فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {أنزله بعلمه والملائكة يشهدون} [النساء: 166]

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: 166]
قَالَ مُجَاهِدٌ: { يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَرْضِ السَّابِعَةِ.

( باب قول الله تعالى: { أنزله بعلمه} ) أي أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه أو أنزله بما علم من مصالح العباد وفيه نفي قول المعتزلة في إنكار الصفات فإنه أثبت لنفسه العلم ( { والملائكة يشهدون} [النساء: 166] ) لك بالنبوّة.
قال ابن بطال: المراد بالإنزال إفهام العباد معاني الفروض وليس إنزاله نزال الأجسام المخلوقة لأن القرآن ليس بجسم ولا مخلوق.

( وقال مجاهد) : هو ابن جبر المفسر في قوله تعالى: ( { يتنزل الأمر بينهن} بين السماء السابعة والأرض السابعة) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني من السماء وهذا وصله الفريابي.


[ قــ :7090 ... غــ : 7488 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِىُّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا فُلاَنُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِى إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِى لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا».

وبه قال: ( حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء والصاد المهملتين سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي قال: ( حدّثنا أبو إسحاق) عمرو السبيعي ( الهمداني) بسكون الميم بعدها مهملة ( عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يا فلان) يريد البراء بن عازب ( إذا أويت) بالقصر ( إلى فراشك) أي مضجعك لتنام ( فقل) بعد أن تنام على شقك الأيمن ( اللهم أسلمت نفسي) ذاتي ( إليك ووجهت وجهي) أي قصدي ( إليك وفوّضت أمري) أي رددته ( إليك) إذ لا قدرة لي ولا تدبير على جلب نفع ولا دفع ضرّ فأمري مفوّض إليك ( وألجأت ظهري) أي أسندته ( إليك) كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده إليه ( رغبة) في ثوابك ( ورهبة إليك) خوفًا من عقابك ( لا ملجأ) بالهمز واللام ( ولا منجى) بالنون من غير همز ( منك إلا إليك) أي لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجى إلا إليك ( آمنت) صدقت ( بكتابك) القرآن ( الذي أنزلت) أي أنزلته على رسولك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والإيمان بالقرآن يتضمن الإيمان بجميع كتب الله ( وبنبيك الذي أرسلت) بحذف ضمير المفعول أي الذي أرسلته ( فإنك إن متّ في) ولأبي ذر من ( ليلتك متّ على الفطرة) الإسلامية أو الدين القويم ملة إبراهيم ( وإن أصبحت أصبت أجرًا) بالجيم الساكنة بعد الهمزة أي أجرًا عظيمًا فالتنكير للتعظيم ولأبي ذر عن الكشميهني خيرًا بالخاء المعجمة بعدها تحتية ساكنة بدل أجرًا.

والحديث سبق آخر الوضوء وفي الدعوات في باب استحباب النوم على الشق الأيمن.




[ قــ :7091 ... غــ : 7489 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الأَحْزَابَ وَزَلْزِلْ بِهِمْ».

زَادَ الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى خَالِدٍ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ ( عن عبد الله بن أبي أوفى) -رضي الله عنه- أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الأحزاب) يوم اجتمع قبائل العرب على مقاتلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو عليهم:
( اللهم) يا ( منزل الكتاب) القرآن ( يا سريع) زمان ( الحساب) أو سريعًا في الحساب ( اهزم
الأحزاب وزلزل بهم)
ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي وزلزلهم فلا يثبتون عند اللقاء بل تطيش عقولهم ( زاد الحميدي) عبد الله بن الزبير فقال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا خالد بن أي خالد) إسماعيل قال: ( سمعت عبد الله) بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: ( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وغرضه بسياق هذه الزيادة التصريح في رواية سفيان بالتحديث والتصريح بالسماع وفي رواية ابن أبي خالد وبالسماع في رواية ابن أبي أوفى بخلاف رواية قتيبة فإنها بالعنعنة.

والحديث سبق في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة من كتاب الجهاد.




[ قــ :709 ... غــ : 7490 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] ، قَالَ: أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ فَكَانَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ فَسَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} لاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ حَتَّى يَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلاَ تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} أَسْمِعْهُمْ وَلاَ تَجْهَرْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرْآنَ.

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ أبو الحسن (عن هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير مصغرًا كأبيه أبو معاوية السلمي حافظ بغداد (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس البصري (عن سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الوالبي مولاهم أحد الأعلام (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] ، قال: أنزلت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متوارٍ) وفي سورة الإسراء متخفٍّ (بمكة) أي في أول الإسلام (فكان إذا) صلّى بأصحابه (رفع صوته) بالقرآن و (سمع المشركون) قراءته (فسبوا القرآن ومَن أنزله) جبريل (ومَن جاء به) صلوات الله وسلامه عليه (وقال تعالى: {ولا تجهر}) ولأبي ذر والأصيلي فقال الله: ({ولا تجهر بصلاتك} فيه حذف مضاف أي بقراءة صلاتك ({ولا تخافت}) لا تخفض صوتك ({بها}) أي (لا تجهر بصلاتك) بقراءتها وسقط لأبي ذر والأصيلي ولا تخافت بها، ولأبي ذر وحده لا تجهر بصلاتك (حتى يسمع المشركون) فيسبوا واستشكل بأن القياس أن يقال حتى لا يسمع المشركون.
وأجاب في الكواكب بأنه غاية للمنهي لا للنهي ({ولا تخافت بها} عن أصحابك فلا تسمعهم) برفع العين ({وابتغ}) اطلب ({بين ذلك سبيلاً}) وسطًا بين الأمرين لا الإفراط ولا التفريط.
(أسمعهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن).

قال الحافظ أبو ذر: فيه تقديم وتأخير تقديره أسمعهم حتى يأخذوا عنك القرآن ولا تجهر، والمراد من الحديث قوله: أنزلت والآيات المصرحة بلفظ الإنزال والتنزيل في القرآن كثيرة والفرق بينهما في وصف القرآن والملائكة كما قال الراغب: إن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إلى
إنزاله متفرقًا مرة بعد أخرى والإنزال أعمّ من ذلك ومنه قوله تعالى: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] فعبّر بالإنزال دون التنزيل لأن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك شيئًا فشيئًا ومن الثاني قوله تعالى: ({وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزّلناه تنزيلاً} [الإسراء: 106] ويؤيد التفصيل قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل} [النساء: 136] فإن المراد بالكتاب الأول القرآن وبالثاني ما عداه، والقرآن نزل نجومًا إلى الأرض بحسب الوقائع بخلاف غيره من الكتب، لكن يرد على التفصيل المذكور قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} [الفرقان: 3] وأجيب: بأنه أطلق نزل موضع أنزل قال: ولولا هذا التأويل لكان متدافعًا لقوله جملة واحدة وهذا بناه على القول بأن نزل المشدد يقتضي التفريق فاحتاج إلى ادّعاء ما ذكر وإلاّ فقد قال غيره إن التضعيف لا يستلزم حقيقة التكثير بل يرد للتعظيم وهو في حكم التكثير يعني فبهذا يندفع الإشكال اهـ.
من كتاب فتح الباري وسقط لأبي ذر والأصيلي من قوله: {ولا تخافت بها} إلى قوله: {ولا تجهر بصلاتك}.

وسبق الحديث آخر سورة الإسراء.