بَابُ ذِكْرِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوُدِّ
404 حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ الزِّيَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمُزَنِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ امْرَأَةً ، عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَقُولُ : كَفَى حَزَنًا أَنِّي أَرْوَحُ بِحَدِّهِ وَأَغْدُو عَلَى قَبْرٍ وَمَنْ فِيهِ لَا يَدْرِي فَيَا نَفْسُ شُقِّي جَيْبَ عُمْرِكَ عِنْدَهُ وَلَا تَبْخَلِي بِاللَّهِ يَا نَفْسُ بِالْعُمْرِ فَمَا كَانَ يَأْبَى أَنْ يَجُودَ بِنَفْسِهِ لِيُنْقِذَنِي لَوْ كُنْتُ صَاحِبَةَ الْقَبْرِ فَمَا زَالَتْ تَزُورُ قَبْرَهُ وَتَبْكِيهِ بِهَذَا الشِّعْرِ حَتَّى مَاتَتْ |
405 حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُخَرِّمِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ حُذَافَةَ قَالَ : رَأَيْتُ بِصَحَارٍ جَارِيَةً قَدْ أَلْصَقَتْ خَدَّهَا بِقَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ : خَدِّي يَقِيكَ خُشُونَةَ اللَّحْدِ وَقَلِيلَةٌ لَكَ سَيِّدِي خَدِّي يَا سَاكِنَ التُّرْبِ الَّذِي بِوَفَاتِهِ عَمِيَتْ عَلَيَّ مَسَالِكُ الرَّشَدِ اسْمَعْ فَدَيْتُكَ غَلَّتِي فَلَعَلَّنِي أَشْفِي بِذَلِكَ غَلَّةَ الْوَجْدِ قَالَ : فَسَأَلْتُهَا عَنْ صَاحِبِ الْقَبْرِ فَقَالَتْ : فَتًى رَافَقْتُهُ فِي الصِّبَا ، وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ : كُنَّا كَرُوحِ حَمَامَةٍ فِي أَيْكَةٍ مُتَنَعِّمِينَ بِصِحَّةٍ وَشَبَابِ فَعَدَا الزَّمَانُ مُشَتِّتًا بِفِرَاقِهِ تَعِسَ الزَّمَانُ بِفُرْقَةِ الْأَحْبَابِ قَالَ : فَبَكَيْتُ لِرِقَّةِ شِعْرِهَا ، فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ : تَبْكِي عَلَيْهِ وَلَسْتَ تَعْرِفُ أَمْرَهُ فَلَأُعْلِمَنَّكَ مَالَهُ بِبَيَانِ مَا كَانَ لِلْعَافِينَ غَيْرَ نَوَالِهِ فَإِذَا اسْتُجِيرَ فَفَارِسُ الْفُرْسَانِ لَا يُتْبِعُ الْجِيرَانَ رِيبَةَ طَرْفِهِ وَيُتَابِعُ الْإِحْسَانَ لِلْجِيرَانِ عَفُّ السَّرِيرَةِ وَالْجَهِيرَةِ مِثْلُهَا فَإِذَا اسْتُضِيمَ أَرَاكَ سَبْقَ طِعَانِ فَقُلْتُ : أَعْلِمِينِي مَنْ هُوَ ؟ قَالَتْ : سِنَانُ بْنُ وَبَرَةَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِرُ : يَا رَايِدًا غَيْثًا لِنَجْعَةِ قَوْمِهِ يَكْفِيكَ مِنْ غَيْثٍ نَوَالُ سِنَانِ ثُمَّ قَالَتْ : يَا هَذَا ، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ غَرِيبٌ مَا مَتَّعْتُكَ مِنْ حَدِيثِي ، مَا كَانَ يُجِلُّ عَنِ السَّامِعِينَ ، قُلْتُ : فَكَيْفَ كَانَ حُبُّهُ لَكِ ؟ قَالَتْ : آلَى أَلَّا يُوَسِّدَنِي إِلَّا يَدَهُ عُمْرَهُ وَعُمُرِي ، فَبَقِيتُ مَعَهُ أَرْبَعِينَ أَحْوَالًا ، مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي تَوَسَّدْتُ غَيْرَهَا إِلَّا فِي حَالٍ يَمْنَعُهُ مِنِّي مَانِعٌ ، وَكَانَ قَلِيلَ الْإِفَاقَةِ مِنْ ذَلِكَ |
