فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} [ص: 75]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} [ص: 75]
( باب قول الله تعالى: { لما خلقت بيدي} [ص: 75] ) يريد قوله تعالى لإبليس لما لم يسجد لآدم: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} امتثالاً لأمري أي خلقته بنفسي من غير توسط كأب وأم والتثنية لما في خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل، وقيل: المراد باليد القدرة، وتعقب بأنه لو كان اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خلق كل منهما به وهي قدرته في كلام المحققين من علماء البيان أن قولنا اليد مجاز عن القدرة إنما هو لنفي وهم التشبيه والتجسيم بسرعة، وإلا فهي تمثيلات وتصويرات للمعاني العقلية بإبرازها في الصور الحسية ولأنه عهد أنه من اعتنى بشيء باشره بيديه فيستفاد من ذلك أن العناية بخلق آدم أتم من العناية بخلق غيره وثبت لفظ باب لأبي ذر.


[ قــ :7015 ... غــ : 7410 ]
- حَدَّثَنِى مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَمَا تَرَى النَّاسَ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَىْءٍ شَفِّعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكَ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِى أَصَابَهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا أَتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ، وَلَكِنِ
ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِى فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّى وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يُقَالُ لِى: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ: يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّى بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّى وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ: يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَحْمَدُ رَبِّى بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّى ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّى وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى، ثُمَّ يُقَالُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ قُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَحْمَدُ رَبِّى بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مَا بَقِىَ فِى النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِى قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ، مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِى قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِى قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الْخَيْرِ ذَرَّةً».

