بطاقة كتاب : صحيح مسلم

البيان

الاسم بالكامل :

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

اسم الشهرة :

صحيح مسلم

البيان

اسمه بالكامل :

مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري.

عمره أو تاريخ وفاته :

(204 - 261هـ ، 820 - 875م) .

ترجمته :

اسمه ، ونسبه :
مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري.
سير أعلام النبلاء 12/558 والقشيري :
بضم القاف وفتح الشين المعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفي آخرها راء هذه النسبة إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قبيلة كبيرة ينسب إليها كثير من العلماء منهم .. الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري .
الأنساب لأبي سعد السمعاني 4/501 واللباب في تهذيب الأنساب لعز الدين بن الأثير3/37 .

وهل هو من أنفسهم أو مولى ؟ ظاهر صنيع السمعاني وابن الأثير أنه من أنفسهم ، وقال ابن الصلاح في المقدمة ص160:
من أنفسهم ، وقال في صيانة صحيح مسلم ص1215:
القشيري النسب ...
عربي صليبة .
ووافقه النووي في شرح مسلم 1/122، و تهذيب الأسماء 2 /395 .
وقال التجيبي في برنامجه ص 93 :
أخبرنا العلامة النسابة شرف الدين أبو محمد التوني ـ أعجوبة زمانه في حفظ الأنساب ـ [عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ت705هـ] بقراءتي عليه في بعض تخاريجه ، ومجموعاته إثر حديث وقع له مصافحة لمسلم ـ رحمه الله ـ قال فيه :
لكأني شافهت فيه الإمام الناقد أبا الحسين مسلم بن الحجاج المضري القيسي الهوازني العامري القشيري مولى قشير بن كعب أخو عقيل بن كعب .. الخ.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/558 :
فلعله من موالي قشير .
اهـ.
قلتُ:
لعل الإمام الذهبي تلقاه عن شيخه أبي محمد بن خلف الدمياطي ، ولم يجزم به لكونه لم يره لغيره ، ولذا لم يذكره في بقية كتبه ، وهذا الذي ذكره العلامة الدمياطي ـ رحمه الله ـ غريب ، وهو ، وإن كان علامة في الأنساب ، وله خبرة بها إلا أن ما ذكره لم يذكره من تقدمه من العلماء ممن هم أخبر بالرجل منه ، وأقرب زمانا ، ومكانا ، وقد نسبوه لبني قشير ، ولم يشيروا لكونه مولى .
وعلى قول الدمياطي أيضا :
هو عربي أصيل ، فالله أعلم.
والنيسابوري نسبة إلى بَلَدِه نيسابور من مدن خراسان .
قال ياقوت في معجم البلدان 5/331:
مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة معدن الفضلاء ، ومنبع العلماء لم أر فيما طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها .
اهـ.
وفي الإرشاد للخليلي 2/802:
"نيسابور" قال هلال بن العلاء الرقي:
شجرة العلم أصلها بالحجاز ، ونقل ورقها إلى العراق ، وثمرها إلى خراسان.
اهـ.
وكل من رأيته ترجم لمسلم لا يجاوز في عد آبائه جده :
كوشاذ ، بل كثير منهم لم يذكر إلا جده مسلما ، ولم أر من زاد على هذه التسمية .

كنيته ، ولقبه :
كنيته أبو الحسين ، ولم أجد له لقبا .

مولده :
اختلف أهل العلم في مولده :
القول الأول:
قال الذهبي في العبر 2/23:
إنه مات وله ستون سنة .
فعليه تكون ولادته عام 201هـ ، لأنه لا خلاف أنه توفي عام 261هـ ، وأظن أن هذا القول من العلامة الذهبي تخمينا ، لأنه ـ رحمه الله ـ قال في سير أعلام النبلاء 12/580 :
توفي عن بضع وخمسون .
اهـ.
وأما في تذكرة الحفاظ 2/590 :
فقال :
يقال:
إنه ولد سنة 204 هـ .
وبه جزم الحافظ ابن كثير في البداية 11/34-35 ـ في وفيات سنة 261هـ ـ قال :
وكان مولده في السنة التي توفي فيها الشافعي ، وهي سنة أربع ومائتين ، فكان عمره سبعا وخمسين سنة .
وكذا قال ابن حجر في تقريب التهذيب ص529 :
مات سنة إحدى وستين ، وله سبع وخمسون سنة.
وهذا القول الثاني.
والقول الثالث:
قال ابن الصلاح في صيانة مسلم ص1216 :
مات مسلم ـ رحمه الله ـ سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور ، وهذا مشهور لكن تاريخ مولده ، ومقدار عمره كثيرا ما تطلب الطلاب علمه ، فلا يجدونه ، وقد وجدناه ـ ولله الحمد ـ فذكر الحاكم أبو عبد الله ابن البيع الحافظ في كتاب "المزكين لرواة الأخبار" أنه سمع أبا عبد الله ابن الأخرم الحافظ يقول:
توفي مسلم بن الحجاج رحمه الله عشية يوم الأحد ، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وهذا يتضمن أن مولده كان في سنة ست ومائتين ، والله أعلم.
وعنه النووي في شرح مسلم 1/123 .
فهذه ثلاثة أقول أضعفها الأول ، أقواها الثالث لأن ابن الأخرم من أئمة هذا الشأن ، وله عناية بمسلم ، وذهب أكثر عمره في جمع المستخرج على مسلم ، وهو أيضا قريب العهد جدا من مسلم فتوفي مسلم وعمره إحدى عشرة سنة ، وهو بلديه ، والحاكم قد ارتضى قوله ، و الحاكم خبير بأهل بلده أيضا ، وله فيهم تأريخه العظيم:
تأريخ نيسابور.
والله أعلم.
ترجمة ابن الأخرم في تذكرة الحفاظ 3/864 .