406 حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُتْبِيُّ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ : رَأَيْتُ بِالْأُقْحُوَانَةَ امْرَأَةً مُنْحَطَّةً عَلَى قَبْرٍ وَهِيَ تَقُولُ : فَيَا قَبْرُ لَوْ شَفَّعْتَنِي فِيهِ مَرَّةً وَأَخْرَجْتَهُ مِنْ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ فَكُنْتُ أَرَى هَلْ غَيَّرَ التُّرْبُ وَجْهَهُ وَهَلْ غَاثَ دُودُ اللَّحْدِ فِي ذَلِكَ الْخَدِّ فَقُلْتُ لَهَا : مَنْ صَاحِبُ الْقَبْرِ مِنْكِ ؟ قَالَتْ : ابْنُ عَمٍّ لِي ، تَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ غِدَادٌ بِمَاءِ الْحَدَاثَةِ جَذْلَانَ ، فَطَفِقَ لَا يَرْوِي مِنِّي وَلَا أَنْهَلُ مِنْهُ ، حَتَّى كَانَ الْعَامُ الْمَاضِي ، وَغَزَتْنَا سُلَيْمٌ وَلَيْسَ فِي الْحَيِّ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ، فَخَرَجَ يَحْمِي وَهُوَ يَقُولُ : نَعَتْنِي زُبَيْدٌ أَنْ شَكَوْتُ خَلِيلَتِي طِعَانِي وَكَرِّي مَا إِذَا الْخَيْلُ خَلَّتِي فَإِنْ مِتُّ فَأَغْرِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِذِكْرِي وَلَا تَنْسَيْ أُمَيْمَةُ خَلَّتِي فَوَاللَّهِ مَا بَرِحَ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ ، قُلْتُ : فَكَمْ سَنَةٌ كَانَتْ لَهُ ؟ قَالَتْ : أَنَا أَكْبَرُ مِنْهُ بِسَنَةٍ ، وَلِي بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَاللَّهِ لَا شَمِمْتُ رُوحَ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمِي هَذَا ، فَظَنَنْتُهَا هَاذِيَةً ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ جَنَازَةً فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقِيلَ لِي : هَذِهِ الْجَارِيَةُ الَّتِي كَانَتْ تُحَدِّثُكَ بِالْأَمْسِ عِنْدَ الْقَبْرِ عَنْ بَعْلِهَا ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَتْ لِبَعْلِهَا ، صَدَقَتْ فِي نَفْسِهَا |
407 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي كَرِيمُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ جَدَّتِهِ ، سَلْمَى ابْنَةِ جَابِرٍ : أَنَّ زَوْجَهَا ، اسْتُشْهِدَ فَأَتَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَتْ : اسْتُشْهِدَ زَوْجِي ، فَخَطَبَنِي الرِّجَالُ فَأَبَيْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ حَتَّى أَلْقَاهُ ، أَفَتَرْجُو أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَلَمَّا وَلَّتْ قِيلَ لَهُ : مَا رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ هَذَا بِامْرَأَةٍ غَيْرِ هَذِهِ ، فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ أَوَّلَ أُمَّتِي لُحُوقًا بِيَ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْمَسَ |
408 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بِسْطَامٍ الْأَصْفَرُ قَالَ : حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : حَدَّثَتْنِي أُمُّ الْأَسْوَدِ ابْنَةُ زَيْدٍ الْعَدَوِيَّةُ ، وَكَانَتْ ، قَدْ أَرْضَعَتْهَا مُعَاذَةُ قَالَتْ : قَالَتْ لِي مُعَاذَةُ : لَمَّا قُتِلَ أَبُو الصَّهْبَاءِ وَقُتِلَ مَعَهُ وَلَدُهَا قَالَتْ : وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مَحَبَّتِي لِلْبَقَاءِ لِلَذَّةِ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا لِرَوحِ نَسِيمٍ ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ أُحِبُّ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ أَبِي الصَّهْبَاءِ لِأَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِالْوَسَائِلِ لِعَلِي يُجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي الصَّهْبَاءِ وَوَلَدِهِ |
