بَابُ ذِكْرِ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْهَوَى
806 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ : بَلَغَنِي لِابْنِ الْمُؤَمَّلِ لَمَّا قَالَ : شَفَا الْمُؤَمَّلَ يَوْمَ الْحِيرَةِ النَّظَرُ لَيْتَ الْمُؤَمَّلَ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ بَصَرُ عَمِيَ , فَرَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ آتِيًا أَتَاهُ فَقَالَ : هَذَا هَذَا مَا تَمَنَّيْتَهُ فِي شِعْرِكَ لِبَعْضِ الْأَعْرَابِ : يَا لَيْتَ شِعْرِيَ , وَالْأَمَانِيُّ رُبَّمَا أَوْفَتْ بِصَاحِبِهَا عَلَى مِيعَادِ هَلْ بَعْدَ فُرْقَتِنَا اجْتِمَاعٌ أَمْ لَنَا فِي غَابِرِ الْأَيَّامِ حُسْنُ تَنَادِي وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا : وَدِدْتُ وَلَا يَمْقُتُنِي اللَّهُ دُونَهَا نَصِيبِي مِنَ الدُّنْيَا وَإِنِّي نَصِيبُهَا فَإِنْ تَجْنِ لَيْلَى بِالْمَوَدَّةِ تَجْزِنِي وَإِنْ تَجْزِ بِالْقُرْبَى فَإِنِّي قَرِيبُهَا |
807 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالَ : كَانَ دَاوُدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَاصِمٍ يَهْوَى جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا : وَرْدَةُ ابْنَةُ عَائِذٍ الطَّائِيِّ , فَخَرَجَ يَوْمًا فَاسْتَقْبَلَ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ فِي يَوْمِ بُؤْسِهِ وَهُوَ يُرِيدُهَا , فَقَالَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى اسْتِقْبَالِي فِي يَوْمِ بُؤْسِي ؟ قَالَ : شِدَّةُ الْوَجْدِ , وَقِلَّةُ الصَّبْرِ وَقَالَ : أَلَسْتَ الْقَائِلَ : أَلَا لَيْتَنِي مَكَّنْتُ مِنْ وَرْدَةَ الْمُنَى بِعَذْلٍ مِنَ الْبُلْدَانِ فِي مَهَمَّةٍ قَفْرِ نَكُونُ بِهَا فَرْدَيْنِ لَا نَبْغِ ثَالِثًا هُنَاكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْحَشْرِ فَلَا زَادَ عِنْدِي غَيْرُ فَضْلِ سَلَامٍ وَأَبْيَضَ مِنْ مَاءٍ زُلَالٍ مِنَ الْقَطْرِ أُعَانِقُهَا طَوْرًا وَأَلْثَمُ خَدَّهَا وَطَوْرًا أُعَاطِيهَا أَحَادِيثَ كَالشَّدْرِ قَالَ : بَلَى , وَأَنَا الَّذِي أَقُولُ : وَدِدْتُ وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَنِّي أُقَارِعُ عُمْرَ وَرْدَةَ بِالْقِدَاحِ عَلَى ذَبْحِي بِأَبْيَضَ مَشْرَفِيٍّ وَكَوْنِي لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَّاحِ فَإِنْ تَكُنِ الْقِدَاحُ عَلَيَّ تُلْقَى ذُبِحْتُ عَلَى الْقِدَاحِ بِلَا جُنَاحِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ لِينُ خَدِّي لَهَوْتُ بِكَاعِبٍ خُودٍ رِدَاحِ لَأَوَّلِ لَيْلَتِي حَتَّى إِذَا مَا أَضَاءَ الْفَجْرُ أُبْتُ إِلَى الْفَلَاحِ قَالَ : فَإِنِّي أُخَيِّرُكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ . قَالَ : وَمَا هُمَا أَبَيْتَ اللَّعْنَ ؟ قَالَ : أُخَلِّي سَبِيلَكَ فَتَمْضِي , أَوْ أُمَتِّعُكَ بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقْتُلُكَ . قَالَ : تُمَتِّعْنِي بِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَقْتُلُنِي . فَسَاقَ مَهْرَهَا إِلَى عَمِّهَا , وَخَرَجَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا , فَمَكَثَ مَعَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ , فَلَمَّا انْقَضَتِ الْأَيَّامُ أَقْبَلَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ يَقُولُ : إِلَيْكَ ابْنَ مَاءِ الْمُزْنِ أَقْبَلْتُ مَا مَضَتْ لِيَ السَّبْعُ مِنْ يَوْمِ دُخُولِي عَلَى أَهْلِي فَجِيءَ مُقِرًّا بِاصْطِنَاعِكَ شَاكِرًا مَنَنْتَ عَلَيْهِ بِالْكَرِيمِ مِنَ الْفِعْلِ لِتَقْضِيَ فِيهِ مَا أَرَدْتَ قَضَاءَهُ مِنَ الْعَفْوِ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِي فَإِنْ يَكُ عَفْوًا كُنْتَ أَفْضَلَ مُنْعِمٍ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَمِنْ حَكَمٍ عَدْلِ قَالَ : فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ , وَخَلَّى سَبِيلَهُ , وَأَنْشَأَ يَقُولُ : لَمْ يَنَلْ مَا نَالَ مِنَّا ابْنُ سَعْدٍ مِنْ أَنِيسِ إِذْ حَوَى مَا كَانَ يَهْوَى وَنَجَا مِنْ يَوْمِ بُؤْسِي وَكَذَاكَ الطَّيْرُ يَجْرِي بِسُعُودٍ وَنُحُوسِ وَأَنْشَدَ لِسَعِيدِ بْنِ حُمَيْدٍ : كَيْفَ أُثْنِي عَلَى الزَّمَانِ وَهِجْرَانُـ ـكَ مِمَّا جَنَتْ بِهِ صُرُوفُ الزَّمَانِ صِرْتُ أَجْفُوكِ مُكْرَهًا وَعَلَى الْـ ـوُدِّ دَلِيلٌ مِنْ نَاظِرِي وَلِسَانِي كُلَّمَا عُدْتُ بِالتَّجَلُّدِ عَنْكُمُ كَذَّبَتْنِي نَوَاظِرُ الْأَجْفَانِ وَلَوْ أَنَّ الْمُنَى تُحَكَّمُ يَوْمًا مَا تَهَدَّتْ إِلَّا إِلَيْكِ الْأَمَانِي |
808 وَأَنْشَدَنِي أَبُو صَخْرٍ الْأُمَوِيُّ لِيَعْقُوبَ بْنِ الرَّبِيعِ : أَلَا إِنَّمَا الْعَيْشُ اللَّذِيذُ مِدَاحُهُ عَقَارٌ كَلَوْنِ النَّارِ صَفْرَاءُ قَرْقَفُ يَسِيرُ بِهَا رِيمٌ لَهُ جِيدُ شَادِنٍ غَدِيرٌ وَطَرْفٌ يُدْنِفُ الْقَلْبَ مُذْلِفُ وَلَيْلٌ جَلَا بَدْرُ السَّمَاءِ ظَلَامَهُ فَصَارَ نَهَارًا حُسْنُهُ لَيْسَ يُوصَفُ كَأَنَّ نُجُومَ اللَّيْلِ وَهْيَ طَوَالِعٌ عُيُونٌ إِلَى الْكَاسَاتِ تَرْنُو وَتَطْرُفُ |
810 حَدَّثَنِي السَّرِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَلَبِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ , عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ : اجْتَمَعَ مَشْيَخَةُ الْحَيِّ إِلَى الْمُلَوِّحِ أَبِي قَيْسٍ الْمَجْنُونِ فَقَالُوا لَهُ : لَوْ حَجَجْتَ بِوَلَدِكَ فَلَاذَ بِالْبَيْتِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ مِمَّا بِهِ . فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ , فَبَيْنَمَا هُوَ بِمِنًى إِذْ سَمِعَ صَائِحًا مِنْ تِلْكَ الْخِيَامِ يَا لَيْلَى , فَأَنْشَأَ يَقُولُ : وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَهَيَّجَ أَحْزَانَ الْفُؤَادِ وَمَا يَدْرِي دَعَى بِاسْمِ لَيْلَى غَيْرَهَا فَكَأَنَّمَا لَطَارَ بِلَيْلَى طَائِرٌ كَانَ فِي صَدْرِي ثُمَّ صَاحَ صَيْحَةً فَغُشِيَ عَلَيْهِ , فَجَعَلَ أَبُوهُ يَرُشُّ عَلَى وَجْهِهِ الْمَاءَ حَتَّى أَفَاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ , فَأَنْشَأَ يَقُولُ : دَعَا الْمُحْرِمُونَ اللَّهَ يَسْتَغْفِرُونَهُ بِمَكَّةَ شُعْثًا أَنْ يَمْحِي ذُنُوبَهَا وَنَادَيْتُ يَا رَبَّاهُ أَوَّلُ مُنْيَتِي لِنَفْسِيَ لَيْلَى ثُمَّ أَنْتَ حَسِيبُهَا فَإِنْ أُعْطَ لَيْلَى فِي حَيَاتِيَ لَمْ يَتُبْ إِلَى اللَّهِ عَبْدٌ تَوْبَةً لَا أَتُوبُهَا |
811 حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمِصْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ : خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ إِلَى مُتَنَزَّهٍ لَهُ فَذَكَرَ جَارِيَةً كَانَتْ لَهُ يُحِبُّهَا وَكَتَبَ إِلَيْهَا : فَلَمَّا أَتَيْنَا مَنْزِلًا ظِلُّهُ النَّدَى أَنِيقًا وَبُسْتَانًا مِنَ النُّورِ حَالِيَا أَجَدَّ لَنَا ذِكْرُ الْحَدِيثِ وَطِيبُهُ مُنًى فَتَمَنَّيْنَا فَكُنْتِ الْأَمَانِيَا |