أول سماعه للحديث :
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/558 :
وأول سماعه في سنة ثمان عشرة [يعني:
ومائتين]من يحيى بن يحيى التميمي اهـ.
قلت:
فيكون عمره أول سماعه ـ على القول الراجح ـ اثنتي عشرة سنة .

شيوخه ، وتلاميذه :
تلقى مسلم العلم عن جموع من العلماء من أبرزهم هؤلاء الأئمة :
عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وقتيبة بن سعيد ، وسعيد بن منصور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي خيثمة زهير بن حرب ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن بشار بندار ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبي كريب محمد بن العلاء ، وأبي الربيع الزهراني ، وأبي موسى محمد بن المثنى ، وهناد بن السري ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، والبخاري ، وعبد الله الدارمي ، وإسحاق الكوسج ، وخلق سواهم.
انظر:
صحيح مسلم ، تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم ، رجال مسلم لا بن منجويه ، وتأريخ بغداد 13/100، وتأريخ دمشق 58/85 ، و تهذيب الكمال 27/500 ، وسير أعلام النبلاء 12/558 .
وقد ذكر مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال ، وابن حجر في تهذيب التهذيب كلاهما عن كتاب " زهرة المتعلمين في أسماء مشاهير المحدثين " ـ لبعض المغاربة ـ عند كل شيخ روى عنه صاحبا الصحيح في كتابيهما عدد الأحاديث التي رواها عنه في صحيحه ، فراجعها في مواضعها من الكتابين إن شئت.

وأخذ الحديث ، والعلم عن الإمام مسلم خلق من الرواة من أبرزهم :
الإمام أبو عيسى الترمذي ، والفقيه إبراهيم بن محمد بن سفيان ، وأبو حامد أحمد بن حمدون ، والحافظ أبو الفضل أحمد بن سلمة ، وأبو حامد ابن الشرقي ، والحافظ أبو عمرو الخفاف ، والحافظ سعيد بن عمرو البرذعي ، والحافظ صالح بن محمد البغدادي ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ومحمد بن إسحاق السراج ، وأبو عوانة الإسفراييني ، وأبو محمد القلانسي ، ومكي بن عبدان ، وخلق غيرهم.
تأريخ دمشق 58/85 ، وتهذيب الكمال 27/504 ، وسير أعلام النبلاء 12/562 ، وغيرها.

مؤلفاته:
الجامع المسند الصحيح ، التمييز ، الكنى والأسماء ، الطبقات ، المنفردات والوحدان ، رجال عروة بن الزبير ، وهذه كلها قد طبعت .
وله :
كتاب العلل ، كتاب الأفراد ، كتاب الأقران ، سؤالاته أحمد ابن حنبل ، كتاب عمرو بن شعيب ، كتاب الانتفاع بأهب السباع ، كتاب مشايخ مالك ، كتاب مشايخ الثوري ، كتاب مشايخ شعبة ، كتاب من ليس له إلا راو واحد ، كتاب المخضرمين ، كتاب أولاد الصحابة ، كتاب أوهام المحدثين ، أفراد الشاميين ، الرد على محمد بن نصر.
وغيرها .
سير أعلام النبلاء 12/579 ، وطبقات علماء الحديث 2/288 ، وغنية المحتاج ص40 ، تدريب الراوي 2/363 .

