فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {ملك الناس} [الناس: 2]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { مَلِكِ النَّاسِ} [الناس: 2]
فِيهِ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

( باب قول الله تعالى) وسقط لغير أبي ذر لفظ باب ( { ملك الناس} [الناس: 2] ) الملك معناه ذو الملك، وهو إذا كان عبارة عن التصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والأحياء كان من
أسماء الأفعال كالخالق، وعن بعض المحققين الملك الحق هو الغني مطلقًا في ذاته وفي صفاته عن كل ما سواه ويحتاج إليه كل ما سواه إما بواسطة أو بغير واسطة فهو بتقدير منفرد وبتدبير متوحد ليس لأمره مردّ ولا لحكمه ردّ، أما العبد فإنه محتاج في الوجود إلى الغير والاحتياج مما ينافي الملك، فلا يمكن أن يكون له ملك مطلق والملك يختص عرفًا بمن يسوس ذوي العقول ويدبر أمورهم فلذلك تقول ملك الناس، ولا يقال ملك الأشياء ووظيفة العارف من هذا الاسم أن يعلم أنه هو المستغني على الإطلاق عن كل شيء وما عداه مفتقر إليه في وجوده وبقائه مسخر لحكمه وقضائه فيستغني عن الناس رأسًا ولا يرجو ولا يخاف إلا إياه ويتخلق به بالاستغناء عن الغير.

قال في الكشاف، فإن قلت: هلا اكتفى بإظهار المضاف إليه مرة واحدة؟ قلت: لأن عطف البيان للبيان فكان مظنّة للإظهار فلهذا كرر لفظ الناس، لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار ولأن التكرير يقتضي مزيد شرف الناس وأنهم أشرف المخلوقات.
وقال الإمام فخر الدين: وإنما بدأ بذكر الرب وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه من أوائل نعمه وإلى أن رباه وأعطاه العقل فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك وهو مالك فثنّى بذكر الملك، ولما علم أن العبادة لازمة له وعرف أنه معبود مستحق لتلك العبادة عرفه بأنه إله فلهذا ختم به.

( فيه) أي في هذا الباب ( ابن عمر) أي حديثه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
مما وصله في باب قول الله تعالى: { لما خلقت بيدي} [ص: 75] الآتي إن شاء الله تعالى بعد اثني عشر بابًا بلفظ: إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك.


[ قــ :6988 ... غــ : 7382 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِى السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ»؟.

     وَقَالَ  شُعَيْبٌ وَالزُّبَيْدِىُّ وَابْنُ مُسَافِرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر الطبري المصري الحافظ قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: ( أخبرني) بالإفراد ( يونس) بن يزيد الأيلى ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن سعيد) زاد أبو ذر هو ابن المسيب ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أنه ( قال) :
( يقبض الله الأرض) بأن يجمعها حتى تصير شيئًا واحدًا ويبيدها ( يوم القيامة ويطوي السماء) يفنيها ( بيمينه) بقدرته ( ثم يقول) جلّ جلاله ( أنا الملك) أي ذو الملك على الإطلاق فلا ملك لغيره في الدارين ( أي ملوك الأرض) .
وفي الحديث إثباث اليمين صفة لله تعالى من صفات ذاته وليست جارحة خلافًا للمجسمة.

وسبق في باب يقبض الله الأرض من الرقاق.

( وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة فيما وصله الدارمي ( والزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد مما وصله ابن خزيمة ( وابن مسافر) عبد الرحمن بن عوف مما سبق موصولاً في تفسير سورة الزمر ( وإسحاق بن يحيى) الكلبي فيما وصله الذهلي في الزهريات أربعتهم ( عن الزهري عن أبي سلمة) .
وفيه أنه اختلف على ابن شهاب الزهري في شيخه فقال يونس بن سعيد بن المسيب، وقال الآخرون أبو سلمة.
وكلٌّ منهما يرويه عن أبي هريرة.
ونقل ابن خزيمة عن محمد بن يحيى الذهلي أن الطريقين محفوظان.
قال في الفتح: وصنيع البخاري يقتضي ذلك وإن كان الذي تقتضيه القواعد ترجيح رواية شعيب لكثرة من تابعه، لكن يونس كان من خواص الزهري الملازمين له، وزاد أبو ذر بعد قوله عن أبي سلمة مثله أي مثل الحديث السابق.