مَا ذُكِرَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ دَارَ النَّدْوَةِ وَأُضِيفَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْكَبِيرِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ نَافِعٍ الْخُزَاعِيُّ : فَكَانَتْ دَارُ النَّدْوَةِ - عَلَى مَا ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ - لَاصِقَةً بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فِي الْوَجْهِ الشَّامِيِّ مِنَ الْكَعْبَةِ ، وَهِيَ دَارُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَتُبَرِّكُهَا بِأَمْرِ قُصَيٍّ ، تَجْتَمِعُ فِيهَا لِلْمَشُورَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلِإِبْرَامِ الْأُمُورِ ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ دَارَ النَّدْوَةِ ؛ لِاجْتِمَاعِ النَّدِيِّ فِيهَا ، فَكَانَتْ حِينَ قَسَمَ قُصَيٌّ الْأُمُورَ السِّتَّةَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا الشَّرَفُ وَالذِّكْرُ ، وَهِيَ الْحِجَابَةُ ، وَالسِّقَايَةُ ، وَالرِّفَادَةُ ، وَالْقِيَادَةُ ، وَاللِّوَاءُ ، وَالنَّدْوَةُ ، بَيْنَ ابْنَيْهِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَعَبْدِ الدَّارِ ، مِمَّا صُيِّرَ إِلَى عَبْدِ الدَّارِ مَعَ الْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ ، وَكَانَتِ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَالْقِيَادَةُ مِمَّا صُيِّرَ إِلَى عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ ، فَأَمَّا عَبْدُ مَنَافِ بْنُ قُصَيٍّ ، فَجَعَلَ السِّقَايَةَ - وَهِيَ زَمْزَمُ - وَسِقَايَةَ الْعَبَّاسِ وَالرِّفَادَةَ - وَهِيَ إِطْعَامُ الْحَاجِّ - فِي كُلِّ مَوْسِمٍ وَشَرَابُهُمْ ، إِلَى ابْنِهِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَهِيَ فِي وَلَدِهِ إِلَى الْيَوْمِ ، وَجَعَلَ الْقِيَادَةَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَهِيَ فِي وَلَدِهِ إِلَى الْيَوْمِ ، وَأَمَّا عَبْدُ الدَّارِ فَجَعَلَ الْحِجَابَةَ إِلَى ابْنِهِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، وَجَعَلَ النَّدْوَةَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، وَجَعَلَ اللِّوَاءَ لِوَلَدِهِ جَمِيعًا ، فَكَانُوا يَلُونَهُ حَتَّى كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، فَقُتِلَ عَلَيْهِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ ، وَكَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ ، حَتَّى قُتِلَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ كَانَتِ النَّدْوَةُ بَعْدُ إِلَى هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، ثُمَّ إِلَى ابْنَيْهِ عُمَيْرٍ أَبِي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَعَامِرٍ ابْنَيْ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، ثُمَّ ابْتَاعَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي خِلَافَتِهِ مِنِ ابْنِ الرَّهِينِ الْعَبْدَرِيِّ ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، فَطَلَبَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ مِنْ مُعَاوِيَةَ الشُّفْعَةَ فِيهَا ، فَأَبَى عَلَيْهِ ، فَعَمَّرَهَا مُعَاوِيَةُ ، وَكَانَ يَنْزِلُ فِيهَا إِذَا حَجَّ ، وَيَنْزِلُهَا مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِذَا حَجُّوا ، وَقَدْ دَخَلَ بَعْضُهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي زِيَادَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَابْنَيْهِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ ، ثُمَّ دَخَلَ بَعْضُهَا أَيْضًا فِي زِيَادَةِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ كَانَتْ خُلَفَاءُ بَنِي الْعَبَّاسِ يَنْزِلُونَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا حَجُّوا ، أَبُو الْعَبَّاسِ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ، وَالْمَهْدِيُّ ، وَمُوسَى الْهَادِي ، وَهَارُونُ الرَّشِيدُ ، إِلَى أَنِ ابْتَاعَ هَارُونُ الرَّشِيدُ دَارَ الْإِمَارَةِ مِنْ بَنِي خَلَفٍ الْخُزَاعِيِّينَ وَبَنَاهَا ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُهَا ، فَلَمْ تَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرِبَتْ وَتَهَدَّمَتْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ : وَرَأَيْتُهَا عَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى ، كَانَتْ مَقَاصِيرُهَا الَّتِي لِلنِّسَاءِ تُكْرَى مِنَ الْغُرَبَاءِ وَالْمُجَاوِرِينَ ، وَيَكُونُ فِي مَقْصُورَةِ الرِّجَالِ دَوَابُّ عُمَّالِ مَكَّةَ ، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدُ يَنْزِلُهَا عَبِيدُ الْعُمَّالِ بِمَكَّةَ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ ، فَيَعْبَثُونَ فِيهَا وَيُؤْذُونَ جِيرَانَهَا ، ثُمَّ كَانَتْ تُلْقَى فِيهَا الْقَمَايِمُ ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا الْحَاجُّ ، وَصَارَتْ ضَرَرًا عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ ، اسْتُعْمِلَ عَلَى بَرِيدِ مَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَهُ عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ ، وَحِسْبَةٌ وَفِطْنَةٌ بِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْوَزِيرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ ، يَذْكُرُ أَنَّ دَارَ النَّدْوَةِ قَدْ عَظُمَ خَرَابُهَا وَتَهَدَّمَتْ ، وَكَثُرَ مَا يُلْقَى فِيهَا مِنَ الْقَمَايِمِ حَتَّى صَارَتْ ضَرَرًا عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجِيرَانِهِ ، وَإِذَا جَاءَ الْمَطَرُ سَالَ الْمَاءُ مِنْهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ بَابِهَا لِلشَّارِعِ فِي بَطْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَأَنَّهَا لَوْ أُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنَ الْقَمَايِمِ وَهُدِمَّتْ وَعُدِّلَتْ وَبُنِيَتْ مَسْجِدًا يُوصَلُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، أَوْ جُعِلَتْ رَحَبَةً لَهُ يُصَلِّي النَّاسُ فِيهَا ، وَيَتَّسِعُ فِيهَا الْحَاجُّ ، كَانَتْ مَكْرُمَةً لَمْ يَتَهَيَّأْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ ، وَشَرَفًا وَأَجْرًا بَاقِيًا مَعَ الْأَبَدِ وَذَكَرَ أَنَّ فِيَ الْمَسْجِدِ خَرَابًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ سَقْفَهُ يُكَفُّ إِذَا جَاءَ الْمَطَرُ ، وَأَنَّ وَادِيَ مَكَّةَ قَدِ انْكَبَسَ بِالتُّرَابِ ، حَتَّى صَارَ السَّيْلُ إِذَا جَاءَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ، وَشَرَحَ ذَلِكَ لِلْأَمِيرِ بِمَكَّةَ عَجِّ بْنِ حَاجٍّ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْقَاضِي بِهَا مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقَدَّمِيِّ ، وَسَأَلَهُمَا أَنْ يَكْتُبَا بِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَرَغِبَا فِي الْأَجْرِ وَجَمِيلِ الذِّكْرِ ، وَكَتَبَا إِلَى الْوَزِيرِ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَلَمَّا وَصَلَتِ الْكُتُبُ عُرِضَتْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ ، وَرَفَعَ وَفْدَ الْحَجَبَةِ إِلَى بَغْدَادَ ، يَذْكُرُونَ أَنَّ فِي جِدَارِ بَطْنِ الْكَعْبَةِ رُخَامًا قَدِ اخْتَلَفَ وَتَشَعَّبَ ، فِي أَرْضِهَا رُخَامًا قَدْ تَكَسَّرَ ، وَأَنَّ بَعْضَ عُمَّالِ مَكَّةَ كَانَ قَدْ قَلَعَ مَا عَلَى عِضَادَتَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ مِنَ الذَّهَبِ ، فَضَرَبَهُ دَنَانِيرَ ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حَرْبٍ وَأُمُورٍ كَانَتْ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْعَلَوِيِّ الْخَارِجِيِّ ، الَّذِي كَانَ بِهَا سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، فَكَانُوا يَسْتُرُونَ الْعِضَادَتَيْنِ بِالدِّيبَاجِ ، وَأَنَّ بَعْضَ الْعُمَّالِ بَعْدَهُ قَلَعَ مِقْدَارَ الرُّبُعِ مِنْ أَسْفَلِ ذَهَبِ بَابَيِ الْكَعْبَةِ وَمَا عَلَى الْأَنْفِ ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى فِتْنَةٍ بَيْنَ الْحَنَّاطِينَ وَالْجَزَّارِينَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ فِضَّةً مَضْرُوبَةً مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ ، عَلَى مِثَالِ مَا كَانَ عَلَيْهَا ، فَإِذَا تَمَسَّحَ الْحَاجُّ بِهِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ بَدَتِ الْفِضَّةُ ، حَتَّى تُجَدِّدَ تَمْوِيهَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ، وَأَنَّ رُخَامَ الْحَجَرِ قَدْ رَثَّ فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدٍ ، وَأَنَّ بَلَاطًا مِنْ حِجَارَةٍ حَوْلَ الْكَعْبَةِ لَمْ يَكُنْ تَامًّا ، يَحْتَاجُ أَنْ تَتِمَّ جَوَانِبُهَا كُلُّهَا ، وَسَأَلُوا الْأَمِيرَ بِعَمَلِ ذَلِكَ ، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَاتِبَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ وَغُلَامَهُ بَدْرًا الْمُؤَمَّرَ بِالْحَضْرَةِ بِعَمَلِ مَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ ، وَبِعِمَارَةِ دَارِ النَّدْوَةِ مَسْجِدًا يُوصَلُ بِالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ ، وَيُعْزَقُ الْوَادِي كُلُّهُ وَالْمَسْعَى وَمَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَأَخْرَجَ لِذَلِكَ مَالًا كَثِيرًا ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الْقَاضِيَ بِبَغْدَادَ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ ، وَحَمَلَ الْمَالَ إِلَيْهِ فَأَنْفَذَ بَعْضَهُ سَفَاتِجَ ، وَأَنْفَذَ بَعْضَهُ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ مَعَ ابْنِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ ، وَكَانَ يَقْدَمُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى حَوَايِجِ الْخَلِيفَةِ وَمَصَالِحِ الطَّرِيقِ وَعِمَارَتِهَا ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ فِي وَقْتِ الْحَجِّ ، وَقَدِمَ مَعَهُ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْهَيَّاجِ عُمَيْرُ بْنُ حَيَّانَ الْأَسَدِيُّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، لَهُ أَمَانَةٌ وَنِيَّةٌ حَسَنَةٌ ، فَوَكَّلَهُ بِالْعَمَلِ ، وَخَلَّفَ مَعَهُ عُمَّالًا وَأَعْوَانًا لِذَلِكَ ، فَعَمِلَ وَعَزَقَ الْوَادِيَ عَزْقًا جَيِّدًا حَتَّى ظَهَرَتْ مِنْ دَرَجِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الشَّارِعَةِ عَلَى الْوَادِي اثْنَتَا عَشْرَةَ دَرَجَةً ، وَإِنَّمَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْهَا خَمْسُ دَرَجَاتٍ ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْقَمَايِمَ مِنْ دَارِ النَّدْوَةِ ، وَهُدِمَتْ ثُمَّ أُنْشِيَتْ مِنْ أَسَاسِهَا ، فَجُعِلَتْ مَسْجِدًا بِأَسَاطِينَ وَطَاقَاتٍ وَأَرْوِقَةٍ مُسَقَّفَةٍ بِالسَّاجِ الْمُذْهَبِ الْمُزَخْرَفِ ، ثُمَّ فُتِحَتْ لَهَا فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ اثْنَا عَشَرَ بَابًا ، سِتَّةٌ كِبَارٌ سَعَةُ كُلِّ بَابٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ ، وَارْتِفَاعُهَا فِي السَّمَاءِ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، وَجُعِلَ بَيْنَ السِّتَّةِ الْأَبْوَابِ الْكِبَارِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ صِغَارٍ سَعَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ ، وَارْتِفَاعُهُ فِي السَّمَاءِ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ ، حَتَّى اخْتَلَطَتْ بِالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْخُزَاعِيُّ : قَدْ كَانَ هَذَا الْجِدَارُ مَعْمُولًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَمُّ أَبِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ إِلَى أَيَّامِ الْخَلِيفَةِ جَعْفَرٍ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ ، ثُمَّ غَيَّرَهُ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى ، وَإِلَيْهِ أَمْرُ الْبَلَدِ يَوْمَئِذٍ ، وَجَعَلَهُ بِأَسَاطِينَ حِجَارَةٍ مُدَوَّرَةٍ عَلَيْهَا مَلَابِنُ سَاجٍ بِطَاقَاتٍ مَعْقُودَةٍ بِالْآجُرِّ الْأَبْيَضِ وَالْجِصِّ ، وَصَلَهُ بِالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ وُصُولًا أَحْسَنَ مِنَ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ ، حَتَّى صَارَ مَنْ فِي دَارِ النَّدْوَةِ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ غَيْرِهِ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ فَيَرَاهَا كُلَّهَا عَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَجَعَلَ لَهَا سِوَى ذَلِكَ أَبْوَابًا ثَلَاثَةً شَارِعَةً فِي الطَّرِيقِ الَّتِي حَوْلَهَا ، مِنْهَا بَابٌ بِطَاقَيْنِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ بِالْقُرْبِ مِنْ بَابِ الطَّبَرِيِّ مُقَابِلَ دَارِ صَاحِبِ الْبَرِيدِ سَعَتُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَرُبُعُ ذِرَاعٍ ، وَارْتِفَاعُهُ فِي السَّمَاءِ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثَا ذِرَاعٍ ، وَبَابٌ فِي أَعْلَى هَذَا الطَّرِيقِ طَاقٌ وَاحِدٌ سَعَتُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ ، وَارْتِفَاعُهُ فِي السَّمَاءِ اثْنَا عَشَرَ ذِرَاعًا ، وَبَابٌ بَيْنَ دُورِ الْخُزَاعِيِّينَ وَلَدِ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بِطَاقَيْنِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ يَسْتَقْبِلُ مَنْ أَقْبَلَ مِنَ السُّوَيْقَةِ وَقُعَيْقِعَانِ ، سَعَتُهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَنِصْفٌ ، وَارْتِفَاعُهُ فِي السَّمَاءِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَرُبُعُ ذِرَاعٍ ، وَسَوَّى جِدَارَهَا وَسُقُوفَهَا وَشُرَفَهَا بِالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ ، وَفَرَغَ مِنْهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، فَصَلَّى النَّاسُ فِيهَا وَاتَّسَعُوا بِهَا ، وَجَعَلَ مَنَارَةً وَخِزَانَةً فِي زَاوِيَتَيْ مُؤَخَّرِهَا ، فَكَانَ ذَرْعُ طُولِ هَذَا الْمَسْجِدِ مِنْ وَجْهِهِ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ بِالْأَرْوِقَةِ أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا ، وَعَرْضُهُ بِالْأَرْوِقَةِ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَسَعَةُ صَحْنِهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ، وَعَدَدُ مَا فِيهِ مِنَ الْأَسَاطِينِ سِوَى مَا عَلَى الْأَبْوَابِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ ، وَعَدَدُ الطَّاقَاتِ سِوَى الْأَبْوَابِ سَبْعٌ وَسِتُّونَ أُسْطُوَانَةً ، عَلَى الْأَبْوَابِ اثْنَتَانِ ، وَعَدَدُ الطَّاقَاتِ سِوَى الْأَبْوَابِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ طَاقًا ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ خَمْسُ طَاقَاتٍ ، وَعَدَدُ الشُّرَفِ الَّتِي تَلِي بَطْنَ الْمَسْجِدِ ثَمَانٍ وَسِتُّونَ شُرَّافَةً ، وَعَدَدُ السَّلَاسِلِ الَّتِي لِلْقَنَادِيلِ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سِلْسِلَةً فِيهَا قَنَادِيلُهَا آخِرُ خَبَرِ دَارِ النَّدْوَةِ بِكَمَالِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