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( معاذ بن فضالة) بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة أبو زيد البصري: ( حدّثنا هشام) الدستوائي ( عن قتادة) بن دعامة ( عن أنس) -رضي الله عنه- ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( يجمع الله) عز وجل ( المؤمنين) من الأمم الماضية والأمة المحمدية ولأبوي الوقت وذر يجمع المؤمنون بضم التحتية مبنيًّا للمفعول والمؤمنون مفعول ناب عن فاعله ( يوم القيامة كذلك) بالكاف في أوله للجميع.
قال البرماوي والعيني كالكرماني أي مثل الجمع الذي نحن عليه.
وقال في فتح الباري: وأظن أن أول هذه الكلمة لام والإشارة إلى يوم القيامة أو لما يذكر بعد قال: وقد وقع عند مسلم من رواية معاذ بن هشام عن أبيه يجمع إليه المؤمنين يوم القيامة فيهتمون لذلك ( فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا) أحدًا فيشفع لنا ( حتى يريحنا من مكاننا هذا) أي من الموقف لنحاسب ونخلص من حرّ الشمس والغم الذي لا طاقة لنا به ( فيأتون آدم فيقولون يا آدم أما ترى الناس) فيما هم فيه من الكرب ( خلقك الله بيده) وهذا موضع الترجمة ( وأسجد لك ملائكته وعلّمك أسماء كل شيء) وضع شيء موضع أشياء أي المسميات لقوله تعالى: { وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] أي أسماء المسميات إرادة للتقصي واحدًا فواحدًا حتى يستغرق المسميات كلها ( شفع) بفتح الشين المعجمة وكسر الفاء مشددة مجزوم على الطلب قال في الكواكب من التشفيع وهو قبول الشفاعة وهو لا يناسب المقام إلا أن يقال هو تفعيل للتكثير والمبالغة ولأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني اشفع ( لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناك) أي ليست لي هذه المرتبة بل لغيري ( ويذكر لهم خطيئته التي أصابـ) ـها وهي أكله من الشجرة ( ولكن ائتوا نوحًا
فإنه أول رسول بعثه الله)
عز وجل بالإنذار ( إلى أهل الأرض) الموجودين بعد هلاك الناس بالطوفان وليست أصل بعثته عامة فإنه من خصوصيات نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت رسالة آدم لنبيه بمنزلة التربية والإرشاد ( فيأتون نوحًا) فيسألونه ( فيقول) لهم ( لست هناكم) بالميم بعد الكاف ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني هناك بإسقاطها ( ويذكر خطيئته التي أصابـ) ـها وهي سؤاله نجاة ولده من الغرق ( ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن فيأتون إبراهيم) فيسألونه ( فيقول لست هناكم) وللمستملي والكشميهني هناك ( ويذكر لهم خطاياه التي أصابها) وهي قوله: { إني سقيم} [الصافات: 89] و { بل فعله كبيرهم} [الأنبياء: 63] وإنها أختي.
( ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التوراة وكلمه تكليمًا فيأتون موسى) فيسألونه ( فيقول لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب) ولأبي ذر أصابها وهي قتله النفس بغير حق ( ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله) نفي لقول النصارى ابن الله ( وكلمته) لأنه وجد بأمره تعالى من غير أب ( وروحه) المنفوخة في مريم ( فيأتون عيسى) فيسألونه ( فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت الصلاة لأبي ذر ( عبدًا غفر له) بضم الغين وكسر الفاء ولأبوي الوقت وذر والأصيلي غفر الله له ( ما تقدم من ذنبه) عن سهو وتأويل ( وما تأخر) بالعصمة ( فيأتون) ولأبي ذر فيأتونني ( فأنطلق فأستأذن على ربي) أي في الشفاعة للإراحة من هول الموقف ( فيؤذن لي) بالفاء ولأبي ذر عن الكشميهني ويؤذن لي ( عليه فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني) أي فيتركني ما شاء أن يتركني ( ثم يقال لي ارفع محمد) رأسك ( وقل) ولأبي ذر قل بإسقاط الواو ( يسمع) بضم التحتية وسكون السين المهملة وفتح الميم لك ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني تسمع بالفوقية بدل التحتية ( وسل) بغير همزة ( تعطه) ولأبي ذر عن المستملي تعط بغير هاء ( واشفع تشفع) بضم الفوقية وفتح الفاء مشددة تقبل شفاعتك ( فأحمد ربي) تعالى ( بمحامد علمنيها) زاد أبو ذر ربي وفي تفسير البقرة يعلمنيها بلفظ المضارع ( ثم اشفع فيحدّ لي) تعالى ( حدًّا) أي يعين لي قومًا مخصوصين ( فأدخلهم الجنة ثم أرجع فإذا رأيت ربي) تعالى ( وقعت) له ( ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد) رأسك ( وقل يسمع) لقولك ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني تسمع بالفوقية ( وسل تعطه) وللمستملي تعط بدون هاء ( واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها) زاد أبو ذر ربي ( ثم أشفع فيهم) فيشفعني تعالى ثم أستأذنه تعالى في الشفاعة لإخراج قوم من النار ( فيحد لي حدًّا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت) له ( ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد) رأسك ( قل يسمع) لك ولأبي ذر وقل بالواو تسمع بالفوقية ( وسل تعطه) بالهاء ( واشفع تشقع فأحمد ربي بمحامد علمنيها) ولأبي ذر علمنيها ربي ( ثم اشفع فيحد لي حدًّا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن) فيها ممن أشرك ( ووجب عليه الخلود) بنحو قوله فيه خالدين فيها أبدًا ( قال) ولأبي ذر فقال ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله) مع محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( وكان في قلبه من الخير) زيادة على أصل التوحيد ( ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة) حبة من الحنطة ( ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان
في قلبه ما يزن من الخير ذرة)
بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء واحدة الذر وهو النمل الصغار أو الهباء الذي يظهر في عين الشمس أو غير ذلك.

وفي الحديث الردّ على المعتزلة في نفيهم الشفاعة لأصحاب الكبائر وبيان أفضلية نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جميع الأنبياء، وأما ما نسب إلى الأنبياء من الخطايا فمن باب التواضع، وأن حسنات الأبرار سيئات المقربين وإلاّ فهم صلوات الله وسلامه عليهم معصومون مطلقًا.

وسبق الحديث في تفسير سورة البقرة.




[ قــ :7016 ... غــ : 7411 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ».
.

     وَقَالَ : «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِى يَدِهِ».
.

     وَقَالَ : «عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ».

