فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمور الإسلام

باب الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ ظَاهِرَةً وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمُورِ الإِسْلاَمِ
( باب الحجة على من قال إن أحكام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت ظاهرة) للناس لا تخفى إلا على النادر ( وما كان يغيب بعضهم) عطف على مقول القول وكلمة ما نافية أو عطف على الحجة فما موصولة، لكن قال في الفتح إن ظاهر السياق يأبى كونها نافية أي بعض الصحابة ( عن مشاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح ميم مشاهد ( وأمور الإسلام) قالوا والترجمة معقودة لبيان أن كثيرًا من أكابر الصحابة كان يغيب عن بعض ما يقوله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو يفعله من الأفعال التكليفية فيستمر على ما كان اطلع عليه هو إما على المنسوخ لعدم اطّلاعه على ناسخه، وإما على البراءة الأصلية.
وقال ابن بطال: أراد الرد على الرافضة والخوارج الذين يزعمون أن التواتر شرط في قبول الخبر وقولهم مردود بما صح إن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض ويرجع بعضهم إلى ما رواه غيره وانعقد الإجماع على القول بالعمل بإخبار الآحاد.


[ قــ :6959 ... غــ : 7353 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولاً فَرَجَعَ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ؟ فَدُعِىَ لَهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، قَالَ: فَأْتِنِى عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ إِلاَّ أَصَاغِرُنَا، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: خَفِىَ عَلَىَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلْهَانِى الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي المكي أنه ( قال: استأذن أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري ( على عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- أي ثلاثًا ( فكأنه وجده مشغولاً فرجع فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس) يريد أبا موسى ( ائذنوا له) في الدخول ( فدعي له) بضم الدال وكسر العين فحضر عنده ( فقال) له ( ما حملك على ما صنعت) ؟ من الرجوع ( فقال) أبو موسى ( إنّا كنا نؤمر) بضم النون وفتح الميم من قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بهذا) أي بالرجوع إذا استأذنا ثلاثًا ولم يؤذن لنا ( قال) عمر: ( فائتني على هذا ببينة) على ما ذكرته ( أو لأفعلن بك، فانطلق) أبو موسى ( إلى مجلس من الأنصار) فسألهم عن ذلك ( فقالوا) أي أبيّ والأنصار ( لا يشهد إلا أصاغرنا) بألف بعد الصاد ولأبي ذر عن الكشميهني لا يشهد لك إلا أصغرنا ( فقام أبو سعيد الخدري) -رضي الله عنه- وكان أصغر القوم معه ( فقال) لعمر: ( قد كنا نؤمر بهذا) أي نرجع إذا استأذنا ولم يؤذن لنا ( فقال عمر: خفي عليّ) بتشديد التحتية ( هذا من أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألهاني) شغلنى ( الصفق بالأسواق) .
وهو
ضرب اليد على اليد عند البيع، وليس قول عمر ذلك ردًّا لخبر الواحد بل احتياطًا وإلا فقد قبل عمر حديث عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس وحديثه في الطاعون، وحديث عمرو بن حزم في التسوية بين الأصابع في الدّية.

ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن عمر لما خفي عليه أمر الاستئذان رجع إلى قول أبي موسى فدلّ على أنه يعمل بخبر الواحد، وأن بعض السنن كان يخفى على بعض الصحابة وأن الشاهد يبلغ الغائب ما شهده وأن الغائب يقبله ممن حدّثه به ويعتمده ويعمل به، لا يقال طلب عمر البيّنة يدل على أنه لا يحتج بخبر الواحد لأنه مع انضمام أي سعيد إليه لا يصير متواترًا كما لا يخفى.

والحديث سبق في الاستئذان في باب التسليم والاستئذان.




[ قــ :6960 ... غــ : 7354 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأَعْرَجِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِى، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ.

     وَقَالَ : «مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِىَ مَقَالَتِى ثُمَّ يَقْبِضْهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّى»؟ فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَىَّ فَوَالَّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ.

وبه قال: ( حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثني) بالإفراد ( الزهري) محمد بن مسلم ( أنه سمع من الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( يقول: أخبرني) بالإفراد ( أبو هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة) تقولون إن أبا هريرة ( يكثر الحديث على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله الموعد) يوم القيامة يظهر أنكم على الحق في الإنكار أو أني عليه في الإكثار والجملة معترضة، ولا بدّ في التركيب من تأويل لأن مفعلاً للمكان أو الزمان أو المصدر ولا يصح هنا إطلاق شيء منها فلا بد من إضمار أو تجوّز يدل عليه المقام قاله البرماوي الكرماني ( إني كنت امرأً مسكينًا) من مساكين الصفة ( ألزم) بفتح الهمزة والزاي واللام بينهما ساكنة ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ملء بطني) مقتنعًا بالقوت فلم يكن لي غيبة عنه يعني أنه كان لا ينقطع عنه خشية أن يفوته القوت ( وكان المهاجرون يشغلهم الصفق) البيع ( بالأسواق) ويشغلهم بفتح ياء المضارعة والغين المعجمة من الثلاثي وعبر بالصفق عن التبايع لأنهم كانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف أمارة لانبرام البيع فإذا تصافقت الأكف انتقلت الأملاك واستقرّت كل يد منهما على ما صار لكل واحد منهما من ملك صاحبه ( وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم) في الزراعة زاد في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا ( فشهدت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم وقال) :
( من يبسط) بلفظ المضارع مجزومًا ولأبي ذر عن الكشميهني من بسط بلفظ الماضي ( رداءه) وفي المزارعة ثوبه ( حتى أقضي مقالتي) زاد في المزارعة هذه ( ثم يقبضه) بالرفع وفي اليونينية بالجزم وفي المزارعة ثم يجمعه ( فلن ينس) بغير تحتية بعد السين مصلحة في الفرع على كشط.
قال السفاقسي: إنه وقع كذلك بالنون وبالجزم في الرواية وذكر أن القزاز نقل عن بعض العرب من يجزم بلن اهـ.
وفي بعض النسخ المعتمدة فلن ينسى بإثباتها خطأ وهو الذي في اليونينية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فلم بحرف الجزم بدل حرف النصب ينس ( شيئًا سمعه مني) قال أبو هريرة ( فبسطت بردة كانت عليّ) بتشديد الياء ( فو) الله ( الذي بعثه) إلى الخلق ( بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه) .
بعد أن جمعتها إلى صدري.

ومباحث الحديث سبقت غير مرة ومطابقته للترجمة من جهة كون أبي هريرة أخبر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أقواله وأفعاله ما غاب عنه كثير من الصحابة ولما بلغهم ما سمعه قبلوه وعملوا به فدل على قبول خبر الواحد والعمل به وفيه رد على مشترطي التواتر وإنه كان يعزب على المتقدم في الصحبة الشريفة الواسع العلم ما يعلمه غيره مما سمعه منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو اطلع عليه فمن ذلك حديث أبي بكر الصدّيق مع جلالة قدره حيث لم يعلم النص في الجدّة حتى أخبره محمد بن مسلمة والمغيرة بالنص فيها، وهو في الموطأ وحديث عمر في الاستئذان المذكور في هذا الباب إلى غير ذلك مما في تتبعه طول يخرج عن الاختصار.

وفي حديث البراء بسند صحيح ليس كلنا كان يسمع الحديث من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن كان الناس لا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب والله الموفق والمعين.