ثناء العلماء عليه :
أثنى على مسلم كبار العلماء من شيوخه ، وأقرانه ، وتلاميذه ، ومن جاء بعدهم من علماء الأمة ، والثناء عليه كثير جدا سأنقل شيئا من ذلك :
قال أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف ـ تأريخ دمشق 58/89 ـ:
سمعت بندارا محمد بن بشار يقول:
حفاظ الدنيا أربعة :
أبو زرعة بالري ، ومسلم بن الحجاج بنيسابور ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بسمرقند ومحمد بن إسماعيل ببخارى .
وقال الحسين بن منصور:
سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ـ وذكر مسلم بن الحجاج ـ ، فقال :
مردا كابن بوذ ، قال المنكدري [شيخ الخطيب]:
وتفسيره :
أي رجل كان هذا ؟! وقال أحمد بن سلمة :
رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلما في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما .
تأريخ بغداد 13/101-102 .
وقال إسحاق الكوسج :
لمسلم لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين.
تأريخ دمشق 58/89 وتذكرة الحفاظ 2/588 .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في الجرح والتعديل 8/182:
كتبت عنه بالري ، وكان ثقة من الحفاظ له معرفة بالحديث.
وقال أبو عبدالله محمد بن يعقوب بن الأخرم الحافظ إنما أخرجت نيسابور ثلاثة رجال محمد بن يحيى ، ومسلم بن الحجاج ، وإبراهيم بن أبي طالب .
سير أعلام النبلاء 12/565 .
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ 2/588:
مسلم بن الحجاج الإمام الحافظ حجة الإسلام.

مهنته :
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/570 :
قال الحاكم :
كان متجرُ مسلم خان محمش ـ اسم موضع ـ ، ومعاشه من ضياعه بأستوا .
قلتُ:
أستوا ناحية من نواحي نيسابور ، كما في معجم البلدان 1/175.
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر 10/114:
قال محمد بن عبد الوهاب الفراء :
كان مسلم من علماء الناس ..، وكان بزازا .
وفي العبر 2/29 :
وكان صاحب تجارة ، وكان محسن نيسابور ، وله أملاك وثروة .
اهـ.
فتجارته في البز ، وكانت المزارع في أستوا المصدر الثاني له.

صفته الخَلْقية :
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/566 :
قال الحاكم:
سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول:
رأيت شيخا حسن الوجه ، والثياب عليه رداء حسن ، وعمامة قد أرخاها بين كتفيه ، فقيل:
هذا مسلم ، فتقدم أصحاب السلطان ، فقالوا:
قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج إمام المسلمين فقدموه في الجامع ، فكبر وصلى بالناس.
وهذا الخبر عند ابن عساكر في تاريخ دمشق 58/89:
ولفظه :
يقول رأيت في منامي شيخا.. وقال الذهبي 12/570 :
قال الحاكم:
وسمعت أبي يقول:
رأيت مسلم بن الحجاج يحدث في خان محمش فكان تام القامة أبيض الرأس ، واللحية يرخي طرف عمامته بين كتفيه .