409 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ الْعُمَرِيُّ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ : رَأَيْتُ جَارِيَةً عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَقُولُ : بِنَفْسِي فَتًى أَوْ بِالْبَرِيَّةِ كُلِّهَا وَأَقْوَاهُمْ فِي الْمَوْتِ صَبْرًا عَلَى الْحُبِّ فَقُلْتُ : بِمِرْصَادٍ أَقْوَاهُمْ وَأَوْفَاهُمْ قَالَتْ : هُوَيْنَى ، فَكَانَ أَهْلِي إِذَا جَاهَرَ بِحُبِّي لَامُوهُ ، وَإِذَا كَتَمَهُ عَنَّفُوهُ ، فَلَمَّا أَخَذَهُ الْأَمِيرُ قَالَ بَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ وَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُمَا إِلَى أَنْ مَاتَ . قُلْتُ : مَا هُمَا ؟ قَالَتْ : قَوْلُهُ : يَقُولُونَ إِنْ جَاهَرْتُ : قَدْ عَضَّكَ الْهَوَى وَإِنْ لَمْ أَبُحْ بِالْحُبِّ قَالُوا : تَصَبَّرَا فَمَا لِلَّذِي يَهْوَى وَيَكْتُمُ حُبَّهُ مِنَ الْأَمْرِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ فَيُعْذَرَا وَاللَّهِ يَا هَذَا ، لَا أَبْرَحُ أَوْ يَتَّصِلَ قَبْرَانَا ، ثُمَّ شَهِقَتْ شَهْقَةً فَصَاحَ النِّسَاءُ وَقُلْنَ : قَضَتْ وَالَّذِي اخْتَارَ لَهَا الْوَفَاةَ ، فَمَا رَأَيْتُ أَسْرَعَ وَلَا أَوْحَى مِنْ أَمْرِهَا |
410 حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : رَأَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الرَّبَابَ ابْنَةَ امْرِئِ الْقَيْسِ فَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا فَتَزَوَّجَهَا ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا كَانَ لَهَا أَشَدَّ حُبًّا قَالَتْ سَكِينَةُ : فَكُنْتُ أَرَى أَبِي يَنْظُرُ فِي وَجْهِهَا مَلِيًّا ثُمَّ يَبْتَسِمُ وَيُقَبِّلُهَا ، فَقَالَ فِيهَا ذَاتَ يَوْمٍ : لَعَمْرِي إِنَّنِي لَأُحِبُّ دَارًا تَحِلُّ بِهَا سَكِينَةُ وَالرَّبَابُ أُحِبُّهُمَا وَأَبْذُلُ فَوْقَ جُهْدِي وَلَيْسَ لِعَاذِلٍ عِنْدِي عِتَابُ وَكَانَتْ مَعَهُ يَوْمَ الطَّفِّ فَرَجَعَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ مُصَابَةً مَعَ مَنْ رَجَعَ ، فَخَطَبَهَا الْأَشْرَافُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ لَا يَكُونُ لِي حَمْوٌ آخَرَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَاشَتْ بَعْدَهُ سَنَةً لَمْ يُظِلُّهَا سَقْفُ بَيْتٍ حَتَّى بَلِيَتَ وَمَاتَتْ كَمَدًا |
