بَابُ ذِكْرِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوُدِّ



: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

414 حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ الرَّقِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الرَّقِّيُّ ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ حُمَيْدٍ الطُّوسِيِّ قَالَ : كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ يَهْوَى جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا : ظَلُومٌ ، وَكَانَ شَدِيدَ الشَّغَفِ بِهَا ، وَكَانَتْ تَجِدُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَجْلِسِهِ وَقَدْ فُرِشَ بِالدِّيبَاجِ ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْجَوَارِي وَالْمُغَنُّونَ ، وَلَيْسَ ظَلُومٌ حَاضِرَةً إِذْ وَجَّهَ بَعْضُ جَوَارِيهِ بِأُتْرُجَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ ، فَلَمَّا وُضِعَتْ فِي يَدِهِ شَمَّهَا وَشَرِبَ رِطْلًا وَذَكَرَ ظَلُومًا ، فَدَعَا بِوَصِيفٍ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْأُتْرُجَّةَ ، وَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ بِهَذِهِ إِلَى ظَلُومٍ ، فَلَمَّا دَفَعَ إِلَيْهَا الْأُتْرُجَّةَ وَأَدَّى الرِّسَالَةَ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى رَحِمَهَا جَمِيعُ مَنْ حَضَرَهَا ، وَقَالُوا : إِنَّنَا مَا رَأَيْنَا أَعْجَبَ مِنْكِ ، يُوَجِّهُ إِلَيْكِ بِتَحِيَّةٍ فَتَبْكِينَ فَقَالَتْ : أَنَا أَتَغَنَّى بِصَوْتٍ تَعْلَمُونَ مِمَّ بُكَايَ ، فَانْدَفَعَتْ تُغَنِّي :
أَهْدَى لَهُ أَحْبَابُهُ أُتْرُجَّةً
فَبَكَى وَأَشْفَقَ مِنْ عَيَافَةِ زَاجِرِ

خَافَ التَّلَوُّنَ وَالْفِرَاقِ لِأَنَّهَا
لَوْنَانِ بَاطِنُهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ
فَلَمَّا جَاءَ الْغُلَامُ قَالَ : مَا بَطَّأَ بِكَ ؟ فَأَعْلَمَهُ أَنَّهَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ مَنْزِلِهَا ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَوْضِعِهَا ، فَغَاظَهُ ذَلِكَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهَا :
ضَيِّعْتِ عَهْدَ فَتًى لِغَيْبِكِ حَافَظٌ
فِي حِفْظِهِ عَجَبٌ وَفِي تَضْيِيعِكِ

فَصِدْتِ عَنْهُ فَمَا لَهُ مِنْ حِيلَةٍ
إِلَّا الْوُقُوفُ إِلَى أَوَانِ رُجُوعِكِ

إِنْ تَقْتُلِيهِ وَتَذْهَبِي بِحَيَاتِهِ
فَبِحُسْنِ وَجْهِكِ لَا بِحُسْنِ صَنِيعِكِ
وَوَجَّهَ إِلَيْهَا بِالرُّقْعَةِ مَعَ الْغُلَامِ وَأَمَرَهُ أَلَّا يَأْخُذَ لَهَا جَوَابًا ، فَلَمَّا دَفَعَ إِلَيْهَا الرُّقْعَةَ قَرَأَتْهَا ثُمَّ بَكَتْ حَتَّى رَحِمَهَا جَمِيعُ مَنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ ، ثُمَّ قَالَتْ لِلْغُلَامِ : اسْمَعْ مِنِّي صَوْتًا وَاحْفَظْهُ ، وَانْدَفَعَتْ تُغَنِّي :
هَلْ لِعَيْنَيَّ إِلَى الرُّقَادِ شَفِيعُ
إِنَّ قَلْبِي مِنَ السِّقَامِ مَرُوعُ

