثنية والإفراد أولى لأن ما ذكره في الباب كله متعلق بالمدينة وحدها.
وقال في الفتح: والتثنية أولى.


[ قــ :6930 ... غــ : 7322 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِىِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَصَابَ الأَعْرَابِىَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ فَجَاءَ الأَعْرَابِىُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِى بَيْعَتِى، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِىُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِى خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا».

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) هو ابن أنس بالإحرام ( عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام بمهملة وراء ( السلمي) بفتحتين الأنصاري صحابي ابن صحاي غزا تسع عشرة غزوة -رضي الله عنهما- ( أن أعرابيًّا) قيل اسمه قيس بن أبي حازم وردّ بأنه تابعي كبير لا صحابي أو هو قيس بن حازم المنقري الصحابي ( بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك) بفتح الواو وسكون العين حمى ( بالمدينة فجاء الأعرابي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله إلى في رواية الكشميهني فرسول نصب على ما لا يخفى ( فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي) على الهجرة أو من المقام بالمدينة ( فأبى) بالموحدة فامتنع ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن يقيله ( ثم جاءه) مرة ثانية ( فقال) يا رسول الله ( أقلني بيعتي فأبى) أن يقيله ( ثم جاءه) الثالثة ( فقال) يا رسول الله ( أقلني بيعتي فأبى) أن يقيله ( فخرج الأعرابي) من المدينة إلى البدو ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إنما المدينة كالكير) الذي ينفخ به النار أي الموضع المشتمل عليها ( تنفي خبثها) بفتح الفوقية وسكون النون وكسر الفاء وخبثها بفتح المعجمة والموحدة والمثلثة ما يثيره من الوسخ ( وينصع) بالتحتية وسكون النون بعدها صاد فعين مهملتان ويخلص ( طيبها) بكسر الطاء والتخفيف والرفع فاعل ينصع ولأبي ذرّ تنصع بالفوقية طيبها بالنصب على المفعولية، كذا في الفرع كأصله طيبها بالتخفيف وكسر أوّله في الروايتين وبه ضبط القزاز، لكنه استشكله فقال: لم أر للنصوع في الطيب ذكرًا، وإنما الكلام يتضوع بالضاد المعجمة وزيادة الواو الثقيلة.

ومرّ الحديث في فضل المدينة في أواخر الحج وفي الأحكام ومطابقته لما ترجم به هنا من جهة الفضيلة التي اشتمل على ذكرها كلٍّ منهما.




[ قــ :6931 ... غــ : 733 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَلَمَّا كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمِنًى: لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ فُلاَنًا يَقُولُ: لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَبَايَعْنَا فُلاَنًا فَقَالَ عُمَرُ لأَقُومَنَّ الْعَشِيَّةَ فَأُحَذِّرَ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ
الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ قُلْتُ: لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ فَأَخَافُ أَنْ لاَ يُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَيُطِيرُ بِهَا كُلُّ مُطِيرٍ، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ فَتَخْلُصُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ وَيُنَزِّلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَقُومَنَّ بِهِ فِى أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ آيَةُ الرَّجْمِ.