عقيدته :
هي عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ومما يدل على ذلك:
أـ قوله في مقدمة صحيحه 1/6 :
أعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه ، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم ، والمعاندين من أهل البدع .
اهـ.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/558 :
وأكثر عن علي بن الجعد لكنه ما روى عنه في الصحيح شيئا .
اهـ قلتُ:
هذا السبب :
قال مكي بن عبدان :
سألت مسلما عن علي بن الجعد ؟ فقال:
ثقة ، ولكنه كان جهميا .
سير أعلام النبلاء 12/568 .
ب ـ وافتتح صحيحه بكتاب الإيمان ، وضمنه أحاديث في تقرير مذهب أهل السنة في عدد من المسائل ، والرد على أهل البدع من القدرية ، والمرجئة ، والخوارج ، والجهمية ، وغيرهم ، وفيه الاحتجاج بخبر الواحد .. ، وأفرد كتابا للقدر .. ج ـ وموضوع كتابه كله على منهاج أهل السنة ، وهو نقمة على أهل البدع.
د ـ وذكر أبو عثمان الصابوني في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث ص121-123:
في آخر الكتاب .. ـ بعد أن ذكر عقيدة أهل السنة ـ أسماء جمع من أئمة أهل السنة منهم " مسلم بن الحجاج " وقال :
من أحبهم فهو صاحب سنة ، ثم قال:
وهذه الْجُمَلُ التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم لم يخالف فيها بعضهم بعضا ، بل أجمعوا عليها كلها ، ولم يثبت عن أحد منهم ما يضادها .
اهـ.
هـ ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 7/36 وأما في معرفة ما جاء به الرسول وما كان عليه الصحابة والتابعون فمعرفتهم [جماعة ممن وقعوا في بدع المتكلمين] بذلك قاصرة ، و إلا فمن كان عالما بالآثار ، وما جاء عن الرسول ، وعن الصحابة ، والتابعين من غير حسن ظن بما يناقض ذلك لم يدخل مع هؤلاء ـ إما لأنه علم من حيث الجملة أن أهل البدع المخالفين لذلك مخالفون للرسول قطعا ، وقد علم أنه من خالف الرسول فهو ضال ـ كأكثر أهل الحديث ، أو علم مع ذلك فساد أقوال أولئك ، وتناقضها كما علم أئمة السنة من ذلك ما لا يعلمه غيرهم كمالك [ثم سرد أسماء جموع من الأئمة منهم:
] ومسلم بن الحجاج النيسابوري ...
ومن لا يحصي عدده إلا الله من أئمة الإسلام ، وورثة الأنبياء وخلفاء الرسل ؛ فهؤلاء كلهم متفقون على نقيض قول النفاة كما تواترت الآثار عنهم ، وعن غيرهم من أئمة السلف بذلك من غير خلاف بينهم في ذلك.
وـ قال العلامة محمد السفاريني في كتابه "لوامع الأنوار البهية ، وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية " 1/22:
[في سرده لعلماء أهل السنة ..] ومسلم ، وأبو داود ...
ثم قال:
وغير هؤلاء كلهم على عقيدة واحدة سلفية أثرية .
وهذا يزيل إشكال عدم ذكر اللالكائي له في معرض سياقه من رسم بالإمامة في السنة ، والدعوة ، والهداية إلى طريق الاستقامة .. في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/ 51-53 مع أنه ذكره في 1/302:
فيمن نقلوا كلاما في رد بدعة .
قلتُ:
فلعله لم يذكره لأنه لم يؤلف في الرد على أهل البدع .. ، أو يكون قد غفل عنه ، أو سقط سهوا.
ز ـ سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوي 20/39 ـ هل البخاري ومسلم ـ وذكر جمعاً من العلماء ـ هل كان هؤلاء مجتهدين لم يقلدوا أحدا من الأئمة أم كانوا مقلدين ؟ وهل كان من هؤلاء أحد ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة .. ؟ فأجاب جوابا طويلا جاء في آخره :
وهؤلاء كلهم يعظمون السنة ، والحديث.
اهـ .
ح ـ ومما يؤكد ذلك أيضا كونه تلميذا ، وصاحباً لأئمة أهل السنة كأحمد ، وإسحاق ، والبخاري ، وأبي زرعة وغيرهم ، ومعلوم مكانة وشدة هؤلاء في السنة ، وشدتهم على أهل البدع ، حيث لم يكن لأهل البدع نصيب من مجالستهم .
ط ـ كل من ذكره ، وترجم له من العلماء ابتداء من شيوخه ، وحتى اليوم قد أثنوا عليه ، وذكروه بأحسن الذكر ، ولم يَنقل أحد منهم أنه كان مخالفا لطريقة السلف ، أو متلبسا ببدعة ، وحاشاه من ذلك ، بل كان متابعا متأسيا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فرحمه الله رحمة واسعة .

مذهبه الفقهي :
إذا نظرت في أسماء كتب الإمام مسلم تجدها كلها تقريبا في علم الحديث وفنونه ، كما هو حال أكثر أهل الحديث في ذاك الزمان ، ولذا لم يتضح منهجه الفقهي تماما ، إلا أنه بلا شك من أهل العلم الكبار في زمانه في الحديث والفقه ، وإن لم يكن من الأئمة المجتهدين كأحمد ، والبخاري ، و إلا لظهر رأيه ، واختياره كما ظهر رأي غيره ، والناظر في كتابه الصحيح ، وانتقائه الأحاديث ، وحسن ترتيبه يدرك أنه من فقهاء أهل الحديث ، وأنه مطلع على اختلاف الفقهاء ، ولذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص529:
عالم بالفقه .
و ذكر حاجي خليفة مسلما في كتابه كشف الظنون 1/555 فقال:
مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الشافعي .
وأخذه بنصه صديق خان في الحطة ص 198 .
وقال الدهلوي في الإنصاف في بيان سبب الاختلاف ص314ـ المطبوع ضمن مجموعة الرسائل الكمالية رقم (4) ـ :
وأما مسلم والعباس الأصم .. فهم متفردون لمذهب الشافعي يناضلون دونه .
قلتُ:
وهذا القول:
فيه نظر .
ومما يدل على عنايته بالفقه ، أن له سؤالات للإمام أحمد ـ رحمه الله ـ قال القاضي أبو الحسين ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 3/309- 315 ـ في ترجمة الحسن بن حامد ـ قال ابن أبي يعلى:
قرأت في بعض تصانيفه [ابن حامد] قال:
اعلم أن الذي يشتمل عليه كتابنا هذا من الكتب والروايات المأخوذة من حيث نقل الحديث والسماع منها كتاب الأثرم ، وصالح ، وعبدالله ، وابن منصور ...
ومسلم بن الحجاج ...
ـ إلى أن قال ـ :
وأما رواية مسلم بن الحجاج فأخبرناه أبو إسحاق المزكي قال حدثنا أبو حاتم مكي بن عبدان بن محمد بن بكر ، عن مسلم بن الحجاج عنه .
وبناء على هذا ، وعلى رواية مسلم عن أحمد = ترجم له في طبقات الحنابلة 2/413 وقال عنه :
أحد الأئمة من حفاظ الأثر .
قلتُ:
ولا يعني ذلك أنه حنبلي ، بل وصفه بالإمامة ، وحفظ الأثر ، وقد ترجم أيضا:
لشيخي أحمد :
وكيع بن الجراح ، وعبد الرحمن بن مهدي ؛ لكونهم حكوا شيئا عن أحمد .
ولهذا السبب ترجم له غير واحد ممن ألف في طبقات الحنابلة بعد ابن أبي يعلى.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوي 20/39 ـ هل البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود الطيالسي والدرامي والبزار والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة وأبو يعلى الموصلي هل كان هؤلاء مجتهدين لم يقلدوا أحدا من الأئمة أم كانوا مقلدين ؟ وهل كان من هؤلاء أحد ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة ؟ ...
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين أما البخاري ، وأبو داود ؛ فإمامان في الفقه من أهل الاجتهاد ، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء ، ولا هم من الأئمة المجتهدين على الإطلاق بل هم يميلون إلى قول أئمة الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأمثالهم ، ومنهم من له اختصاص ببعض الأئمة كاختصاص أبي داود ، ونحوه بأحمد بن حنبل وهم إلى مذاهب أهل الحجاز كمالك ، وأمثاله ، أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق كأبي حنيفة والثوري ...
وهؤلاء كلمهم يعظمون السنة والحديث .. اهـ باختصار .
وقال السخاوي في غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج ص40-41:
والظاهر أنه ـ رحمه الله ـ كان على طريقة الأئمة من أهل الآثار في عدم التقليد بل سلك الاختيار مع إمكان الاستدلال بما وجد له من مقال لكونه مقتديا بإمامنا ابن إدريس الفائق في الاجتهاد ، والتأسيس ، فإنه قال في كتابه الانتفاع بجلود السباع ، وقد ذكر قولة من عاب قوله :
ورب عياب له منظر مشتمل الثوب على العيب .
بل قال الأستاذ أبو منصور البغدادي :
بالغ مسلم في تعظيم الشافعي ـ رحمهم الله تعالى ـ في كتابه الانتفاع .
وفي كتابه الرد على محمد بن نصر وعده في هذا الكتاب من الأئمة الذين يرجع إليهم في الحديث ، وفي الجرح والتعديل .
اهـ قلتُ:
ومبالغته في تعظيم الشافعي ـ رحمه الله ـ لا تعني أنه يقلده ، فقد كان أحمد أيضا:
يبالغ في تعظيمه فهل كان شافعيا ؟ هذا الاستدلال فيه نظر ، والله أعلم.
ثم قال السخاوي:
وكذا يمكن استدلال أصحاب أحمد بأنه كتب عن إمامهم مسائل تروى عنه ، وتُعتمد .
ولكن الميل بخلاف كل هذا أكثر مما هو أظهر ـ إلى أن قال ـ وممن قال إنه على مذهب أهل الحديث ، وليس بمقلد لواحد بعينه من العلماء ، ولا هو من المجتهدين على الإطلاع :
التقي ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وإيانا .

وفاته ، وسببها :
قال ابن الصلاح في صيانة مسلم ص1216:
وكان لموته سبب غريب نشأ عن غمرة فكرية علمية ـ ثم ساق سنده إلى الحاكم ـ قال:
سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب سمعت أحمد بن سلمة يقول:
عقد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة ، فذكر له حديث لم يعرفه ، فانصرف إلى منزله ، وأوقد السراج ، وقال لمن في الدار :
لا يدخلن أحد منكم هذا البيت ، فقيل له:
أهديت لنا سلة فيها تمر ، فقال:
قدموها إلي ، فقدموها ، فكان يطلب الحديث ، ويأخذ تمرة تمرة يمضغها ، فأصبح وقد فني التمر ، ووجد الحديث.
قال الحاكم:
زادني الثقة من أصحابنا:
أنه منها مرض ، ومات .
اهـ.
وانظر:
تاريخ بغداد 13/103، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق 58/94 ، و تهذيب الكمال27/506 .
وكانت وفاته عشية يوم الأحد ، ودفن الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين ، رحمه الله رحمة واسعة .
انظر:
طبقات الحنابلة 2/417 ، وتاريخ دمشق 58/94، وصيانة مسلم ص1216 ، وشرح مسلم للنووي 1/123 و تهذيب الكمال 27/507 ، والبداية والنهاية 11/34 .
[نقلاً عن الشيخ :
عبدالرحمن السديس]

[صحيح مسلم]