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: ( حدّثنا) ولأبى ذر أخبرنا ( أبو الزناد) ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( يد الله) عز وجل ( ملأى) بفتح الميم وسكون اللام بعدها همزة ( لا يغيضها) بفتح التحتية وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها ضاد معجمة ولأبي ذر لا تغيضها بالفوقية بدل التحتية أي لا ينقصها ( نفقة) والمراد من قوله ملأى لازمه وهو أنه في غاية الغنى وعنده من الرزق ما لا نهاية له هي ( سحاء الليل والنهار) بفتح السين والحاء المشددة المهملتين وبالمد والرفع خبر مبتدأ مضمر كما مرّ وبالنصب منوّنًا على المصدر أي تسح سحًّا والليل والنهار نصب على الظرفية، والمعنى أنها دائمة الصب والهطل بالعطاء واليد هنا كناية عن محل عطائه ووصفها بالامتلاء لكثرة منافعها وكمال فوائدها فجعلها كالعين التي لا يغيضها الاستقاء ( وقال: أرأيتم ما أنفق) سبحانه وتعالى ( منذ خلق السماوات والأرض) أي ما أنفق في زمان خلق السماوات والأرض حين كان عرشه على الماء إلى يومنا ولأبي ذر منذ خلق السماوات والأرض ( فإنه لم يغض) بفتح التحتية وكسر المعجمة لم ينقص ( ما في يده) .

قال الطيبي: يجوز أن يكون أرأيتم استئنافًا فيه معنى الترقي كأنه لما قيل ملأى أوهم جواز النقصان فأزيل بقوله لا يغيضها نفقة وقد يمتلئ الشيء ولا يفيض، فقيل سحاء إشارة إلى الفيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم أتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خافٍ على ذي بصر وبصيرة بعد أن اشتمل من ذكر الليل والنهار بقوله: أرأيتم على تطاول المدة لأنه خطاب عامّ والهمزة فيه للتقرير قال: وهذا الكلام إذا أخذته بجملته من غير نظر إلى مفرداته أبان زيادة المعنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء.

( وقال) : وفي نسخة وكان ( عرشه على الماء) أي قبل خلق السماوات والأرض ( وبيده الأخرى الميزان) العدل بين الخلق ( يخفض) من يشاء ( ويرفع) من يشاء ويوسع الرزق على من يشاء ويضيّقه على من يشاء والميزان كما قاله الخطابي مثل والمراد القسمة بين الخلق أو المراد يخفض الميزان ويرفعه فإن الذي يوزن بالميزان يخف ويرجح.

وفي حديث أبي موسى عند مسلم وابن حبان: إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام يخفض القسط ويرفعه، وظاهره أن المراد بالقسط الميزان وهو مما يؤيد أن الضمير المحذوف في قوله يخفض ويرفع الميزان، وأشار بقوله بيده الأخرى إلى أن عادة المخاطبين تعاطي الأسباب باليدين معًا فعبر عن قدرته على التصرف بذكر اليدين ليفهم المعنى المراد مما اعتادوه.

والحديث سبق بهذا الإسناد والمتن في تفسير سورة هود وفيه زيادة في أوله وهي قال: قال الله عز وجل: أنفق أُنفق عليك.




[ قــ :7017 ... غــ : 741 ]
- حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَمِّى الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ».

وبه قال: ( حدّثنا مقدم بن محمد) الهلالي الواسطي ولأبي ذر زيادة ابن يحيى ( قال: حدّثني) بالإفراد ( عمي القاسم بن يحيى) بن عطاء ( عن عبيد الله) بضم العين العمري ( عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) :
( إن الله يقبض يوم القيامة الأرض) أي الأرضين السبع ولأبي ذر عن الكشميهني الأرضين بالجمع ( وتكون السماوات) السبع ( بيمينه) أي مطويات كما في قوله تعالى: { والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} [الزمر: 67] فالمراد بهذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته تعالى والتوقيف على حكم جلاله لا غير من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز يعني أن الأرضين السبع مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته ( ثم يقول: أنا الملك) ولمسلم من حديث ابن عمر: أين الجبارون أين المتكبرون؟
والحديث سبق في تفسير سورة الزمر.




[ قــ :7017 ... غــ : 7413 ]
- رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ،.

     وَقَالَ  عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سَالِمًا سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا،.

     وَقَالَ  أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ».

( رواه) أي الحديث ( سعيد) بكسر العين ابن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي والموحدة بينهما
نون ساكنة آخره راء المدني سكن بغداد وليس له في هذا الكتاب إلا هذا الموضع ( عن مالك) الإمام وصله الدارقطني في غرائب مالك وأبو القاسم اللالكائي.

( وقال عمر بن حمزة) بن عبد الله بن عمر: ( سمعت سالمًا) هو ابن عبد الله بن عمر عم المذكور يقول: ( سمعت ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث ووصله مسلم وأبو داود ( وقال أبو اليمان) الحكم بن نافع: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يقبض الله) عز وجل ( الأرض) .
وهذا سبق قريبًا في باب قوله تعالى: { ملك الناس} [الناس: ] .




