هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1557 وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، ح وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ ، حَدَّثَهُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا ، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ ، قَالَتْ : وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى النَّاسَ ، إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا ، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ ؟ قَالَتْ : فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ ، فَقَالُوا : { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا }
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1557 وحدثني هارون بن معروف ، حدثنا ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، ح وحدثني أبو الطاهر ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، أن أبا النضر ، حدثه ، عن سليمان بن يسار ، عن عائشة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا ، حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يتبسم ، قالت : وكان إذا رأى غيما أو ريحا ، عرف ذلك في وجهه ، فقالت : يا رسول الله أرى الناس ، إذا رأوا الغيم فرحوا ، رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ؟ قالت : فقال : يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب ، فقالوا : { هذا عارض ممطرنا }
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم.
قالت وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه.
فقالت يا رسول الله أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية؟ قالت فقال يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا { { هذا عارض ممطرنا } }

المعنى العام

نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى، وصدق الله العظيم حين يقول: { { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } } [النحل: 18] .
وحين يقول: { { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } } [لقمان: 20] .
ولكن الإنسان ينسى المنعم في الوقت الذي يتمتع فيه بنعمه، ويحسبها أحياناً وجهلاً أنها من حقه أو من كده وجهده، ولا يعترف بالحقيقة ولا يحس بقيمة النعمة إلا عند فقدها، وقديماً قيل: الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.

عندئذ يلجأ إلى ربه ويدعوه ويستغيث به، وصدق الله العظيم حيث يقول: { { وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون } } [النحل: 53، 54] .
وحيث يقول: { { وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل } } [الزمر: 8] .
وحيث يقول: { { ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور } } [هود: 9] .
نعم شاءت رحمة الله بعباده أن يذكرهم بنعمه بين الحين والحين بحجبها حجب نقصان { { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } } [الشورى: 30] شاءت رحمة الله بعباده أن يعيدهم إليه بعد ابتعاد، ويلجئهم إلى دعائه وندائه بعد نسيان، وأن يذكرهم بنعمه عن طريق الفقدان، إذ ليس من مصلحتهم دوام النعمة وبسطها { { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير } } [الشورى: 27] ومن مظاهر هذه الحكمة الجدب بعد الرخاء، والقحط بعد الغيث، ثم تعود الرحمة بالمطر.

إن الذين يعيشون على الغيث، وتقوم حياتهم على المطر يحسون الحاجة إليه أكثر من غيرهم، ويشعرون بتأخيره يوماً أو أياماً عن موعده ويتحرقون انتظاراً له، وهكذا كثير من أهل الأرض، ومن يستطيع إنزال المطر غير الله؟ { { وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد } } [الشورى: 28] .

لقد قحط العرب، وأجدبت أرضهم، وهلكت مواشيهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلب من ربه رفع البلاء، وإنزال الغيث، ولم يشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسارع بالدعاء قبل أن يستغيث الناس ويشعروا بالحاجة، ويعودوا إلى ربهم، ويحاسبوا أنفسهم، لقد صبر وصابر وهو يحس حاجة الناس وشدتهم حتى دخل عليه المسجد أعرابي، وهو صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي من العطش وانقطاع المرعى هلك العيال، وهلكت الناس من ضعف الأقوات بحبس المطر، وانقطعت الطرق لعدم سفر التجار بالأقوات.
انقطع المطر، وجف الشجر، فاستسق لنا ربك، ادع الله أن يسقينا.
فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه ورفع المسلمون أيديهم، قال: اللهم اسقنا.
وقال المسلمون: آمين.
وقال: اللهم اسقنا.
وقال المسلمون: آمين.

