بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ
3820 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ , قَالَ : حدثنا شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ , كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَاهِبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ . وَقَالُوا : لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ كَالرُّجُوعِ فِي الْقَيْءِ وَكَانَ رُجُوعُ الرَّجُلِ فِي قَيْئِهِ حَرَامًا عَلَيْهِ كَانَ كَذَلِكَ رُجُوعُهُ فِي هِبَتِهِ . وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا : لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً عَلَى حَالِهَا لَمْ تُسْتَهْلَكْ وَلَمْ يَزِدْ فِي بَدَنِهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْوَاهِبِ وَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُثِبْهُ أَيْ : لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا ثَوَابًا . فَإِنْ كَانَ أَثَابَهُ مِنْهَا ثَوَابًا وَقَبِلَ ذَلِكَ الثَّوَابَ مِنْهُ أَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْوَاهِبِ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا . فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَاهِبُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَكِنَّهَا امْرَأَةٌ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا أَوْ زَوْجٌ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ فَهُمَا فِي ذَلِكَ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ . وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا مَنِ الْعَائِدُ فِي قَيْئِهِ . فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الرَّجُلَ الْعَائِدَ فِي قَيْئِهِ فَيَكُونَ قَدْ جَعَلَ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِيمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْكَلْبَ الْعَائِدَ فِي قَيْئِهِ وَالْكَلْبُ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ فَيَكُونُ الْعَائِدُ فِي قَيْئِهِ عَائِدًا فِي قَذَرٍ كَالْقَذَرِ الَّذِي يَعُودُ فِيهِ الْكَلْبُ فَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ مَنْعُ الْوَاهِبِ مِنَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ هَلْ نَجِدُ فِي الْآثَارِ مَا يَدُلُّنَا عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَا هُوَ ؟ |
3821 فَإِذَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السُّوءِ الرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ |
3822 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : حدثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ، قَالَ : حدثنا وُهَيْبٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ تَنْزِيهَ أُمَّتِهِ عَنْ أَمْثَالِ الْكِلَابِ لَا أَنَّهُ أَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الرُّجُوعُ فِي هِبَاتِهِمْ . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْكَلَامُ أَيْضًا الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ |
3823 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ حدثنا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : حدثنا رَوْحٌ قَالَ : حدثنا عَوْفٌ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَثَلُ الَّذِي يَعُودُ فِي عَطَائِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ أَكَلَ حَتَّى إِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ فَأَكَلَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ فِي مَعْنًى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى |
3824 حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَا : حدثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ : حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فِي ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى أَنْ يَبْتَاعَ مَالًا جَعَلَهُ صَدَقَةً |
3825 حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبْتَاعَهُ مِنْهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ هُوَ ضِدُّ الْغَلَاءِ . فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ |
3826 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، قَالَ : حدثنا سُفْيَانُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ أَبْصَرَ فَرَسًا تُبَاعُ فِي السُّوقِ وَكَانَ تَصَدَّقَ بِهِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْتَرِيهِ ؟ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَشْتَرِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ أَيْ مِمَّا يُنْتِجُهُ مِنَ الْوَلَدِ فَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَبْتَاعَ مَا كَانَ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ وَجَعَلَهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ . فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُوجِبِ حُرْمَةِ ابْتِيَاعِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهَا وَلَكِنْ تَرْكُ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ . فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا لِمَا ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَكِنَّهُ لِأَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ |
3827 وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ : حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ : حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ فَقَالَ قَائِلٌ فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ مِنَ الرَّجُلِ لِغَيْرِ وَلَدِهِ . قِيلَ لَهُ : مَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ ذَلِكَ الرُّجُوعَ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِتَغْلِيظِهِ إِيَّاهُ لِكَرَاهِيَةِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ مَثَلُ السُّوءِ . وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِذِي مَرَّةٍ سَوِيٍّ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَلَكِنَّهَا عَلَى مَعْنَى لَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالزَّمَانَةِ . فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا تَحِلُّ لَهُ الْأَشْيَاءُ الَّتِي قَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ . وَلَمْ يَجْعَلْ لِمَنْ فَعَلَهَا مَثَلًا كَالْمَثَلِ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَائِدِ فِي هِبَتِهِ . وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْعَوْدُ فِيهَا بِالرُّجُوعِ وَالِابْتِيَاعِ وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ . فَذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِلْوَالِدِ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَهَبَ لِابْنِهِ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ إِلَى ذَلِكَ وَفَقْرِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْهُ يَكُونُ مَثَلُهُ فِيهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ الْمُتَرَاجِعِ فِي قَيْئِهِ . وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ لِفَقْرِهِ فَلَمْ يُضَيِّقْ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ |
3828 حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : حدثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَجُلًا ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْطَيْتُ أُمِّي حَدِيقَةً وَإِنَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجَبَتْ صَدَقَتُكَ وَرَجَعَتْ إِلَيْكَ حَدِيقَتُكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : أَفَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبَاحَ لِلْمُتَصَدِّقِ صَدَقَتَهُ لَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ وَمَنَعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنِ ابْتِيَاعِ صَدَقَتِهِ . فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إِبَاحَةُ الصَّدَقَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى الْمُتَصَدِّقِ بِفِعْلِ اللَّهِ وَكَرَاهَةُ الصَّدَقَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَيْهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ . فَكَذَلِكَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْأَبِ عَنْ مَالِ الِابْنِ لِحَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ وَجَبَتْ لَهُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهَا لَهُ . فَأَبَاحَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ارْتِجَاعَ هِبَتِهِ وَإِنْفَاقَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ لَا كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بِالِابْتِيَاعِ وَالِارْتِجَاعِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوَالِدَ الْوَاهِبَ دُونَ سَائِرِ الْوَاهِبِينَ . أَفَيَكُونُ حُكْمُ الْوَلَدِ فِيمَا وَهَبَ لِأَبِيهِ خِلَافَ حُكْمِ الْوَالِدِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ ؟ قِيلَ لَهُ : بَلْ حُكْمُهُمَا فِي هَذَا سَوَاءٌ فَذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا يُجْزِئُ مِنْ ذِكْرِهِ إِيَّاهُمَا وَمِنْ ذِكْرِ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ حُكْمُهُ فِي هَذَا مِثْلُ حُكْمِهِمَا . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ } . فَحَرَّمَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا بِالْأَنْسَابِ . ثُمَّ قَالَ { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ } وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعَةِ غَيْرَ هَاتَيْنِ . فَكَانَ ذِكْرُهُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ سَائِرَ مَنْ حُرِّمَ بِالنَّسَبِ فِي حُكْمِ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ وَأَغْنَاهُ ذِكْرُ هَاتَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَاهُمَا فِي ذَلِكَ إِذْ كَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ بِالْأَنْسَابِ فَجَعَلَ حُكْمَهُنَّ حُكْمًا وَاحِدًا . فَدَلَّ تَحْرِيمُهُ بَعْضَهُنَّ أَيْضًا بِالرَّضَاعِ أَنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ وَاحِدٌ . فَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ فَعَمَّ بِذَلِكَ النَّاسَ جَمِيعًا . ثُمَّ قَالَ إِلَّا الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ سِوَى الْوَالِدِ مِنَ الْوَاهِبِينَ فِي رُجُوعِ الْهِبَاتِ إِلَيْهِمْ يُرِدِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهَا كَذَلِكَ وَأَغْنَاهُ ذِكْرُ بَعْضِهِمْ عَنْ ذِكْرِ سَائِرِهِمْ . فَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ مَا يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ بِنَقْضِهِ إِيَّاهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَرُدَّهَا إِلَى مِلْكِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي أَخْرَجَهَا مِنْهُ بِالْهِبَةِ . فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا . |