الرئيسية
الطبقات الكبير لابن سعد
الشكر لابن أبي الدنيا
معجم أبي يعلى الموصلي
مشيخة ابن طهمان
القدر للفريابي
جميع الكتب
التراجم
عن الموقع
اتصل بنا
البحث
المجلد الثاني
سَرِيَّةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ ثُمَّ سَرِيَّةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ إِلَى قَطَنٍ وَهُوَ جَبَلٌ بِنَاحِيَةِ فَيْدٍ بِهِ مَاءٌ لِبَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي هِلَالِ الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ طُلَيْحَةَ وَسَلَمَةَ ابْنَيْ خُوَيْلِدٍ قَدْ سَارَا فِي قَوْمِهِمَا وَمَنْ أَطَاعَهُمَا يَدْعُوَانِهِمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سَلَمَةَ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَبَعَثَ مَعَهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينِ وَالْأَنْصَارِ ، قَالَ : سِرْ حَتَّى تَنْزِلَ أَرْضَ بَنِي أَسَدٍ فَأَغِرْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ تَلَاقَى عَلَيْكَ جُمُوعُهُمْ ، فَخَرَجَ فَأَغَذَّ السَّيْرَ وَنَكَّبَ عَنْ سَنَنِ الطَّرِيقِ وَسَبَقَ الْأَخْبَارَ وَانْتَهَى إِلَى أَدْنَى قَطَنٍ ، فَأَغَارَ عَلَى سَرْحٍ لَهُمْ فَضَمُّوهُ وَأَخَذُوا رِعَاءً لَهُمْ مَمَالِيكَ ثَلَاثَةً ، وَأَفْلَتَ سَائِرُهُمْ فَجَاءُوا جَمْعَهُمْ فَحَذَّرُوهُمْ فَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ ، فَفَرَّقَ أَبُو سَلَمَةَ أَصْحَابَهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِي طَلَبِ النَّعَمِ وَالشَّاءِ فَآبُوا إِلَيْهِ سَالِمِينَ قَدْ أَصَابُوا إِبِلًا وَشَاءً وَلَمْ يُلْقَوْا أَحَدًا فَانْحَدَرَ أَبُو سَلَمَةَ بِذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ .
غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُومَةَ الْجَنْدَلِ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُومَةَ الْجَنْدَلِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ ، قَالُوا : بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بِدُومَةَ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كَثِيرًا وَأَنَّهُمْ يَظْلِمُونَ مَنْ مَرِّ بِهِمْ مِنَ الضَّافِطَةِ وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنَ الْمَدِينَةِ ، وَهِيَ طَرَفٌ مِنْ أَفْوَاهِ الشَّأْمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقَ خَمْسَ لَيَالٍ ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ لَيْلَةً ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ وَخَرَجَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ يَسِيرُ اللَّيْلَ وَيَكْمُنُ النَّهَارَ ، وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالَ لَهُ مَذْكُورٌ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ إِذَا هُمْ مُغَرِّبُونَ ، وَإِذَا آثَارُ النَّعَمِ وَالشَّاءِ فَهَجَمَ عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَرُعَاتِهِمْ فَأَصَابَ مَنْ أَصَابَ وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ فِي كُلِّ وَجْهٍ ، وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دُومَةَ فَتَفَرَّقُوا وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَاحَتِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا وَبَثَّ السَّرَايَا وَفَرَّقَهَا فَرَجَعَتْ وَلَمْ تَصُبْ مِنْهُمْ أَحَدًا ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ رَجُلًا فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ فَقَالَ : هَرَبُوا حَيْثُ سَمِعُوا أَنَّكَ أَخَذْتَ نَعَمَهُمْ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ ، وَفِي هَذِهِ الْغَزَاةِ وَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ أَنْ يَرْعَى بِتَغْلَمَيْنِ وَمَا وَالَاهُ إِلَى الْمَرَاضِ وَكَانَ مَا هُنَاكَ قَدْ أَخْصَبَ وَبِلَادُ عُيَيْنَةَ قَدْ أَجْدَبَتْ ، وَتَغْلَمَيْنِ مِنَ الْمَرَاضِ عَلَى مِيلَيْنِ ، وَالْمَرَاضُ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الرَّبَذَةِ
سَرِيَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ ثُمَّ سَرِيَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ إِلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ وَبَنِي عُوَالٍ مِنْ ثَعْلَبَةَ وَهُمْ بِذِي الْقَصَّةِ ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلًا طَرِيقَ الرَّبَذَةِ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ فَوَرَدُوا عَلَيْهِمْ لَيْلًا فَأَحْدَقَ بِهِ الْقَوْمُ ، وَهُمْ مِائَةُ رَجُلٍ فَتَرَامَوْا سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ حَمَلَتِ الْأَعْرَابُ عَلَيْهِمْ بِالرِّمَاحِ ، فَقَتَلُوهُمْ وَوَقَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جَرِيحًا فَضُرِبَ كَعْبُهُ فَلَا يَتَحَرَّكُ وَجَرَّدُوهُمْ مِنَ الثِّيَابِ ، وَمَرَّ بِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَحَمَلَهُ حَتَّى وَرَدَ بِهِ الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا وَوَجَدُوا نَعَمًا وَشَاءً فَسَاقَهُ وَرَجَعَ .
سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ إِلَى أَبِي رَافِعٍ ثُمَّ سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ إِلَى أَبِي رَافِعٍ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ النَّضَرِيِّ بِخَيْبَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : كَانَ أَبُو رَافِعِ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَدْ أَجْلَبَ فِي غَطَفَانَ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَجَعَلَ لَهُمُ الْحَفْلَ الْعَظِيمَ لِحَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ وَأَبَا قَتَادَةَ وَالْأَسْوَدَ بْنَ خُزَاعِيِّ وَمَسْعُودَ بْنَ سِنَانٍ وَأَمَرَهُمْ بِقَتْلِهِ فَذَهَبُوا إِلَى خَيْبَرَ فَكَمَنُوا فَلَمَّا هَدَأَتِ الرِّجْلُ جَاءُوا إِلَى مَنْزِلِهِ فَصَعِدُوا دَرَجَةً لَهُ وَقَدَّمُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْطُنُ بِالْيَهُودِيَّةِ ، فَاسْتَفْتَحَ وَقَالَ : جِئْتُ أَبَا رَافِعٍ بِهَدِيَّةٍ ، فَفَتَحَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتِ السِّلَاحَ أَرَادَتْ أَنْ تَصِيحَ فَأَشَارُوا إِلَيْهَا بِالسَّيْفِ ، فَسَكَتَتْ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَمَا عَرَفُوهُ إِلَّا بِبَيَاضِهِ كَأَنَّهُ قُبْطِيَّةٌ فَعَلَوْهُ بِأَسْيَافِهِمْ قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ : وَكُنْتُ رَجُلًا أَعْشَى لَا أُبْصِرُ فَأَتَّكِئُ بِسَيْفِي عَلَى بَطْنِهِ حَتَّى سَمِعْتُ خَشَّهُ فِي الْفِرَاشِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ قَضَى ، وَجَعَلَ الْقَوْمُ يَضْرِبُونَهُ جَمِيعًا ثُمَّ نَزَلُوا وَصَاحَتِ امْرَأَتُهُ فَتَصَايَحَ أَهْلُ الدَّارِ وَاخْتَبَأَ الْقَوْمُ فِي بَعْضِ مَنَاهِرِ خَيْبَرَ وَخَرَجَ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ فِي آثَارِهِمْ يَطْلُبُونَهُمْ بِالنِّيرَانِ فَلَمْ يَرَوْهُمْ ، فَرَجَعُوا وَمَكَثَ الْقَوْمُ يَوْمَيْنِ حَتَّى سَكَنَ الطَّلَبُ ثُمَّ خَرَجُوا مُقْبِلِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ يَدَّعِي قَتْلَهُ ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَفْلَحَتِ الْوُجُوهُ ، فَقَالُوا : أَفْلَحَ وَجْهُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ فَأَخَذَ أَسْيَافَهُمْ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا أَثَرُ الطَّعَامِ فِي ذُبَابِ سَيْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ ، فَقَالَ : هَذَا قَتَلَهُ
سَرِيَّةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ثُمَّ سَرِيَّةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خَرَشَةَ الْخَطْمِيِّ إِلَى عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ ، لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ عَصْمَاءُ عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الْخَطْمِيِّ ، وَكَانَتْ تَعِيبُ الْإِسْلَامَ ، وَتُؤْذِي النَّبِيَّ وَتُحَرِّضُ عَلَيْهِ وَتَقُولُ الشَّعْرَ ، فَجَاءَهَا عُمَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا بَيْتَهَا ، وَحَوْلَهَا نَفَرٌ مِنْ وَلَدِهَا نِيَامٌ مِنْهُمْ مَنْ تُرْضِعُهُ فِي صَدْرِهَا ، فَجَسَّهَا بِيَدِهِ ، وَكَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ ، وَنَحَّى الصَّبِيَّ عَنْهَا وَوَضَعَ سَيْفَهُ عَلَى صَدْرِهَا حَتَّى أَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهَا ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَقَتَلْتَ ابْنَةَ مَرْوَانَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ : لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ . فَكَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَوَّلَ مَا سُمِعَتْ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَيْرًا الْبَصِيرَ .
سَرِيَّةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ ثُمَّ سَرِيَّةُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ الْسُلَمِيِّ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ، وَتَقَدَّمَهُ عَيْنٌ لَهُمْ كَانَ مَعَهُ فَحَذَّرَهُمْ فَجَمَعُوا فَأَتَاهُمُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَهُمْ مُعِدُّونَ لَهُ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالُوا : لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى مَا دَعَوْتَنَا فَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ سَاعَةً ، وَجَعَلْتِ الْأَمْدَادُ تَأْتِي حَتَّى أَحْدَقُوا بِهِمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ، فَقَاتَلَ الْقَوْمُ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى قُتِلَ عَامَّتُهُمْ وَأُصِيبَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ جَرِيحًا مَعَ الْقَتْلَى ثُمَّ تَحَامَلَ حَتَّى بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ
سَرِيَّةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ بِفَدَكَ ثُمَّ سَرِيَّةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ بِفَدَكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُمُ جَمْعًا يُرِيدُونَ أَنْ يُمِدُّوا يَهُودَ خَيْبَرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي مِائَةِ رَجُلٍ فَسَارَ اللَّيْلَ وَكَمَنَ النَّهَارَ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْهَمَجِ وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ ، وَبَيْنَ فَدَكَ وَالْمَدِينَةِ سِتُّ لَيَالٍ ، فَوَجَدُوا بِهِ رَجُلًا فَسَأَلُوهُ عَنِ الْقَوْمِ فَقَالَ : أُخْبِرُكُمْ عَلَى أَنَّكُمْ تُؤَمِّنُونِي ، فَأَمَّنُوهُ ، فَدَلَّهُمْ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ فَأَخَذُوا خَمْسَمِائَةِ بَعِيرٍ وَأَلْفَ شَاةٍ وَهَرَبَتْ بَنُو سَعْدٍ بِالظُّعُنِ وَرَأْسُهُمْ وَبَرُ بْنُ عُلَيْمٍ فَعَزَلَ عَلِيٌّ صَفِيَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقُوحًا تُدْعَى الْحَفَذَةَ ثُمَّ عَزَلَ الْخُمُسَ وَقَسَّمَ سَائِرَ الْغَنَائِمِ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا
ذِكْرُ عَدَدِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ وَأَسْمَائِهَا وَتَوَارِيخِهَا ، وَجَمْلِ مَا كَانَ فِي كُلِّ غَزَاةٍ وَسَرِيَّةٍ مِنْهَا
سَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ ثُمَّ سَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ إِلَى بَطْنِ رَابِغٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُقِدَ لَهُ لِوَاءٌ أَبْيَضُ كَانَ الَّذِي حَمَلَهُ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِتِّينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ أَنْصَارِيُّ فَلَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ أَحْيَاءٌ مِنْ بَطْنِ رَابِغٍ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْجُحْفَةِ ، وَأَنْتَ تُرِيدُ قُدَيْدًا عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ ، وَإِنَّمَا نَكَبُوا عَنِ الطَّرِيقِ لِيَرْعَوْا رِكَابَهُمْ فَكَانَ بَيْنَهُمُ الرَّمْيُ وَلَمْ يَسُلُّوا السُّيُوفَ ، وَلَمْ يَصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَيْنَهُمُ الْمُنَاوَشَةُ إِلَّا أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ فَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ الْفَرِيقَانِ عَلَى حَامِيَتِهِمْ ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ
سَرِيَّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ثُمَّ سَرِيَّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْخَرَّارِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُقِدَ لَهُ لِوَاءٌ أَبْيَضُ حَمَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيُّ وَبَعْثَهُ فِي عِشْرِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينِ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ تَمُرُّ بِهِ ، وَعُهِدَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْخَرَّارَ ، وَالْخَرَّارُ حِينَ تَرُوحُ مِنَ الْجُحْفَةِ إِلَى مَكَّةَ آبَارٌ عَنْ يَسَارِ الْمَحَجَّةِ قَرِيبٌ مِنْ خُمٍّ ، قَالَ سَعْدٌ فَخَرَجْنَا عَلَى أَقْدَامِنَا فَكُنَّا نَكْمُنُ النَّهَارَ وَنَسِيرُ اللَّيْلَ حَتَّى صَبَّحْنَاهَا صُبْحَ خَمْسٍ ، فَنَجِدُ الْعِيرَ قَدْ مَرَّتْ بِالْأَمْسِ فَانْصَرَفْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ .
غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْوَاءُ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ وَحَمَلَ لِوَاءَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ لِوَاءٌ أَبْيَضَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، وَخَرَجَ فِي الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ أَنْصَارِيُّ حَتَّى بَلَغَ الْأَبْوَاءَ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَهِيَ غَزْوَةُ وَدَّانٍ ، وَكِلَاهُمَا قَدْ وَرَدَ ، وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَهِيَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا بِنَفْسِهِ وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَادَعَ مَخْشِيِّ بْنَ عَمْرٍو الضَّمْرِيَّ ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ عَلَى أَنْ لَا يَغْزُو بَنِي ضَمْرَةَ وَلَا يَغْزُوهُ وَلَا يُكْثِرُوا عَلَيْهِ جَمْعًا وَلَا يُعِينُوا عَدُوًّا وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا . وَضَمْرَةُ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً
غَزْوَةُ بُوَاطٍ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُوَاطٌ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ وَحَمَلَ لِوَاءَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَكَانَ لِوَاءٌ أَبْيَضَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَخَرَجَ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ فِيهَا أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ وَمِائَةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ فَبَلَغَ بُوَاطَ وَهِيَ جِبَالٌ مِنْ جِبَالِ جُهَيْنَةَ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى وَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ ذِي خُشُبٍ مِمَّا يَلِي طَرِيقَ الشَّأْمِ ، وَبَيْنَ بُوَاطٍ وَالْمَدِينَةِ نَحْوَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ ، فَلَمْ يَلْقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْدًا ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ
غَزْوَةُ طَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ وَحَمَلَ لِوَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ لِوَاءً أَبْيَضَ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، وَكَانَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ قَدْ أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ فَاسْتَاقَهُ ، وَكَانَ يَرْعَى بِالْجَمَّاءِ ، وَالسَّرْحُ : مَا رَعَوْا مِنْ نَعَمِهِمْ ، وَالْجَمَّاءُ : جَبَلٌ نَاحِيَةَ الْعَقِيقِ إِلَى الْجُرُفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ ، فَطَلَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ سَفَوَانُ مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ فَلَمْ يَلْحَقْهُ ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ
غَزْوَةُ ذِي الْعُشَيْرَةِ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْعُشَيْرَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ ، وَحَمَلَ لِوَاءَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَكَانَ لِوَاءَ أَبْيَضَ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ وَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَيُقَالُ فِي مِائَتَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمَّنِ انْتَدَبَ ، وَلَمْ يُكْرِهْ أَحَدًا عَلَى الْخُرُوجِ ، وَخَرَجُوا عَلَى ثَلَاثِينَ بَعِيرًا يَعْتَقِبُونَهَا ، خَرَجَ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ حِينَ أَبْدَأَتْ إِلَى الشَّأْمِ وَكَانَ قَدْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِفُصُولِهَا مِنْ مَكَّةَ فِيهَا أَمْوَالُ قُرَيْشٍ فَبَلَغَ ذَا الْعَشِيرَةِ وَهِيَ لِبَنِي مُدْلِجٍ بِنَاحِيَةِ يَنْبُعَ وَبَيْنَ يَنْبُعَ وَالْمَدِينَةِ تِسْعَةُ بُرُدٍ ، فَوَجَدَ الْعِيرَ الَّتِي خَرَجَ لَهَا قَدْ مَضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ وَهِيَ الْعِيرُ الَّتِي خَرَجَ لَهَا أَيْضًا يُرِيدُهَا حِينَ رَجَعَتْ مِنَ الشَّأْمِ فَسَاحَلَتْ عَلَى الْبَحْرِ ، وَبَلَغَ قُرَيْشًا خَبَرُهَا فَخَرَجُوا يَمْنَعُونَهَا ، فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ فَوَاقَعَهُمْ وَقَتْلَ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ ، وبِذِي الْعُشَيْرَةِ كَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَبَا تُرَابٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُ نَائِمًا مُتَمَرِّغًا فِي الْبَوْغَاءِ فَقَالَ : اجْلِسْ أَبَا تُرَابٍ فَجَلَسَ ، وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَادَعَ بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .
سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ ثُمَّ سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيِّ إِلَى نَخْلَةَ فِي رَجَبَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَعَثَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينِ كُلُّ اثْنَيْنِ يَعْتَقِبَانِ بَعِيرًا إِلَى بَطْنِ نَخْلَةَ ، وَهُوَ بُسْتَانُ ابْنِ عَامِرٍ الَّذِي قُرْبَ مَكَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْصُدَ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ فَوَرَدَتْ عَلَيْهِ فَهَابَهُمْ أَهْلُ الْعِيرِ ، وَأَنْكَرُوا أَمْرَهُمْ ، فَحَلَقَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ رَأْسَهُ حَلَقَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ لِيَطْمَئِنَّ الْقَوْمُ ، فَأَمِنُوا وَقَالُوا : هُمْ عُمَّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ فَسَرَّحُوا رِكَابَهُمْ وَصَنَعُوا طَعَامًا وَشَكُّوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَهُوَ مِنَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَمْ لَا ؟ ثُمَّ تَشَجَّعُوا عَلَيْهِمْ ، فَقَاتَلُوهُمْ ، فَخَرَجَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ يَقْدُمُ الْمُسْلِمِينَ ، فَرَمَى عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ ، فَقَتَلَهُ وَشَدَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ وَأَعْجَزَهُمْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ وَكَانَ فِيهَا خَمْرٌ وَأُدْمٌ وَزَبِيبٌ جَاءُوا بِهِ مِنَ الطَّائِفِ فَقَدِمُوا بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَقَفَهُ وَحَبَسَ الْأَسِيرَيْنِ وَكَانَ الَّذِي أَسَرَ الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمَ وَقُتِلَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ زَمِيلَ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ عَلَى بَعِيرٍ لِعُتْبَةَ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ ، فَضَلَّ الْبَعِيرُ بِحَرَّانَ وَهِيَ نَاحِيَةُ مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ ، فَأَقَامَا عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ يَبْغِيَانِهِ ، وَمَضَى أَصْحَابُهُمْ إِلَى نَخْلَةَ فَلَمْ يَشْهَدْهَا سَعْدٌ وَعُتْبَةُ وَقَدِمَا الْمَدِينَةَ بَعْدَهُمْ بِأَيَّامٍ وَيُقَالُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ لَمَّا رَجَعَ مِنْ نَخْلَةَ خَمَّسَ مَا غَنِمَ وَقَسَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ سَائِرَ الْغَنَائِمِ فَكَانَ أَوَّلَ خُمْسٍ خُمِّسَ فِي الْإِسْلَامِ وَيُقَالُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ غَنَائِمَ نَخْلَةَ حَتَّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ ، فَقَسَّمَهَا مَعَ غَنَائِمِ بَدْرٍ ، وَأَعْطَى كُلَّ قَوْمٍ حَقَّهُمْ ، وَفِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ سُمِيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
غَزْوَةُ بَدْرٍ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرُ الْقِتَالِ ، وَيُقَالُ بَدْرٌ الْكُبْرَى ، قَالُوا : لَمَّا تَحَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصِرَافَ الْعِيرِ مِنَ الشَّأْمِ الَّتِي كَانَ خَرَجَ لَهَا يُرِيدُهَا حَتَّى بَلَغَ ذَا الْعُشَيْرَةِ بَعَثَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَتَحَسَّسَانِ خَبَرَ الْعِيرِ ، فَبَلَغَا التَّجْبَارَ مِنْ أَرْضِ الْحَوْرَاءِ ، فَنَزَلَا عَلَى كَشَدٍّ الْجُهَنِيِّ فَأَجَارَهُمَا وَأَنْزَلَهُمَا وَكَتَمَ عَلَيْهِمَا حَتَّى مَرَّتِ الْعِيرُ ثُمَّ خَرَجَا وَخَرَجَ مَعَهُمَا كَشَدٌّ خَفِيرًا حَتَّى أَوْرَدَهُمَا ذَا الْمَرْوَةِ ، وَسَاحَلَتِ الْعِيرُ وَأَسْرَعَتْ فَسَارُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَرَقًا مِنَ الطَّلَبِ ، فَقَدِمَ طَلْحَةُ وَسَعِيدٌ الْمَدِينَةَ لِيُخْبِرَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ الْعِيرِ فَوَجَدَاهُ قَدْ خَرَجَ وَكَانَ قَدْ نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ لِلْخُرُوجِ مَعَهُ وَقَالَ : هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُغْنِمَكُمُوهَا ، فَأَسْرَعَ مَنْ أَسْرَعِ إِلَى ذَلِكَ وَأَبْطَأَ عَنْهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ وَكَانَ مَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يُلَمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا عَلَى قِتَالٍ إِنَّمَا خَرَجُوا لِلْعِيرِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ السَّبْتِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا وَجَّهَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ بِعَشْرِ لَيَالٍ ، وَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَخَرَجَتْ مَعَهُ الْأَنْصَارُ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ وَلَمْ يَكُنْ غَزَا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَسْكَرَهُ بِبِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ ، وَهِيَ عَلَى مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ فَعَرَضَ أَصْحَابَهُ وَرَدَّ مَنِ اسْتَصْغَرَ وَخَرَجَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ وَخَمْسَةِ نَفَرٍ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا ، وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ وَثَمَانِيَةٌ تَخَلَّفُوا لِعِلَّةٍ ضَرَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِهَامِهِمْ وَأُجُورِهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينِ : عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَأَقَامَ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ بَعَثَهُمَا يَتَحَسَّسَانِ خَبَرَ الْعِيرِ وَخَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ خَلَّفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ الْعَجْلَانِيُّ خَلَّفَهُ عَلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ الْعُمَرِيُّ رَدَّهُ مِنَ الرَّوْحَاءِ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهُمْ ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ كُسِرَ بِالرَّوْحَاءِ ، وَخَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ كُسِرَ أَيْضًا فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَةٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِمْ عِنْدَنَا وَكُلُّهُمْ مُسْتَوْجِبٌ وَكَانَتِ الْإِبِلُ سَبْعِينَ بَعِيرًا يَتَعَاقَبُ النَّفَرُ الْبَعِيرَ وَكَانَتِ الْخَيْلُ فَرَسَيْنِ : فَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو وَفَرَسٌ لِمَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَهُ عَيْنَيْنِ لَهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَأْتِيَانِهِ بِخَبَرِ عَدُوِّهِ وَهُمَا : بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ وَهُمَا مِنْ جُهَيْنَةَ حَلِيفَانِ لِلْأَنْصَارِ فَانْتَهَيَا إِلَى مَاءِ بَدْرٍ فَعَلِمَا الْخَبَرَ ، وَرَجَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بَلَغَ الْمُشْرِكِينَ بِالشَّأْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْصُدُ انْصِرَافَهُمْ فَبَعَثُوا ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ فَصَلُوا مِنَ الشَّأْمِ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُونَهَمْ بِمَا بَلَغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فَيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ سِرَاعًا وَمَعَهُمُ الْقِيَانُ ، وَالدُّفُوفُ وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِالْعِيرِ وَقَدْ خَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا حِينَ دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ وَاسْتَبْطَؤُوا ضَمْضَمًا وَالنَّفِيرَ حَتَّى وَرَدَ بَدْرًا وَهُو َخَائِفٌ مِنَ الرَّصَدَ ، فَقَالَ لِمَجْدِيِّ بْنِ عَمْرٍو هَلْ أَحْسَسْتَ أَحَدًا مِنْ عُيُونِ مُحَمَّدٍ ؛ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِمَكَّةَ مِنْ قُرَشِيٍّ وَلَا قُرَشِيَّةٍ لَهُ نَشٌّ فَصَاعِدًا إِلَّا قَدْ بَعَثَ بِهِ مَعَنَا ، فَقَالَ مَجْدِيُّ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أُنْكِرُهُ إِلَّا رَاكِبَيْنِ أَتَيَا إِلَى هَذَا الْمَكَانِ وَأَشَارَ لَهُ إِلَى مُنَاخِ عَدِيٍّ وَبَسْبَسٍ ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَأَخَذَ أَبْعَارًا مِنْ بَعِيرَيْهِمَا فَفَتَّهُ فَإِذَا فِيهِ نَوًى ، فَقَالَ : عَلَائِفُ يَثْرِبَ هَذِهِ عُيُونُ مُحَمَّدٍ ، فَضَرَبَ وُجُوهَ الْعِيرِ فَسَاحَلَ بِهَا وَتَرَكَ بَدْرًا يَسَارًا ، وَانْطَلَقَ سَرِيعًا ، وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ الْعِيرَ وَيَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ ، فَأَبَتْ قُرَيْشٌ أَنْ تَرْجِعَ وَرَدُّوا الْقِيَانَ مِنَ الْجُحْفَةِ ، وَلَحِقَ الرَّسُولُ أَبَا سُفْيَانَ بِالْهَدَّةِ وَهِيَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ عُسْفَانَ إِذَا رُحْتَ مِنْ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ وَسُكَّانُهَا بَنُو ضَمْرَةَ وَنَاسٌ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَأَخْبَرَهُ بِمُضِيِّ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : وَاقَوْمَاهُ هَذَا عَمَلُ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَقَالَ : وَاللَّهِ لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا ، وَكَانَتْ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْجَاهِلِيَّةِ يَجْتَمِعُ بِهَا الْعَرَبُ بِهَا سُوقٌ ، وَبَيْنَ بَدْرٍ وَالْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةُ بُرُدٍ وَمِيلَانِ وَكَانَ الطَّرِيقُ الَّذِي سَلَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ عَلَى الرَّوْحَاءِ وَبَيْنَ الرَّوْحَاءِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ بَرِيدٌ بِالْمُنْصَرَفِ ، ثُمَّ بَرِيدٌ بِذَاتِ أَجْذَالً ، ثُمَّ بَرِيدٌ بِالْمَعْلَاةِ وَهِيَ : خَيْفُ السَّلَمِ ، ثُمَّ بَرِيدٌ بِالْأَثِيلِ ، ثُمَّ مِيلَانِ إِلَى بَدْرٍ ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ أَرْسَلَتْ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ الْعِجْلِيَّ ، وَكَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ حِينَ فَصَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يُخْبِرُهُ بِمَسِيرِهَا وَفُصُولِهَا فَخَالَفَ أَبَا سُفْيَانَ فِي الطَّرِيقِ ، فَوَافَى الْمُشْرِكِينَ بِالْجُحْفَةِ فَمَضَى مَعَهُمْ فَجُرِحَ يَوْمَ بَدْرٍ جِرَاحَاتٍ وَهَرَبَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ مِنَ الْجُحْفَةِ ، أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ حَلِيفًا لَهُمْ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا وَكَانَ اسْمُهُ أُبَيُّ فَلَمَّا رَجَعَ بِبَنِي زُهْرَةَ قِيلَ : خَنَسَ بِهِمْ فَسُمِّيَ الْأَخْنَسُ ، وَكَانَ بَنُو زُهْرَةَ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ رَجُلٍ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ ، وَكَانَ بَنُو عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ النَّفِيرِ ، فَلَمَّا بَلَغُوا ثَنِيَّةَ لِفَتٍ عَدَلُوا فِي السَّحَرِ إِلَى السَّاحِلِ مُنْصَرِفِينَ إِلَى مَكَّةَ ، فَصَادَفَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، فَقَالَ : يَا بَنِي عَدِيٍّ ، كَيْفَ رَجَعْتُمْ لَا فِي الْعِيرِ وَلَا فِي النَّفِيرِ فَقَالُوا أَنْتَ أَرْسَلْتَ إِلَى قُرَيْشٍ أَنْ تَرْجِعَ ، وَيُقَالُ : بَلْ لَقِيَهُمْ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَلَا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ دُونَ بَدْرٍ أَتَاهُ الْخَبَرُ بِمَسِيرِ قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَاسْتَشَارَهُمْ ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيُّ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغُمَادِ لَسِرْنَا مَعَكَ حَتَّى نَنْتَهِيَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، فَقَالَ : أَنَا أُجِيبُ عَنِ الْأَنْصَارِ ، كَأَنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرِيدُنَا ، قَالَ : أَجَلْ ، قَالَ : فَامْضِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ ، مَا بَقِيَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ، فَوَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ ، وَعَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ الْأَلْوِيَةَ وَكَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ الْأَعْظَمُ لِوَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَلِوَاءُ الْخَزْرَجِ مَعَ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَلِوَاءُ الْأَوْسِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ : يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَشِعَارُ الْخَزْرَجِ : يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ ، وَشِعَارُ الْأَوْسِ يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَيُقَالُ : بَلْ كَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا يَوْمَئِذٍ : يَا مَنْصُورُ أَمِتْ . وَكَانَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ أَلْوِيَةٍ : لِوَاءٌ مَعَ أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَلِوَاءٌ مَعَ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ ، وَلِوَاءٌ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَكُلُّهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْنَى بَدْرٍ عِشَاءَ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَبَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَبَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو يَتَحَسَّسُونَ خَبَرَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمَاءِ ، فَوَجَدُوا رَوَايَا قُرَيْشٍ فِيهَا سُقَّاؤُهُمْ فَأَخَذُوهُمْ . وَبَلَغَ قُرَيْشاً خَبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ سُقَّاؤُهُمْ ، فَمَاجَ الْعَسْكَرُ وَأُتِيَ بِالسُّقَّاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَيْنَ قُرَيْشٌ ، فَقَالُوا : خَلْفَ هَذَا الْكَثِيبِ الَّذِي تَرَى ، قَالَ : كَمْ هُمْ ؟ ، قَالُوا : كَثِيرٌ ، قَالَ : كَمْ عَدَدُهُمْ ؟ ، قَالُوا : لَا نَدْرِي ، قَالَ : كَمْ يَنْحَرُونَ ؟ ، قَالُوا : يَوْمًا عَشْرًا ، وَيَوْمًا تِسْعًا ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْقَوْمُ مَا بَيْنَ الْأَلْفِ وَالتِّسْعِمِائَةِ ، فَكَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إِنْسَانًا ، وَكَانَتْ خَيْلُهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ وَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ بِهِ لَيْسَ بِمَنْزِلٍ ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أَدْنَى مَاءٍ إِلَى الْقَوْمِ فَإِنِّي عَالِمٌ بِهَا وَبِقُلُبِهَا بِهَا قَلِيبٌ قَدْ عَرَفْتُ عُذُوبَةَ مَائِهِ لَا يُنْزَحُ ، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَشْرَبُ وَنُقَاتِلُ وَنُعَوِّرُ مَا سِوَاهُ مِنَ الْقُلُبِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّأْي مَا أَشَارَ بِهِ الْحُبَابُ ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَكَانَ الْوَادِي دَهْسًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى السَّمَاءَ ، فَلَبَّدَتِ الْوَادِيَ وَلَمْ يَمْنَعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَسِيرِ ، وَأَصَابَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمَطَرِ مَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ وَإِنَّمَا بَيْنَهُمْ قَوْزٌ مِنَ الرَّمْلِ وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ النُّعَاسُ ، وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشٌ مِنْ جَرِيدٍ فَدَخَلَهُ النَّبِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ مُتَوَشِّحًا بِالسَّيْفِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَفَّ أَصْحَابَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ قُرَيْشٌ وَطَلَعَتْ قُرَيْشٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَفِّفُ أَصْحَابَهُ ، وَيُعَدِّلُهُمْ كَأَنَّمَا يُقَوِّمُ بِهِمُ الْقَدَحَ ، وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ قَدَحٌ يُشِيرُ بِهِ إِلَى هَذَا تَقَدَّمْ وَإِلَى هَذَا تَأَخَّرْ حَتَّى اسْتَوَوْا ، وَجَاءَتْ رِيحٌ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهَا شِدَّةً ثُمَّ ذَهَبَتْ ، فَجَاءَتْ رِيحٌ أُخْرَى ثُمَّ ذَهَبَتْ ، فَجَاءَتْ رِيحٌ أُخْرَى ، فَكَانَتِ الْأُولَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالثَّانِيَةُ مِيكَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْمَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالثَّالِثَةُ إِسْرَافِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْسَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ سِيمَاءُ الْمَلَائِكَةِ عَمَائِمُ قَدْ أَرْخُوهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ خُضْرٌ ، وَصُفْرٌ ، وَحُمْرٌ مِنْ نُورٍ وَالصُّوفُ فِي نَوَاصِي خَيْلِهِمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ سَوَّمَتْ ، فَسَوِّمُوا ، فَأَعْلَمُوا بِالصُّوفِ فِي مَغَافِرِهِمْ وَقَلَانِسِهِمْ ، وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ ، قَالَ : فَلَمَّا اطْمَأَنَّ الْقَوْمُ بَعَثَ الْمُشْرِكُونَ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ وَكَانَ صَاحِبُ قِدَاحٍ ، فَقَالُوا : احْزُرْ لَنَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ، فَصَوَّبَ فِي الْوَادِي وَصَعَّدَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا مَدَدَ لَهُمْ وَلَا كَمِينَ ، الْقَوْمُ ثَلَاثُمِائَةٍ ، إِنْ زَادُوا زَادُوا قَلِيلًا ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا وَفَرَسَانِ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ ، قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إِلَّا سُيُوفَهُمْ ، أَمَا تَرَوْنَهُمْ خُرْسًا لَا يَتَكَلَّمُونَ ، يَتَلَمَّظُونَ تَلَمُّظَ الْأَفَاعِي ؟ وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ نَقْتُلَ مِنْهُمْ رَجُلًا حَتَّى يُقْتَلَ مِنَّا رَجُلٌ فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ عَدَدَهُمْ فَمَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَوْا رَأْيَكُمْ ، فَتَكَلَّمَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَمَشَى فِي النَّاسِ ، وَأَتَى شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَكَانَا ذَوَيْ تَقِيَّةٍ فِي قَوْمِهِمَا فَأَشَارُوا عَلَى النَّاسِ بِالِانْصِرَافِ ، وَقَالَ عُتْبَةُ : لَا تَرُدُّوا نَصِيحَتِي وَلَا تُسَفِّهُوا رَأْيِي ، فَحَسَدَهُ أَبُو جَهْلٍ حِينَ سَمِعَ كَلَامَهُ فَأَفْسَدَ الرَّأْيَ وَحَرَّشَ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ أَنْ يُنْشِدَ أَخَاهُ عَمْرًا وَكَانَ قُتِلَ بِنَخْلَةَ فَكَشَفَ عَامِرٌ وَحَثَا عَلَى اسْتِهِ التُّرَابَ وَصَاحَ : وَاعُمَرَاهُ يُخْزِي بِذَلِكَ عُتْبَةَ لِأَنَّهُ حَلِيفُهُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ ، وَجَاءَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ فَنَاوَشَ الْمُسْلِمِينَ فَثَبَتَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَفِّهِمْ وَلَمْ يَزُولُوا وَشَدَّ عَلَيْهِمْ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَنَشَبَتِ الْحَرْبُ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَتَلَهُ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَكَانَ أَوَّلُ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ وَيُقَالُ قَتَلَهُ حَبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةَ وَيُقَالُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعُقَيْلِيُّ ثُمَّ خَرَجَ شَيْبَةُ وَعُتْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ فَدَعَوْا إِلَى الْبَرَازِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بَنُو عَفْرَاءَ مُعَاذٌ وَمُعَوِّذٌ وَعَوْفٌ بَنُو الْحَارِثِ ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ قِتَالٍ لَقِيَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَنْصَارِ وَأَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الشَّوْكَةُ بِبَنِي عَمِّهِ وَقَوْمِهِ فَأَمَرَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى مَصَافِّهِمْ وَقَالَ لَهُمْ : خَيْرًا ثُمَّ نَادَى الْمُشْرِكُونَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْرِجْ إِلَيْنَا الْأَكْفَاءَ مِنْ قَوْمِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بَنِي هَاشِمٍ ، قُومُوا قَاتِلُوا بِحَقِّكُمُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّكُمْ إِذْ جَاؤُوا بِبَاطِلِهِمْ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ، فَقَامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَمَشَوْا إِلَيْهِ ، فَقَالَ عُتْبَةُ : تَكَلَّمُوا نَعْرِفْكُمْ ، وَكَانَ عَلَيْهِمُ الْبَيْضُ ، فَقَالَ حَمْزَةُ : أَنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَدُ اللَّهِ ، وَأَسَدُ رَسُولِهِ ، فَقَالَ عُتْبَةُ : كُفْءٌ كَرِيمٌ ، وَأَنَا أَسَدُ الْحُلَفَاءِ ، مَنْ هَذَانِ مَعَكَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ : كُفْآنِ كَرِيمَانِ ، ثُمَّ قَالَ لِابْنِهِ : قُمْ يَا وَلِيدُ فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ، ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ وَقَامَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ ، ثُمَّ قَامَ شَيْبَةُ وَقَامَ إِلَيْهِ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَسَنَّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ شَيْبَةُ رِجْلَ عُبَيْدَةَ بِذُبَابِ السَّيْفِ ، يَعْنِي طَرَفَهُ فَأَصَابَ عَضَلَةَ سَاقِهِ ، فَقَطَعَهَا فَكَرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ عَلَى شَيْبَةَ فَقَتَلَاهُ ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ : هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ، وَنَزَلَتْ فِيهِمْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ أَوْ عَامَّتُهَا . يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ، يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ . وَ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ، وَ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ، قَالَ : فَرُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِهِمْ مُصْلِتًا لِلسَّيْفِ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ ، وَأَجَازَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَطَلَبَ مُدْبِرَهُمْ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينِ وَثَمَانِيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فِيهِمْ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وعَاقِلُ بْنُ أَبِي الْبُكَيْرِ وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَصَفْوَانُ ابْنُ بَيْضَاءَ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ ومُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَحَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ وعَوْفٌ ومُعَوِّذٌ ابْنَا عَفْرَاءَ ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ ، وَرَافِعُ بْنُ مُعَلَّى وَيَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ فُسْحُمِ وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ رَجُلًا وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا وَكَانَ فِي مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ شَيْبَةُ وعُتْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ وَالْعَاصُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيَّةِ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَتَلَهُ صَبْرًا بِالْأَثِيلِ ، وعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ قَتَلَهُ صَبْرًا بِالصَّفْرَاءِ ، وَالْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَالُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَمُنَبِّهُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، ومَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ ، وَكَانَ فِي الْأُسَارَى نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ ، وعَدِيُّ بْنُ الْخِيَارِ ، وَأَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ، وَأَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيُّ الشَّاعِرُ ، وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ ، وَأَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الْعَامِرِيُّ . وَكَانَ فِدَاءُ الْأُسَارَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ إِلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ إِلَى أَلْفَيْنِ إِلَى أَلْفٍ إِلَّا قَوْمًا لَا مَالَ لَهُمْ ، مَنَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ وَغَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ مِنْهُمْ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْغَنَائِمِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ بِسَيَرِ شِعْبٍ بِالصَّفْرَاءِ وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثِ لَيَالٍ قَوَاصِدَ وَتَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفًا ذَا الْفَقَّارِ وَكَانَ لِمُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ فَكَانَ صَفِيَّهُ يَوْمَئِذٍ ، وَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنِيمَةَ كُلَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ حَضَرُوا بَدْرًا ، وَلِلثَّمَانِيَةِ النَّفْرِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا بِإِذْنِهِ ، فَضَرَبَ لَهُمْ بِسِهَامِهِمْ وَأُجُورِهِمْ ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ وَكَانَ مَهْرِيًّا فَكَانَ يَغْزُو عَلَيْهِ وَيَضْرِبُ فِي لِقَاحِهِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ بَشِيرًا إِلَى الْمَدِينَةِ يُخْبِرُهُمْ بِسَلَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَخَبَرِ بَدْرٍ وَمَا أَظْفَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَغَنْمِهِ مِنْهُمْ وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَالْعَالِيَةُ : قُبَاءُ ، وَخَطْمَةُ وَوَائِلٌ وَوَاقِفٌ وَبَنُو أُمَيَّةَ بْنُ زَيْدٍ وَقُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ ، فَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ حِينَ سُوِّيَ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابُ بِالْبَقِيعِ وَكَانَ أَوَّلَ النَّاسِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ ، وَبِهَزِيمَتِهِمُ الْحَيْسُمَانُ بْنُ حَابِسٍ الْخُزَاعِيُّ ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَرِيَّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ ثُمَّ سَرِيَّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَمْرِيِّ إِلَى أَبِي عَفَكٍ الْيَهُودِيِّ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ أَبُو عَفَكٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ وَكَانَ يَهُودِيًّا ، وَكَانَ يُحَرِّضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ الشِّعْرَ ، فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَهُوَ أَحَدُ الْبَكَّائِينَ وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا : عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أَقْتُلَ أَبَا عَفَكٍ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ ، فَأَمْهَلَ يَطْلُبُ لَهُ غِرَّةً حَتَّى كَانَتْ لَيْلَةٌ صَائِفَةٌ ، فَنَامَ أَبُو عَفَكٍ بِالْفِنَاءِ ، وَعَلِمَ بِهِ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ ، فَأَقْبَلَ فَوَضَعَ السَّيْفَ عَلَى كَبِدِهِ ثُمَّ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ حَتَّى خَشَّ فِي الْفِرَاشِ ، وَصَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ ، فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِمَّنْ هُمْ عَلَى قَوْلِهِ فَأَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ وَقَبَرُوهُ
غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قَيْنُقَاعَ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ ، وَكَانُوا قَوْمًا مِنْ يَهُودَ حُلَفَاءَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولٍ ، وَكَانُوا أَشْجَعَ يَهُودٍ ، وَكَانُوا صَاغَةً ، فَوَادَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ أَظْهَرُوا الْبَغْيَ وَالْحَسَدَ ، وَنَبَذُوا الْعَهْدَ وَالْمِرَّةَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَا أَخَافُ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ . وَكَانَ الَّذِي حَمَلَ لِوَاءَهُ يَوْمَئِذٍ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَكَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّايَاتُ يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْعَمْرِيَّ ، ثُمَّ سَارَ إِلَيْهِمْ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً إِلَى هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ غَدَرَ مِنَ الْيَهُودِ وَحَارَبُوا وَتَحَصَّنُوا فِي حِصْنِهِمْ ، فَحَاصَرَهُمْ أَشَدَّ الْحِصَارِ حَتَّى قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَهُمْ ، وَأَنَّ لَهُمُ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَكُتِّفُوا ، وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كِتَافِهِمُ الْمُنْذِرَ بْنَ قُدَامَةَ السُّلَمِيَّ مِنْ بَنِي السِّلْمِ رَهْطِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ ، فَكَلَّمَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَقَالَ : خَلُّوهُمْ ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ ، وَلَعَنَهُ مَعَهُمْ ، وَتَرَكَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُجْلَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ ، وَوَلَّى إِخْرَاجَهُمْ مِنْهَا عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ، فَلَحِقُوا بِأَذْرُعَاتَ فَمَا كَانَ أَقَلَّ بَقَاءَهُمْ بِهَا ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِلَاحِهِمْ ثَلَاثَ قَسِّيٍّ : قَوْسًا تُدْعَى الْكَتُومُ كُسِرَتْ بِأُحُدٍ ، وَقُوسًا تُدْعَى الرَّوْحَاءُ ، وَقُوسًا تُدْعَى الْبَيْضَاءُ ، وَأَخَذَ دِرْعَيْنِ مِنْ سِلَاحِهِمْ : دِرْعًا يُقَالُ لَهَا الصُّغْدِيَّةُ ، وَأُخْرَى فِضَّةٌ ، وَثَلَاثَةُ أَسْيَافٍ سَيْفٌ قَلَعِيُّ ، وَسَيْفٌ يُقَالُ لَهُ بَتَّارٌ ، وَسَيْفٌ آخَرَ ، وَثَلَاثَةُ أَرْمَاحٍ ، وَوَجَدُوا فِي حِصْنِهِمْ سِلَاحًا كَثِيرًا وَآلَةَ الصِّيَاغَةِ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّهُ وَالْخُمُسَ وَفَضَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَكَانَ أَوَّلَ خُمْسٍ خُمِّسَ بَعْدَ بَدْرٍ ، وَكَانَ الَّذِي وُلِّيَ قَبْضَ أَمْوَالِهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ
غَزْوَةُ السَّوِيقِ ثُمَّ غَزْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي تُدْعَى غَزْوَةُ السَّوِيقِ . خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحَدِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْعَمْرِيِّ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ لَمَّا رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ بَدْرٍ إِلَى مَكَّةَ حَرَّمَ الدُّهْنَ حَتَّى يَثْأَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ كَعْبٍ ، فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا فَسَلَكُوا النَّجْدِيَّةَ ، فَجَاءُوا بَنِي النَّضِيرِ لَيْلًا فَطَرَقُوا حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ لِيَسْتَخْبِرُوهُ مِنْ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ ، وَطَرَقُوا سَلَّامَ بْنَ مِشْكَمٍ فَفَتَحَ لَهُمْ وَقَرَاهُمْ وَسَقَاهُمْ خَمْرًا وَأَخْبَرَهُمْ مِنْ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ بِالسَّحَرِ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَمَرَّ بِالْعُرَبْضِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَقَتَلَ بِهِ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَجِيرًا لَهُ وَحَرَّقَ أَبْيَاتًا هُنَاكَ وَتِبْنًا ، وَرَأَى أَنَّ يَمِينَهُ قَدْ حَلَّتْ ثُمَّ وَلَّى هَارِبًا فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ وَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي أَثَرِهِمْ يَطْلُبُهُمْ وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانُ وَأَصْحَابُهُ يَتَخَفَّفُونَ فَيُلْقَوْنَ جُرُبَ السَّوِيقِ وَهِيَ عَامَّةُ أَزْوَادِهِمْ ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُونَهَا فَسُمِّيَتْ غَزْوَةُ السَّوِيقِ وَلَمْ يَلْحَقُوهُمْ وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ غَابَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ .
غَزْوَةُ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ ، وَيُقَالُ : قَرَارَةُ الْكُدْرِ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ وَيُقَالُ : قَرَارَةُ الْكُدْرِ ، لِلنِّصْفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ وَهِيَ بِنَاحِيَةِ مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ قَرِيبٌ مِنَ الْأَرْحَضِيَّةِ وَرَاءَ سُدِّ مَعُونَةَ ، وَبَيْنَ الْمَعْدِنِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةُ بُرُدٍ ، وَكَانَ الَّذِي حَمَلَ لِوَاءَهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَكَانَ بَلَغَهُ أَنَّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ جَمْعًا مِنْ سُلَيْمٍ وَغَطَفَانَ ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَجِدْ فِي الْمَجَالِ أَحَدًا وَأَرْسَلَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أَعْلَى الْوَادِي وَاسْتَقْبَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَوَجَدَ رِعَاءً فِيهِمْ غُلَامٌ يُقَالُ لَهُ يَسَارٌ ، فَسَأَلَهُ عَنِ النَّاسِ فَقَالَ : لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ ، إِنَّمَا أُورِدُ لِخُمُسَ وَهَذَا يَوْمٌ رِبْعِيُّ وَالنَّاسُ قَدِ ارْتَفَعُوا إِلَى الْمِيَاهِ وَنَحْنُ عُزَّابٌ فِي النَّعَمِ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ ظَفَرَ بِالنَّعَمِ فَانْحَدَرَ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَاقْتَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ بِصِرَارٍ ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ ، وَكَانَتِ النَّعَمُ خَمْسَمِائَةِ بَعِيرٍ ، فَأَخْرَجَ خُمُسَهُ وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَعِيرَانِ وَكَانُوا مِائَتَيْ رَجُلٍ وَصَارَ يَسَارٌ فِي سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي . وَغَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً
سَرِيَّةُ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ثُمَّ سَرِيَّةُ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ وَذَلِكَ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا شَاعِرًا يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِمْ وَيُؤْذِيهِمْ ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ كُبِتَ وَذُلَّ وَقَالَ : بَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا الْيَوْمَ ، فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَبَكَى قَتْلَى قُرَيْشٍ وَحَرَّضَهُمْ بِالشِّعْرِ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِي ابْنَ الْأَشْرَفِ بِمَا شِئْتَ فِي إِعْلَانِهِ الشَّرَّ وَقَوْلِهِ الْأَشْعَارَ ، وَقَالَ أَيْضًا : مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ فَقَدْ آذَانِي ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : أَنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ ، فَقَالَ : افْعَلْ وَشَاوِرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَمْرِهِ وَاجْتَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنَفَرٌ مِنَ الْأَوْسِ مِنْهُمْ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَقُلْ ، فَقَالَ : قُولُوا وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ ، فَأَنْكَرَهُ كَعْبٌ وَذُعِرَ مِنْهُ ، فَقَالَ : أَنَا أَبُو نَائِلَةَ إِنَّمَا جِئْتُ أُخْبِرُكَ أَنَّ قُدُومَ هَذَا الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْنَا مِنَ الْبَلَاءِ ، حَارَبَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَنَحْنُ نُرِيدُ التَّنَحِّيَ مِنْهُ وَمَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي وَقَدُ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ بِهِمْ فَنَبْتَاعَ مِنْكَ طَعَامًا وَتَمْرًا وَنَرْهَنَكَ مَا يَكُونُ لَكَ فِيهِ ثِقَةٌ ، فَسَكَنَ إِلَى قَوْلِهِ وَقَالَ : جِئْ بِهِمْ مَتَى شِئْتَ . فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مِيعَادٍ فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَجْمَعُوا أَمَرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ إِذَا أَمْسَى ، ثُمَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ فَمَشَى مَعَهُمْ حَتَّى أَتَى الْبَقِيعَ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ ، وَقَالَ : امْضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ ، قَالَ : وَفِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَمَضَوْا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ لَهُ أَبُو نَائِلَةَ فَوَثَبَ فَأَخَذْتِ امْرَأَتُهُ بِمِلْحَفَتِهِ وَقَالَتْ : أَيْنَ تَذْهَبْ ؟ إِنَّكَ رَجُلٌ مُحَارِبٌ وَكَانَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ ، قَالَ : مِيعَادٌ عَلَيَّ وَإِنَّمَا هُوَ أَخِي أَبُو نَائِلَةَ وَضَرَبَ بِيَدِهِ الْمِلْحَفَةَ ، وَقَالَ : لَوْ دُعِيَ الْفَتَى لِطَعْنَةٍ أَجَابَ ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِمْ فَحَادَثُوهُ سَاعَةً حَتَّى انْبَسَطَ إِلَيْهِمْ وَأَنِسَ بِهِمْ ثُمَّ أَدْخَلَ أَبُو نَائِلَةَ يَدَهُ فِي شَعْرِهِ وَأَخَذَ بِقُرُونِ رَأْسِهِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : اقْتُلُوا عَدُوَّ اللَّهِ فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ فَالْتَفَّتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا وَرَدَّ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَصِقَ بِأَبِي نَائِلَةَ ، قَالَ : مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا كَانَ فِي سَيْفِي فَانْتَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ فِي سُرَّتِهِ ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ فَقَطَّطْتُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عَانَتِهِ فَصَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً مَا بَقِيَ أُطُمٌ مِنْ آطَامِ يَهُودٍ إِلَّا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ ثُمَّ حَزُّوا رَأْسَهُ وَحَمَلُوهُ مَعَهُمْ فَلَمَّا بَلَغُوا بَقِيعَ الْغَرْقَدِ كَبَّرُوا وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ يُصَلِّي فَلَمَّا سَمِعَ تَكْبِيرَهُمْ كَبَّرَ وَعَرَفَ أَنْ قَدْ قَتَلُوهُ ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَفْلَحَتِ الْوُجُوهُ فقَالُوا : وَوَجْهُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَرَمَوْا بِرَأْسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى قَتْلِهِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودٍ فَاقْتُلُوهُ ، فَخَافَتِ الْيَهُودُ فَلَمْ يَطْلُعُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَمْ يَنْطِقُوا وَخَافُوا أَنْ يُبَيَّتُوا كَمَا بُيِّتَ ابْنُ الْأَشْرَفِ .
غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ غَطَفَانَ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَطَفَانَ إِلَى نَجْدٍ وَهِيَ ذُو أَمَرٍّ نَاحِيَةُ النَّخِيلِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَمْعًا مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ وَمُحَارِبٍ بِذِي أَمَرٍّ قَدْ تَجْمَعُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ أَطْرَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ دُعْثُورُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي مُحَارِبٍ ، فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا وَمَعَهُمْ أَفْرَاسٌ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَأَصَابُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بِذِي الْقَصَّةِ يُقَالُ لَهُ جُبَارٌ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ ، فَأُدْخِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ مِنْ خَبَرِهِمْ وَقَالَ : لَنْ يُلَاقُوكَ لَوْ سَمِعُوا بِمَسِيرِكَ هَرَبُوا فِي رُؤوسِ الْجِبَالِ وَأَنَا سَائِرٌ مَعَكَ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ . فَأَسْلَمَ وَضَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بِلَالٍ وَلَمْ يُلَاقِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا إِلَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ . وَأَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مَطَرٌ ، فَنَزَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَيْهِ ، وَنَشَرَهُمَا لِيَجِفَّا وَأَلْقَاهُمَا عَلَى شَجَرَةٍ وَاضْطَجَعَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ يُقَالُ لَهُ دُعْثُورُ بْنُ الْحَارِثِ وَمَعَهُ سَيْفٌ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَمْنَعْكَ مِنِّي الْيَوْمَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُ وَدَفَعَ جِبْرِيلُ فِي صَدْرِهِ فَوَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَنْ يَمْنَعْكَ مِنِّي قَالَ : لَا أَحَدَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَجَعَلَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ } ( الْآيَةَ ) ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً .
غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي سُلَيْمٍ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي سُلَيْمٍ بِبَحْرَانَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ وَبِحَرَّانَ بِنَاحِيَةِ الْفُرُعِ وَبَيْنَ الْفُرُعِ وَالْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةُ بُرُدٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بِهَا جَمْعًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَثِيرًا فَخَرَجَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ الْمَكْتُومِ ، وَأَغَذَّ السَّيْرَ حَتَّى وَرَدَ بِحَرَّانَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ تَفَرَّقُوا فِي مِيَاهِهِمْ فَرَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَشْرَ لَيَالٍ .
سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ثُمَّ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الْقَرَدَةِ وَكَانَتْ لِهِلَالِ جُمَادَى الْآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهِيَ أَوَّلُ سَرِيَّةٍ خَرَجَ فِيهَا زَيْدٌ أَمِيرًا ، وَالْقَرَدَةُ مِنْ أَرْضِ نَجْدٍ بَيْنَ الرَّبَذَةِ وَالْغَمْرَةِ نَاحِيَةُ ذَاتِ عِرْقٍ ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ فِيهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَمَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ نُقَرُّ ، وَآنِيَةُ فِضَّةٍ وَزْنُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَكَانَ دَلِيلُهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ الْعِجْلِيُّ ، فَخَرَجَ بِهِمْ عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ طَرِيقَ الْعِرَاقِ ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرُهُمْ فَوَجَّهَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي مِائَةِ رَاكِبٍ فَاعْتَرَضُوا لَهَا ، فَأَصَابُوا الْعِيرَ وَأَفْلَتَ أَعْيَانُ الْقَوْمِ وَقَدِمُوا بِالْعِيرِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَخَمَّسَهَا فَبَلَغَ الْخُمُسُ فِيهِ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَسَّمَ مَا بَقِيَ عَلَى أَهْلِ السَّرِيَّةِ ، وَأُسِرَ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ : إِنْ تُسْلِمْ تُتْرَكْ فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَتْلِ .
غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا يَوْمَ السَّبْتِ لِسَبْعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ . قَالُوا : لَمَّا رَجَعَ مَنْ حَضَرَ بَدْرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَكَّةَ وَجَدُوا الْعِيرَ الَّتِي قَدِمَ بِهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مَوْقُوفَةً فِي دَارِ النَّدْوَةِ ، فَمَشَتْ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ ، فَقَالُوا : نَحْنُ طَيِّبُو أَنْفُسٍ إِنْ تُجَهِّزُوا بِرِبْحِ هَذِهِ الْعِيرِ جَيْشًا إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَعِي ؛ فَبَاعُوهَا فَصَارَتْ ذَهَبًا فَكَانَتْ أَلْفَ بَعِيرٍ وَالْمَالُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْعِير رُءوسَ أَمْوَالِهِمْ وَأَخْرَجُوا أَرْبَاحَهُمْ وَكَانُوا يَرْبَحُونَ فِي تِجَارَتِهِمْ لِلدِّينَارِ دِينَارًا وَفِيهِمْ نَزَلَتْ { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } ، وَبَعَثُوا رُسُلَهُمْ يَسِيرُونَ فِي الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إِلَى نَصْرِهِمْ ، فَأَوْعَبُوا وَتَأَلَّبَ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَحَضَرُوا ، فَأَجْمَعُوا عَلَى إِخْرَاجِ الظُّعُنِ يَعْنِي النِّسَاءَ ، مَعَهُمْ لِيُذَكِّرْنَهُمْ قَتْلَى بَدْرٍ فَيَحْفِزْنَهُمْ فَيَكُونُ أَحَدَّ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَكَتَبَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِخَبَرِهِمْ كُلِّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ بِكِتَابِ الْعَبَّاسِ وَأَرْجَفَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ بِالْمَدِينَةِ وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ وَكَانَ يُسَمَّى قَبْلَ ذَلِكَ الرَّاهِبُ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ وَكَانَ عَدَدُهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ فِيهِمْ سَبْعُمِائَةِ دَارِعٍ وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ وَثَلَاثَةُ آلَافِ بَعِيرٍ وَالظُّعُنُ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَشَاعَ خَبَرُهُمْ وَمَسِيرُهُمْ فِي النَّاسِ حَتَّى نَزَلُوا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَيْنِ لَهُ أَنَسًا وَمُؤْنِسًا ابْنَيْ فَضَالَةَ الظَّفَرِيَّيْنِ ، لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ شَوَّالٍ ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَدْ خَلُّوا إِبِلَهُمْ وَخَيْلَهُمْ فِي الزَّرْعِ الَّذِي بِالْعُرَيْضِ حَتَّى تَرَكُوهُ لَيْسَ بِهِ خَضْرَاءُ ، ثُمَّ بَعَثَ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ أَيْضًا فَدَخَلَ فِيهِمْ فَحَزَرَهُمْ وَجَاءَهُ بِعِلْمِهِمْ ، وَبَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فِي عِدَّةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ فِي الْمَسْجِدِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُرِسَتِ الْمَدِينَةُ حَتَّى أَصْبَحُوا وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَأَنَّهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَكَأَنَّ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ قَدِ انْفَصَمَ مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ ، وَكَأَنَّ بَقَرًا تُذَبَّحُ وَكَأَنَّهُ مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَخْبَرَ بِهَا أَصْحَابَهُ ، وَأَوَّلَهَا فَقَالَ : أَمَّا الدِّرْعُ الْحَصِينَةُ فَالْمَدِينَةُ ، وَأَمَّا انْفِصَامُ سَيْفِي فَمُصِيبَةٌ فِي نَفْسِي ، وَأَمَّا الْبَقَرُ الْمَذَبَّحُ فَقَتْلٌ فِي أَصْحَابِي ، وَأَمَّا مُرْدِفٌ كَبْشًا فَكَبْشُ الْكَتِيبَةِ يَقْتُلُهُ اللَّهُ إِنَّ شَاءَ اللَّهُ ، فَكَانَ رَأْي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِهَذِهِ الرُّؤْيَا ، فَأَحَبَّ أَنْ يُوَافَقَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَنْ لَا يَخْرُجَ وَكَانَ ذَلِكَ رَأْي الْأَكَابِرِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : امْكُثُوا فِي الْمَدِينَةِ وَاجْعَلُوا النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ فِي الْآطَامِ . فَقَالَ فَتَيَانٌ أَحْدَاثٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا فَطَلَبُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوجَ إِلَى عَدُوِّهِمْ وَرَغِبُوا فِي الشَّهَادَةِ ، وَقَالُوا : اخْرُجْ بِنَا إِلَى عَدُوِّنَا ، فَغَلَبَ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ ثُمَّ وَعَظَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالْجِهَادِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ لَهُمُ النَّصْرَ مَا صَبَرُوا وَأَمَرَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ لِعَدُوِّهِمْ فَفَرِحَ النَّاسُ بِالشُّخُوصِ ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ وَقَدْ حُشِدُوا وَحَضَرَ أَهْلُ الْعَوَالِي ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَعَمَّمَاهُ وَلَبَّسَاهُ ، وَصَفَّ النَّاسَ لَهُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ : اسْتَكْرَهْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُرُوجِ ، وَالْأَمْرُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَيْهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَأَظْهَرَ الدِّرْعَ وَحَزَّمَ وَسَطَهَا بِمِنْطَقَةٍ مِنْ أَدَمٍ مِنْ حَمَائِلِ السَّيْفِ ، وَاعْتَمَّ وَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَأَلْقَى التُّرْسَ فِي ظَهْرِهِ فَنَدِمُوا جَمِيعًا عَلَى مَا صَنَعُوا ، وَقَالُوا : مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُخَالِفَكَ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ فَانْظُرُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ وَامْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ فَلَكُمُ النَّصْرُ مَا صَبَرْتُمْ ثُمَّ دَعَا بِثَلَاثَةِ أَرْمَاحٍ ، فَعَقَدَ ثَلَاثَةَ أَلْوِيَةٍ فَدَفَعَ لِوَاءَ الْأَوْسِ إِلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ ، وَدَفَعَ لِوَاءَ الْخَزْرَجِ إِلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَيُقَالُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَدَفَعَ لِوَاءَهُ لِوَاءَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَيُقَالُ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَهُ وَتَنَكَّبَ الْقَوْسَ وَأَخَذَ قَنَاةً بِيَدِهِ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ قَدْ أَظْهَرُوا الدُّرُوعَ فِيهِمْ مِائَةُ دَارِعٍ ، وَخَرَجَ السَّعْدَانِ أَمَامَهُ يَعْدُوَانِ : سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارِعٌ وَالنَّاسُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ . فَمَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّيْخَيْنِ وَهُمَا أُطْمَانِ الْتَفَتَ فَنَظَرَ إِلَى كَتِيبَةٍ خَشْنَاءَ لَهَا زُجَلٌ ، فَقَالَ : مَا هَذِهِ ، قَالُوا : حُلَفَاءُ ابْنُ أُبَيٍّ مِنْ يَهُودٍ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَسْتَنْصِرُوا بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ . وَعُرِضَ مَنْ عُرِضَ بِالشَّيْخَيْنِ فَرَدَّ مَنْ رَدِّ وَأَجَازَ مَنْ أَجَازَ وَغَابَتِ الشَّمْسُ وَأَذَّنَ بِلَالٌ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ ، وَبَاتَ بِالشَّيْخَيْنِ وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي النَّجَّارِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْحَرَسِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا يُطِيفُونَ بِالْعَسْكَرِ . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ رَاحَ وَنَزَلَ فَاجْتَمَعُوا وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى حَرَسِهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي خَيْلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَدْلَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّحَرِ وَدَلِيلُهُ أَبُو حَثْمَةَ الْحَارِثِيُّ فَانْتَهَى إِلَى أُحُدٍ إِلَى مَوْضِعِ الْقَنْطَرَةِ الْيَوْمَ فَحَانَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ يَرَى الْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَ بِلَالًا وَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ صُفُوفًا وَانْخَزَلَ ابْنُ أُبَيٍّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي كَتِيبَةٍ كَأَنَّهُ هَيْقٌ يَقْدُمُهُمْ وَهُوَ يَقُولُ عَصَانِي وَأَطَاعَ الْوِلْدَانَ وَمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ ، وَانْخَزَلَ مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَبَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِمِائَةٍ وَمَعَهُ فَرَسُهُ وَفَرَسٌ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نَيَارٍ وَأَقْبَلَ يَصِفُ أَصْحَابَهُ وَيُسَوِّي الصُّفُوفَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَجَعَلَ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَعَلَيْهِ دِرْعَانِ وَمِغْفَرٌ وَبَيْضَةٌ وَجَعَلَ أُحُدًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْمَدِينَةَ وَجَعَلَ عَيْنَيْنِ جَبَلًا بِقَنَاةٍ عَنْ يَسَارِهِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ مِنَ الرُّمَاةِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَوْعَزَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : قُومُوا عَلَى مَصَافِّكُمْ هَذِهِ فَاحْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تَشْرَكُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تَنْصُرُونَا ، وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ صَفُّوا صُفُوفَهُمْ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى الْمَيْمَنَةِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَلَهُمْ مُجَنَّبَتَانِ مِائَتَا فَرَسٍ وَجَعَلُوا عَلَى الْخَيْلِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَيُقَالُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَكَانُوا مِائَةَ رَامٍ ، وَدَفَعُوا اللِّوَاءَ إِلَى طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ . وَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ ؟ ، قِيلَ عَبْدُ الدَّارِ ، قَالَ : نَحْنُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ ، أَيْنَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ؟ ، قَالَ : هَأَنَذَا قَالَ : خُذِ اللِّوَاءَ ، فَأَخَذَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَقَدَّمَ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَنْشَبَ الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ ، طَلَعَ فِي خَمْسِينَ مِنْ قَومِهِ فَنَادَى : أَنَا أَبُو عَامِر ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لَا مَرْحَبًا بِكَ وَلَا أَهْلًا يَا فَاسِقُ ، قَالَ : لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ وَمَعَهُ عَبِيدُ قُرَيْشٍ ، فَتَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى وَلَّى أَبُو عَامِرٍ وَأَصْحَابُهُ ، وَجَعَلَ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَضْرِبْنَ بِالْأَكْبَارِ وَالدُّفُوفِ وَالْغَرَابِيلِ وَيُحَرِّضْنَ وَيُذَكِّرْنَهُمْ قَتْلَى بَدْرٍ وَيَقُلْنَ : نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ قَالَ : وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَالرُّمَاةُ يَرْشُقُونَ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبْلِ فَتَوَلَّى هَوَازِنُ ، فَصَاحَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ مَنْ يُبَارِزُ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَالْتَقَيَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى فَلَقَ هَامَتَهُ فَوَقَعَ ، وَهُوَ كَبْشُ الْكَتِيبَةِ فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَظْهَرَ التَّكْبِيرَ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ وَشَدُّوا عَلَى كَتَائِبِ الْمُشْرِكِينَ يَضْرِبُونَهُمْ حَتَّى نَغَضَتْ صُفُوفُهُمْ ثُمَّ حَمَلَ لِوَاءَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ أَبُو شَيْبَةَ وَهُوَ أَمَامَ النِّسْوَةِ يَرْتَجِزُ ، وَيَقُولُ : إِنَّ عَلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ حَقَّا أَنْ تُخْضَبَ الصَّعْدَةُ أَوْ تَنْدَقَّا . وَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى كَاهِلِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ وَكَتِفَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُؤْتَزَرِهِ وَبَدَا سَحْرُهُ ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا ابْنُ سَاقِي الْحَجِيجِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَرَمَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ فَأَدْلَعَ لِسَانَهُ إِدْلَاعَ الْكَلْبِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ حَمَلَهُ مُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ حَمَلَهُ الْحَارِثُ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَرَمَاهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ حَمَلَهُ كِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ الجُلَاسُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ أَرْطَاةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، ثُمَّ حَمَلَهُ شُرَيْحُ بْنُ قَارِظٍ فَلَسْنَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ ، ثُمَّ حَمَلَهُ صُؤَابٌ غُلَامُهُمْ وَقَالَ قَائِلٌ : قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ قَائِلٌ : قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ قَائِلٌ : قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَهُوَ أَثْبَتُ الْقَوْلِ . فَلَمَّا قُتِلَ أَصْحَابُ اللِّوَاءِ انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ مُنْهَزِمِينَ لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ وَنِسَاؤُهُمْ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ ، وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَضَعُونَ السِّلَاحَ فِيهِمْ حَيْثُ شَاءُوا حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ عَنِ الْعَسْكَرِ ، وَوَقَعُوا يَنْتَهِبُونَ الْعَسْكَرَ وَيَأْخُذُونَ مَا فِيهِ مِنَ الْغَنَائِمِ ، وَتَكَلَّمَ الرُّمَاةُ الَّذِينَ عَلَى عَيْنَيْنِ وَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ وَثَبَتَ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ دُونَ الْعَشَرَةِ مَكَانَهُمْ وَقَالَ : لَا أُجَاوِزُ أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَوَعَظَ أَصْحَابَهُ وَذَكَّرَهُمْ أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا ، قَدِ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَمَا مُقَامُنَا هَاهُنَا فَانْطَلَقُوا يَتْبَعُونَ الْعَسْكَرَ يَنْتَهِبُونَ مَعَهُمْ وَخَلَّوُا الْجَبَلَ وَنَظَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى خَلَاءِ الْجَبَلِ وَقِلَّةِ أَهْلِهِ فَكَرَّ بِالْخَيْلِ وَتَبِعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَحَمَلُوا عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الرُّمَاةِ فَقَتَلُوهُمْ ، وَقُتِلَ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَانْتَقَضَتْ صُفُوفُ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ وَحَالَتِ الرِّيحُ فَصَارَتْ دَبُورًا وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ صَبًّا وَنَادَى إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ فَصَارُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى غَيْرِ شِعَارٍ وَيَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا يَشْعُرُونَ بِهِ مِنَ الْعَجَلَةِ وَالدَّهَشِ ، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ مَلَكٌ فِي صُورَةِ مُصْعَبٍ وَحَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ وَلَمْ تُقَاتِلْ وَنَادَى الْمُشْرِكُونَ بِشِعَارِهِمْ : يَا لَلْعُزَّى ، يَا لَهُبَلَ ، وَأَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ قَتْلًا ذَرِيعًا وَوَلَّى مَنْ وَلَّى مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزَالُ يَرْمِي عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى صَارَتْ شَظَايَا وَيَرْمِي بِالْحَجَرِ وَثَبَتَ مَعَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا : سَبْعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى تَحَاجَزُوا وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وِجْهِهِ مَا نَالُوا ، أُصِيبَتْ رَبَاعِيَّتُهُ وَكُلِمَ فِي وَجْنَتَيْهِ وَجَبْهَتِهِ وَعَلَاهُ ابْنُ قَمِيئَةَ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَاتَّقَاهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ فَشُلَّتْ إِصْبَعُهُ وَادَّعَى ابْنُ قَمِيئَةَ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا رَعَّبَ الْمُسْلِمِينَ وَكَسَرَهُمْ .
مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، قَتَلَهُ وَحْشِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قَتَلَهُ ابْنُ قَمِيئَةَ ، وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ الْمَخْزُومِيُّ قَتَلَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنَ ابْنَا الْهُبَيْبِ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ، وَوَهْبُ بْنُ قَابُوسَ الْمُزَنِيُّ وَابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ قَابُوسَ ، وَقُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلًا ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ مُعَاذٍ أَخُو سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَالْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ خَطَأً وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبُ ، وَخَيْثَمَةُ أَبُو سَعْدِ بْنُ خَيْثَمَةَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ صِهْرُ أَبِي بَكْرٍ ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَمَالِكُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ وَمُحَذَّرُ بْنُ زِيَادٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فِي نَاسٍ كَثِيرٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا فِيهِمْ حَمَلَةُ اللِّوَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ، وَأَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَسِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى الْخُزَاعِيُّ وَهُوَ ابْنُ أُمِّ أَنْمَارٍ قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعُقَيْلِيُّ وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ، وَأَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ وَقَدْ كَانَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا أُكْثِرُ عَلَيْكَ جَمْعًا ثُمَّ خَرَجَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أَحَدٍ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِيرًا وَلَمْ يَأْخُذْ أَسِيرًا غَيْرَهُ ، فَقَالَ : مُنَّ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ ، لَا تَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ تَمْسَحُ عَارِضَيْكَ تَقُولُ : سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَمْوَاتِهِمْ وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يُغَسِّلْهُ وَلَمْ يُغَسِّلِ الشُّهَدَاءَ وَقَالَ : لُفُّوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَجِرَاحِهِمْ أَنَا الشَّهِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ ضَعُوهُمْ ، فَكَانَ حَمْزَةُ أَوَّلَ مَنْ كَبَّرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا ثُمَّ جَمَعَ إِلَيْهِ الشُّهَدَاءَ فَكَانَ كُلَّمَا أُتِيَ بِشَهِيدٍ وُضِعَ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّهِيدِ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ مَرَّةً ، وَقَدْ سَمِعْنَا مَنْ يَقُولُ : لَمْ يُصَلِّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أَحَدٍ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَوْسِعُوا وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا ، فَكَانَ مِمَّنْ نَعْرِفُ أَنَّهُ دُفِنَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فِي قَبْرٍ ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي قَبْرٍ ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ، فَكَانَ النَّاسُ أَوْ عَامَّتُهُمْ قَدْ حَمَلُوا قَتْلَاهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَفَنُوهُمْ فِي نَوَاحِيهَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رُدُّوا الْقَتْلَى إِلَى مَضَاجِعِهِمْ فَأَدْرَكَ الْمُنَادِي رَجُلًا وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ دُفِنَ فَرُدَّ وَهُوَ شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ . ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْمَدِينَةِ ، وَشَمَتَ ابْنُ أُبَيٍّ وَالْمُنَافِقُونَ بِمَا نِيلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَنْ يَنَالُوا مِنَّا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ حَتَّى نَسْتَلِمَ الرُّكْنَ ، وَبَكَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى قَتْلَاهُمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ ، فَجَاءَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ إِلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيْنَ عَلَى حَمْزَةَ فَدَعَا لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُنَّ بِالِانْصِرَافِ فَهُنَّ إِلَى الْيَوْمِ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنَ الْأَنْصَارِ بَدَأَ النِّسَاءُ فَبَكَيْنَ عَلَى حَمْزَةَ ثُمَّ بَكَيْنَ عَلَى مَيِّتِهِنَّ .
غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْرَاءُ الْأَسَدِ ثُمَّ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْرَاءُ الْأَسَدِ يَوْمَ الْأَحَدِ لِثَمَانِي لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ ، قَالُوا : لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُدٍ مَسَاءَ يَوْمِ السَّبْتِ بَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى بَابِهِ نَاسٌ مِنْ وُجُوهِ الْأَنْصَارِ وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يُدَاوُونَ جِرَاحَاتِهِمْ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ يَوْمَ الْأَحَدِ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكُمْ بِطَلَبِ عَدُوِّكُمْ وَلَا يَخْرُجْ مَعَنَا إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ بِالْأَمْسِ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : إِنَّ أَبِي خَلَّفَنِي يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى أَخَوَاتٍ لِي فَلَمْ أَشْهَدِ الْحَرْبَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَسِيرَ مَعَكَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ أَحَدٌ لَمْ يَشْهَدِ الْقِتَالَ غَيْرَهُ . وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِوَائِهِ وَهُوَ مَعْقُودٌ لَمْ يُحَلُّ فَدَفَعَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَيُقَالُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَخَرَجَ وَهُوَ مَجْرُوحٌ فِي وَجْهِهِ ، وَمَشْجُوجٌ فِي جَبْهَتِهِ ، وَرُبَاعِيَّتُهُ قَدْ شَظِيَتْ ، وَشَفَتُهُ السُّفْلَى قَدْ كُلِمَتْ فِي بَاطِنِهَا ، وَهُوَ مُتَوَهِّنٌ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ مِنْ ضَرْبَةِ ابْنِ قَمِيئَةَ وَرُكْبَتَاهُ مَجْحُوشَتَانِ ، وَحُشِدَ أَهْلُ الْعَوَالِي وَنَزَلُوا حَيْثُ أَتَاهُمُ الصَّرِيخُ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَهُ ، وَخَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ فَبَعَثَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ طَلِيعَةً فِي آثَارِ الْقَوْمِ فَلَحِقَ اثْنَانِ مِنْهُمُ الْقَوْمَ بِحَمْرَاءَ الْأَسَدِ وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ طَرِيقَ الْعَقِيقِ مُتَيَاسِرَةً عَنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا أَخَذْتَهَا فِي الْوَادِي وَلِلْقَوْمِ زَجَلٌ وَهُمْ يَأْتَمِرُونَ بِالرُّجُوعِ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، فَبَصُرُوا بِالرَّجُلَيْنِ فَعَطَفُوا عَلَيْهِمَا فَعَلَوْهُمَا وَمَضَوْا وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى عَسْكَرُوا بِحَمْرَاءَ الْأَسَدِ ، فَدَفَنَ الرَّجُلَيْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَهُمَا الْقَرِينَانِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُوقِدُونَ تِلْكَ اللَّيَالِي خَمْسَمِائَةِ نَارٍ حَتَّى تُرَى مِنَ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ ، وَذَهَبَ صَوْتُ مُعَسْكَرِهِمْ وَنِيرَانِهِمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَكَبَتَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ غَابَ خَمْسَ لَيَالٍ وَكَانَ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ .
سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ ثُمَّ سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِي بِعُرَنَةَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدٍ الْهُذَلِيَّ ثُمَّ اللِّحْيَانِيَّ وَكَانَ يَنْزِلُ عُرَنَةَ وَمَا وَالَاهَا فِي نَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ قَدْ جَمَعَ الْجُمُوعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ لِيَقْتُلَهُ فَقَالَ : صِفْهُ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : إِذَا رَأَيْتَهُ هِبْتَهُ وَفَرِقْتَ مِنْهُ وَذَكَرْتَ الشَّيْطَانَ قَالَ : وَكُنْتُ لَا أَهَابُ الرِّجَالَ وَاسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ فَأَذِنَ لِي فَأَخَذْتُ سَيْفِي وَخَرَجْتُ أَعْتَزِي إِلَى خُزَاعَةَ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَطْنِ عُرَنَةَ لَقِيتُهُ يَمْشِي وَوَرَاءَهُ الْأَحَابِيشُ وَمَنْ ضَوِيَ إِلَيْهِ فَعَرَفْتُهُ بِنَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهِبْتُهُ فَرَأَيْتُنِي أَقْطُرُ فَقُلْتُ : صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَقَالَ : مَنِ الرَّجُلُ ، فَقُلْتُ : رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ سَمِعْتُ بِجَمْعِكَ لِمُحَمَّدٍ فَجِئْتُكَ لَأَكُونَ مَعَكَ ، قَالَ : أَجَلْ إِنِّي لَأَجْمَعُ لَهُ ، فَمَشَيْتُ مَعَهُ وَحَدَّثْتُهُ وَاسْتَحْلَى حَدِيثِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى خِبَائِهِ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِذَا هَدَأَ النَّاسُ وَنَامُوا اغْتَرَرْتُهُ فَقَتَلْتُهُ وَأَخَذْتُ رَأْسَهُ ثُمَّ دَخَلْتُ غَارًا فِي الْجَبَلِ وَضَرَبَتِ الْعَنْكَبُوتُ عَلَيَّ ، وَجَاءَ الطَّلَبُ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا فَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ . ثُمَّ خَرَجْتُ فَكُنْتُ أَسِيرُ اللَّيْلَ وَأَتَوَارَى بِالنَّهَارِ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ : أَفْلَحَ الْوَجْهُ ، قُلْتُ : أَفْلَحَ وَجْهُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَوَضَعْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَدَفَعَ إِلَيَّ عَصًا ، وَقَالَ : تَخَصَّرْ بِهَذِهِ فِي الْجَنَّةِ ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى أَهْلَهُ أَنْ يُدْرِجُوهَا فِي كَفَنِهِ ، فَفَعَلُوا وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقَدِمَ السَّبْتَ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ .
سَرِيَّةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو ثُمَّ سَرِيَّةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو السَّاعِدِي إِلَى بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : وَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو بَرَاءٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنَّةِ الْكِلَابِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَى لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يُبْعِدْ ، وَقَالَ : لَوْ بَعَثْتَ مَعِيَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَى قَوْمِي لَرَجَوْتُ أَنْ يُجِيبُوا دَعَوْتَكَ وَيَتَّبِعُوا أَمْرَكَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ ، فَقَالَ : أَنَا لَهُمُ جَارٌ إِنْ يَعْرِضْ لَهُمْ أَحَدٌ . فَبَعَثَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ شَبَبَةً يُسَمَّوْنَ الْقُرَّاءُ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرِو السَّاعِدِيَّ ، فَلَمَّا نَزَلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَهُوَ مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي سُلَيْمٍ وَهُوَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ ، كِلَا الْبَلَدَيْنِ يُعَدُّ مِنْهُ وَهُوَ بِنَاحِيَةِ الْمَعْدِنِ ، نَزَلُوا عَلَيْهَا وَعَسْكَرُوا بِهَا وَسَرَّحُوا ظَهْرَهُمْ وَقَدَّمُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ فَوَثَبَ عَلَى حَرَامٍ فَقَتَلَهُ وَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا ، وَقَالُوا : لَا يُخْفَرُ جِوَارُ أَبِي بَرَاءٍ ، فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ سُلَيْمِ عُصَيَّةَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ فَنَفَرُوا مَعَهُ وَرَأَسُوهُ . وَاسْتَبْطَأَ الْمُسْلِمُونَ حَرَامًا فَأَقْبَلُوا فِي أَثَرِهِ فَلَقِيَهُمُ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَكَاثَرُوهُمْ فَتَقَاتَلُوا فَقُتِلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ سُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا فَلَمَّا أُحِيطَ بِهِمْ ، قَالُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَجِدُ مَنْ يُبَلِغُ رَسُولَكَ مِنَّا السَّلَامَ غَيْرَكَ ، فَأَقْرِئْهُ مِنَّا السَّلَامَ . فَأَخْبَرَهُ جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَبَقِيَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالُوا : إِنْ شِئْتَ أَمَّنَّاكَ ، فَأَبَى وَأَتَى مَصْرَعَ حَرَامٍ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْنَقَ لِيَمُوتَ ، يَعْنِي أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْمَوْتِ وَهُوَ يَعْرِفُهُ ، وَكَانَ مَعَهُمْ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فَقُتِلُوا جَمِيعًا غَيْرَهُ ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ : قَدْ كَانَ عَلَى أُمِّي نَسَمَةٌ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْهَا وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ وَفَقَدَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى فَسَأَلَ عَنْهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ ، فَقَالَ : قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ يُقَالُ لَهُ جُبَارُ بْنُ سُلْمَى لَمَّا طَعَنَهُ قَالَ فُزْتُ وَاللَّهِ وَرَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ عُلُوًّا . فَأَسْلَمَ جُبَارُ بْنُ سُلْمَى لَمَّا رَأَى مِنْ قَتْلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ وَرَفْعِهِ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْ جُثَّتَهُ وَأُنْزِلَ عِلِّيِّينَ . وَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَجَاءَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا مُصَابُ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ وَمَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ وَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتَلَتِهِمْ بَعْدَ الرَّكْعَةِ مِنَ الصُّبُحِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرٍ اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِبَنِي لِحْيَانَ وَعَضَلَ وَالْقَارَةَ وَزِغْبٍ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ فَإِنَّهُمْ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ . وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى مَا وَجَدَ عَلَى قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ : بَلِّغُوا قَوْمَنَا عَنَّا أَنَا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ اهْدِ بَنِي عَامِرٍ وَاطْلُبْ خُفْرَتِي مِنْ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ . وَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ سَارَ أَرْبَعًا عَلَى رِجْلَيْهِ ، فَلَمَّا كَانَ بِصُدُورِ قَنَاةٍ لَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي كِلَابٍ قَدْ كَانَ لَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانٌ فَقَتَلَهُمَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَقْتَلِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُبْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ . وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْعَامِرِيَّيْنِ ، فَقَالَ : بِئْسَ مَا صَنَعْتَ قَدْ كَانَ لَهُمَا مِنِّي أَمَانٌ وَجِوَارٌ ، لَأَدِيَنَّهُمَا فَبَعَثَ بِدِيَّتِهِمَا إِلَى قَوْمِهِمَا .
سَرِيَّةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ ثُمَّ سَرِيَّةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ إِلَى الرَّجِيعِ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
<<
<
1
2
3
4
5
6
>
>>