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: ( حدّثنا معمر) بسكون العين بين فتحتين ابن راشد ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت أُقرئ) بضم الهمزة وسكون القاف من الإقراء ( عبد الرحمن بن عوف) القرآن، وقول الدارمي معنى أقرئ رجالاً أي أتعلم منهم من القرآن لأن ابن عباس كان عند وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما حفظ المفصل من المهاجرين والأنصار، وتعقب بأنه خروج عن الظاهر بل عن النص لأن قوله أقرئ معناه أعلم.
قال في الفتح: ويؤيده أن في رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري كنت أختلف إلى عبد الرحمن بن عوف ونحن بمنى مع عمر بن الخطاب أعلم عبد الرحمن بن عوف القرآن أخرجه ابن أبي شيبة وقد كان ابن عباس ذكيًّا سريع الحفظ وكان كثير من الصحابة لاشتغالهم بالجهاد لم يستوعبوا القرآن حفظًا وكان من اتفق له ذلك يستدركه بعد الوفاة النبوية فكانوا يعتمدون على نجباء الأبناء فيقرئونهم تلقينًا للحفظ ( فلما كان آخر حجة حجها عمر) -رضي الله عنه- سنة ثلاث وعشرين ( فقال عبد الرحمن) بن عوف ( بمنى) بالتنوين وكسر الميم ( لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل) لشهدت عجبًا فجواب لو محذوف أو كلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب ولم أعرف اسم الرجل وفي باب رجم الحبلى من الزنا من الحدود قال: كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينا أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم ( قال) ولأبي ذر فقال ( إن فلانًا) لم أقف على اسمه أيضًا ( يقول: لو مات أمير المؤمنين) عمر ( لبايعنا فلانًا) يعني طلحة بن عبيد الله أو عليًّا ( فقال عمر: لأقومن العشية فاحذر) بالنصب ولأبي ذر بالرفع وللكشميهني فلأحذر ( هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم) بفتح التحتية وسكون المعجمة وكسر المهملة أي يقصدون أمورًا ليست من وظيفتهم ولا مرتبتهم فيريدون أن يباشروها بالظلم والغصب قال عبد الرحمن ( قلت) : يا أمير المؤمنين ( لا تفعل) ذلك ( فإن الموسم يجمع رعاع الناس) بفتح الراء والعين المهملة وبعد الألف أخرى جهلتهم وأراذلهم ( يغلبون) ولأبي ذر عن الكشميهني: ويغلبون ( على مجلسك) يكثرون فيه ( فأخاف أن لا ينزلوها) بضم التحتية وفتح النون وكسر الزاي مشددة وبسكون النون أي مقالتك ( على وجهها) وللكشميهني وجوهها ( فيطير بها) بضم التحتية وكسر الطاء المهملة وسكون التحتية ( كل مطير) بضم الميم مع التخفيف أي فينقلها كل ناقل بالسرعة من غير تأمل ولا ضبط ولأبي الوقت فيطيرها بتشديد التحتية ( فأمهل) بهمزة قطع
وكسر الهاء ( حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة) بالنصب على البدلية من المدينة ( فتخلص) بضم اللام والنصب لأبي ذر ولغيره بالرفع أي حتى تقدم المدينة فتصل ( بأصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المهاجرين والأنصار فيحفظوا) بالفاء ولأبي الوقت ويحفظوا بالواو ( مقالتك وينزلوها) بالتخفيف والتشديد ( على وجهها.
فقال)
عمر -رضي الله عنه-: ( والله لأقومن به في أوّل مقام أقومه بالمدينة) .

( قال ابن عباس) بالسند السابق ( فقدمنا المدينة) فجاء عمر يوم الجمعة حين زاغت الشمس فجلس على المنبر فلما سكت المؤذن قام ( فقال) بعد أن أثنى على الله بما هو أهله ( إن الله بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل) فيه فتح همزة أنزل ( آية الرجم) .
بنصب آية وهي قوله مما نسخ لفظه: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، ولأبي ذر: أنزل بضم الهمزة وكسر الزاي آية الرجم بالرفع وسقطت التصلية بعد قوله إن الله بعث محمدًا في رواية أبي ذر.

ومطابقة الحديث للترجمة من وصف المدينة بدار الهجرة والسُّنّة ومأوى المهاجرين والأنصار.

والحديث أورده هنا باختصار وسبق في باب رجم الحبلى من الزنا من الحدود مطوّلاً.




[ قــ :693 ... غــ : 734 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ فَتَمَخَّطَ فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ أَبُو هُرَيْرَةَ، يَتَمَخَّطُ فِى الْكَتَّانِ لَقَدْ رَأَيْتُنِى وَإِنِّى لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَىَّ فَيَجِىءُ الْجَائِى، فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِى وَيُرَى أَنِّى مَجْنُونٌ وَمَا بِى مِنْ جُنُونٍ مَا بِى إِلاَّ الْجُوعُ.

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا حماد) هو ابن زيد ( عن أيوب) السختياني ( عن محمد) هو ابن سيرين أنه ( قال: كنا عند أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( وعليه ثوبان ممشقان) بضم الميم الأولى وفتح الثانية والمعجمة المشددة والقاف مصبوغان بالمشق بكسر الميم وفتحها وسكون الشين بالطين الأحمر ( من كتان) والواو في قوله وعليه للحال ( فتمخط) أي استنثر ( فقال: بخ بخ) بموحدة مفتوحة وتضم فخاء معجمة ساكنة فيهما مخففة وتشدد كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وقد تكون للمبالغة ( أبو هريرة يتمخط في الكتان لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي ( وإني لأخرّ) أسقط ( فيما بين منبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى حجرة عائشة) -رضي الله عنها- حال كوني ( مغشيًا) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة أي مغمى ( عليّ) بتشديد الياء من الجوع وللحموي والمستملي عليه بالهاء ( فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي) وللحموي والمستملي على عنقه ( ويرى) بضم التحتية ويظن ( أني مجنون و) الحال ( ما بي جنون ما بي إلا الجوع) .
والغرض من الحديث هنا قوله: وإني لأخِرُّ فيما بين المنبر والحجرة.
وقال ابن بطال عن المهلب: وجه دخوله في الترجمة الإشارة إلى أنه لما صبر على الشدة التي أشار إليها من أجل ملازمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طلب العلم جوزي بما انفرد به من كثرة محفوظه ومنقوله من الأحكام وغيرها، وذلك ببركة صبره على المدينة.