411 حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ : لَمَّا أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ أَهْدَى إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ مِنْ خُرَاسَانَ جَوَارٍ ، وَكَانَتْ فِيهِنَّ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا : مَحْبُوبَةُ ، وَكَانَتْ قَدْ نَشَأَتْ بِالطَّائِفِ ، وَكَانَ لَهَا مَوْلًى مُغْرًى بِالْأَدَبِ ، فَكَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ عَنْهُ وَرَوَتِ الْأَشْعَارَ ، وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ مُعْجَبًا فَغَضِبَ عَلَيْهَا ، وَمَنَعَ جَوَارِي الْقَصْرِ مِنْ كَلَامِهَا ، فَكَانَتْ فِي حُجْرَتِهَا لَا يُكَلِّمُهَا أَحَدٌ أَيَّامًا فَرَأَتْهُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ قَدْ صَالَحَهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَشَعَرْتَ أَنِّي رَأَيْتُ مَحْبُوبَةَ فِي مَنَامِي قَدْ صَالَحْتُهَا وَصَالَحَتْنِي . فَقُلْتُ : خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِذًا يُقِرُّ اللَّهُ عَيْنَكَ وَيَسُرُّكَ ، فَوَاللَّهِ ، إِنَّا لَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَدِيثِهَا إِذْ جَاءَتْ وَصِيفَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ : يَا سَيِّدِي ، سَمِعْتُ صَوْتَ عُودٍ مِنْ حُجْرَةِ مَحْبُوبَةَ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : قُمْ بِنَا يَا عَلِيُّ نَنْظُرْ مَا هَذَا الْأَمْرُ ، فَنَهَضْنَا حَتَّى أَتَيْنَا حُجْرَتَهَا فَإِذَا هِيَ تَضْرِبُ بِالْعُودِ وَتَقُولُ : أَدُورُ فِي الْقَصْرِ لَا أَرَى أَحَدًا أَشْكُو إِلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُنِي حَتَّى كَأَنِّي أَتَيْتُ مَعْصِيَةً لَيْسَتْ لَهَا تَوْبَةٌ تُخَلِّصُنِي فَهَلْ شَفِيعٌ لَنَا إِلَى مَلِكٍ قَدْ زَارَنِي فِي الْكَرَى فَصَالَحَنِي حَتَّى إِذَا مَا الصَّبَاحُ لَاحَ لَنَا عَادَ إِلَى هَجْرِهِ فَصَارَمَنِي قَالَ : فَصَاحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَصِحْتُ مَعَهُ ، فَسَمِعَتْ فَتَلَقَّتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَى رِجْلِهِ تُقَبِّلُهَا ، فَقَالَتْ : يَا سَيِّدِي ، رَأَيْتُكَ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ كَأَنَّكَ قَدْ صَالَحْتَنِي قَالَ : وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ رَأَيْتُكِ ، فَرَدَّهَا إِلَى مَرْتَبَتِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْمُتَوَكِّلِ مَا كَانَ تَفَرَّقْنَ وَصِرْنَ إِلَى الْعَوَّادِ وَنَسِينَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَصَارَتْ مَحْبُوبَةُ إِلَى وَصِيفٍ الْكَبِيرِ ، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ لِبَاسُهَا إِلَّا الْبَيَاضَ ، وَكَانَتْ تَنْتَحِبُ وَتَشْهَقُ إِلَى أَنْ جَلَسَ وَصِيفٌ يَوْمًا لِلشُّرْبِ وَجَلَسَ الْجَوَارِي اللَّاتِي كُنَّ لِلْمُتَوَكِّلِ يُغَنِّينَهُ ، فَمَا تَغَنَّتْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ إِلَّا تَغَنَّتْ غَيْرُهَا ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ : إِنْ رَأَى الْأَمِيرُ أَنْ يَعْفِيَنِي ، فَأَبَى ، فَقَالَ لَهَا الْجَوَارِي : لَوْ كَانَ فِي الْحُزْنِ فَرَجٌ لَحَزِنَّا مَعَكِ ، وَجِيءَ بِالْعُودِ فَوُضِعَ فِي حِجْرِهَا فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ : أَيُّ عَيْشٍ يَطِيبُ لِي لَا أَرَى فِيهِ جَعْفَرَا مَلِكٌ قَدْ رَأَتْهُ عَيْنِي جَرِيحًا مُعَفَّرَا كُلُّ مَنْ كَانَ ذَا هُيَامٍ وَسَقَمٍ فَقَدْ بَرَا غَيْرَ مَحْبُوبَةَ الَّتِي لَوْ تَرَى الْمَوْتَ يُشْتَرَى لَاشْتَرَتْهُ بِمَا حَوَتْـ ـهُ جَمِيعًا لِتُقْبَرَا فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى وَصِيفٍ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهَا ، فَصَارَتْ إِلَى حَالَةٍ قَبِيحَةٍ وَلَبِسَتِ الصُّوفَ ، وَأَخَذَتْ تَرْثِيهِ وَتَبْكِيهِ حَتَّى مَاتَتْ |
412 حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ : إِنِّي لَعِنْدَ الْمُتَوَكِّلِ يَوْمًا وَالْفَتْحُ جَالِسٌ إِذْ قِيلَ لَهُ : فُلَانٌ النَّخَّاسُ بِالْبَابِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ وَمَعَهُ وَصِيفَةٌ ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : مَا صِنَاعَةُ هَذِهِ ؟ قَالَ : تَقْرَأُ بِأَلْحَانٍ . فَقَالَ الْفَتْحُ : اقْرَأِي لَنَا خَمْسَ آيَاتٍ . فَانْدَفَعَتْ تَقُولُ : قَدْ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَشَقَّ عَنَّا الظُّلْمَةَ الصُّبْحُ خَدِينُ مُلْكٍ وَرَحَى دَوْلَةٍ وَهَمُّهُ الْإِشْفَاقُ وَالنُّصْحُ اللَّيْثُ إِلَّا أَنَّهُ مَاجِدٌ وَالْغَيْثُ إِلَّا أَنَّهُ سَمْحُ وَكُلُّ بَابٍ لِلنَّدَى مُغْلَقٌ فَإِنَّمَا مِفْتَاحُهُ الْفَتْحُ قَالَ : فَوَاللَّهِ لَقَدْ دَخَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ السُّرُورِ مَا قَامَ إِلَى الْفَتْحِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ ، وَوَثَبَ الْفَتْحُ فَقَبَّلَ رِجْلَهُ ، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِشِرَائِهَا ، وَأَمَرَ بِهَا بِجَائِزَةٍ وَكِسْوَةٍ ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْفَتْحِ ، فَكَانَتْ أَحَظَّ جَوَارِيهِ عِنْدَهُ ، فَلَمَّا قُتِلَ الْفَتْحُ رَثَتْهُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ : قَدْ قُلْتُ لِلْمَوْتِ حِينَ نَازَلَهُ وَالْمَوْتُ مِقْدَامُهُ عَلَى الْبَهْمِ لَوْ قَدْ تَبَيَّنْتَ مَا فَعَلْتَ إِذًا فَزِعْتَ شَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ نَدَمِ فَاذْهَبْ بِمَنْ شَنِيتَ إِذْ ذَهَبْتَ بِهِ مَا بَعْدَ فَتْحٍ لِلْمَوْتِ مِنْ أَلَمِ وَلَمْ تَزَلْ تَبْكِي وَتَنُوحُ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : لَمْ يَرِبِ الْمَوَدَّةُ وَيَزْرَعُ الْمَحَبَّةُ بِمِثْلِ سُكُونِ النَّفْسِ إِلَى النِّعْمَةِ وَالْوَفَاءِ لِأَهْلِ الثِّقَةِ ، وَالْمَزِيدِ بِتَعَاهُدِ النِّعْمَةِ وَالشُّكْرِ عَلَيْهَا |
413 أَنْشَدَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَارَسْتَانِيُّ : لَا وَالَّذِي إِنْ بَكَيْتُ الْيَوْمَ عَاقَبَنِي وَإِنْ صَدَقْتُ تَلَقَّانِي بِغُفْرَانِي مَا قَرَّتِ الْعَيْنُ بِالْأَبْدَالِ بَعْدَكُمُ وَلَا وَجَدْتُ لَذِيذَ النَّوْمِ يَغْشَانِي إِنِّي وَجَدْتُ بِكُمْ مَا لَمْ يَجِدْ أَحَدٌ جِنٌّ بِجِنٍّ وَلَا إِنْسٌ بِإِنْسَانِ |