فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 23]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]
( باب قول الله تعالى: { وجوه} ) هي وجوه المؤمنين ( { يومئذ} ) يوم القيامة ( { ناضرة} ) حسنة ناعمة ( { إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22] ) بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة.
وقال القاضي: تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه ولذلك قدم المفعول وليس فإذا في كل الأحوال حتى ينافيه نظرها إلى غيره وحمل النظر على انتظارها لأمر ربها أو لنوابه لا يصح لأنه يقال في نظرت فيه أي تفكرت ونظرته انتظرته ولا يعدّى بإلى إلا بمعنى الرؤية مع أنه لا يليق الانتظار في دار القرار.


[ قــ :7037 ... غــ : 7434 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، وَهُشَيْمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَافْعَلُوا».

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما والأخير بالنون ابن أوس السلمي الواسطي قال: ( حدّثنا خالد) الطحان بن عبد الله الواسطي ( وهشيم) مصغر ابن بشير الواسطي وللحموي والمستملي أو هشيم بالشك ( عن إسماعيل) بن أبي خالد سعد أو هرمز أو كثير الأحمسي الكوفي ( عن قيس) هو ابن أبي حازم بالزاي والحاء المهملة البجلي ( عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أنه ( قال: كنا جلوسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ) بسكون المعجمة ( نظر إلى القمر ليلة اليدر قال) :
( إنكم سترون ربكم) يوم القيامة ( كما ترون هذا القمر لا تضامون) بضم الفوقية بعدها ضاد معجمة وتشديد الميم أي لا تتزاحمون ولا تختلفون ( في رؤيته) .
وقال البيهقي: سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي يقول في إملائه في قوله: لا تضامون بالضم والتشديد معناه لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض ومعناه بفتح التاء كذلك، والأصل لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة وبالتخفيف الضيم ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة والتشبيه برؤية القمر للرؤية دون
تشبيه المرئي تعالى الله عن ذلك ( فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة) بضم الفوقية وسكون الغين المعجمة وفتح اللام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عن صلاة ( قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس) يعني الفجر والعصر كما في مسلم ( فافعلوا) عدم المغلوبية بقطع الأسباب المنافية للاستطاعة كنوم ونحوه.

وسبق الحديث في باب فضل صلاة العصر من كتاب الصلاة.




[ قــ :7038 ... غــ : 7435 ]
- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا».

وبه قال: ( حدّثنا يوسف بن موسى) القطان الكوفي قال: ( حدّثنا عاصم بن يوسف اليربوعي) نسبة إلى يربوع بن حنظلة من تميم قال: ( حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة ( عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ ( عن قيس بن أبي حازم) أبي عبد الله البجلي تابعي كبير فاتته الصحبة بليال ( عن جرير بن عبد الله) البجلي -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن عبد الله أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إنكم) ولأبي ذر عن المستملي قال خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة البدر فقال إنكم ( سترون ربكم عيانًا) بكسر العين من قولك عاينت الشيء عيانًا إذا رأيته بعينك.




[ قــ :7039 ... غــ : 7436 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِىُّ، عَنْ زَائِدَةَ حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لاَ تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبده بن عبد الله) الصفار البصري قال: ( حدّثنا حسين الجعفي) بن علي بن الوليد ونسب إلى جعفة بن سعد العشيرة بن مذحج ( عن زائدة) بن قدامة أنه قال: ( حدّثنا بيان بن بشر) بموحدة مكسورة ومعجمة ساكنة بعدها راء الأحمسي بالحاء والسين المهملتين ( عن قيس بن أبي حازم) البجلي قال: ( حدّثنا جرير) البجلي -رضي الله عنه- ( قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة البدر فقال) :
( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا) البدر ( لا تضامون في رؤيته) .
بضم أوّله وتشديد الميم من الازدحام أي لا ينضم بعضكم إلى بعض كما تنضمون في رؤية الهلال رأس الشهر لخفائه ودقته بل ترونه رؤية محققة لا خفاء فيها.