مَا ذُكِرَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ دَارَ النَّدْوَةِ وَأُضِيفَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْكَبِيرِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ نَافِعٍ الْخُزَاعِيُّ : فَكَانَتْ دَارُ النَّدْوَةِ - عَلَى مَا ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ - لَاصِقَةً بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فِي الْوَجْهِ الشَّامِيِّ مِنَ الْكَعْبَةِ ، وَهِيَ دَارُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَتُبَرِّكُهَا بِأَمْرِ قُصَيٍّ ، تَجْتَمِعُ فِيهَا لِلْمَشُورَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلِإِبْرَامِ الْأُمُورِ ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ دَارَ النَّدْوَةِ ؛ لِاجْتِمَاعِ النَّدِيِّ فِيهَا ، فَكَانَتْ حِينَ قَسَمَ قُصَيٌّ الْأُمُورَ السِّتَّةَ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا الشَّرَفُ وَالذِّكْرُ ، وَهِيَ الْحِجَابَةُ ، وَالسِّقَايَةُ ، وَالرِّفَادَةُ ، وَالْقِيَادَةُ ، وَاللِّوَاءُ ، وَالنَّدْوَةُ ، بَيْنَ ابْنَيْهِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَعَبْدِ الدَّارِ ، مِمَّا صُيِّرَ إِلَى عَبْدِ الدَّارِ مَعَ الْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ ، وَكَانَتِ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَالْقِيَادَةُ مِمَّا صُيِّرَ إِلَى عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ ، فَأَمَّا عَبْدُ مَنَافِ بْنُ قُصَيٍّ ، فَجَعَلَ السِّقَايَةَ - وَهِيَ زَمْزَمُ - وَسِقَايَةَ الْعَبَّاسِ وَالرِّفَادَةَ - وَهِيَ إِطْعَامُ الْحَاجِّ - فِي كُلِّ مَوْسِمٍ وَشَرَابُهُمْ ، إِلَى ابْنِهِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَهِيَ فِي وَلَدِهِ إِلَى الْيَوْمِ ، وَجَعَلَ الْقِيَادَةَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَهِيَ فِي وَلَدِهِ إِلَى الْيَوْمِ ، وَأَمَّا عَبْدُ الدَّارِ فَجَعَلَ الْحِجَابَةَ إِلَى ابْنِهِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، وَجَعَلَ النَّدْوَةَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، وَجَعَلَ اللِّوَاءَ لِوَلَدِهِ جَمِيعًا ، فَكَانُوا يَلُونَهُ حَتَّى كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، فَقُتِلَ عَلَيْهِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ ، وَكَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ ، حَتَّى قُتِلَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ كَانَتِ النَّدْوَةُ بَعْدُ إِلَى هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، ثُمَّ إِلَى ابْنَيْهِ عُمَيْرٍ أَبِي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَعَامِرٍ ابْنَيْ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، ثُمَّ ابْتَاعَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي خِلَافَتِهِ مِنِ ابْنِ الرَّهِينِ الْعَبْدَرِيِّ ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، فَطَلَبَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ مِنْ مُعَاوِيَةَ الشُّفْعَةَ فِيهَا ، فَأَبَى عَلَيْهِ ، فَعَمَّرَهَا مُعَاوِيَةُ ، وَكَانَ يَنْزِلُ فِيهَا إِذَا حَجَّ ، وَيَنْزِلُهَا مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِذَا حَجُّوا ، وَقَدْ دَخَلَ بَعْضُهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي زِيَادَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَابْنَيْهِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ ، ثُمَّ دَخَلَ بَعْضُهَا أَيْضًا فِي زِيَادَةِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ كَانَتْ خُلَفَاءُ بَنِي الْعَبَّاسِ يَنْزِلُونَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا حَجُّوا ، أَبُو الْعَبَّاسِ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ، وَالْمَهْدِيُّ ، وَمُوسَى الْهَادِي ، وَهَارُونُ الرَّشِيدُ ، إِلَى أَنِ ابْتَاعَ هَارُونُ الرَّشِيدُ دَارَ الْإِمَارَةِ مِنْ بَنِي خَلَفٍ الْخُزَاعِيِّينَ وَبَنَاهَا ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُهَا ، فَلَمْ تَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرِبَتْ وَتَهَدَّمَتْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ : وَرَأَيْتُهَا عَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى ، كَانَتْ مَقَاصِيرُهَا الَّتِي لِلنِّسَاءِ تُكْرَى مِنَ الْغُرَبَاءِ وَالْمُجَاوِرِينَ ، وَيَكُونُ فِي مَقْصُورَةِ الرِّجَالِ دَوَابُّ عُمَّالِ مَكَّةَ ، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدُ يَنْزِلُهَا عَبِيدُ الْعُمَّالِ بِمَكَّةَ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ ، فَيَعْبَثُونَ فِيهَا وَيُؤْذُونَ جِيرَانَهَا ، ثُمَّ كَانَتْ تُلْقَى فِيهَا الْقَمَايِمُ ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا الْحَاجُّ ، وَصَارَتْ ضَرَرًا عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ ، اسْتُعْمِلَ عَلَى بَرِيدِ مَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَهُ عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ ، وَحِسْبَةٌ وَفِطْنَةٌ بِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْوَزِيرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ ، يَذْكُرُ أَنَّ دَارَ النَّدْوَةِ قَدْ عَظُمَ خَرَابُهَا وَتَهَدَّمَتْ ، وَكَثُرَ مَا يُلْقَى فِيهَا مِنَ الْقَمَايِمِ حَتَّى صَارَتْ ضَرَرًا عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجِيرَانِهِ ، وَإِذَا جَاءَ الْمَطَرُ سَالَ الْمَاءُ مِنْهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ بَابِهَا لِلشَّارِعِ فِي بَطْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَأَنَّهَا لَوْ أُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنَ الْقَمَايِمِ وَهُدِمَّتْ وَعُدِّلَتْ وَبُنِيَتْ مَسْجِدًا يُوصَلُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، أَوْ جُعِلَتْ رَحَبَةً لَهُ يُصَلِّي النَّاسُ فِيهَا ، وَيَتَّسِعُ فِيهَا الْحَاجُّ ، كَانَتْ مَكْرُمَةً لَمْ يَتَهَيَّأْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ ، وَشَرَفًا وَأَجْرًا بَاقِيًا مَعَ الْأَبَدِ وَذَكَرَ أَنَّ فِيَ الْمَسْجِدِ خَرَابًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ سَقْفَهُ يُكَفُّ إِذَا جَاءَ الْمَطَرُ ، وَأَنَّ وَادِيَ مَكَّةَ قَدِ انْكَبَسَ بِالتُّرَابِ ، حَتَّى صَارَ السَّيْلُ إِذَا جَاءَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ، وَشَرَحَ ذَلِكَ لِلْأَمِيرِ بِمَكَّةَ عَجِّ بْنِ حَاجٍّ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْقَاضِي بِهَا مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقَدَّمِيِّ ، وَسَأَلَهُمَا أَنْ يَكْتُبَا بِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَرَغِبَا فِي الْأَجْرِ وَجَمِيلِ الذِّكْرِ ، وَكَتَبَا إِلَى الْوَزِيرِ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَلَمَّا وَصَلَتِ الْكُتُبُ عُرِضَتْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ ، وَرَفَعَ وَفْدَ الْحَجَبَةِ إِلَى بَغْدَادَ ، يَذْكُرُونَ أَنَّ فِي جِدَارِ بَطْنِ الْكَعْبَةِ رُخَامًا قَدِ اخْتَلَفَ وَتَشَعَّبَ ، فِي أَرْضِهَا رُخَامًا قَدْ تَكَسَّرَ ، وَأَنَّ بَعْضَ عُمَّالِ مَكَّةَ كَانَ قَدْ قَلَعَ مَا عَلَى عِضَادَتَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ مِنَ الذَّهَبِ ، فَضَرَبَهُ دَنَانِيرَ ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حَرْبٍ وَأُمُورٍ كَانَتْ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْعَلَوِيِّ الْخَارِجِيِّ ، الَّذِي كَانَ بِهَا سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، فَكَانُوا يَسْتُرُونَ الْعِضَادَتَيْنِ بِالدِّيبَاجِ ، وَأَنَّ بَعْضَ الْعُمَّالِ بَعْدَهُ قَلَعَ مِقْدَارَ الرُّبُعِ مِنْ أَسْفَلِ ذَهَبِ بَابَيِ الْكَعْبَةِ وَمَا عَلَى الْأَنْفِ ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى فِتْنَةٍ بَيْنَ الْحَنَّاطِينَ وَالْجَزَّارِينَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ فِضَّةً مَضْرُوبَةً مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ ، عَلَى مِثَالِ مَا كَانَ عَلَيْهَا ، فَإِذَا تَمَسَّحَ الْحَاجُّ بِهِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ بَدَتِ الْفِضَّةُ ، حَتَّى تُجَدِّدَ تَمْوِيهَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ، وَأَنَّ رُخَامَ الْحَجَرِ قَدْ رَثَّ فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدٍ ، وَأَنَّ بَلَاطًا مِنْ حِجَارَةٍ حَوْلَ الْكَعْبَةِ لَمْ يَكُنْ تَامًّا ، يَحْتَاجُ أَنْ تَتِمَّ جَوَانِبُهَا كُلُّهَا ، وَسَأَلُوا الْأَمِيرَ بِعَمَلِ ذَلِكَ ، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَاتِبَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ وَهْبٍ وَغُلَامَهُ بَدْرًا الْمُؤَمَّرَ بِالْحَضْرَةِ بِعَمَلِ مَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ ، وَبِعِمَارَةِ دَارِ النَّدْوَةِ مَسْجِدًا يُوصَلُ بِالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ ، وَيُعْزَقُ الْوَادِي كُلُّهُ وَالْمَسْعَى وَمَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَأَخْرَجَ لِذَلِكَ مَالًا كَثِيرًا ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الْقَاضِيَ بِبَغْدَادَ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ ، وَحَمَلَ الْمَالَ إِلَيْهِ فَأَنْفَذَ بَعْضَهُ سَفَاتِجَ ، وَأَنْفَذَ بَعْضَهُ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ مَعَ ابْنِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ ، وَكَانَ يَقْدَمُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى حَوَايِجِ الْخَلِيفَةِ وَمَصَالِحِ الطَّرِيقِ وَعِمَارَتِهَا ، فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ فِي وَقْتِ الْحَجِّ ، وَقَدِمَ مَعَهُ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْهَيَّاجِ عُمَيْرُ بْنُ حَيَّانَ الْأَسَدِيُّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، لَهُ أَمَانَةٌ وَنِيَّةٌ حَسَنَةٌ ، فَوَكَّلَهُ بِالْعَمَلِ ، وَخَلَّفَ مَعَهُ عُمَّالًا وَأَعْوَانًا لِذَلِكَ ، فَعَمِلَ وَعَزَقَ الْوَادِيَ عَزْقًا جَيِّدًا حَتَّى ظَهَرَتْ مِنْ دَرَجِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الشَّارِعَةِ عَلَى الْوَادِي اثْنَتَا عَشْرَةَ دَرَجَةً ، وَإِنَّمَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْهَا خَمْسُ دَرَجَاتٍ ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْقَمَايِمَ مِنْ دَارِ النَّدْوَةِ ، وَهُدِمَتْ ثُمَّ أُنْشِيَتْ مِنْ أَسَاسِهَا ، فَجُعِلَتْ مَسْجِدًا بِأَسَاطِينَ وَطَاقَاتٍ وَأَرْوِقَةٍ مُسَقَّفَةٍ بِالسَّاجِ الْمُذْهَبِ الْمُزَخْرَفِ ، ثُمَّ فُتِحَتْ لَهَا فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ اثْنَا عَشَرَ بَابًا ، سِتَّةٌ كِبَارٌ سَعَةُ كُلِّ بَابٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ ، وَارْتِفَاعُهَا فِي السَّمَاءِ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، وَجُعِلَ بَيْنَ السِّتَّةِ الْأَبْوَابِ الْكِبَارِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ صِغَارٍ سَعَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ ، وَارْتِفَاعُهُ فِي السَّمَاءِ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ ، حَتَّى اخْتَلَطَتْ بِالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْخُزَاعِيُّ : قَدْ كَانَ هَذَا الْجِدَارُ مَعْمُولًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَمُّ أَبِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ إِلَى أَيَّامِ الْخَلِيفَةِ جَعْفَرٍ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ ، ثُمَّ غَيَّرَهُ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى ، وَإِلَيْهِ أَمْرُ الْبَلَدِ يَوْمَئِذٍ ، وَجَعَلَهُ بِأَسَاطِينَ حِجَارَةٍ مُدَوَّرَةٍ عَلَيْهَا مَلَابِنُ سَاجٍ بِطَاقَاتٍ مَعْقُودَةٍ بِالْآجُرِّ الْأَبْيَضِ وَالْجِصِّ ، وَصَلَهُ بِالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ وُصُولًا أَحْسَنَ مِنَ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ ، حَتَّى صَارَ مَنْ فِي دَارِ النَّدْوَةِ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ غَيْرِهِ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ فَيَرَاهَا كُلَّهَا عَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَجَعَلَ لَهَا سِوَى ذَلِكَ أَبْوَابًا ثَلَاثَةً شَارِعَةً فِي الطَّرِيقِ الَّتِي حَوْلَهَا ، مِنْهَا بَابٌ بِطَاقَيْنِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ بِالْقُرْبِ مِنْ بَابِ الطَّبَرِيِّ مُقَابِلَ دَارِ صَاحِبِ الْبَرِيدِ سَعَتُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَرُبُعُ ذِرَاعٍ ، وَارْتِفَاعُهُ فِي السَّمَاءِ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثَا ذِرَاعٍ ، وَبَابٌ فِي أَعْلَى هَذَا الطَّرِيقِ طَاقٌ وَاحِدٌ سَعَتُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ ، وَارْتِفَاعُهُ فِي السَّمَاءِ اثْنَا عَشَرَ ذِرَاعًا ، وَبَابٌ بَيْنَ دُورِ الْخُزَاعِيِّينَ وَلَدِ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بِطَاقَيْنِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ يَسْتَقْبِلُ مَنْ أَقْبَلَ مِنَ السُّوَيْقَةِ وَقُعَيْقِعَانِ ، سَعَتُهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَنِصْفٌ ، وَارْتِفَاعُهُ فِي السَّمَاءِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَرُبُعُ ذِرَاعٍ ، وَسَوَّى جِدَارَهَا وَسُقُوفَهَا وَشُرَفَهَا بِالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ ، وَفَرَغَ مِنْهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، فَصَلَّى النَّاسُ فِيهَا وَاتَّسَعُوا بِهَا ، وَجَعَلَ مَنَارَةً وَخِزَانَةً فِي زَاوِيَتَيْ مُؤَخَّرِهَا ، فَكَانَ ذَرْعُ طُولِ هَذَا الْمَسْجِدِ مِنْ وَجْهِهِ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ بِالْأَرْوِقَةِ أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا ، وَعَرْضُهُ بِالْأَرْوِقَةِ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَسَعَةُ صَحْنِهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ، وَعَدَدُ مَا فِيهِ مِنَ الْأَسَاطِينِ سِوَى مَا عَلَى الْأَبْوَابِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ ، وَعَدَدُ الطَّاقَاتِ سِوَى الْأَبْوَابِ سَبْعٌ وَسِتُّونَ أُسْطُوَانَةً ، عَلَى الْأَبْوَابِ اثْنَتَانِ ، وَعَدَدُ الطَّاقَاتِ سِوَى الْأَبْوَابِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ طَاقًا ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ خَمْسُ طَاقَاتٍ ، وَعَدَدُ الشُّرَفِ الَّتِي تَلِي بَطْنَ الْمَسْجِدِ ثَمَانٍ وَسِتُّونَ شُرَّافَةً ، وَعَدَدُ السَّلَاسِلِ الَّتِي لِلْقَنَادِيلِ سَبْعٌ وَسِتُّونَ سِلْسِلَةً فِيهَا قَنَادِيلُهَا آخِرُ خَبَرِ دَارِ النَّدْوَةِ بِكَمَالِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،