وكانت السماء صافية، لا يحجبها عن الرؤية بيت أو جبل أو شجر، لا يرى الناس فيها سحابة صغيرة، فما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءه حتى تجمعت السحب وثار السحاب كأمثال الجبال، وهطلت الأمطار كأفواه القرب، حتى صعب على المصلين أن يخرجوا من المسجد ليصلوا إلى بيوتهم، وظلت تمطر أسبوعاً حتى خشي على البيوت، فلما كانت الجمعة الأخرى دخل الرجل نفسه المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: يا رسول الله، كثرة المطر أضربنا، فلم تستطع المواشي أن ترعى، ولم يستطع التجار التنقل بالأقوات.
فادع لنا الله أن يمسك المطر، فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم اجعل المطر حوالينا بعيداً عن البيوت، اجعله على الجبال وقيعان الوديان التي تمسكه ليشرب الناس منه عند الحاجة، فأمسكت السماء عن المدينة، وظلت تمطر على الروابي.
ومرة أخرى قحط الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين إلى المصلى بالصحراء فرفع يديه بالدعاء، وصلى ركعتين للاستسقاء ثم خطب الناس، وأمرهم بالتوبة والتقوى وكثرة التضرع لله والدعاء، وهكذا شرعت صلاة الاستسقاء، وضرب صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في خشية الله والخوف من العقاب فكان ينزعج للسحاب حتى يمطر، فقد عذب به قوم من البشر، وينزعج للريح والعواصف فقد هلك بها قوم من البشر، فصلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

المباحث العربية

( عبد الله بن زيد المازني) وفي الرواية الثالثة الأنصاري قال الحافظ ابن حجر: راوي حديث الاستسقاء عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري الخزرجي، وراوي حديث الأذان عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي، وقد اتفقا في الاسم واسم الأب والنسبة إلى الأنصار، ثم إلى الخزرج والصحبة والرواية، وافترقا في الجد.

( فاستسقى) السين والتاء للطلب، أي طلب السقيا، والسقيا بضم السين الاسم من السقى.
قال الحافظ: والاستسقاء لغة.
طلب سقي الماء من الغير، للنفس أو للغير، وشرعاً: طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص.

( وحول رداءه) كان بعض لباس العرب من قطعتين.
إزار يلف حول الوسط فيستر من السرة أو ما فوقها بقليل إلى ما يقرب من القدم، ورداء وهو ما يستر النصف الأعلى.

وذكر الواقدي: أن طول ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع، وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر، كان يلبسهما صلى الله عليه وسلم في الجمعة والعيدين.
اهـ.

والمراد من تحويل الرداء جعل اليمين على الشمال، والشمال على اليمين كما جاء في بعض الروايات، وهذا هو المراد من قوله في الرواية الثانية: وقلب رداءه.
إذ جعل العطاف الأيمن على العاتق الأيسر، والعطاف الأيسر على العاتق الأيمن لا يكون إلا بقلب الباطن ظاهراً والظاهر باطناً، أو قلب الأمام خلفاً والخلف أماماً.

( عن عباد بن تميم عن عمه) عمه هو عبد الله بن زيد المازني الأنصاري السابق الذكر في الرواية الأولى.

( فجعل إلى الناس ظهره) هذا لازم للإمام إذا استقبل القبلة هو والناس.

( كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه) الاستثناء مقدم من تأخير، إذ المراد لا يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء، أما غير الاستسقاء فيرفع يديه لكن ليس حتى يرى بياض إبطيه.

( حتى يرى بياض إبطه أو بياض إبطيه) شك من الراوي عن أنس فيما قاله أنس.
والمعنى لا يختلف.

( أن رجلاً دخل المسجد) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه.
اهـ والمراد من المسجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

( من باب كان نحو دار القضاء) في رواية البخاري من باب كان وجاه المنبر أي في مواجهة المنبر.

قال النووي: قال القاضي عياض: سميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتبه على نفسه وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ماله، فإن عجز ماله استعان ببني عدي، ثم بقريش، فباع ابنه داره هذه لمعاوية، وكان يقال لها: دار قضاء دين عمر، ثم اقتصروا فقالوا: دار القضاء، وهي دار مروان.
اهـ وغرض الراوي من ذكر هذه العبارة التوثيق من الرواية بذكر ملابساتها.

( هلكت الأموال) المراد بها الماشية، كما هو لفظ بعض الروايات، وفي رواية هلكت الكراع بضم الكاف، ويطلق على الخيل وغيرها.

( وانقطعت السبل) وفي رواية وتقطعت والمراد بذلك أن الإبل ضعفت عن السفر لقلة القوت، أو لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيتها.
وقيل: المراد نفاد ما عند الناس من الطعام، أو قلته، فلا يجدون ما يحملونه وما يجلبونه إلى الأسواق.