[ قــ :7040 ... غــ : 7437 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ تُضَارُّونَ فِى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»؟ قَالُوا: لاَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ»؟ قَالُوا: لاَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا».
شَكَّ إِبْرَاهِيمُ «فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَىْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِى أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ، اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِى جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ»؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظْمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ أَوِ الْمُجَازَى أَوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ، مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِى النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِى رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَ الَّذِى أُعْطِيتَ أَبَدًا؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ وَيَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ وَيُعْطِى مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ لاَ أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ قَالَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة ثم الجندعي ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا) عز وجل ( يوم القيامة؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( هل تضارون في القمر ليلة البدر) بضم حرف المضارعة وتشديد الراء أصله تضاررون بالبناء للمفعول فسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية وفي نسخة بتخفيف الراء فالمشدّد بمعنى لا تتخالفون ولا تتجادلون في صحة النظر إليه لوضوحه وظهوره والمخفف من الضير ومعناه كالأوّل ( قالوا: لا، يا رسول الله.
قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب)
؟ يحجبها ( قالوا: لا، يا رسول الله.
قال: فإنكم ترونه)
عز وجل إذا تجلى لكم ( كذلك) أي واضحًا جليًّا بلا شك ولا مشقة ولا اختلاف ( يجمع الله) عز وجل ( الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتبعه) بسكون الفوقية وفتح الموحدة أو بتشديد الفوقية وكسر الموحدة وكذا قوله ( فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت) بالمثناة الفوقية فيهما جمع طاغوت فعلوت من طغى أصله طيغوت ثم طيغوت ثم طاغوت الشياطين والأصنام وفي الصحاح الكاهن وكل رأس في الضلال ( وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها) بالشين المعجمة والعين المهملة أصله شافعون فسقطت النون للإضافة أي شافعو الأمة: ( أو) قال ( منافقوها.
شك إبراهيم)
بن سعد الراوي قال الحافظ ابن حجر والأول المعتمد ( فيأتيهم الله) عز وجل إتيانًا لا يكيف عاريًا عن الحرة والانتقال أو هو محمول على الإتيان المعروف عندنا لكن على معنى أن الله تعالى يخلقهُ لملك من ملائكتهِ فأضافه إلى نفسه على جهة الإسناد المجازي مثل قطع الأمير اللص وزاد في الرقاق في غير الصورة التي يعرفونها ( فيقول) لهم ( أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا) وزاد فيه أيضًا فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا ( حتى يأتينا ربنا فإذا جاءنا) ولغير المستملي جاء ( ربنا عرفناه فيأتيهم الله) فيتجلى لهم بعد تمييز المنافقين ( في صورته التي يعرفون) أي التي هو عليها من التعالي عن صفات الحدوث بعد أن عرّفهم بنفسه المقدسة ورفع عن أبصارهم الموانع، وقال في المصابيح: في صورته التي يعرفون أي في علامة جعلها الله دليلاً على معرفته والتفرقة بينه وبين مخلوقاته فسمى الدليل والعلامة صورة مجازًا كما تقول العرب: صورة أمرك كذا وصورة حديثك كذا، والأمر والحديث لا صورة لهما وإنما يريدون حقيقة أمرك وحديثك وكثيرًا ما يجري على ألسنة الفقهاء صورة هذه المسألة كذا ( فيقول) لهم ( أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) بالتخفيف والتشديد أي فيتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة أو ملائكته التي تذهب بهم إليها ( ويضرب الصراط) بضم حرف المضارعة وفتح ثالثه والصراط الجسر ( بين ظهري جهنم) على وسطها ( فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها) أي يجوز بأمته على الصراط ويقطعه ولأبي ذر عن الأصيلي وابن عساكر من يجيء ( ولا يتكلم يومئذٍ) في حال الإجازة ( إلا الرسل) لشدة الأهوال ( ودعوى الرسل يومئذٍ اللهم سلم سلم) مرّتين ( وفي جهنم كلاليب) بغير صرف معلقة مأمورة
بأخذ من أمرت به ( مثل شوك السعدان) بفتح السين والدال بينهما عين مهملات نبات ذو شوك ( هل رأيتم السعدان) ؟ استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة ( قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها)
أي الشوكة وللكشميهني ما قدر عظمها ( إلا الله) تعالى.
قال القرطبي: قيدنا قدر عن بعض مشايخنا بضم الراء على أن ما استفهام وقدر مبتدأ وبنصبها على أن ما زائدة وقدر مفعول يعلم ( تخطف الناس بأعمالهم) بسبب أعمالهم القبيحة ( فمنهم الموبق) بفتح الموحدة الهالك ( بعلمه) وهو الكافر وللأصيلي وأبي ذر عن المستملي المؤمن بالميم والنون بقي بعمله بالموحدة والقاف المكسورة من البقاء أو الموبق بعمله بالشك وللحموي والكشميهني فمنهم الموبق بالموحدة المفتوحة بقي بالموحدة وكسر القاف ولأبي ذر عن المستملي يقي بالتحتية من الوقاية أي يستره عمله وللمستملي أو الموثق بالمثلثة المفتوحة من الوثاق بعمله والفاء في قوله فمنهم تفصيل للناس الذين تخطفهم الكلاليب بحسب أعمالهم ( ومنهم المخردل) بالخاء المعجمة والدال المهملة المنقطع الذي تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار وقيل المخردل المصروع قال السقاقسي وهو أنسب بسياق الخبر ( أو المجازى) بضم الميم وفتح الجيم المخففة والزاي بينهما ألف من الجزاء ( أو نحوه) شك من الراوي ولمسلم المجازى بغير شك ( ثم يتجلى) بتحتية ففوقية فجيم فلام مشددة مفتوحات كذا في الفرع كأصله مصححًا عليه أي يتبين.
قال في الفتح: ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه فيرجع إلى معنى ينجو.

