فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في قول الله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين}

باب مَا جَاءَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]
( باب ما جاء في قول الله تعالى: { إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56] ) ذكر قريب على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم أو لأنه صفة موصوف محذوف أي شيء قريب أو على تشبيهه بفعيل الذي بمعنى مفعول أو للإضافة إلى المذكر والرحمة في اللغة رقة قلب وانعطاف تقتضي التفضيل والإنعام على من رق له وأسماء الله تعالى وصفاته إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات فرحمة الله على العباد إما إرادة الإنعام عليهم ودفع الضرر عنهم فتكون صفة ذات أو نفس الإنعام والدفع فتعود إلى صفة الأفعال.


[ قــ :7050 ... غــ : 7448 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْضِى فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا فَأَرْسَلَ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فَأَقْسَمَتْ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُمْتُ مَعَهُ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَلَمَّا دَخَلْنَا نَاوَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّبِىَّ وَنَفْسُهُ تَقَلْقَلُ فِى صَدْرِهِ حَسِبْتُهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنَّةٌ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَتَبْكِى فَقَالَ: «إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ».

وبه قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: ( حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي قال: ( حدّثنا عاصم) الأحول بن سليمان أبو عبد الرحمن البصري ( عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي ( عن أسامة) بن زيد بن حارثة أنه ( قال: كان ابن) وفي النذور بنت ( لبعض بنات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي زينب كما عند ابن أبي شيبة وابن بشكوال ( يقتضي) بفتح أوّله وسكون القاف بعدها ضاد معجمة أي يموت والمراد أنه كان في النزع وللكشميهنى يفضي بضم أوّله بعده فاء ( فأرسلت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أن يأتيها فأرسل) عليه الصلاة والسلام إليها ( إن لله ما أخذ ولله ما أعطى) أي الذي أخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له ( وكل إلى أجل مسمى) مقدر مؤجل ( فلتصبر ولتحتسب) أي تنوي بصبرها طلب الثواب ليحسب لها ذلك من عملها الصالح فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك ( فأرسلت إليه فأقسمت عليه) ليأتيها قال أسامة ( فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقمت معه ومعاذ بن جبل) ولأبي ذر عن الكشميهني وقمت ومعه معاذ بن جبل ( وأبيّ بن كعب وعبادة بن الصامت) زاد في الجنائز ورجال ( فلما دخلنا ناولوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الصبي)
أو الصبية ( ونفسه) أو نفسها ( تقلقل) بضم أوله وفتح القافين تضطرب ( في صدره) أو صدرها ( حسبته قال كأنها) أي نفسه ( شنة) بفتح الشين المعجمة والنون المشدّدة قربة يابسة ( فبكى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد بن عبادة: أتبكي) يا رسول الله وزاد أبو نعيم وتنهى عن البكاء ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( إنما يرحم الله) وفي الجنائز هذه جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله ( من عباده الرحماء) جمع رحيم كالكرماء جمع كريم وهو من صيغ المبالغة.

وسبق الحديث في الجنائز والطب والنذور.




[ قــ :7051 ... غــ : 7449 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبِّهِمَا فَقَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ مَا لَهَا لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ.

     وَقَالَ تِ النَّارُ يَعْنِى أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِى،.

     وَقَالَ  لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِى أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا قَالَ: فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ فَيُلْقَوْنَ فِيهَا فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثَلاَثًا حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ».

وبه قال: ( حدّثنا عبيد الله) بضم العين ( ابن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني قال: ( حدّثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: ( حدّثنا أبي) إبراهيم ( عن صالح بن كيسان) مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( اختصمت الجنة والنار إلى ربهما) تعالى مجازًا عن حالهما المشابه للخصومة أو حقيقة بأن خلق الله تعالى فيهما الحياة والنطق.
وقال أبو العباس القرطبي: يجوز أن يخلق الله ذلك القول فيما شاء من أجزاء الجنة والنار لأنه لا يشترط عقلاً في الأصوات أن يكون محلها حيًّا على الراجح، ولو سلمنا الشرط لجاز أن يخلق الله في بعض أجزائها الجمادية حياة لا سيما، وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: { إن الدار الآخرة لهي الحيوان} [العنكبوت: 64] إن كل ما في الجنة حي، ويحتمل أن يكون ذلك بلسان الحال والأوّل أولى واختصامهما هو افتخار إحداهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار أنها بمن ألقي فيها من عظماء الدنيا آثر عند الله من الجنة وتظن الجنة أنها بمن يسكنها من أولياء الله تعالى آثر عند الله ( فقالت الجنة: يا رب ما لها) مقتضى الظاهر أن تقول ما لي ولكنه على طريق الالتفات ( لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم) بفتح السين والطاء الضعفاء الساقطون من أعين الناس لتواضعهم لربهم تعالى وذلتهم له ( وقالت النار يعني
أوثرت)
بضم الهمزة وسكون الواو والراء بينهما مثلثة اختصصت ( بالمتكبرين) المتعظمين بما ليس فيهم ( فقال الله تعالى) مجيبًا لهما بأنه لا فضل لإحداكما على الأخرى من طريق من يسكنكما وفي كلاهما شائبة شكاية إلى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة منهما إلا ما اختصت به وقد ردّ الله ذلك إلى مشيئته فقال تعالى ( للجنة أنت رحمتي) زاد في سورة ق: أرحم بك من أشاء من عبادي وإنما سماها رحمة لأن بها تظهر رحمته تعالى ( وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء) وفي تفسير سورة ق: إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي ( ولكل واحدة منكما ملؤها) بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة ( قال: فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدًا وإنه ينشئ للنار من يشاء) من خلقه ( فيلقون فيها) لأن لله تعالى أن يعذب من لم يكلفه بعبادته في الدنيا لأن كل شيء ملكه فلو عذبهم لكان غير ظالم لهم لا يسأل عما يفعل ( فتقول هل من مزيد ثلاثًا حتى يضع) الرب تعالى ( فيها قدمه) من قدمه لها من أهل العذاب أو ثمة مخلوق اسمه القدم أو هو عبارة عن زجرها وتسكينها كما يقال جعلته تحت رجلي ووضعته تحت قدمي ( فتمتلئ وبرد) بضم التحتية وفتح الراء ( بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط) .
بالتكرار ثلاثًا للتأكيد مع فتح القاف وسكون الطاء مخففة فيها أي حسبي.

وهذا الحديث قد سبق في تفسير سورة ق بخلاف هذه الرواية التي هنا فإنه قال هناك، وأما النار فتمتلئ ولا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا، وكذا في صحيح مسلم.
وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا فقال جماعة إن الذي ورد هنا من المقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط محتجًّا بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه، وكذا أنكرها البلقيني واحتج بقوله: { ولا يظلم ربك أحدًا} [الكهف: 49] وقال أبو الحسن القابسي المعروف أن الله ينشئ للجنة خلقًا قال ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقًا إلا هذا اهـ.

واحتج بأن تعذيب الله غير العاصي لا يليق بكرمه بخلاف الإنعام على غير المطيع، وقال البلقيني: حمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب بغير ذنب.
قال في الفتح: ويمكن التزام أن يكونوا من ذوي الأرواح لكن لا يعذبون كما في الخزنة، ويحتمل أن يراد بالإنشاء ابتداء إدخال الكفار النار، وعبّر عن ابتداء الإدخال بالإنشاء فهو إنشاء الإدخال لا الإنشاء الذي بمعنى ابتداء الخلق بدليل قوله فيلقون فيها وتقول هل من مزيد.
وقال في الكواكب: لا محذور في تعذيب الله من لا ذنب له إذ القاعدة القائلة بالحسن والقبح العقليين باطلة فلو عذبه لكان عدلاً والإنشاء للجنة لا ينافي الإنشاء للنار والله يفعل ما يشاء فلا حاجة إلى الحمل على الوهم والله أعلم.




[ قــ :705 ... غــ : 7450 ]
- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجَهَنَّمِيُّونَ».

وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين ابن الحارث بن سخبرة الأزدي الحوضي قال: ( حدّثنا هشام) الدستوائي ( عن قتادة) بن دعامة السدوسي ( عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي) ولأبوي الوقت وذر أن النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( ليصيبن أقوامًا) من العصاة واللام للتأكيد كالنون الثقيلة وأقوامًا نصب مفعول ( سفع) بفتح السين المهملة وسكون الفاء بعدها عين مهملة أثر تغير البشرة ليبقى فيها بعض سواد ( من النار) .
وقال الكرماني اللفح واللهب.
قال العيني: وهو تفسير الشيء بما هو أخفى منه.
قال: واللفح بفتح اللام وسكون الفاء وبالحاء المهملة حرّ النار ووهجها، وفي النهاية السفع علامة تغير ألوانهم من أثر النار ( بذنوب) بسبب ذنوب ( أصابوها عقوبة) لهم ( ثم يدخلهم الله) عز وجل ( الجنة بفضل رحمته) إياهم ( يقال لهم الجهنميون.
وقال همام)
بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى مما سبق موصولاً في كتاب الرقاق ( حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: ( حدّثنا أنس) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله عن النبي الخ لأبي ذر، ومراده بسياق هذا التعليق أن العنعنة في الطريق السابق محمولة على السماع بدليل هذا السياق والله الموفق وبه المستعان.