( فادع الله يغثنا) بسكون الثاء مجزوم في جواب الأمر.
وفي رواية البخاري يغيثنا بالرفع، أي فهو يغيثنا، وفي رواية له أيضاً أن يغيثنا ويجوز ضم الياء الأولى على أنه من الإغاثة ويجوز فتحها من الغيث.
يقال: غاث وأغاث بمعنى.
وقال ابن دريد: الأصل غاثه الله يغوثه غوثاً فأغيث، واستعمل أغاثه.
اهـ.

( اللهم أغثنا) قالها ثلاثاً، وفي رواية للبخاري اللهم اسقنا كررها ثلاثاً.

( ولا -والله- ما نرى في السماء من سحاب) في رواية فلا والله وفي رواية وأيم الله.
والمراد نفي رؤية سحاب متجمع ممطر، لا مطلق سحاب ليصح عطف المغاير في قوله: ولا قزعة.

( ولا قزعة) بفتح القاف والزاي، أي السحاب المتفرق.
قال ابن سيده: القزع قطع من السحاب رقاق.
زاد أبو عبيد: وأكثر ما يجيء في الخريف.

( وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار) سلع بفتح السين وسكون اللام جبل معروف بالمدينة، وحكى أنه بفتح اللام.
أي نحن مشاهدون للجبل وللسماء، ولا يحجبهما عن رؤيتنا لهما بيت ولا دار، ولا نرى هناك سبباً ظاهراً للمطر أصلاً.

( فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس) أي مستديرة، ولم يرد أنها مثله في القدر، إذ جاء في رواية: فنشأت سحابة مثل رجل الطائر وأنا أنظر إليها.
قال الحافظ: فهذا يشعر بأنها كانت صغيرة.

( ثم أمطرت) قال النووي: هكذا هو في النسخ، وكذا جاء في البخاري أمطرت بالألف، وهو صحيح، يقال: مطرت وأمطرت لغتان في المطر: وقال بعض أهل اللغة: لا يقال: أمطرت بالألف إلا في العذاب، كقوله تعالى: { { وأمطرنا عليهم حجارة } } [الحجر: 74] .
قال: والمشهور الأول، ولفظ أمطرت تطلق في الخير والشر.

( ما رأينا الشمس سبتاً) أي قطعة من الزمان، والسبت القطع، والتعبير كناية عن استمرار الغيم الماطر، وهذا في الغالب، وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية، وقد تحجب الشمس بغير مطر.

قيل: المراد به الأسبوع، من تسمية الشيء باسم بعضه، كما يقال: جمعة.
وفي رواية: فمطرنا من جمعة إلى جمعة.
وفي رواية: فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد ومن بعد الغد، والذي يليه حتى الجمعة الأخرى.

( ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة) أي التي كانت مقبلة، وظاهر التعبير أن هذا الرجل غير الرجل الأول، لأن النكرة إذا أعيدت نكرة كان الثاني غير الأول، فربما ظن أنس ذلك بعض الوقت، حيث سئل: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري، وربما كان التعبير من غير الغالب لأن هذه القاعدة غالبية.

والراجح الأول، حيث جاء في رواية عن أنس: فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة الأخرى.
وهذه الرواية تقتضي الجزم بكون الرجل واحداً.
قال الحافظ ابن حجر: فلعل أنساً تذكره بعد أن نسيه، أو نسيه بعد أن كان تذكره.

( فاستقبله قائماً) قائماً حال من الفاعل أو من المفعول، وكل من الضمير المستتر والظاهر يصلح للرجل وللرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كل منهما كان قائماً مستقبل الآخر.

( هلكت الأموال) بسبب استمرار المطر، أي إن كثرة الماء منع الرعي فهلكت المواشي.

( وانقطعت السبل) بسبب كثرة الماء، فتعذر سلوكها، وفي رواية ابن خزيمة: احتبس الركبان.
وفي رواية للبخاري: تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، وهلكت المواشي.

( فادع الله يمسكها) يجوز في يمسكها الجزم والرفع، كما سبق في يغثنا.
وفي رواية أن يمسكها.
والضمير يعود على الأمطار، أو على السحاب أو على السماء، والعرب تطلق على المطر سماء وفي رواية أن يمسك عنا الماء وفي أخرى أن يرفعها عنا وفي ثالثة فادع ربك أن يحبسها عنا، فضحك وفي رواية فتبسم صلى الله عليه وسلم.

( اللهم حولنا ولا علينا) في بعض النسخ حوالينا قال النووي: وهما صحيحان.
اهـ.

وهو معمول لمحذوف، تقديره: اجعل أو أمطر، والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور.

وفائدة ذكر ولا علينا بعد ما قبله بيان المراد منه، إذ ما حولهم يشمل الطرق التي حولهم، فأراد إخراجها بقوله ولا علينا.
ذكره الحافظ ابن حجر.

( اللهم على الآكام) فيه تحديد المراد بقوله: حوالينا ولا علينا والإكام بكسر الهمزة، وتفتح وتمد آكام جمع أكمة، بفتح الهمزة والكاف والميم، وهي التراب المجتمع.
وقيل: الهضبة الضخمة، وقيل: الجبل الصغير.
وقيل: ما ارتفع من الأرض دون الجبل وأعلى من الرابية.

( والظراب) بكسر الظاء، واحدها ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي الروابي الصغار.

( وبطون الأودية) أي منخفضات الأودية التي يتجمع فيها الماء لينتفع به.

( فانقلعت) وفي بعض النسخ فانقطعت أي السماء، أو السحابة الماطرة أي أمسكت عن المطر على المدينة، وفي الرواية العاشرة فتقشعت أي زالت، وفي الرواية الحادية عشرة فرأيت السحاب يتمزق.
وفي رواية للبخاري فلقد رأيت السحاب ينقطع يميناً وشمالاً يمطرون -أي أهل النواحي- ولا يمطر أهل المدينة.
وفي رواية له فجعل السحاب يتصدع عن المدينة.
وفي الرواية التاسعة فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرجت أي انقطعت السحابة وزالت.

( أصابت الناس سنة) بفتح السين والنون، أي جدب وقحط.

( حتى رأينا المدينة في مثل الجوبة) بفتح الجيم، وهي الحفرة المستديرة الواسعة، والمراد بها هنا الفرجة في السحاب.

( وسال وادي قناة شهر) بفتح القاف، اسم لواد من أودية المدينة، وعليه زروع لهم، بناحية أحد، أي الوادي المسمى قناة، وفي البخاري وسال الوادي قناة وهو صحيح على البدل، وفي رواية للبخاري وسال الوادي قناة شهراً.

( إلا أخبر بجود) بفتح الجيم، وإسكان الواو، وهو المطر الغزير.

( فقام إليه الناس فصاحوا) هذا لا يعارض سؤال الرجل، لاحتمال أن يكونوا سألوه بعد أن سأل، ويحتمل أنه نسب ذلك إليهم لموافقة سؤال السائل ما كانوا يريدونه، وعند أحمد: إذ قال بعض أهل المسجد.
وهي ترجح الاحتمال الأول.

( قحط المطر، واحمر الشجر) قحط -بفتح القاف وفتح الحاء وكسرها- أمسك، واحمرار الشجر كناية عن يبس ورقه، لعدم شربه الماء، أو لتساقط الورق، فيصير الشجر أعواداً دون ورق أخضر.

( فنظرت إلى المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل) بكسر الهمزة وسكون الكاف العصابة، واشتهر لما يوضع على الرأس فيحيط به، وهو من ملابس الملوك كالتاج، والمراد خلو ما فوق المدينة من السحاب وإحاطته بها من جوانبها وحواليها، وفي رواية لأحمد: فتقور ما فوق رءوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل.

( فألف الله بين السحاب) أي جمعه ليمطر عليهم.

( ومكثنا) يحبسنا المطر، وفي رواية البخاري: فمطرنا فما كدنا نصل إلى منازلنا.
أي من كثرة المطر.

( حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه يأتي إلى أهله) قال النووي: ضبطناه بوجهين، فتح التاء مع الهاء، وضم التاء مع كسر الهاء، يقال: همه الشيء وأهمه، أي اهتم له، ومنهم من يقول: همه: أذابه، وأهمه: غمه.
اهـ.

والمعنى أن كثرة المطر حالت دون وصولهم إلى بيوتهم حتى اهتم القوي -ومن باب أولى الضعيف- كيف سيصل إلى أهله.
ولابن خزيمة: حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أهله.
أي وفضلاً عن العجوز وبعيد الدار.
وفي رواية للبخاري: فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا.

( فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى) الملاء بضم الميم وبالمد الواحدة ملاءة بضم الميم وهي ثوب معروف، والمعنى تشبيه انحسار السحاب بالملاءة تطوى بعد أن كانت منشورة مبسوطة.

( فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر) أي كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بدنه يرفع ثوبه حتى أصاب بدنه بعض المطر.

( قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى) أي هذا الماء قريب عهد بخلق الله تعالى، لم تتصل به يد مخلوق.

( عرف ذلك في وجهه) أي عرف أثر ذلك، أي أثر خوفه واهتمامه في وجهه الشريف.

( وأقبل وأدبر) كما يفعل المهموم، يتقدم ويتأخر دون قصد المشي.

( سر وذهب عنه ذلك) أي حصل له سرور بالمطر، وذهب عنه الهم والخوف.

( رحمة) أي يقول عن المطر: هذا رحمة.

( وإذا تخيلت السماء تغير لونه) المخيلة سحابة فيها رعد وبرق، يخيل للرائي أنها ماطرة ويقال: أخالت السماء إذا تغيمت.

( مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته) المستجمع: المجد في الشيء القاصد له.
واللهوات: جمع لهاة، وهي اللحمة الحمراء في سقف الحنك.
أي ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالغاً في الضحك يفتح فمه به حتى يظهر سقف حلقه.

( نصرت بالصبا.
وأهلكت عاد بالدبور)
الصبا بفتح الصاد، الريح الشرقية اللينة.
والدبور بفتح الدال، الريح الغربية الجافة الحارة.

فقه الحديث

قال النووي: أجمع العلماء على أن الاستسقاء [أي طلب المطر من الله عند الجدب] سنة، واختلفوا هل تسن له صلاة؟ أو لا؟ فقال أبو حنيفة: لا تسن له صلاة، بل يستسقى بالدعاء بلا صلاة، وتعلق بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة [كروايتنا الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة، وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم استسقى وطلب من الله المطر في خطبة الجمعة، ولم يحدث صلاة خاصة بالاستسقاء] قال: وقال سائر العلماء من السلف والخلف: تسن الصلاة.
واحتجوا بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما [كروايتنا الثانية والرابعة وفيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى وصلى ركعتين للاستسقاء] قال: وأما الأحاديث التي ليس فيها ذكر الصلاة فبعضها محمول على نسيان الراوي [كروايتنا الأولى والثالثة، وفيهما الخروج والدعاء وتحويل الرداء، وليس فيهما ذكر للصلاة، لكن يقوى كلام النووي أن الراوي الذي لم يذكر الصلاة في روايتين هو نفسه الذي ذكر الصلاة في روايتين.
مما يؤكد أن ترك الصلاة في روايتيه من قبيل النسيان أو الاكتفاء بذكر بعض ما حدث]
وبعضها كان في الخطبة للجمعة، ويعقبه الصلاة للجمعة، فاكتفى بها.

ولو [فرضنا أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى مرة بالدعاء] لم يصل أصلاً كان بياناً لجواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة، ولا خلاف في جوازه، وتكون الأحاديث المثبتة مقدمة، لأنها زيادة علم، ولا معارضة بينهما.

ثم قال: قال أصحابنا: الاستسقاء ثلاثة أنواع:

أحدها: الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة.

الثاني: الاستسقاء في خطبة الجمعة، أو في أثر صلاة مفروضة وهو أفضل من النوع الذي قبله.

الثالث: وهو أكملها: أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين، ويتأهب قبله بصدقة وصيام وتوبة وإقبال على الخير، ومجانبة الشر، ونحو ذلك من طاعة لله تعالى.

ثم قال: وصلاة الاستسقاء ركعتان، وهو كذلك بإجماع المثبتين لها، واختلفوا هل هي قبل الخطبة؟ أو بعدها؟ فذهب الشافعي والجماهير إلى أنها قبل الخطبة.
قال الليث: بعد الخطبة.
وكان مالك يقول به، ثم رجع إلى قول الجماهير.
قال أصحابنا: ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا، ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها، وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم والتأخير.

قال: واختلف العلماء هل يكبر تكبيرات زائدة في أول صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد؟ فقال به الشافعي.
وقال الجمهور: لا يكبر.
واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك.
ولم يذكر في رواية مسلم الجهر بالقراءة، وذكره البخاري، وأجمعوا على استحبابه، وأجمعوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام لكن يستحب أن يقال: الصلاة جامعة.
انتهى بتصرف.