وفي حديث أبي سعيد فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في جهنم ( حتى إذا فرغ الله) عز وجل ( من القضاء بين العباد) أتم.
وقال ابن المنير: الفراغ إذا أضيف إلى الله معناه القضاء وحلوله بالمقضي عليه والمراد إخراج الموحدين وإدخالهم الجنة واستقرار أهل النار في النار، وحاصله أن معنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وإن لم يذكر لفظها ( وأراد أن يخرج) بضم أوله وكسر ثالثه ( برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله) عز وجل ( شيئًا ممن أراد الله) عز وجل ( أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود) ولأبي ذر عن الكشميهني بآثار السجود ( تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله) عز وجل ( على النار أن تأكل أثر السجود) وهو موضعه من الجبهة أو مواضع السجود السبعة، ورجحه النووي لكن في مسلم إلا دارات الوجوه وهو كما قال عياض يدل على أن المراد بأثر السجود الوجه خاصة.
ويؤيده أن في بقية الحديث أن منهم من غاب في النار إلى نصف ساقيه، وفي مسلم من حديث سمرة وإلى ركبتيه، وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد وإلى حقويه، لكن حمله النووي على قوم مخصوصين.
ونقل بعضهم أن علامتهم الغرّة ويضاف إليها التحجيل وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء، فيكون أشمل ممن قال أعضاء السجود لدخول جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفّين والقدمين ولكن ينقص منه الركبتان، وما استدلّ به من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار لأن تلك الأحوال الأخروية خارجة عن قياس أحوال أهل الدنيا
ودل التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا يؤثر فيه النار إكرامًا لمحل السجود، ويحتمل أن الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها.
( فيخرجون من النار) حال كونهم ( قد امتحشوا) بضم الفوقية والمعجمة بينهما حاء مهملة مكسورة أو بفتح الفوقية احترق جلدهم وظهر عظمهم ( فيصب عليهم) بضم التحتية وفتح الصاد ( ماء الحياة) ضد الموت ( فينبتون تحته كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة من بزور الصحراء ( في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة ما يحمله من طين ونحوه وفي رواية يحيى بن عمارة إلى جانب السيل والمراد أن الغثاء الذي يجيء به السيل تكون فيه الحبة فتقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة فالتشبيه في سرعة النبات وطراوته وحسنه ( ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل) زاد أبو ذر منهم ( مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولاً الجنة) .
وفي حديث حذيفة في أخبار بني إسرائيل أنه كان نباشًا وعند الدارقطني في غرائب مالك أنه رجل من جهينة عند السهيلي اسمه هناد ( فيقول: أي) بسكون الياء ( رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني) بالقاف والمعجمة والموحدة مفتوحات آذاني ( ريحها وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال وبعد الكاف همزة ولأبي ذر ذكاها بغير همز شدة حرها والتهابها ( فيدعو الله) عز وجل ( بما شاء أن يدعوه ثم يقول الله) عز وجل له: ( هل عسيت) بفتح السين وكسرها ( إن أعطيت ذلك) بضم الهمزة ولأبي ذر إن أعطيتك بفتحها وبالكاف ( أن تسألني غيره فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي ربه) ولأبي ذر عن الكشميهني ويعطي الله ( من عهود ومواثيق ما شاء فيصرف الله) عز وجل ( وجهه عن النار فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله) عز وجل ( أن يسكت) .
حياء ( ثم يقول: أي رب قدمني) بسكون الميم بعد كسر الدال المشددة ( إلى باب الجنة فيقول الله) عز وجل ( له: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدًا) أي غير صرف وجهك عن النار ( ويلك يا ابن آدم ما أغدرك) فعل تعجب من الغدر ونقض العهد وترك الوفاء ( فيقول أي رب ويدعو الله) عز وجل ( حتى يقول) عز وجل له ( هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي) الله ( ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت) بنون ساكنة ففاء فهاء فقاف مفتوحات ففوقية انفتحت واتسعت ( له الجنة فرأى ما فيها من الحبرة) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة من النعمة وسعة العيش ( والسرور فيسكت ما شاء الله) عز وجل ( أن يسكت ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة فيقول الله) عز وجل ( ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت فيقول) : وفي الفرع كأصله ضبب على فيقول هذه ( ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: أي رب لا أكونن) بنون التوكيد الثقيلة ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني لا أكون بإسقاطها ( أشقى خلقك) .

قال في الكواب فإن قلت: هذا ليس بأشقى لأنه خلص من العذاب وزحزح عن النار وإن لم يدخل الجنة.
قلت: يعني أشقى أهل التوحيد الذي هم أبناء جنسه فيه، وقال الطيبي: فإن قلت: كيف طابق هذا الجواب قوله أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك؟ قلت: كأنه قال يا رب
بلى أعطيت العهود والمواثيق ولكن تأملت كرمك وعفوك ورحمتك، وقوله تعالى: { لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] فوقفت على أني لست من الكفار الذين أيسوا من رحمتك وطمعت في كرمك وسعة رحمتك فسألت ذلك وكأنه تعالى رضي بهذا القول فضحك كما قال:
( فلا يزال يدعو) الله تعالى ( حتى يضحك الله) عز وجل ( منه) المراد لازم الضحك وهو الرضا ( فإذا ضحك منه قال له ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله) عز وجل ( له: تمنّه) بهاء السكت ( فسأل ربه) عز وجل ( وتمنى حتى أن الله ليذكره) أي ليذكر المتمني ( يقول) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ويقول له تمنّ ( كذا وكذا) يسمي له أجناس ما يتمنى فضلاً منه ورحمة ( حتى انقطعت به الأماني) جمع أمنية ( قال الله) عز وجل ( ذلك) الذي سألت ( لك ومثله معه) .

قال الدماميني في مصابيحه: فإن قلت: قد علم أن الدار الآخرة ليست دار تكليف فما الحكمة في تكرير أخذ العهود والمواثيق عليه أن لا يسأل غير ما أعطيه مع أن إخلافه لقوله وما تقتضيه يمينه لا إثم عليه فيه؟ قلت: الحكمة فيه ظاهرة وهي إظهار التمنّن والإحسان إليه مع تكريره لنقض عهوده ومواثيقه ولا شك أن للمنّة في نفس العبد مع هذه الحالة التي اتّصف بها وقعًا عظيمًا.

وقال الكلاباذي فيما نقله عنه في الفتح: سكوت هذا العبد أولاً عن السؤال يعني في قوله في الحديث فيسكت ما شاء الله حياء من ربه والله يحب أن يُسأل لأنه يحب صوت عبده المؤمن فباسطه أولاً بقوله: لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره وهذه حالة المقصر فكيف حالة المطيع وليس نقض هذا العبد عهده وتركه ما أقسم عليه جهلاً منه، ولا قلة مبالاة بل علمًا منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء به لأن سؤاله ربه أولى من ترك السؤال، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفّر عن يمينه وليأت الذي هو خير" فعمل هذا العبد على وفق هذا الخبر والتكفير قد ارتفع عنه في الآخرة.




[ قــ :7040 ... غــ : 7438 ]
- قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: «ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلاَّ قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ».
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ: أَشْهَدُ أَنِّى حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ.

( قال عطاء بن يزيد) الراوي ( وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة) جالس وهو يحدّث بهذا الحديث ( لا يرد عليه من حديثه شيئًا) ولا يغيره ( حتى إذا حدّث أبو هريرة أن الله تبارك وتعالى قال: ذلك لك ومثله معه.
قال أبو سعيد الخدري: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة.
قال أبو
هريرة: ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه.
قال أبو سعيد الخدري: أشهد أني حفظت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله ذلك لك وعشرة أمثاله)
وجمع بينهما باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أوّلاً قوله ومثله معه ثم تكرم الله فزاد ما في رواية أبي سعيد ولم يسمعه أبو هريرة.
( قال أبو هريرة) -رضي الله عنه-: ( فذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً الجنة) .

والحديث سبق في الرقاق.




[ قــ :7041 ... غــ : 7439 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا»؟ قُلْنَا: لاَ.
قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِى رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ كَمَا تُضَارُونَ فِى رُؤْيَتِهِمَا».
ثُمَّ قَالَ: «يُنَادِى مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِى جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلاَّ الأَنْبِيَاءُ فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَىْ جَهَنَّمَ».
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجَسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِى نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِى مُنَاشَدَةً فِى الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِى إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِى النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ،
فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا».
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِى فَاقْرَؤُوا: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40] فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِى فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِى نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِى حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ إِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ فَيُجْعَلُ فِى رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف قال: ( حدّثنا الليث بن سعد) الإمام وثبت ابن سعد لأبي ذر ( عن خالد بن يزيد) الجمحي ( عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم ( عن زيد) هو ابن أسلم مولى عمر بن الخطاب ( عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة ( عن أبي سعيد) سعد بن مالك ( الخدري) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قلنا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة) ؟ قال عليه الصلاة والسلام:
( هل تضارون) بضم أوّله وتشديد الراء ( في رؤية الشمس والقمر) وسقط قوله والقمر لأبي ذر ويروى تضارون بالتخفيف ( إذا كانت) أي السماء ( صحوًا) أي ذات صحو أي انقشع عنها الغيم ( قلنا: لا.
قال: فإنكم لا تضارون)
لا تخالفون أحدًا ولا تنازعونه ( في رؤية ربكم يومئذٍ) يوم القيامة ( إلا كما تضارون في رؤيتهما) أي الشمس والقمر، ولأبي ذر: في رؤيتها أي الشمس والتشبيه المذكور هنا إنما هو في الوضوح وزوال الشك لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور العادية عند رؤية المحدثات.
وقال في المصابيح: هذا من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو من أفضل ضربيه وذلك أنه استثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح لذلك الشيء بتقدير دخولها فيها أي إلا كما تضارون في رؤية الشمس في حال صحو السماء أي إن كان ذلك ضيرًا فأثبت شيئًا من العيب على تقدير كون رؤية الشمس في وقت الصحو من العيب، وهذا التقدير المفروض محال لأنه من كمال التمكن بن الرؤية دون ضرر يلحق الرائي فهو في المعنى تعليق بالمحال فالتأكيد فيه من جهة أنه كدعوى الشيء ببينة لأنه علق نقيض المدعي وهو إثبات شيء من العيب بالمحال والمعلق بالمحال محال فعدم العيب محقق، ومن جهة أن الأصل في مطلق الاستثناء الاتصال أي كون المستثنى منه بحيث يدخل فيه المستثنى على تقدير السكوت عنه وذلك لما تقرر في موضعه من أن الاستثناء المنقطع مجاز، وإذا كان الأصل في الاستثناء الاتصال فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم إخراج الشيء مما قبله فإذا وليها صفة مدح وتحوّل الاستثناء من الاتصال إلى الانقطاع جاء
التأكيد لما فيه من المدح على المدح والإشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفة مدح وتحوّل الاستثناء إلى الانقطاع.

( ثم قال ينادي مُنادٍ ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب) النصارى ( مع صليبهم وأصحاب الأوثان) المشركون ( مع أوثانهم) بالمثلثة فيهما ( وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: مع إلههم بكسر الهمزة وإسقاط الفوقية بلفظ الإفراد ( حتى يبقى من كان يعبد الله) عز وجل ( من بر) بفتح الموحدة وتشديد الراء مطيع لربه ( أو فاجر) منهمك في المعاصي والفجور ( وغبرات) بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة بعدها راء فألف ففوقية والجر عطفًا على المجرور أو مرفوع عطفًا على مرفوع يبقى أي بقايا ( من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض) بضم الفوقية وفتح الراء ( كأنها سراب) بالسن المهملة وهو ما يتراءى وسط النهار في الحر الشديد يلمع كالماء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي السراب بالتعريف ( فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله) قال الجوهري منصرف لخفته وإن كان أعجميًّا مثل نوح ولوط لأنه تصغير عزر ( فيقال) لهم ( كذبتم) في كون عزير ابن الله ( لم يكن لله صاحبة ولا ولد) .

قال الكرماني، فإن قلت: إنهم كانوا صادقين في عبادة عزير قلت: كونه ابن الله.
فإن قلت؟ المرجع هو الحكم الموقع لا الحكم المشار إليه فالصدق والكذب راجعان إلى الحكم بالعبادة لا إلى الحكم بكونه ابنًا.
قلت: إن الكذب راجع إلى الحكم بالعبادة المقيدة وهي منتفية في الواقع باعتبار انتفاء قيدها أو هو في حكم القضيتين كأنهم قالوا عزير هو ابن الله ونحن كنا نعبده فكذبهم في القضية الأولى اهـ.

وقال البدر الدماميني: صرح أهل البيان بأن مورد الصدق والكذب هو النسبة التي يتضمنها الخبر فإذا قلت: زيد بن عمرو قائم فالصدق والكذب راجعان إلى القيام لا إلى بنوّة زيد، وهذا الحديث يردّ عليهم، وحاول بعض المتأخرين الجواب بأن قال: يراد كذبتم فى عبادتكم لعزير أو مسيح موصوف بهذه الصفة.

( فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا.
فيقال)
لهم ( اشربوا فيتساقطون في جهنم) وفي تفسير سورة النساء.
فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا فيتساقطون في النار ( ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله.
فيقال: كذبتم)
في كون المسيح ابن الله ( لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريددن؟ فيقولون نريد أن تسقينا فيقال: اشربوا فيتساقطون) زاد أبو ذر في جهنم ( حتى يبقى من كان يعبد الله) عز جل ( من بر أو فاجر.
فيقال)
لهم ( ما يحبسكم) عن الذهاب ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما يجلسكم بالجيم واللام ( وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم) أي الناس الدين زاغوا عن الطاعة في الدنيا ( ونحن أحوج منا إليه اليوم) .

قال البرماوي والعيني كالكرماني أي فارقنا الناس في الدنيا وكنا في ذلك الوقت أحوج منا في هذا اليوم، فكل واحد هو المفضل والمفضل عليه لكن باعتبار زمانين لم نحن فارقنا أقاربنا وأصحابنا ممن كانوا يحتاج إليهم في المعاش لزومًا لطاعتك ومقاطعة لأعدائك أعداء الدين وغرضهم فيه التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة خوفًا من المصاحبة في النار يعني كما لم نكن مصاحبين لهم في الدنيا لا نكون مصاحبين لهم في الآخرة.

( وإنا سمعنا مناديًا ينادي: ليلحق) بالجزم على الأمر ( كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا) زاد في النساء الذي كنا نعبد ( قال: فيأتيهم الجبار) تعالى إتيانًا منزّهًا عن الحركة وسمات الحدوث ( في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة) وقوله في صورة أي علامة وضعها لهم دليلاً على معرفته أو في صفة أو هي صورة الاعتقاد أو خرج على وجه المشاكلة، وقوله غير صورته قيل يشير به إلى ما عرفوه حي أخذ ذرية آدم من صلبه ثم أنساهم ذلك في الدنيا ثم يذكرهم بها في الآخرة ( فيقول: أنا ربكم.
فيقولون: أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول)
: ولأبي ذر فيقال ( هل بينكم وبينه آية) علامة ( تعرفونه) بها؟ ( فيقولون: الساق) بالسين المهملة والقاف، ويحتمل أن الله عرفهم على ألسنة الرسل من الأنبياء أو الملائكة أن الله جعل لهم علامة تجلية الساق وهو كما قال ابن عباس في تفسير { يوم يكشف عن ساق} [القلم: 4] الشدّة من الأمر، والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدّت أو هو النور العظيم كما روي عن أبي موسى الأشعري، أو ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والألطاف كما قال ابن فورك، أو رحمة للمؤمنين نقمة لغيرهم قاله المهلب.
( فيكشف) تعالى ( عن ساقه) وقيل الساق يأتي بمعنى النفس أي تتجلى لهم ذاته المقدسة ( فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء) ليراه الناس ( وسمعة) ليسمعهم ( فيذهب كيما يسجد) .
قال العيني: كي هنا بمنزلة لام التعليل في المعنى والعمل دخلت على ما المصدرية بعدها أن مضمرة تقديره يذهب لأجل السجود.
قال النووي: وهذا السجود امتحان من الله تعالى لعباده ( فيعود ظهره طبقًا واحدًا) كالصحيفة فلا يقدر على السجود ( ثم يؤتى بالجسر) بكسر الجيم في الفرع وتفتح والفتح هو الذي في اليونينية ( فيجعل بين ظهري جهنم) بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء ( قلنا يا رسول الله وما الجسر) ؟ بفتح الجيم في الفرع كأصله ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( مدحضة) بفتح الميم وسكون الدال وفتح الحاء المهملتين والضاد المعجمة المفتوحة ( مزلة) بفتح الميم وكسر الزاي ويجوز فتحها وتشديد اللام والدحض ما يكون عند الزلق والمزلة موضع زلل الأقدام وفي رواية الكشميهني الدحض هو الزلق ليدحضوا بضم التحتية أي ليزلقوا زلقًا لا يثبت فيه قدم ( عليه خطاطيف) جمع خطاف بضم الخاء المعجمة الحديدة المعوجة كالكلوب يختطف بها الشيء ( وكلاليب) جمع كلوب ( وحسكة) بالحاء والسين المهملتين وفتحات نبات مغروس في الأرض ذو شرك ينشبك فيه كل من مرّ به وربما اتخذ مثله من حديد وهو من آلات الحرب ( مفلطحة) بضم الميم وفتح الفاء وسكون اللام وفتح الطاء والحاء المهملتين فهاء تأنيث فيها عرض واتساع وقال الأصمعي واسعة إلا على دقيقة الأسفل ولأبي ذر عن الكشميهني مطحلفة
بتقديم الطاء والحاء على اللام وتأخير الفاء بعد اللام ( لها شوكة عقيفاء) بضم العين المهملة وفتح القاف والفاء بينهما تحتية ساكنة مهموز ممدود معوجة ولأبوي الوقت وذر عقيفة بفتح العين وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الفاء بعدها هاء تأنيث بوزن كريمة ( تكون بنجد يقال لها السعدان) يمرّ ( المؤمن عليها كالطرف) بفتح الطاء وسكون الراء أي كلمح البصر ( وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل) جمع أجواد وأجواد جمع جواد وهي الفرس السابق الجيد ( والركاب) بكسر الراء الإبل واحدتها الراحلة من غير لفظها ( فناج مسلم) بفتح اللام المشدّدة ( وناج مخدوش) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة آخره شين معجمة مخموش ممزق ( ومكدوس) بميم مفتوحة فكاف ساكنة فدال مهملة مضمومة بعدها واو ساكنة فسين مهملة مصروع ( في نار جهنم) .
والحاصل أنهم ثلاثة أقسام: قسم مسلم لا يناله شيء أصلاً، وقسم يخدش ثم يسلم ويخلص، وقسم يسقط في جهنم ( حتى يمر آخرهم) أي آخر الناجين ( يسحب) بضم أوّله وفتح ثالثه ( سحبًا فما أنتم بأشد) خبر ما والخطاب للمؤمنين ( لي مناشدة) نصب على التمييز أي مطالبة ( في الحق) ظرف له ( قد نبين لكم) جملة حالية من أشدّ وقوله ( من المؤمن) صلة أشد ( يومئذٍ للجبار) متعلق بمناشدة ( وإذا) بالواو ولأبي ذر عن الكشميهني فإذا ( رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم) متعلق أيضًا بمناشدة كالجبار.

قال في الكواكب: أي ليس طلبكم مني في الدنيا في شأن حق يكون ظاهرًا لكم أشدّ من طلب المؤمنين من الله في الآخرة من شأن نجاة إخوانهم من النار والغرض شدّة اعتناء المؤمنين بالشفاعة لإخوانهم وجمع الضمير والمؤمن مفرد باعتبار الجمع المراد من لفظ الجنس، ولأبي ذر عن الكشميهني: وبقي إخوانهم.
قال الكرماني: وظاهر السياق يقتضى أن يكون قوله وإذا رأوا بدون الواو، ولكن قوله في إخوانهم مقدم عليه حكمًا وهذا خبر مبتدأ محذوف أي وذلك إذا رأوا نجاة أنفسهم وما بعده استئناف كلام وهو قوله:
( فيقولون) .
وقال العيني الذي يظهر من حل التركيب أن يقولون جواب إذا أي إذا رأوا نجاة أنفسهم يقولون ( ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا) .
وقال الطيبي: هذا بيان لمناشدتهم في الآخرة ( فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه) بقطع الهمزة من النار ( ويحرّم الله) عز وجل ( صورهم على النار) تكريمًا لها للسجود ( فيأتونهم) سقطت فيأتونهم لأبي ذر ( وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون) بضم التحتية وكسر الراء ( من عرفوا) من النار ( ثم يعودون فيقول) الله تعالى ( اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار) فيه أن الإيمان يزيد وينقص ( فأخرجوه) منها ( فيخرجون) منها ( من عرفوا ثم يعودون فيقول) تعالى لهم: ( اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء قيل إن مائة نملة وزن حبة والذرة واحدة منها وقيل الذرة ليس لها وزن ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس ( فأخرجوه فيخرجون من عرفوا) منها.

( قال أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- ( فإن لم تصدقوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإذا
لم تصدقوني ( فاقرؤوا: { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها} [النساء: 40] ) يضاعف ثوابها وأنّث ضمير المثقال لكونه مضافًا إلى مؤنث والتجزئ المذكور هنا شيء زاد على مجرد الإيمان الذي هو التصديق الذي لا يتجزأ فالزائد عليه يكون بعمل صالح كذكر خفي أو عمل من أعمال القلوب من شفقة على مسكين أو خوف منه تعالى أو نيّة صالحة أو غير ذلك ( فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار) تعالى.
قال الحافظ ابن حجر: قرأت في تنقيح الزركشي إن قوله فيقول الله زيادة ضعيفة لأنها غير متصلة قال، وهذا غلط منه فإنها متصلة هنا ثم إن لفظ حديث أبي سعيد هنا ليس كما ساقه الزركشي، وإنما فيه فيقول الجبار ( بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج) تعالى ( أقوامًا) وهم الذين معهم مجرد الإيمان ولم يأذن فيهم بالشفاعة حال كونهم ( قد امتحشوا) بضم الفوقية وكسر المهملة بعدها معجمة احترقوا ( فيلقون) بضم التحتية وسكون اللام وفتح القاف ( في نهر بأفواه الجنة) جمع فوّهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة سمع من العرب على غير قياس وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها والمراد هنا مفتتح مسالك قصور الجنة ( يقال له ماء الحياة) وسقط لأبي ذر لفظ ماء ( فينبتون في حافتيه) تثنية حافة بتخفيف الفاء أي جانبي النهر ( كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة اسم جامع لحبوب البقول ( في حميل السيل) ما يحمله من نحو طين فإذا اتفقت فيه الحبة واستقرت على شط مجرى السيل نبتت في يوم وليلة فشبه به لسرعة نباته وحسنه ( قد رأيتموها إلى جانب الصخرة إلى) ولأبي ذر وإلى ( جانب الشجرة فما كان إلى) جهة ( الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى) جهة ( الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ) بياضًا ونضارة ( فيجعل) بضم التحتية وفتح العين ( في رقابهم الخواتيم) شيء من ذهب أو غيره علامة يعرفون بها ( فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه) في الدنيا ( ولا خير قدموه) فيها بل برحمته تعالى ومجرد الإيمان دون أمر زائد من عمل صالح ( فيقال لهم) إذا نظروا في الجنة إلى أشياء ينتهي إليها بصرهم ( لكم ما رأيتم ومثله معه) .

وفيه: أن جماعة من مذنبي هذه الأم يعذبون بالنار، ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافًا لمن نفى ذلك عن هذه الأمة، وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك وإن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى الساق، وأنها لا تأكل أثر السجود وأنهم يموتون على ما ورد في حديث أبي سعيد بلفظ: يموتون فيها إماتة فيكون عذابهم فيها إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعًا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلاً ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها على أن بعض أهل العلم أول حديث أبي سعيد بأنه ليس المراد أنه يحصل لهم الموت حقيقة، وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم وذلك للرفق أو كنى عن النوم بالموت، وقد سمى الله النوم وفاة.

والحديث سبق في تفسير سورة النساء، لكن باختصار في آخره قال البخاري بالسند إليه.




[ قــ :704 ... غــ : 7440 ]
- وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَىْءٍ لِتَشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا قَالَ: فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، قَالَ: وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِىَ عَنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ثَلاَثَ كَلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ قَتْلَهُ النَّفْسَ وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَرُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، قَالَ: فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِى فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى فَيَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ».
قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ».
قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ».
قَالَ قَتَادَةُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِى النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَىْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ: ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: وَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِى وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».