اسم الكتاب:
لم يأتِ في جُلِّ نسخ (صحيح مسلم) تصريحٌ باسمه الحقيقي الذي وضعه له مؤلفه، ولا حتى في ما وصل إلينا من الشروح عليه كشرح المازري، والقاضي عياض، والنووي، والأُبِيِّ، ...
وغيرهم، وإنما جاءَ وَصفُهُ بـ (الصحيح) في أغلبِ ذلك، وكذا في جُلِّ طبعات الكتاب القديمة منها والحديثة.
وقد أشار الإمام مسلم رحمه الله إلى بعضٍ من عنوان كتابه في قوله:
« صنفت هذا (المسند الصحيح) من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة »، فسماه (المسند الصحيح)، وهو اختصار منه رحمه الله لاسمه الكامل والطويل.
وقد حقق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في رسالته (تحقيق اسمي الصحيحين) أن اسم صحيح مسلم الكامل هو:
(المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وساق في إثبات ذلك نصوصا مسندة عن صاحب الكتاب.

سبب تأليفه:
أبان الإمام مسلم عن دافعه من تصنيف كتابه (الصحيح) في مقدمته فقال رحمه الله:
« فإنك -يرحمك الله- بتوفيق خالِقِك ذكرت أنك هممت بالفحص عن تَعَّرُفِ جملةالأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن الدين وأحكامِهِ،وما كان منها في الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، وغير ذلك من صنوفالأشياء، بالأسانيد التي بها نُقِلَت، وتدَاولَها أهل العلم فيما بينهم ...
وللذي سَأَلتَ - أكرمك الله - حين رجعتُ إلى تدبرِه، وما تؤول به الحالـ إن شاء الله ـ عاقبةٌ محمودةٌ، ومنفعةٌ موجودةٌ، وظننتُ حين سألتني تجشُّمَ ذلكأن لو عُزِم لي عليه، وقُضِي لي تمامُه؛ كان أول من يصيبُهُ نفعُ ذلك إياي خاصةقبل غيري من الناس ...
ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القومالأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها إلى العوام الذينلا يعرفون عيوبها؛ خفَّ على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت».
فظهر من كلام الإمام مسلم في مقدمته أن سبب تصنيفه لِكتابِه هو استجابة لمن طَلَب منه وضع كتاب يحوي أحاديث بأسانيد متداولةٍ عند أهل العلم في الأحكام والترغيب والترهيب، إضافة إلى انتشار الأخبار المنكرة الضعيفة بين عوام الناس؛ فنشط رحمه الله من أجل ذلك لتصنيف كتابه (الصحيح).

الرواة عن الإمام مسلم:
كان للإمام مسلم العشرات من التلاميذ، أَحصى منهم الإمام الذهبي أكثر من خمسة وثلاثين، أما من سَمِعَ منه صحيحَه بالكامل، ثم رواه للناس؛ فقَدَ ذكر الضياء المقدسي في (جزء الرواة عن مسلم) منهم عشرة رواة، والكتاب « مع شهرته التامة، صارتروايته بإسناد متصل بمسلم مقصورة على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، غيرأنَّه يُروى في بلاد المغرب مع ذلك عن أبي محمد أحمد بن علي القلانسي ».
قال الإمام النووي:
« صحيح مسلم رحمه الله في نهايةٍ من الشهرة، وهو متواترٌ عنه من حيث الجملة، فالعلم القطعي حاصلٌ بأنَّه من تصنيف أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج، وأما من حيث الروايةُ المتصلةُ بالإسناد المتصل بمسلم؛ فقد انحصرت طريقه عنه في هذه البلدان والأزمان في رواية أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن مسلم، ويروى في بلاد المغرب مع ذلك عن أبي محمد أحمد بن علي القلانسي عن مسلم ».
إذن فلصحيح مسلم روايتان متصلتا الإسناد إلى صاحب الكتاب:
الأولى:
رواية المشارقة، وهي رواية إبراهيم بن محمد بن سفيان.
الثانية:
رواية المغاربة، وهي رواية القلانسي.

عنايته بتأليفه:
يظهر مدى العناية التي أولاها الإمام مسلم صحيحه من خلال ما يلي:
أولا:
المدة الطويلة التي استغرقها تصنيف الكتاب، قال أحمد من سلمة - وهو من تلاميذ مسلم - :
« كتبت مع مسلم رحمه الله في صحيحه خمس عشرةَ سنة، وهو اثنا عشر ألف حديث ».
ثانيا:
انتقاؤه لأحاديثه من ألوفِ الروايات، حيث قال رحمه الله:
« صنَّفْتُ هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة ».
ثالثا:
عَرْضُه لكتابه على جهابذة النقاد من شيوخه، حيث قال مصرحا بذلك:
« عَرضْتُ كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أنَّ له علةً تركتُهُ، وكل ما قال:
إنه صحيح، وليس له علة خرَّجته ».
رابعا:
تَثَبُّتُه في إخراج أحاديثِ كتابِه، وتَحَرُّزُه من إخراج ما لم تتوافر فيه شروط الصحة، ويظهر حرصه هذا من خلال قوله رحمه الله في مقدمة صحيحه:
« واعلم - وفقك الله تعالى - أن الواجب على كل أحدٍ عَرَفَ التَّمْييزَ بين صحِيحِ الروايات وسقيمِها، وثقاتِ الناقلين لها من المتَّهمين؛ أن لا يروِيَ منها إلا ما عُرِفَ صحةُ مخارجه، والستارةُ في ناقِلِيه، وأن يُنَقِّيَ منها ما كان منها عن أهل التُّهَمِ والمعانِدين من أهل البدع ».
وقوله أيضا:
« ما وضعت في كتابي هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئا إلا بحجة».