والحديث أخرجه الترمذي في الزهد.




[ قــ :6933 ... غــ : 735 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: نَعَمْ وَلَوْلاَ مَنْزِلَتِى مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ مِنَ الصِّغَرِ، فَأَتَى الْعَلَمَ الَّذِى عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلاَ إِقَامَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَ النِّسَاءُ يُشِرْنَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَتَاهُنَّ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: ( أخبرنا سفيان) الثوري ( عن عبد الرحمن بن عابس) بالعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فمهملة ابن ربيعة النخعي أنه ( قال: سئل ابن عباس) -رضي الله عنهما- بضم السين وكسر الهمزة ( أشهدت) بهمزة الاستفهام أي أحضرت ( العيد) أي صلاته ( مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: نعم ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر) أي ما حضرت العيد وسبق في باب العلم الذي بالمصلّى من العيدين: ولولا مكاني من الصغر ما شهدته وهو يدل على أن الضمير في قوله منه يعود على غير المذكور وهو الصغر، ومشى بعضهم على ظاهر ذلك السياق: فقال: إن الضمير يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمعنى لولا منزلتي من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شهدت معه العيد وهو متجه، لكن السياق يخالفه وفيه نظر لأن الغالب أن الصغر في مثل هذا يكون مانعًا لا مقتضيًا فلعل فيه تقديمًا وتأخيرًا، ويكون قوله من الصغر متعلقًا بما بعده فيكون المعنى لولا منزلتي من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما حضرت معه لأجل صغري ويمكن حمله على ظاهره وأراد بشهوده ما وقع من وعظه للنساء لأن الصغر يقتضي أن يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبر ( فأتى) عليه الصلاة والسلام ( العلم) بفتحتين ( الذي عند دار كثير بن الصلت) بالمثلثة والصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها فوقية ابن معد يكرب الكندي ( فصلّى) عليه الصلاة والسلام العيد بالناس ( ثم خطب ولم) ولأبي ذر فلم بالفاء بدل الواو ( يذكر أذانًا ولا إقامة ثم أمر) عليه الصلاة والسلام ( بالصدقة) وفي العيدين ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة ( فجعل) ولأبي ذر عن الكشميهني فجعلن ( النساء يشرن) بضم التحتية وكسر المعجمة وسكون الراء وفي العيدين فرأيتهن يهوين بأيديهن ( إلى آذانهن وحلوقهن فأمر) عليه الصلاة والسلام ( بلالاً) يأتيهن ليأخذ منهن ما يتصدقن به ( فأتاهن) فجعلن يلقين في ثوبه الفتخ والخواتيم ( ثم رجع) بلال ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فأتى العلم الذي عند دار كثير، وقال المهلب فيما ذكره عنه ابن بطال.
شاهد الترجمة قول ابن عباس ولولا مكاني من الصغر ما شهدته لأن معناه أن صغير أهل المدينة وكبيرهم ونساءهم وخدمهم ضبطوا العلم معاينة منهم في مواطن العمل من شارعها المبين عن الله تعالى وليس لغيرهم هذه المنزلة.
وتعقب: بأن قول ابن عباس من الصغر ما شهدته إشارة منه إلى أن الصغر مظنة عدم الوصول إلى المقام الذي شاهد فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين سمع كلامه وسائر ما قصّه، لكن لما كان ابن عمه وخالته أم المؤمنين وصل بذلك إلى المنزلة المذكورة
ولولا ذلك لم يصل ويؤخذ منها نفي التعميم الذي ادعاه المهلب وعلى تقدير تسليمه فهو خاص بمن شاهد ذلك وهم الصحابة فلا يشاركهم فيه من بعدهم بمجرد كونه من أهل المدينة قاله في فتح الباري.

والحديث سبق في الصلاة وفي العيدين.




[ قــ :6934 ... غــ : 736 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْتِى قُبَاءً مَاشِيًا وَرَاكِبًا.