( وقال حجاج بن منهال) بكسر الميم وهو أحد مشايخ المؤلف ولعله سمعه منه في المذاكرة ونحوها ( حدّثنا همام بن يحيى) بفتح الهاء وتشديد الميم العوذي الحافظ قال: ( حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي ( عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا) بضم أوّله وكسر الهاء ولأبي ذر بفتح الياء وضم
الهاء يحزنوا ( بذلك) الحبس وقول الزركشي هذه الإشارة إلى المذكور بعده وهو حديث الشفاعة، تعقبه في المصابيح فقال: هو تكلف لا داعي له، والظاهر أن الإشارة راجعة إلى الحبس المذكور بقوله يحبس المؤمنون حتى يهموا ( فيقولون: لو استشفعنا) لو طلبنا من يشفع لنا ( إلى ربنا فيريحنا من مكاننا) برفع فيريحنا في الفرع.
وقال الدماميني بالنصب لوقوعه في جواب التمني المدلول عليه بلو أي ليت لنا استشفاعًا فإراحة فيخلصنا مما نحن فيه من الحبس والكرب ( فيأتون آدم) عليه السلام ( فيقولون) له ( أنت آدم) من باب قوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري
وهو مبهم فيه معنى الكمال لا يعلم ما يراد منه ففسره بقوله: ( أبو الناس خلقك الله بيده) زيادة في الخصوصية والله تعالى منزه عن الجارحة ( وأسكنت جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء) وضع شيء موضع أشياء أي المسميات إرادة للتقصي واحدًا فواحدًا حتى يستغرق المسميات كلها ( لتشفع) بلام الطلب ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي اشفع ( لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا قال فيقول) لهم: ( لست هناكم) أي لست في مقام الشفاعة ( قال: ويذكر خطيئته التي أصاب) والراجع إلى الموصول محذوف أي التي أصابها ( أكله من الشجرة) بنصب أكله بدلاً من خطيئته ويجوز أن يكون بيانًا للضمير المبهم المحذوف نحو قوله تعالى: { فقضاهن سبع سماوات} [فصّلت: 1] ( وقد نهى عنها ولكن ائتوا نوحًا أول نبي بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض) الموجودين بعد الطوفان ( فيأتون نوحًا) فيسألونه ( فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم) يشير إلى قوله: { رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق} [هود: 45] ( ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن قال: فيأتون إبراهيم) عليه السلام ( فيقول: إني لست هناكم ويذكر ثلاث كلمات) ولأبي ذر عن الكشميهني كذبات بفتحات ( كذبهن) إحداها قوله: { إني سقيم} [الصافات: 89] والأخرى { بل فعله كبيرهم} ٌ [الأنبياء: 63] والثالثة قوله لسارة: { هي أختي} والحق أنها معاريض لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها ومن كان أعرف فهو أخوف ( ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيًّا) مناجيًا ( قال فيأتون موسى) عليه السلام ( فيقول: إني لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس، ولكن ائتوا عيسى) عليه السلام ( عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته) التي ألقاها إلى مريم ( قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم ولكن ائتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبدًا غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر) .
وإنما لم يلهموا إتيان نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسؤاله في الابتداء إظهارًا لشرفه وفضله فإنهم لو سألوه ابتداء لاحتمل أن غيره يقوم بذلك ففي ذلك دلالة على تفضيله على جميع المخلوقين زاده الله تشريفًا وتكريمًا قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( فيأتون) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي فيأتونني ( فأستأذن) في الدخول ( على ربي في داره) أي جنته التي اتخذها لأوليائه والإضافة للتشريف وقال في المصابيح أي أستأذن ربي في حال كوني فى جنته فأضاف الدار إليه تشريفًا ( فيؤذن لي عليه فإذا رأيته) تعالى ( وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني) وفي مسند أحمد أن
هذه السجدة مقدار جمعة من جمع الدنيا ( فيقول) تعالى: ( ارفع محمد) رأسك ( وقل يسمع) لقولك ( واشفع تشفع) أي تقبل شفاعتك ( وسل تعط) سؤالك ( قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فارفع رأسي) من السجود ( فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلّمنيه) عز وجل.
قال: ( ثم أشفع فيحد لي حدًّا) أي فيعين لي طائفة معينة ( فأخرج) من داره ( فأدخلهم الجنة) .
بعد أن أخرجهم من النار.

( قال قتادة) بن دعامة بالسند السابق ( و) قد ( سمعته أيضًا) أي أنسًا ( يقول: فأخرج) من داره ( فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة) بضم الهمزة فيهما ( ثم أعود فأستأذن) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي ثم أعود الثانية فأستأذن ( على ربي في داره) الجنة ( فيؤذن لي عليه فإذا رأيته) تعالى ( وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول) تعالى ( ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه) بهاء السكت في هذه دون الأولى لكن الذي في اليونينية بإسقاط الهاء فيهما ( قال: فأرفع رأسي على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه قال ثم أشفع فيحد لي حدًّا فأخرج) بفتح الهمزة ( فأدخلهم الجنة.
قال قتادة)
بالسند ( وسمعته) أي أنسًا، وللكشميهني: أيضًا ( يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلّمنيه قال ثم أشفع فيحد لي حدًّا فأخرج فأدخلهم الجنة.
قال قتادة: وقد سمعته)
أي سمعت أنسًا زاد الكشميهني أيضًا ( يقول: فأخرج) بفتح الهمزة ( فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود) بنص القرآن وهم الكفار.
( قال: ثم تلا الآية) ولأبي ذر عن الكشميهني هذه الآية ( { عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده) بضم الواو وكسر العين ( نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

وهذا الحديث وقع هنا معلقًا ووصله الإسماعيلي من طريق إسحاق بن إبراهيم وأبو نعيم من طريق محمد بن أسلم الطوسي قالا: حدّثنا حجاج بن منهال فذكره بطوله، وساقوا الحديث كله إلا أبا ذر فقال بعد قوله حتى يهموا بذلك، وذكر الحديث بطوله وعنده يهموا بفتح التحتية وضم الهاء وساق النسفي منه إلى قوله: خلقك الله بيده ثم قال: فذكر الحديث وثبت من قوله فيقولون لو استشفعنا إلى آخر قوله: المحمود الذي وعده نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمستملي والكشميهني.




[ قــ :7043 ... غــ : 7441 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِى عَمِّى حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِى قُبَّةٍ.

     وَقَالَ  لَهُمُ: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّى عَلَى الْحَوْضِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبيد الله) بضم العين ( ابن سعد بن إبراهيم) بسكونها قال: ( حدّثني) بالإفراد ( عمي) يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: ( حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه ( قال: حدّثني)
بالإفراد ( أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أفاء الله عليه ما أفاء من أموال هوازن طفق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي رجالاً من قريش وبلغه قول الأنصار يعطيهم ويدعنا ( أرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة وقال لهم: اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله) أي حتى تموتوا ( فإني على الحوض) وفيه ردّ على المعتزلة في إنكارهم الحوض وفي أوائل الفتن من رواية أنس عن أسيد بن الحضير في قصة فيها فسترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، والغرض من الحديث هنا قوله حتى تلقوا الله فإنها زيادة لم تقع في بقية الطرق.
قاله الحافظ ابن حجر.