أبواب الكتاب:
لم يترجم الإمام مسلم رحمه الله لأبواب كتابه (الصحيح)، أي أنه لم يجعل لأبواب الكتاب عناوين محددة، لكنه رحمه الله كان في ترتيبه للكتاب يجمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد فيجعلها متسلسلة تسلسلا فقهيا كما أشار إلى ذلك ابن القيم حيث قال:
« قول مسلم بن الحجاج يُعْرَف قولُهُ في السنة من سياق الأحاديث التي ذكرها ولم يتأولها، ولم يذكُرْ لها التراجم كما فعل البخاري، ولكن سَرَدَها بلا أبواب، ولكن تُعْرَفُ التراجمُ من ذكره للشيءِ مع نظيره ».
قال ابن الصلاح:
« ثم إن مسلما - رحمه الله وإيانا - رتَّب كتابه على الأبواب، فهو مُبوبٌ في الحقيقة، ولكنه لم يذكر فيه تراجم الأبواب لئلا يزداد حجم الكتاب، أو لغير ذلك ».
والأبواب الموجودة في الصحيح هي من صناعة بعض المتأخرين كأبي نعيم صاحب (المستخرج)، والنووي في شرحه - وهي الأشهر-، وكذا القرطبي في شرحه أيضا.
قال النووي رحمه الله:
« وقد ترجم جماعة أبوابه بتراجم بعضها جيِّد،وبعضها ليس بجيِّد، إما لقصور في عبارة الترجمة، وإما لركاكة لفظها، وإمالغير ذلك، وأنا - إن شاء الله - أحرص على التعبير عنها بعبارات تليق بها فيمواطنها ».
ولعلَّ هذا ما يفسر خُلُوَّ الطبعات القديمة من التراجم، وهو نفس الأمر بالنسبة لبعض الطبعات التي عليها شرح الأُبِّي والسنوسي، لا نجد فيها سوى الأحاديث مسرودة.

عدد أحاديث صحيح مسلم:
تقدم قول أحمد بن سلمة - تلميذ الإمام مسلم رحمه الله - عن كتاب شيخه بأن عدة أحاديثه:
«اثنا عشر ألف حديث ».
قال الإمام الذهبي معقبا على كلام ابن سلمة:
« عُنِيَ بالمكرر بحيث إنه إذا قال:
حدثنا قتيبة، وأخبرنا ابن رمح، يُعَدَّان حديثين اتفق لفظهما أو اختلف في كلمة ».
وعدد ما في (الصحيح) بإسقاط المكرر أربعة آلاف حديث كما قال النووي.
وحسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي فعدة ما في (صحيح مسلم) بإسقاط المكرر 3033 حديثا، ومسلم يكرر ذكر بعض الأحاديث في مواضع من كتابه، قال محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله:
« كرر مسلم في صحيحه 137 حديثا في مواضع متعددة منها 71 حديثا يضع الحديث منها في كتاب غير الكتاب الذي وضع الحديث فيه لأول مرة ».

المعلقات في صحيح مسلم:
لم تبلغ معلقات (صحيح مسلم) في كثرتها ما هو موجود في صحيح البخاري رحمه الله، وقد اختلف العلماء في عدِّها، وأكبر ما نُصَّ عَلَيْهِ من عدد المعُلَّقات:
أربعةَ عشرَ حديثا، قال بذلك:
أبو علي الجياني، والإمام المازري، والحافظ العراقي، وهذا العدد لا يشكل إلا نسبة ضئيلة جدا من مجموع عدد أحاديث (صحيح مسلم)، وذهب فريقٌ إلى أن عدَّة المعلقات:
اثنا عشر حديثا، وبعضهم قال:
إنها أقل من ذلك، وسبب اختلافهم هو كون أحد هذه الأحاديث - الأربع عشرة - مكَرَّرٌ، أو أن بعضها جاء موصولا في نفس الكتاب في مواضع أخرى فلم يكن معلقًا في واقع الأمر.
قال الحافظ العراقي:
« وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا، ثم عقبه بقوله:
رواه فلان.
وقد جمعها الرشيد العطار في الغرر المجموعة، وقد بينت ذلك كله في جزء مفرد » قال ابن حجر معقبا:
« ليس فيه عند الرشيد إلا ثلاثة عشر، والذي أوقع الشيخ في ذلك أن أبا عليًّا الجياني - وتبعه المازري - ذكر أنها أربعة عشر، لكن لما سردها أورد منها حديثا مكررا ...
فصارت العدة ثلاثة عشر ».

