بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : حَسْبِي اللَّهُ وَكَفَى وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَهْلِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ ، وَالْعِزَّةِ وَالْبَقَاءِ ، وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ ، أَحْمَدُهُ عَلَى تَوَاتُرِ نِعَمِهِ ، وَقَدِيمِ إِحْسَانِهِ وَقَسْمِهِ ، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ يُحِبُّ الْحَمْدَ ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْمُنْتَخَبِينَ ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ مَذْهَبِنَا فِي الْقَدَرِ ؟ فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نُخْبِرَهُ بِمَذْهَبِنَا أَنَّا نَنْصَحُ لِلسَّائِلِ ، وَنُعَلِّمُهُ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ بِالْمُسْلِمِينَ التَّنْقِيرُ وَالْبَحْثُ عَنِ الْقَدَرِ ؛ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ سِرِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، بَلِ الْإِيمَانُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَاجِبٌ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ ، ثُمَّ لَا يَأْمَنُ الْعَبْدُ أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْقَدَرِ فَيُكَذِّبُ بِمَقَادِيرِ اللَّهِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْعِبَادِ ، فَيَضِلُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَلَكَتْ أُمَّةٌ قَطُّ إِلَّا بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَا أَشْرَكَتْ أُمَّةٌ حَتَّى يَكُونَ بَدْوِ أَمْرِهَا وَشِرْكُهَا : التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَوْلَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمَّا بَلَغَهُمْ عَنْ قَوْمٍ ضُلَّالٍ شَرَدُوا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَكَذَّبُوا بِالْقَدَرِ ، فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ ، وَسَبُّوهُمْ وَكَفَّرُوهُمْ ، وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ سَبُّوا مَنْ تَكَلَّمَ بِالْقَدَرِ وَكَذَّبَ بِهِ وَلَعَنُوهُمْ وَنَهَوْا عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ ، وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَعَنْ مُنَاظَرَتِهِمْ وَبَيَّنُوا لِلْمُسْلِمِينَ قَبِيحَ مَذَاهِبِهِمْ فَلَوْلَا أَنَّ هَؤُلَاءِ رَدُّوا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ لَمْ يَسَعْ مَنْ بَعْدَهُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْقَدَرِ ، بَلِ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ : خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، وَاجِبٌ قَضَاءٌ وَقَدَرٌ ، وَمَا قُدِّرَ يَكُنْ ، وَمَا لَمْ يَقَدَّرْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، عَلِمَ أَنَّهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ لَهُ فَيَشْكُرُهُ عَلَى ذَاكَ وَإِنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَتِهِ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ ، وَعَلِمَ أَنَّهَا بِمَقْدُورٍ جَرَى عَلَيْهِ ، فَذَمَّ نَفْسَهُ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حُجَّةٌ ، بَلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ عَلَى خَلْقِهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ، فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا فِي الْقَدَرِ أَنَّ الْقَدَرَ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلًا ، وَأُقْسِمُ بِعِزَّتِهِ أَنَّهُ يَمْلَاءُ جَهَنَّمَ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلِّ ذُرِّيَّةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ جَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقًا فِي السَّعِيرِ وَخَلَقَ إِبْلِيسَ ، وَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلْمَقْدُورِ ، الَّذِي قَدْ جَرَى عَلَيْهِ مِنَ الشِّقْوَةِ الَّتِي قَدْ سَبَقَتْ فِي الْعِلْمِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَا مُعَارَضَ لِلَّهِ الْكَرِيمِ فِي حُكْمِهِ ، يَفْعَلُ فِي خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ عَدْلًا مِنْ رَبَّنَا قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ ، وَخَلَقَ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، لِلْأَرْضِ خَلَقَهُمَا ، وَأَسْكَنَهُمَا الْجَنَّةَ ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَأْكُلَا مِنْهَا رَغَدًا مَا شَاءَا ، وَنَهَاهُمَا عَنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ لَا يَقْرَبَاهَا ، وَقَدْ جَرَى مَقْدُورُهُ أَنَّهُمَا سَيَعْصِيَانِهِ بِأَكْلِهِمَا مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الظَّاهِرِ يَنْهَاهُمَا ، وَفِي الْبَاطِنِ مِنْ عِلْمِهِ : قَدْ قَدَّرَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ مِنْهَا : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بُدٌّ مِنْ أَكْلِهِمَا ، سَبَبًا لِلْمَعَصَيَةِ ، وَسَبَبًا لِخُرُوجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ ، إِذْ كَانَا لِلْأَرْضِ خُلِقَا ، وَأَنَّهُ سَيَغْفِرُ لَهُمَا بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ ، كُلُّ ذَلِكَ سَابِقٌ فِي عِلْمِهِ ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ ، إِلَّا وَقَدْ جَرَى مَقْدُورُهُ بِهِ ، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمًا قَبْلَ كَوْنِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ خَلَقَ الْخَلْقَ كَمَا شَاءَ لَمَّا شَاءَ ، فَجَعَلَهُمْ شَقِيًّا وَسَعِيدًا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا ، وَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ ، وَكَتَبَ آجَالَهُمْ ، وَكَتَبَ أَرْزَاقَهُمْ ، وَكَتَبَ أَعْمَالَهُمْ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى فِيمَا كَتَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ ، ثُمَّ بَعَثَ رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ وَحْيَهُ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْبَلَاغِ لِخَلْقِهِ ، فَبَلَّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ ، وَنَصَحُوا قَوْمَهُمْ ، فَمَنْ جَرَى فِي مَقْدُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤْمِنَ آمَنَ ، وَمَنْ جَرَى فِي مَقْدُورِهِ أَنْ يَكْفُرَ كَفَرَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { هُو الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أَحَبَّ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ، وَمَقَتَ آخَرِينَ ، فَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } الْخَلْقُ كُلُّهُمْ لَهُ يَفْعَلُ فِي خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ ، غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ ، جَلَّ ذِكْرُهُ أَنْ يُنْسَبَ رَبُّنَا إِلَى الظُّلْمِ مَنْ يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ بِمِلْكٍ ، وَأَمَّا رَبُّنَا تَعَالَى فَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، وَلَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ ، جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ، أَحَبَّ الطَّاعَةَ مِنْ عِبَادِهِ وَأَمَرَ بِهَا ، فَجَرَتْ مِمَّنْ أَطَاعَهُ بِتَوْفِيقِهِ لَهُمْ ، وَنَهَى عَنِ الْمَعَاصِي ، وَأَرَادَ كَوْنَهَا مِنْ غَيْرِ مَحَبَّةٍ مِنْهُ لَهَا ، وَلَا لِلْأَمْرِ بِهَا ، تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِالْفَحْشَاءِ ، أَوْ يُحِبَّهَا وَجَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ مِنْ أَنْ يَجْرِي فِي مُلْكِهِ مَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَجْرِيَ ، أَوْ شَيْءٌ لَمْ يَحُطْ بِهِ عِلْمُهُ قَبْلَ كَوْنِهِ ، قَدْ عَلِمَ مَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ ، وَبَعْدَ أَنْ خَلَقَهُمُ ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا قَضَاءً وَقَدَرًا قَدْ جَرَى الْقَلَمُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِمَا يَكُونُ ، مِنْ بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ ، يُثْنِي عَلَى مَنْ عَمِلَ بِطَاعَتِهِ مِنْ عَبِيدِهِ ، وَيُضِيفُ الْعَمَلَ إِلَى الْعِبَادِ ، وَيَعِدْهُمْ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ الْعَظِيمَ ، وَلَوْلَا تَوْفِيقُهُ لَهُمْ مَا عَمِلُوا بِمَا اسْتَوْجَبُوا بِهِ مِنْهُ الْجَزَاءُ ، { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } , وَكَذَا ذَمَّ قَوْمًا عَمِلُوا بِمَعْصِيَتِهِ ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَأَضَافَ الْعَمَلَ إِلَيْهِمْ بِمَا عَمِلُوا ، وَذَلِكَ بِمَقْدُورٍ جَرَى عَلَيْهِمْ ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا مَذْهَبُنَا فِي الْقَدَرِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ السَّائِلُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْتَ ؟ قِيلَ لَهُ : كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُنَّةِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ قَالَ : فَاذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ مَا نَزْدَادُ بِهِ عِلْمًا وَيَقِينًا ، قِيلَ لَهُ : نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِكُلِّ رَشَادٍ ، وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ بِمَنِّهِ

