فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] و

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} [الرحمن: 29] { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وَأَنَّ حَدَثَهُ لاَ يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .

     وَقَالَ  ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لاَ تَكَلَّمُوا فِى الصَّلاَةِ.

( باب قول الله تعالى: { كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] ) أي كل وقت وحين يحدث أمورًا ويجدد أحوالاً كما روي مما سبق معلقًا عن أبي الدرداء قال: كل يوم هو في شأن يغفر ذنبًا ويكشف كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين، وعن ابن عيينة الدهر عند الله يومان أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع والآخر يوم القيامة فشأنه فيه الحساب والجزاء واستشكل بأنه قد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأجيب: بأنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها.

( { و} ) قوله تعالى: ( { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [الأنبياء: 2] ) ذكر الله تعالى ذلك بيانًا لكونهم معرضين في قوله وهم في غفلة معرضون وذلك أن الله تعالى يجدد لهم الذكر كل وقت ويظهر لهم الآية بعد الآية والسورة بعد السورة ليكرر على أسماعهم الموعظة لعلهم يتعظون فما يزيدهم ذلك إلا استخسارًا فمعنى محدث هو أن يحدث الله الأمر بعد الأمر أو محدث في التنزيل فالإحداث بالنسبة للإنزال وأما المنزل فقديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة فالمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث لانتظامه من الحروف الحادثة فلا تمسك للمعتزلة بهذه الآية على حدوث القرآن، ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا هو وعظ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحذيره إياهم عن معاصي الله فسمي وعظه ذكرًا وأضافه إليه تعالى لأنه فاعله في الحقيقة ومقدر رسوله على اكتسابه.

( وقوله تعالى: { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا} [الطلاق: 1] وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] ) لعل مراده أن المحدث غير المخلوق كما هو رأي البلخي وأتباعه وقد تقرر أن صفات الله تعالى إما سلبية وتسمى بالتنزيهات وإما وجودية حقيقة كالعلم والإرادة والقدرة وأنها قديمة لا مُحالة وإما إضافية كالخلق والرزق وهي حادثة ولا يلزم من حدوثها تغير في ذات الله وصفاته التي هي بالحقيقة صفات له كما أن تعلق العلم وتعلق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادثان وكذا كل صفة فعلية له.

( وقال ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) .
أخرجه أبو داود موصولاً مطوّلاً ومراد المؤلف من سياقه هنا الإعلام بجواز الإطلاق على الله تعالى بأنه محدث بكسر الدال لكن إحداثه لا يشبه إحداث المخلوقين تعالى الله.


[ قــ :7124 ... غــ : 7522 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ تَقْرَؤُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا حاتم بن وردان) بالحاء المهملة
وفتح واو وردان وسكون رائه المصري قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدًا بالله) عز وجل أي أقربها نزولاً إليكم وإخبارًا عن الله تعالى، وفي اللفظ الآخر أحدث الكتب وهو أليق بالمراد هنا من أقرب ولكنه على عادة المؤلف في تشحيذ الأذهان ( تقرؤونه محضًا لم يشب) .
بضم التحتية وفتح المعجمة لم يخلط بغيره كما خلط اليهود التوراة وحرّفوها.




[ قــ :715 ... غــ : 753 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَىْءٍ وَكِتَابُكُمُ الَّذِى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللَّهِ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ؟ وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَغَيَّرُوا، فَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ قَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلاً أَوَ لاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ، عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ فَلاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلاً مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود ( أن عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- ( قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدث الأخبار بالله) عز وجل لفظًا أو نزولاً أو إخبارًا من الله تعالى ( محضًا لم يشب) لم يخالطه غيره ( وقد حدّثكم الله) عز وجل في كتابه ( أن أهل الكتاب قد بدّلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم) زاد أبو ذر الكتب يشير إلى قوله تعالى: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} إلى { يكسبون} [البقرة: 79] ( وقالوا: هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمنًا قليلاً) عوضًا يسيرًا ( أو لا) بفتح الواو ( ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم) وإسناد المجيء إلى العلم مجاز كإسناد النهي إليه ( فلا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم) وللمستملي إليكم فلم تسألون أنتم منهم مع علمكم أن كتابهم محرّف والحديث وسابقه موقوفان.