[ قــ :7018 ... غــ : 7414 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِى مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] .

قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد أنه ( سمع يحيى بن سعيد) القطان ( عن سفيان) الثوري أنه قال: ( حدّثني) بالإفراد ( منصور) هو ابن المعتمر ( وسليمان) بن مهران الأعمش كلاهما ( عن إبراهيم) النخعي ( عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني ( عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- ( أن يهوديًّا) أي يعرف اسمه، وفي مسلم من رواية فضيل بن عياض جاء حبر وزاد في رواية شيبان من الأحبار ( جاء إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا محمد إن الله يمسك السماوات) زاد فضيل يوم القيامة ( على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع) زاد في رواية شيبان الماء والثرى، وفي رواية فضيل بن عياض الجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع ( والخلائق) ممن لم يتقدم له ذكر ( على إصبع ثم يقول) تعالى: ( أنا الملك) وفي رواية أنا الملك بالتكرار مرتين ( فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت) ظهرت ( نواجذه) بالجيم والذال المعجمة أنيابه التي تبدو عند الضحك ( ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام: ( { وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91] ) أي وما عظّموه حق تعظيمه.

( قال يحيى بن سعيد) القطان راوي الحديث عن الثوري بالسند المذكور: ( وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور) أي ابن المعتمر ( عن إبراهيم عن عبيدة) السلماني ( عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- ( فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كون ضحكه ( تعجبًّا) من قول اليهودي ( وتصديقًا له)
ووصله مسلم عن أحمد بن يونس عن فضيل.
وقد سبق في تفسير سورة الزمر أن الخطابي ذكر الأصبع وقال: إنه لم يقع في القرآن ولا في حديث مقطوع به، وقد تقرر أن اليد ليست جارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الأصابع بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه، ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهود فإن اليهود مشبهة وقول من قال من الرواة وتصديقًا له أي لليهود ظن وحسبان، وقد روى هذا الحديث غير واحد من أصحاب عبد الله فلم يذكروا فيه تصديقًا له ثم قال: ولو صح الخبر حملناه على تأويل قوله والسماوات مطويات بيمينه اهـ.

وتعقبه بعضهم بورود الأصابع في عدة أحاديث منها ما أخرجه مسلم: إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ولكن هذا لا يرد عليه لأنه إنما نفى القطع، نعم ذهب الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إلى أن ما اتفق عليه الشيخان بمنزلة المتواتر فلا ينبغي التجاسر على الطعن في ثقات الرواة وردّ الأخبار الثابتة، ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الراوي بالظن للزم منه تقريره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الباطل وسكوته عن الإنكار وحاش الله من ذلك، وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادّعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار فقال بعد أن أورد هذا الحديث في صحيحه في كتاب التوحيد بطرقه قد أجلّ الله تعالى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الإنكار والغضب على الوصف ضحكًا بل لا يصف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الوصف من يؤمن بنبوته اهـ.




[ قــ :7019 ... غــ : 7415 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ، فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] .

وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) سقط لأبي ذر بن غياث قال: ( حدّثنا أبي) حفص قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان قال: ( سمعت إبراهيم) النخعي ( قال: سمعت علقمة) بن قيس ( يقول: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- ( جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل الكتاب) من اليهود ( فقال: يا أبا القاسم إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر والثرى على أصبع والخلائق) أي الذين لم يذكروا فيما مرّ ( على إصبع ثم يقول: أنا الملك أنا الملك) قالها مرتين قال ابن مسعود ( فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحك) أي تعجبًا كما مرّ ( حتى بدت نواجذه) بالجيم والمعجمة ( ثم قرأ: { وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91] ) .

قال القرطبي في المفهم: ضحكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هو للتعجب من جهل اليهودي، ولهذا قرأ عند ذلك { وما قدروا الله حق قدره} فهذه الرواية هي الصحيحة المحققة وأما من زاد تصديقًا له
فليست بشيء فإنها من قول الراوي وهي باطلة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصدق المحال، وهذه الأوصاف في حق الله تعالى محال إذ لو كان ذا يد أو أصابع وجوارح لكان كواحد منا ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلهًا فقول اليهودي محال وكذب، ولذلك أنزل الله في الرد عليه { وما قدروا الله قدره} اهـ.

وهذا يرده ما سبق قريبًا والله الموفق والمعين لا رب سواه.