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : حَسْبِي اللَّهُ وَكَفَى وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَهْلِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ ، وَالْعِزَّةِ وَالْبَقَاءِ ، وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ ، أَحْمَدُهُ عَلَى تَوَاتُرِ نِعَمِهِ ، وَقَدِيمِ إِحْسَانِهِ وَقَسْمِهِ ، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ يُحِبُّ الْحَمْدَ ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْمُنْتَخَبِينَ ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ مَذْهَبِنَا فِي الْقَدَرِ ؟ فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نُخْبِرَهُ بِمَذْهَبِنَا أَنَّا نَنْصَحُ لِلسَّائِلِ ، وَنُعَلِّمُهُ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ بِالْمُسْلِمِينَ التَّنْقِيرُ وَالْبَحْثُ عَنِ الْقَدَرِ ؛ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ سِرِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، بَلِ الْإِيمَانُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَاجِبٌ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ ، ثُمَّ لَا يَأْمَنُ الْعَبْدُ أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْقَدَرِ فَيُكَذِّبُ بِمَقَادِيرِ اللَّهِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْعِبَادِ ، فَيَضِلُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَلَكَتْ أُمَّةٌ قَطُّ إِلَّا بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَا أَشْرَكَتْ أُمَّةٌ حَتَّى يَكُونَ بَدْوِ أَمْرِهَا وَشِرْكُهَا : التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَوْلَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمَّا بَلَغَهُمْ عَنْ قَوْمٍ ضُلَّالٍ شَرَدُوا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَكَذَّبُوا بِالْقَدَرِ ، فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ ، وَسَبُّوهُمْ وَكَفَّرُوهُمْ ، وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ سَبُّوا مَنْ تَكَلَّمَ بِالْقَدَرِ وَكَذَّبَ بِهِ وَلَعَنُوهُمْ وَنَهَوْا عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ ، وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَعَنْ مُنَاظَرَتِهِمْ وَبَيَّنُوا لِلْمُسْلِمِينَ قَبِيحَ مَذَاهِبِهِمْ فَلَوْلَا أَنَّ هَؤُلَاءِ رَدُّوا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ لَمْ يَسَعْ مَنْ بَعْدَهُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْقَدَرِ ، بَلِ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ : خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، وَاجِبٌ قَضَاءٌ وَقَدَرٌ ، وَمَا قُدِّرَ يَكُنْ ، وَمَا لَمْ يَقَدَّرْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، عَلِمَ أَنَّهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ لَهُ فَيَشْكُرُهُ عَلَى ذَاكَ وَإِنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَتِهِ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ ، وَعَلِمَ أَنَّهَا بِمَقْدُورٍ جَرَى عَلَيْهِ ، فَذَمَّ نَفْسَهُ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حُجَّةٌ ، بَلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ عَلَى خَلْقِهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ، فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا فِي الْقَدَرِ أَنَّ الْقَدَرَ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلًا ، وَأُقْسِمُ بِعِزَّتِهِ أَنَّهُ يَمْلَاءُ جَهَنَّمَ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلِّ ذُرِّيَّةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ جَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقًا فِي السَّعِيرِ وَخَلَقَ إِبْلِيسَ ، وَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلْمَقْدُورِ ، الَّذِي قَدْ جَرَى عَلَيْهِ مِنَ الشِّقْوَةِ الَّتِي قَدْ سَبَقَتْ فِي الْعِلْمِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَا مُعَارَضَ لِلَّهِ الْكَرِيمِ فِي حُكْمِهِ ، يَفْعَلُ فِي خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ عَدْلًا مِنْ رَبَّنَا قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ ، وَخَلَقَ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، لِلْأَرْضِ خَلَقَهُمَا ، وَأَسْكَنَهُمَا الْجَنَّةَ ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَأْكُلَا مِنْهَا رَغَدًا مَا شَاءَا ، وَنَهَاهُمَا عَنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ لَا يَقْرَبَاهَا ، وَقَدْ جَرَى مَقْدُورُهُ أَنَّهُمَا سَيَعْصِيَانِهِ بِأَكْلِهِمَا مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الظَّاهِرِ يَنْهَاهُمَا ، وَفِي الْبَاطِنِ مِنْ عِلْمِهِ : قَدْ قَدَّرَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ مِنْهَا : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بُدٌّ مِنْ أَكْلِهِمَا ، سَبَبًا لِلْمَعَصَيَةِ ، وَسَبَبًا لِخُرُوجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ ، إِذْ كَانَا لِلْأَرْضِ خُلِقَا ، وَأَنَّهُ سَيَغْفِرُ لَهُمَا بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ ، كُلُّ ذَلِكَ سَابِقٌ فِي عِلْمِهِ ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ ، إِلَّا وَقَدْ جَرَى مَقْدُورُهُ بِهِ ، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمًا قَبْلَ كَوْنِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ خَلَقَ الْخَلْقَ كَمَا شَاءَ لَمَّا شَاءَ ، فَجَعَلَهُمْ شَقِيًّا وَسَعِيدًا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا ، وَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ ، وَكَتَبَ آجَالَهُمْ ، وَكَتَبَ أَرْزَاقَهُمْ ، وَكَتَبَ أَعْمَالَهُمْ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى فِيمَا كَتَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ ، ثُمَّ بَعَثَ رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ وَحْيَهُ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْبَلَاغِ لِخَلْقِهِ ، فَبَلَّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ ، وَنَصَحُوا قَوْمَهُمْ ، فَمَنْ جَرَى فِي مَقْدُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤْمِنَ آمَنَ ، وَمَنْ جَرَى فِي مَقْدُورِهِ أَنْ يَكْفُرَ كَفَرَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { هُو الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أَحَبَّ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ، وَمَقَتَ آخَرِينَ ، فَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } الْخَلْقُ كُلُّهُمْ لَهُ يَفْعَلُ فِي خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ ، غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ ، جَلَّ ذِكْرُهُ أَنْ يُنْسَبَ رَبُّنَا إِلَى الظُّلْمِ مَنْ يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ بِمِلْكٍ ، وَأَمَّا رَبُّنَا تَعَالَى فَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، وَلَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ ، جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ، أَحَبَّ الطَّاعَةَ مِنْ عِبَادِهِ وَأَمَرَ بِهَا ، فَجَرَتْ مِمَّنْ أَطَاعَهُ بِتَوْفِيقِهِ لَهُمْ ، وَنَهَى عَنِ الْمَعَاصِي ، وَأَرَادَ كَوْنَهَا مِنْ غَيْرِ مَحَبَّةٍ مِنْهُ لَهَا ، وَلَا لِلْأَمْرِ بِهَا ، تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِالْفَحْشَاءِ ، أَوْ يُحِبَّهَا وَجَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ مِنْ أَنْ يَجْرِي فِي مُلْكِهِ مَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَجْرِيَ ، أَوْ شَيْءٌ لَمْ يَحُطْ بِهِ عِلْمُهُ قَبْلَ كَوْنِهِ ، قَدْ عَلِمَ مَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ ، وَبَعْدَ أَنْ خَلَقَهُمُ ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا قَضَاءً وَقَدَرًا قَدْ جَرَى الْقَلَمُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِمَا يَكُونُ ، مِنْ بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ ، يُثْنِي عَلَى مَنْ عَمِلَ بِطَاعَتِهِ مِنْ عَبِيدِهِ ، وَيُضِيفُ الْعَمَلَ إِلَى الْعِبَادِ ، وَيَعِدْهُمْ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ الْعَظِيمَ ، وَلَوْلَا تَوْفِيقُهُ لَهُمْ مَا عَمِلُوا بِمَا اسْتَوْجَبُوا بِهِ مِنْهُ الْجَزَاءُ ، { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } , وَكَذَا ذَمَّ قَوْمًا عَمِلُوا بِمَعْصِيَتِهِ ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَأَضَافَ الْعَمَلَ إِلَيْهِمْ بِمَا عَمِلُوا ، وَذَلِكَ بِمَقْدُورٍ جَرَى عَلَيْهِمْ ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا مَذْهَبُنَا فِي الْقَدَرِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ السَّائِلُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْتَ ؟ قِيلَ لَهُ : كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُنَّةِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ قَالَ : فَاذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ مَا نَزْدَادُ بِهِ عِلْمًا وَيَقِينًا ، قِيلَ لَهُ : نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِكُلِّ رَشَادٍ ، وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ بِمَنِّهِ

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،