شرط مسلم في صحيحه:
تقدَّم بيان شرط الإمام مسلم رحمه الله سابقا أثناء الكلام عن شرط الإمام البخاري، كما سَبَقَ بيان أن المراد بـ"الشرط" هنا غير ما هو معروف من الخلاف بينهما في السند المعنعَن.
قال أبو عمرو بن الصلاح:
« شرط مسلم في صحيحه:
أن يكون الحديث متصل الإسناد، بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه، سالما من الشذوذ، ومن العلة، وهذا هو حَدُّ الحديث الصحيح في نفس الأمر، فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته ».
وتقدم قول ابن طاهر المقدسي:
« « اعلم أن شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، وأن يكون إسناده متصلا غير مقطوع، فإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسنٌ، وإن لم يكن له إلا راوٍ واحد إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه ».
فبهذا الاعتبار في شرطهما في وثاقة الراوي واحد، إلا أن مسلمًا ارتضى من الرواة بعض من لم يرتضه البخاري والعكس، ولذلك قال ابن طاهر بعد كلامه السابق:
« إلا أن مسلما أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري حديثهم، لشبهة وقعت في نفسه، أخرج مسلم أحاديثهم بإزالة الشبهة ».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
« وأما شرط البخاري ومسلم، فلهذا رجال يروي عنهم يختص بهم، ولهذا رجال يروى عنهم يختص بهم، وهما مشتركان في رجال آخرين، وهؤلاء الذين اتفقا عليهم؛ عليهم مدار الحديث المتفق عليه، وقد يروى أحدهم عن رجل في المتابعات، والشواهد دون الأصل، وقد يروي عنه ما عرف من طريق غيره، ولا يروى ما انفرد به، وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه؛ فيظن من لا خبرة له إن كل ما رواه ذلك الشخص يحتج به أصحاب الصحيح وليس الأمر كذلك ».

شرطه في السند المعنعن:
تقدمت الإشارة إلى شرط الإمام مسلم في السند المعنعَن عند الحديث عن شرط البخاري في ذلك، وتَمَّ بيان أن مسلمًا رحمه الله لم يشترط أكثر من المعاصرة وإمكانية اللقاء بين المُعنعِِن والمعنعَن عنه، شرط أن لا يكون الأول مدلسًا، وقد أفصح مسلمٌ عن شرطه ذاك في مقدمة صحيحه، بل نافَحَ عنه ورد بقوة، وشَنَّع على من اشترط ثبوت اللقاء والسماع فقال رحمه الله:
« وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها؛ بقول لو ضربْنَا عن حكايتِهِ وذكر فسادِه صفحًا؛ لكان رأيًا متينًا، ومذهبًا صحيحًا؛ إذ الإعراض عن القول المطَّرِحِ أحرى لإماتته، وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهًا للجُهَّال عليه، غير أنَّا لما تخوَّفنا من شرور العواقب، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين، والأقوال الساقطة عند العلماء؛ رأينا الكشف عن فساد قوله ».
وقد اختلف العلماء في تحديد المقصود بكلام مسلم هنا:
أهو شيخه البخاري، أو ابن المديني، أو غيرهما ؟ وليس هذا مجال بسط ذلك بالتفصيل.
ثم عرض مسلم رأي مخالفيه في اشتراط اللقاء، ثم قال:
« وهذا القول [ يعني كلام خصمه ]

-يرحمك الله - في الطعن في الأسانيد؛ قولٌ مخترعٌ، مستحدثٌ غير مسبوقٍ إليه، ولا مساعدَ له من أهل العلم عليه، وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديمًا وحديثًا:
أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثًا، وجائزٌ ممكنٌ له لقاؤُهُ، والسماعُ منه، لكونهما جميعًا كانا في عصر واحد، وإن لم يأتِ في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام؛ فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئًا.
فأما والأمر مبهَمٌ على الإمكان الذي فسَّرْنا؛ فالرواية على السماع أبدًا، حتى تكون الدلالة التي بَيَّنَّا ».
لكن جمهور أهل العلم على تصحيح مذهب البخاري وترجيحه على مذهب تلميذه الإمام مسلم، وقد تقَدَّمَ نقلُ شيءٍ من أقوالِهِم في تقرير ذلك.
[التعريف بالكتاب ، نقلاً عن موقع :
أهل الحديث]