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عبد الله بن دينار) المدني ( عن ابن عمر) مولاه -رضي الله عنهما- ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأتي قباء) بضم القاف ممدودًا وقد يقصر ويذكر على أنه اسم موضع فيصرف ويؤنث على أنه اسم بقعة فلا يصرف التأنيث والعلمية أي يأتي مسجد قباء حال كونه ( ماشيًا) مرة ( وراكبًا) أخرى وفي باب من أتى مسجد قباء من أواخر الصلاة يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا وللكشميهني راكبًا ماشيًا بالتقديم والتأخير.
قال المهلب: المراد معاينة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماشيًا وراكبًا في قصده مسجد قباء وهو مشهد من مشاهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس ذلك بغير المدينة.

والحديث مضى في أواخر الصلاة في ثلاثة أبواب متوالية أوّلها باب مسجد قباء.




[ قــ :6935 ... غــ : 737 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ادْفِنِّى مَعَ صَوَاحِبِى وَلاَ تَدْفِنِّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْبَيْتِ فَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ أُزَكَّى.

وبه قال: ( حدّثنا عبيد بن إسماعيل) الهباري قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها ( قالت لعبد الله بن الزبير) بن العوام ابن أسماء أخت عائشة ( ادفني) إذا مت ( مع صواحبي) بالتخفيف أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بالبقيع ( ولا تدفني) بفتح الفوقية وكسر الفاء وتشديد النون ( مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البيت) في حجرتي التي دفن فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحباه ( فإني أكره أن أُزكى) بضم الهمزة وفتح الزاي والكاف المشددة كرهت أن يثنى عليها بما ليس فيها بل بمجرد كونها مدفونة عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه دون سائر أمهات المؤمنين فيظن أنها خصّت بذلك دونهن لمعنى فيها ليس فيهن، وهذا منها غاية في التواضع.




[ قــ :6936 ... غــ : 738 ]
- وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ ائْذَنِى لِى أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَىَّ فَقَالَتْ: إِى وَاللَّهِ، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أُوثِرُهُمْ بِأَحَدٍ أَبَدًا.

( وعن هشام) بالسند السابق مما وصله الإسماعيلي من وجه آخر ( عن أبيه) عروة ( أن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( أرسل إلى عائشة) -رضي الله عنها- قال الحافظ ابن حجر هذا صورته الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن إرسال عمر إلى عائشة لكنه محمول على أنه حمله عن عائشة فيكون موصولاً ( ائذني لي أن أدفن) بضم الهمزة وفتح الفاء ( مع صاحبي) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر ( فقالت: إي) بكسر الهمزة وسكون التحتية ( والله) حرف جواب بمعنى نعم ولا تقع إلا مع القسم ( قال) عروة بن الزبير: ( وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة) يسألها أن يدفن معهم وجواب الشرط قوله ( قالت: لا والله لا أوثرهم) بالمثلثة ( بأحد أبدًا) أي لا أتبعهم بدفن أحد.
وقال ابن قرقول: هو من باب القلب أي لا أوثر بهم أحدًا ويحتمل أن يكون لا أثيرهم بأحد أي لا أنبشهم لدفن أحد والباء بمعنى اللام، واستشكله السفاقسي بقولها في قصة عمر لأوثرنه على نفسي وأجاب باحتمال أن يكون الذي آثرته به المكان الذي دفن فيه من وراء قبر أبيها بقرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك لا ينفي وجود مكان آخر في الحجرة.
والحديث من أفراده.




[ قــ :6937 ... غــ : 739 ]
- حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ فَيَأْتِى الْعَوَالِىَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ.

وَزَادَ اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ وَبُعْدُ الْعَوَالِى أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاَثَةٌ.

وبه قال: ( حدّثنا أيوب بن سليمان) أبو بلال قال: ( حدّثنا أبو بكر بن أبي أويس) واسم أبي بكر عبد الحميد وأبي أويس عبد الله الأصبحي الأعشى ( عن سليمان بن بلال) أبي محمد مولى الصديق ( عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف المدني أنه قال ( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( أخبرني) بالإفراد ( أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي العصر فيأتي العوالي) بفتح العين والواو المخففة جمع عالية أي المرتفع من قرى المدينة من جهة نجد ( والشمس مرتفعة) أي والحال أن الشمس مرتفعة.
( وزاد الليث) بن سعد الإمام فيما وصله البيهقي ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( وبعد العوالي) بضم الموحدة وسكون العين ( أربعة أميال أو ثلاثة) والأميال جمع ميل وهو ثلث الفرسخ، وقيل هو مد البصر والشك من الراوي.