[ قــ :7044 ... غــ : 744 ]
- حَدَّثَنِى ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ وَبِكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ قَيَّامٌ.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ الْقَيُّومُ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ، وَقَرَأَ عُمَرُ الْقَيَّامُ وَكِلاَهُمَا مَدْحٌ.

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، حدّثنا ( ثابت بن محمد) بالمثلثة والموحدة أبو إسماعيل العابد الكوفي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( عن سليمان الأحول) بن أبي مسلم المكي ( عن طاوس) أبي عبد الرحمن بن كيسان ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا تهجد من الليل قال) :
( اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض) الذي يقوم بحفظهما وحفظ من أحاطتا به واشتملتا عليه تؤتي كلامًا به قوامه وتقوم على كل شيء من خلقك بما تراه من التدبير ( ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن) فهو رب كل شيء ومليكه وكافله ومغذيه ومصلحه العوّاد عليه بنعمه ( ولك الحمد أنت نور السنوات والأرض ومن فيهن) أي منوّر ذلك.
والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان منه تسبب فهو بمعنى اسمه الهادي لأنه يهدي بالنور الظاهر الأبصار إلى المبصرات الظاهرة ويهدي بالنور الباطن البصائر الباطنة إلى المعارف الباطنة فهو إذًا منوّر السماوات والأرض وهو النور الذي أنار كل شيء ظاهرًا وباطنًا وإذا كان هو النور لأن منه النور وبالنور نور البصائر وأنار الآفاق والأقطار فهو صفة فعل ( أنت الحق) المتحقق وجوده ( وقولك الحق) أي مدلوله ثابت ( ووعدك الحق) لا يدخله خلف ولا شك في وقوعه ( ولقاؤك الحق) أي رؤيتك في الآخرة حيث لا مانع ( والجنة حق والنار حق) كلٌّ منهما موجود ( والساعة) أي قيامها ( حق اللهم لك أسلمت) أي انقدت لأمرك ونهيك ( وبك آمنت) أي صدقت بك وبما
أنزلت ( وعليك توكلت) أي فوّضت أمري إليك ( وإليك خاصمت) من خاصمني من الكفار ( وبك) وبما آتيتني من البراهين والحجج ( حاكمت) من خاصمني من الكفار ( فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وأسررت وأعلنت وما أنت أعلم به مني لا إله إلا أنت) .
قاله تواضعًا وإجلالاً لله تعالى وتعليمًا لأمته.

( قال أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري ( قال قيس بن سعد) وسقط لأبي ذر قال أبو عبد الله وأثبت الواو في قوله وقال قيس بن سعد بسكون العين المكيّ الحنظليّ فيما وصله مسلم وأبو داود ( وأبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس القرشي الأسدي مما وصله مالك في موطئه ( عن طاوس قيام) بفتح التحتية المشددة فألف بوزن فعال بالتشديد صيغة مبالغة.

( وقال مجاهد) المفسر فيما وصله الفريابي ( القيوم) هو ( القائم على كل شيء) وقال في شرح المشكاة القيوم فيعول للمبالغة كالديور والديوم ومعناه القائم بنفسه المقيم لغيره وهو على الإطلاق والعموم لا يصح إلا لله، فإن قوامه بذاته لا يتوقف بوجه ما على غيره وقوام كل شيء به إذ لا يتصوّر للأشياء وجود ودوام إلا بوجوده فمن عرف أنه القيوم بالأمور واستراح عن كدّ التدبير وتعب الاشتغال وعاش براحة التفويض فلم يضنّ بكريمة، ولم يجعل في قلبه للدنيا كثرة قيمة.

( وقرأ عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ( القيام) من قوله: { الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم} [البقرة: 55] بوزن فعال بالتشديد ( وكلاهما) أي القيوم والقيام ( مدح) لأنهما من صيغ المبالغة ولا يستعملان في غير المدح بخلاف القيم فإنه يستعمل في الذّم أيضًا.




[ قــ :7045 ... غــ : 7443 ]
- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِى الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلاَ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ».

وبه قال: ( حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: ( حدّثني) بالإفراد ( الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي ( عن خيثمة) بخاء معجمة مفتوحة وبعد التحتية الساكنة مثلثة ابن عبد الرحمن الجعفي ( عن عدي بن حاتم) بالحاء المهملة والفوقية الطائي -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما منكم) خطاب للصحابة والمراد العموم ( من أحد إلا سيكلمه ربه) عز وجل ( ليس بينه وبينه ترجمان) بفتح الفوقية وضم الجيم أو ضمهما يترجم عنه ( ولا حجاب يحجبه) عن رؤية ربه تعالى، والمراد بالحجاب نفي المانع من الرؤية لأن من شأن الحجاب المنع من الوصول إلى المراد فاستعير نفيه لعدم المنع، وكثير من أحاديث الصفات تخرّج على الاستعارة التخييلية وهي أن يشترك شيئان في وصف، ثم يعتمد لوازم أحدهما بحيث تكون جهة الاشتراك وصفًا فيثبت كماله في
المستعار بواسطة شيء آخر فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في إثبات المشترك وبالحمل على هذه الاستعارة التخييلية يحصل التخلص من مهاوي التجيم، ويحتمل أن يراد بالحجاب استعارة محسوس لمعقول لأن الحجاب حسي والمنع عقلي والله تعالى منزه عما يحجبه فالمراد بالحجاب منعه أبصار خلقه وبصائرهم بما شاء كيف شاء فإذا شاء كشف ذلك عنهم اهـ.
ملخصًا مما حكاه في الفتح عن الحافظ الصلاح العلائي.

والحديث سبق في الرقاق.