ويؤخذ من الأحاديث:

1- استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء، لأنه أبلغ في إظهار الافتقار والتواضع، ولأنها أوسع للناس، إذ المفروض خروجهم كلهم، فلا يسعهم الجامع.

2- تحويل الرداء والجمهور على استحباب التحويل، واستحب الجمهور أيضاً أن يحول الناس رداءهم بتحويل الإمام، ويشهد له ما رواه أحمد بلفظ: وحول الناس معه.
وقال الليث وأبو يوسف: يحول الإمام وحده.
وعن أبي حنيفة وبعض المالكية: لا يستحب شيء من ذلك.

واستثنى ابن الماجشون النساء، فقال: لا يستحب في حقهم.
وظاهر الرواية الثانية: فاستسقى واستقبل القبلة، وقلب رداءه.
أن التحويل وقع بعد فراغ الاستسقاء، والرواية الثالثة صريحة في ذلك، ولفظها: وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه.

واختلف في حكمة هذا التحويل، فجزم المهلب بأنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه.
وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه.
قال: وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه، قيل له: حول رداءك ليتحول حالك.
اهـ قال الحافظ ابن حجر: والحمل على المعنى الأول أولى، فإن الاتباع أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص.

3- واستحباب استقبال القبلة عند الدعاء، ويلحق به الوضوء والغسل والقراءة والأذكار والأذان وسائر الطاعات إلا ما خرج بدليل كالخطبة ونحوها.

4- ومن الرواية الثانية والرابعة تقديم الخطبة على صلاة الاستسقاء.

5- ومن الرواية الخامسة والسادسة استحباب رفع اليدين عند الدعاء.
وقال جماعة من الشافعية وغيرهم: السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء عملاً بهذا الحديث.

6- ومن الرواية الثامنة جواز مكالمة الإمام في الخطبة للحاجة.

7- والقيام في الخطبة.

8- وأنها لا تنقطع بالكلام.

9- وقيام الواحد بأمر الجماعة، وإنما لم يباشر ذلك بعض أكابر الصحابة لأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم، وترك الابتداء بالسؤال، ومنه قول أنس: كان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

10- ومشروعية سؤال الدعاء من أهل الخير ومن يرجى منه القبول.

11- وأن من أدب سؤال الدعاء بث الحال قبل الطلب لتحصيل الرقة المقتضية لصحة التوجه فترجى الإجابة.

12- وأن على الإمام إجابة السؤال.

13- استحباب الاستسقاء في خطبة الجمعة، والدعاء به على المنبر، ولا تحويل فيه، ولا استقبال.

14- جواز الاستسقاء منفرداً من غير صلاة.

15- تكرير الدعاء ثلاثاً.

16- واستدل به على الاكتفاء بدعاء الإمام في الاستسقاء، وتعقب بأن الناس كانوا يؤمنون فهم يدعون معه.

17- وفيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام متصلاً.

18- وأن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل.

19- وفيه الأخذ بالأسباب والمبادرة بالدعاء والاستغاثة عند الحاجة.

20- جواز الدعاء بالاستصحاء وطلب انقطاع المطر، ولا تشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء.

21- وفيه الأدب في الدعاء، حيث لم يدع صلى الله عليه وسلم برفع المطر مطلقاً لاحتمال الاحتياج إلى استمراره فاحترز فيه بما يقتضي رفع الضرر وإبقاء النفع.

22- وأن من أنعم الله عليه بنعمة لا يصح أن يتسخطها لعارض يعرض فيها، بل يسأل الله رفع ذلك العارض وإبقاء النعمة.

23- ومن الرواية العاشرة جواز الصياح في المسجد بسبب الحاجة المفضية لذلك.

24- ومن الرواية الثانية عشرة أنه يستحب عند أول المطر أن يعرض المسلم بعض جسمه له، ويكشف غير عورته ليناله المطر.

25- وأن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئاً لا يعرفه سأله عن سره ليعلمه فيعمل به ويعلمه غيره.

26- ومن الرواية الثالثة عشرة تتبين شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته.

27- وما يقال من الذكر عن نزول المطر.

28- ومن الرواية الرابعة عشرة ما يقال من الدعاء إذا عصفت الريح.

29- وما يقال عند الغيم.

30- ومن الرواية الخامسة عشرة أدب الرسول صلى الله عليه وسلم وضحكه.

والله أعلم