ومطابقة الحديث للترجمة قيل من قوله فيأتي العوالي لأن إتيانه إلى العوالي يدل على أن العوالي من جملة مشاهده في المدينة.




[ قــ :6938 ... غــ : 7330 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ الْجُعَيْدِ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ.

سَمِعَ القَاسِمُ بْنُ مالِكٍ الجُعَيْدَ.

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأول وضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف الكلابي النيسابوري قال: ( حدّثنا القاسم بن مالك) أبو جعفر المزني الكوفي ( عن الجعيد) بضم الجيم وفتح العين مصغرًا وقد يستعمل مكبرًا ابن عبد الرحمن بن أويس الكندي المدني أنه قال: ( سمعت السائب بن يزيد) الكندي له ولأبيه صحبة -رضي الله عنهما- ( يقول: كان الصاع) جمعه أصوع بوزن أفلس.
قال الجوهري: إن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة اهـ.
ويقال فيه ايضًا آصع على القلب أي تحويل العين إلى ما قبل الفاء مع قلب الواو همزة فيجتمع همزتان فتبدل الثانية ألفًا لوقوعها ساكنة بعد همزة مفتوحة وكان ( على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مدًّا وثلثًا) نصب خبر كان وللأصيلي وابن عساكر مد وثلث بالرفع على طريق من يكتب المنصوب بغير ألف.
وقال في الكواكب: أو يكون في كان ضمير الشأن فيرتفع على الخبر ( بمدّكم اليوم) وكان الصاع في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة أمداد والمد رطل وثلث رطل عراقي ( وقد زيد فيه) أي في الصاع زمن عمر بن عبد العزيز حتى صار مدًّا وثلث مد من الأمداد العمرية ( سمع القاسم بنُ مالك الجعيد) يشير إلى ما سبق في كفارة الأيمان عن عثمان بن أبي شيبة عن القاسم حدّثنا الجعيد، وفي رواية زياد بن أيوب عن القاسم بن مالك قال أخبرنا الجعيد أخرجه الإسماعيلي وقوله سمع إلى آخره ثابت لأبوي ذر والوقت فقط.

ومناسبة الحديث للترجمة كما في الفتح أن الصاع مما اجتمع عليه أهل الحرمين بعد العهد النبوي واستمر فلما زاد بنو أمية في الصاع لم يتركوا اعتبار الصاع النبوي فيما ورد فيه التقدير بالصاع من زكاة الفطر وغيرها، بل استمروا على اعتباره في ذلك وإن استعملوا الصاع الزائد في شيء غير ما وقع التقدير فيه بالصاع كما نبه عليه مالك ورجع إليه أبو يوسف في القصة المشهورة.

والحديث سبق في الكفارات وأخرجه النسائي.




[ قــ :6939 ... غــ : 7331 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِى صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ».
يَعْنِى أَهْلَ الْمَدِينَةِ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) الإمام ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( اللهم بارك) زد ( لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومدهم.
يعني)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أهل المدينة) قال القاضي عياض: ويحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهو ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكوات والكفارات فيكون بمعنى البقاء لها البقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها وأن تكون دنيوية من تكثير المال والقدر بها حتى يكفي منها ما لا يكفي من غيرها أو ترجع
البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها وإلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وأثمارها أو لاتساع عيش أهلها بعد ضيقه لما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم بتمليك البلاد والخصب والريف بالشام والعراق وغيرهما حتى أكثر الحمل إلى المدينة، وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقبولها اهـ.

ورجح النووي كونها في نفس المكيل بالمدينة بحيث يكفي المدّ فيها من لا يكفيه في غيرها.
وقال الطيبي: ولعل الظاهر هو قول القاضي أو لاتساع عيش أهلها إلى آخره لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ودعاء إبراهيم هو قوله: { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم: 37] يعني وارزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم من البلاد لعلهم يشكرون النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في وادٍ ليس فيه لحم ولا شجر ولا ماء، لا جرم أن الله عز وجل أجاب دعوته فجعله حرفًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه، ولعمري إن دعاء حبيب الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استجيب لها وضاعف خيرها على خيرها بأن جلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم من مشارق الأرض ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى ولا يحصر، وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقاصي الأراضي وشاسع البلاد وينصر هذا التأويل قوله في حديث أبي هريرة: أمرت بقرية تأكل القرى ومكة أيضًا من مأكولها اهـ.

ومطابقة الحديث للترجمة كالذي قبله كما لا يخفى وسبق في البيوع والكفارات وأخرجه مسلم والنسائي.