لَا تَرَانِي بَخَلْتَ عَنْكَ بِدَمْعٍ
لَا وَرَوحِ الْحَبِيبِ مَا لِي دُمُوعُ

إِنَّ قَلْبِي إِلَيْكَ صَبٌّ حَزِينٌ
فَاسْتَرَاحَتْ إِلَى الْأَنِينِ الضُّلُوعُ

لَيْسَ فِي الْعَطْفِ يَا مُحَمَّدُ بِدَعٌ
إِنَّمَا كُلُّ مَا أُقَاسِي بَدِيعُ
وَلَمْ تَزَلْ تُرَدِّدُهَا عَلَيْهِ حَتَّى حَفِظَهَا الْغُلَامُ ، فَانْصَرَفَ ، فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ : أَخْبِرْنِي بِجَمِيعِ مَا رَأَيْتَ مِنْهَا ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا ، وَغَنَّاهُ الْأَبْيَاتَ فَبَكَا ، وَقَالَ : صَدَقَتْ وَاللَّهِ ، لَيْسَ فِي الْعَطْفِ عَلَى مِثْلِهَا بِدَعٌ ، وَدَعَا بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ وَكَتَبَ إِلَيْهَا أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ ، وَكَتَبَ فِي أَسْفَلِ الرُّقْعَةِ :
أَنْزَلْتِ بِالْقَلْبِ هَمًّا قَدْ أَضَرَّ بِهِ
صَبْرًا عَلَى الْهَمِّ حَتَّى يَنْزِلَ الْفَرَجُ

إِنْ كُنْتِ فِي الشَّكِّ مِمَّا بِي وَقَدْ خَفِيَتْ
بَيْنَ الْجَوَانِحِ بَادِ الْحُبِّ مُذْحِجَجُ

ظَلُومُ فَاسْتَخْبِرِي عَنْ حُبِّكُمْ جَسَدِي
يُخْبِرْكِ أَنِّي نَحِيلٌ هَائِمٌ كَهِجُ
قَالَ : فَلَمَّا قَرَأْتِ الرُّقْعَةَ وَثَبَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا حَتَّى وَافَتْ مَنْزِلَهُ وَقَالَتْ : أَنَا مَمْلُوكَةٌ ، وَلَا أَمْلِكُ نَفْسِي ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ فِيَّ حَاجَةٌ فَمُرْ بِشِرَائِي لِأَكُونَ طَوْعَ يَدِكَ ، فَاشْتُرِيَتْ لَهُ ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ فَكَانَتْ أَعَزَّ جَوَارِيهِ عَلَيْهِ وَأَعْلَاهُنَّ مَرْتَبَةً لَدَيْهِ ، حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ فِي وَقْعَةِ بَابِكٍ فَقُتِلَ ، فَلَمَّا بَلَغَهَا قَتْلُهُ جَزَعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا وَجَعَلَتْ تَرْثِيهِ ، فَكَانَ مِمَّا قَالَتْ :
مُحَمَّدُ بْنَ حُمَيْدٍ أُخْلِقَتْ دِمَمُهْ
أُرِيقَ مَاءُ الْمَعَالِي مُذْ أُرِيقَ دَمُهْ

رَأَيْتُهُ بِنِجَادِ السَّيْفِ مُخْتَبِيًا
فِي النَّوْمِ بَدْرًا جَلَّتْ عَنْ وَجْهِهِ ظُلَمُهْ

فِي رَوْضَةٍ قَدْ عَلَا حَافَاتِهَا زَهْرٌ
عَلِمْتُ بَعْدَ انْتِبَاهِي أَنَّهَا نِعَمُهْ

فَقُلْتُ وَالدَّمْعُ مِنْ حُزْنٍ وَمِنْ كَمَدٍ
يَجْرِي انْسِكَابًا عَلَى الْخَدَّيْنِ مُنْسَجَمُهْ

أَلَمْ تَمُتْ يَا شَقِيقَ النَّفْسِ مُذْ زَمَنٍ
فَقَالَ لِي : لَمْ يَمُتْ مَنْ لَمْ يَمُتْ كَرَمُهْ
فَلَمْ تَزَلْ تَرْثِيهِ وَتَبْكِي عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ قَالَ الْخَرَائِطِيُّ : الشِّعْرُ لِأَبِي تَمَامٍ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،